المشهد الشعري السوري11 خدعة الغامض لفرات إسبر

أديب حسن محمد

الحوار المتمدن-العدد: 1488 - 2006 / 3 / 13 - 09:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

خدعة الغامض لفرات إسبر
ـــــــــــــــــــــ
ثمة العديد من الأصوات الأنثوية في فضاء قصيدة النثر السورية،الكثير منها يعتمد على عوامل خارج إبداع النصوص مثل المورفولوجية الأنثوية والعلاقات الصحفية والإعلامية من خلال الأزواج أو الخلان،والقليل القليل من الأصوات الأنثوية ينفذ من هذا الغربال الماكر،ومن أبرز الأسماء التي اعتمدت على رحيق النصوص وعلى الموهبة الواضحة في حقل قصيدة النثر الشاعرة فرات إسبر التي قدمت في باكورة تجربتها مجموعة نثرية مهمة هي"مثل الماء لا يمكن كسرها" وتطل علينا الآن بمجموعتها الثانية"خدعة الغامض"الصادرة تواً عن دار التكوين بدمشق،وإذا كانت الأنثى عادة لا تكاد تفصل الشعر عن تبعات العاطفة الأنثوية الجامحة،فإن فرات تحافظ على مسافة بينها وبين الأشياء بحيث تستطيع التأمل في أبعاد كينوناتها قبل نقلها للنص وهي مكللة ببريق الخيال الشعري،وبحيث تري القارئ لون الضوء في الكلمات،وتستدرجه إلى متعة المعنى الموارب،تقول في نص عنوانه"من دخل قلبي فهو آمن":
"الرجل الذي تعرفه الجِمال
في الصحراء وجهاً لوجه
أحْكم التاريخُ على عنقه وامتطاه
من قال للعابر
هذا ما تركه الأجداد؟
هذه الجمال تمضي
وتترك وراءها الرمل".....ص7
إن ثنائية الضوء والعتمة تشكل ظاهرة بنيانية أساسية في تجربة الشاعرة فرات إسبر فهي مولعة بالعزف على وتر هذين المتناقضين الأزليين،وهي معنية بلحظة انبثاق الضوء الأول من لدن العتمة الأولى،فهي عندما تصف شريكها في ألم الوجود تقول:أنت يوم عاصف بالضوء.
وتقول في مكان آخر:
"أعلم أنك تأتي
من كل الجهات
ما يضيء منك..يزيد عتمتي"...ص83
وعندما تهدهد قلبها تقول:نمْ في نعيم الضوء يا قلبي.
وتسمع صوت الريح وهي تقول:
أزلت العتمة من طريقي
لا تفتحي الحقائب
سأعود أول الضوء.....ص34
وهذا قد يفسر اللغة الجميلة الحزينة المؤثرة التي كتبت بها قصيدتها(إلى أين ستأخذني) فهي كأنثى مولعة بالضوء والحياة،تنهشها هواجس الرحلة المجهولة التي ستنقطع بها عن كينونتها الدنيوية التي ألفتها بحلوها ومرها:
"إلهي..عندما أخلع ثيابي
وحذائي
وأتمدّد في الصندوق الخشبي المستطيل
ويحملني أقاربي
أو أصدقائي
أو الغرباء
أو لا أحد
إلى أين ستأخذني؟؟"......ص45
إن فرات تطلق الأنثى التي بداخلها لتداهم كل التفاصيل البسيطة التي تتعمد الحياة نسيانها على رفوف عمرها،تحاول بحواس يقظة مسح الغبار عن أيقونات الدهشة المعلقة في سماء الروح كتمائم معطوبة عاطلة عن استمالة البخت،تحاور فرات كل الطيوف وكأنها عرابة الغائبين:
"البارحة شيعتهم بلا أسماء
الأطفال الذين كانوا معي يلعبون
الغيم الذي كان يمشي فوق رأسي
الصوت...الصوت الذي كنت أتبعه
لم ألحق به
غادرني إلى صدى آخر
في انحناء المسافات"....ص80
ولا تنفصم فرات عن العاشقة التي تنتظر من ينتشلها من وله مزمن،فهي قلب يخفق بحب الكون،وبوصلة تشير إلى الضوء..الضوء..والضوء فقط:
"إني أراك نهراً يقطع أيامي
ويعبر
تاركاً خلفه
امرأة تحيا في أقصى الوله."....ص75
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب:خدعة الغامض ـ شعر
فرات إسبر
دار التكوين دمشق
الطبعة الأولى ‏2006

#أديب_حسن_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات