أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عماد صالح - اطروحات الفيلسوف -ريجيس دوبريه- حول القضية الفلسطينية (1-2)















المزيد.....


اطروحات الفيلسوف -ريجيس دوبريه- حول القضية الفلسطينية (1-2)


عماد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5838 - 2018 / 4 / 7 - 01:09
المحور: القضية الفلسطينية
    



غزة، سجن
يقول "دوبريه": هذا المخيم هو أكبر سجن على الكرة الأرضية. مهمل و مخيف، ويؤسس التهيئة للموت، اقفلوا عليه من الخارج، اقفلوا نوافذه وأبوابه. مطوق من ناحية البر والبحر والسماء، ومغلق بشكل كلي كأن الجحيم معدّ له.. ويتابع قائلا.. كان عدد سكانه 70000 نسمة في عام 1948 وأصبح 550000 نسمة في عام 1984 خلال الزيارة الأولى. والآن يسكنه مليون ونصف مليون إنسان، خلال نصف قرن. ويختم كلامه عن غزة بهذه العبارة: الموت وحده هو ضمانة الحياة للمعذبين. ويؤكد أنه: طالما لا يوجد مستقبل له ولا يستطيع ارتسام أي مصير عبر الزمان، وطالما كل يوم يشبه اليوم الذي مضى، في اللحظة الاخيرة يمكن اعطاء معنى لهذا العبث

يتوجه "ريجيس دوبريه" الى الراي العام الفرنسي والاوروبي والذي للأسف يفتقر الى الكثير من المعلومات والتحليل حولها، كي يشكل رأيا أو وجهة نظر عن الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، واهمية ذلك تكمن في غياب الإعلام الحقيقي والكامل عن القضية الفلسطينية، وغياب شبه كامل - وجود هامشي- لإعلام عربي حقيقي. لذلك تعتبر كتابات "دوبريه" خطوة جريئة وشجاعة وغير معتادة في أوروبا وخاصة في فرنسا، وذلك بسبب سيطرة اللوبيات المناصرة لإسرائيل على الميديا بالشكل العام.
وكما يعرف الجميع أن الرأي العام في أوروبا منذ عشرات السنوات و خاصة بعد المحرقة النازية "الهولوكوست" يتعاطف مع إسرائيل ومع ضحايا المحرقة. اضافة الى أن الكثير من الكتاب و الفنانين والفلاسفة الذين لهم مساهماتهم وأدوارهم في الشرح من خلال الصحافة و التلفزيون يعبرون عن تعاطفهم مع دولة اسرائيل مع معرفتهم القليل والسطحية عن ممارساتها الاحتلالية تجاه الشعب الفلسطيني، ويذكر أنه من النادر جدا أن تدعو الميديا في فرنسا وأوروبا بالشكل العام المفكرين من العرب والفلسطينيين لإعطاء وجهة النظر الأخرى والتي تتعارض مع الطرح الصهيوني. وبكل بساطة يمكن القول ان هذه هي صورة الفكر السائد في كل أوروبا تقريبا وذلك كما سبق أن قلنا أنه ناتج عن وجود لوبيات تتنطح للدفاع عن وجهة النظر الاسرائيلية وتعمل على نشر أفكار وأراء تعطي فيها الدوري الجميل لإسرائيل والوجه السلبي المشوه عن الشعب الفلسطيني.
الموضوع الاساسي هو كيف تسير ميكانيكية "Le mécanisme " الميديا في فرنسا واوروبا؟
في ظل هذا الغياب العربي و التقدمي أتت كتابات "ريجيس دوبريه" الجريئة و الشجاعة كنقطة ضوء ومنارة في مساحة واسعة من الظلام الذي يغطي الساحة الفكرية، مما جعل هذا المفكر الفرنسي يستحق كل الاحترام والتقدير العالي لمساهماته الفكرية على هذا الصعيد. وهذه المقالة تتطرق إلى اطروحات "دوبريه" وهي:
1. غزة ومعاناة الشعب الفلسطيني.
2. القمع و الجرح الفلسطيني.
3. موقف الميديا فرنسية
4. الخوف الاسرائيلي.
5. موقع الدبلوماسية في فرنسا.
6. الدولة الفلسطينية.. إلى متى؟
7. عن المعاداة للسامية والهولوكوست.
8. الدولة الفرنسية و التعليم الخاص للأقليات الدينية.
9. موقع وزراء ودبلوماسية فرنسا.
10. الدعم الامريكي لإسرائيل.
11. عن أوروبا وأمريكا وفلسطين.
12. أين أصبحت عملية السلام؟
13. الدوري الاوروبي الغامض.
14. الدولة والدين.
حاولت كل الجهد إعطاء الكلام والدور الاساسي للمفكر والفيلسوف "دوريه". كما حاولت أيضا أن أختصر ما أمكنني بشكل واضح ودقيق. ففي هذه الكتابات سوف نجد أننا نعرف منها الجزء الكبير لكن الجزء الأهم لا نعرفه حقيقة. والمثال على ذلك هو كيفية سيطرة اللوبيات على الحكومات و الوزراء و حتى الميديا.. إلخ.. وكيف تسير الديبلوماسية الفرنسية والأوروبية تجاه القضية الفلسطينية وما هي حقيقتها؟..



نبذة عن المفكر والفيلسوف دوبريه
يعتبر المفكر "ر. دوبريه" من الفلاسفة المعاصرين الذين يعتد بهم في فرنسا وأوروبا، حيث ولد في 2 ايلول عام 1940، درس الفلسفة والسياسة باكرا و انتمى الى الماركسية، شارك مع "تشي جيفارا" في بوليفيا عام 1967 وقُبض عليه في تشرين الاول من ذات العام، إلى أن تدخل الفيلسوف الفرنسي "جان بول سارتر" لدى الرئيس الفرنسي الراحل "شارل ديغول" والذي تدخل بدوره لدى السلطات البوليفية وعمل على اطلاق سراحه في عام 1970، ومنذ ذاك الوقت كرس "دوبريه" جل وقته للكتابة وتحليل مجريات العصر بتطوراته وتغيراته في أوروبا و العالم. كما عمل "دوبريه" مستشارا في عهد الرئيس "فرانسوا ميتران" وبعدها صار مستشارا في عهد الرئيس "جاك شيراك" الديغولي. ولا يزال يتجول في العالم ليرى مشكلاته والتغيرات التي تحدث فيه، معرفا بنفسه بالمعنى الفكري بأنه الديغولي اليساري.
زار الفيلسوف "دوبريه" الشرق الاوسط عدة مرات و خلالها زار فلسطين واسرائيل، وكانت حصيلة هذه الزيارات كتابين، أولهما بعنوان "ساذج في الأرض المقدسة" طبع في عام 2008 عن دار النشر "غاليمار- Gallimard" وفيه يتحدث عن رؤيته للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي. والكتاب الثاني هو عبارة عن تحليل واسع حول القضية الفلسطينية وعنوانه "رسالة الى صديق اسرائيلي" وفيه يتطرق الى سياسات وممارسات دولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني حيث طبع هذا الكتاب في دار نشر "فلاماريون- Flammarion".
في هذين الكتابين أخذ "ريجيس دوبريه" على عاتقه الدفاع عن فلسطين و حقوق الشعب الفلسطيني وإدانة السياسات القمعية والاستعمارية لدولة اسرائيل.



الحديث عن غزة و معاناة الشعب الفلسطيني
يقول "دوبريه": هذا المخيم هو أكبر سجن على الكرة الأرضية. مهمل و مخيف، ويؤسس التهيئة للموت، اقفلوا عليه من الخارج، اقفلوا نوافذه وأبوابه. مطوق من ناحية البر والبحر والسماء، ومغلق بشكل كلي كأن الجحيم معدّ له.. ويتابع قائلا.. كان عدد سكانه 70000 نسمة في عام 1948 وأصبح 550000 نسمة في عام 1984 خلال الزيارة الأولى. والآن يسكنه مليون ونصف مليون إنسان، خلال نصف قرن - الصفحة 70 و71 - . ويختم كلامه عن غزة بهذه العبارة: الموت وحده هو ضمانة الحياة للمعذبين- صفحة 72-. ويؤكد أنه: طالما لا يوجد مستقبل له ولا يستطيع ارتسام أي مصير عبر الزمان، وطالما كل يوم يشبه اليوم الذي مضى، في اللحظة الاخيرة يمكن اعطاء معنى لهذا العبث-صفحة 72-.
ويصف كيف أصبح المجتمع الغزاوي المهمش في الحياة، والحاوي على كل هذا البؤس وكأنه في حالة تحلّل لعدم وجود عمل وغياب الأمل وعدم القدرة على التنفس. فأي مجتمع لا يستطيع التنفس تنقص فرصه في الحياة..
ويتحدث "دوبريه" عن إسرائيل قائلا: في إسرائيل الدين مندمج في الأمة، والإثنان لهما نفس القامة- صفحة 136-.. ويذكر ما كتبه "هرتسل": الحاخامات في المعبد والعسكر في الثكنة، لكن المعابد اكتسحت الثكنات و الثكنات في الحكومة- صفحة 164-.. والسؤال هو هل توجد هوية يهودية خارج الدين؟.. هذا كان أمل الصهاينة في البداية لكن الحقيقة تجيب بـ"لا".. وهنا المقصود كيف اندمج الدين مع الدولة و نتج عن هذه عن هذا الاندماج الاحتلال وخنق الشعب في غزة والضفة وغياب الامن والأمل والحلول السياسية.



جرح الاحتلال والقمع
جروح القابعين تحت الاحتلال تندمل رويدا رويدا، ولكن لديها ذاكرة أطول من ذاكرة المحتل، وهذه الذاكرة هي السلاح الخفي، هي قوة الضعيف حيث لا ينتفع ضدها الصاروخ ولا كل القاصفات وكل هذا السلوك لن يعمل إلا على تقويتها أكثر- صفحة 178-.
يذكر "ريجيس دوبريه" آلة القمع الاحتلالي ويصفها بـ"البلدوزر" ويقارنها بالآلة العسكرية الرومانية كقوة قامعة ويقول: لن أنسى أن هذا البلدوزر يحطم البيوت الفلسطينية و ذنبها انها استقبلت او آوت "إرهابي/مناضل" البلدوزر وهو آلتهم للحرب و القمع- صفحة 299-.
وسبق أن صرح "دوبريه" على شاشة تلفزيون البرلماني في فرنسا امام الصحفي "جان بيير الكاباش" أن اسرائيل هي في صدد التحول الى بلد كولونيالي- الاستعماري.. و يضيف أيضا إلى أن الاسرائيليين مصابون بالطرش لأنهم لا يصغون للعالم.



الخوف الاسرائيلي
أي شعب مهما كان، لا يستطيع ان يعيش بالخوف المستمر إلى الأبد. بهذا الخصوص يقول "ريجيس دوبريه": عندما سيشفى الاسرائيليون من الخوف نكون قد أنهينا نصف الطريق، وهذا ينطبق بنفس الطريقة على الفلسطينيين.. والذين يقول "محمود درويش" عنهم أنهم يخافون من هذا الخوف وعندهم كل الاسباب لذلك- صفحة 206-
"يجب ان نكون حذرين من الذين تألموا كثيرا" يقول "فولتير" الفيلسوف الفرنسي في القرن الثامن عشر. ويقول "دوبريه" على هذا الصعيد: "في كل مقموع يغفو قامع، يستيقظ عند تحرره"- صفحة 335- .. "محاط بكل الفضائل التي تحيط بالضحية التي نجت من الكارثة، وسيكون له المتعة لقلب الوضع لصالحه"- صفحة 337-.



في قلب الأزمات - موقف الميديا الفرنسية
يقول الفيلسوف "دوبريه": "في قلب الأزمات وطالما لم تحسم القضية الفلسطينية فإن الشرق الأوسط لن يعيش بسلام". ويضيف: "في البداية تقوم إسرائيل بمصادرة الأراضي والمساكن فلسطينية. في تجاهل المجتمع الغربي حيث لا يشعر بالفلسطينيين وقضيتهم الشرعية لأن الإعلام في الغرب لا يتحدث عنهم وعن معاناتهم. ذلك أن الفلسطيني وحسب الإعلام هو فكرة مجردة ولا تصبح حقيقة واقعة إلا عندما تحدث عملية اعتداء"- صفحة 355- انظر أيضا صفحة 356..
كيف يتم ذلك وكيف توظف آلية الميديا في فرنسا وأوروبا؟.. وكيف تفكر الدبلوماسية الفرنسية والأوروبية؟.. ما هو انعكاس مواقفها في الميديا المرئية والمسموعة والمكتوبة؟.. ما هو موقع الدبلوماسية في اوروبا وفي الشرق؟
دائما نستغرب من الموقف المتذبذب الأوروبي من الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وهذا يدعونا للبحث دائما من أجل إيجاد أجوبة حول نمط التفكير الحالي والمعاصر في الذهنية الأوربية، وكذلك يقف الفيلسوف "دوبريه" متسائلا: لماذا تتصرف الدبلوماسية الأوروبية على هذا النحو بمواقف غير واضحة ومتذبذبة؟.... نحن الآن في لب الموضوع ونشتكي من ذلك.. وفي موضع آخر يأتي جواب "دوبريه" عن هذا الموضوع بعد عدة لقاءات مع دبلوماسيين فرنسيين والحوار معهم خلاله سنوات بأن الملف الفلسطيني في العمق مغلق وليس أمامهم سوى تذويبه بشكل لائق ومقبول للمشهد العام"- صفحة 376- حيث لا يجرؤ أحد بقول ذلك علنا. وكانت حجة الدبلوماسيين كما يقول "دوبريه" بأنهم لا يريدون قتل الأمل.. لماذا؟..
كما تمشي دبابة الدولة على الغيوم، هكذا تسير مركبة الدبلوماسية. فالإمساك بالواقع غير ممكن نظرا لهشاشة الأرض، فالعطل يجب أن لا يتوقف لأن في استمراره لا أحد سوف يكسب، والخلل سيبقى قائما وشيئا فشيئا ربما سيزداد.. ومن هنا يجب أن يسبق التفكير العمل و الفاعلية و هذا ليس خيالا بل هو منطق الأشياء الحقيقة في الوجود ومن هنا وجدنا أن "دوبريه" قد تلمس هذه الحقيقة من خلال الاجواء التي عايشها في الوزارات وفي مؤسسات الدولة، والتي خالطها كمستشار لرئيس الدولة- صفحة 376-. كل ذلك يتم الآن لأن رجال الدبلوماسية ليس لديهم الوقت ولا الإمكانيات للتعمق في الأمور.. "وأضيف ليس عندهم الرغبة لذلك".. فالتقرير المعد لا يجب ان يحتوي على اكثر من صفحة ونصف الصفحة حتى يقرأه الرئيس. "فالرغبة في الحقيقة تؤدي الى الهوة، والفكر هو فضيلة الشيوخ"- صفحة 376-.
بعض الأسباب الحقيقية لضعف مواقف الدبلوماسية الفرنسية والأوروبية يتلخص في:
ضعف أوربا وتخليها عن مبادئها التي ساهمت في بنائها، والذي بدوره أدى إلى ضعف وغياب الوضوح في سياسة خارجية واضحة وطموحة تدعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها على أسس الحرية والعدالة. وهذا الغياب في السياسة الخارجية أدى إلى فراغ عملت الولايات المتحدة الأمريكية على ملئه وفق منظورها وأتت النتيجة بالهرولة خلف الإدارة الأمريكية وتبني معظم مواقفها. ولكن يبقى الدور الأهم على الصعيد الفلسطيني والذي يتمثل بغياب قيادة موحدة عن الكل الفلسطيني وغياب مشروع وطني كامل وواضح المعالم وفق استراتيجية وفهم وطني عميق واضح المعالم على المدى القريب والبعيد. وهذا يترافق مع غياب دور القانون الدولي الذي يفرض سلطته على الجميع دون تمييز ومع عدم وضوح إمكانية وجود ميكانيكية عادلة تسعى إلى تطبيقه. كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى استمرار الوضع مترافقا مع وجود دول عربية لا سياسة لها سوى شهوة السلطة والمال وقمع شعوبها.



الدولة الفلسطينية.. إلى متى؟
"لا يوجد مكان لهذه الدولة"- صفحة 375- هذا ما يقوله "دوبريه" ويؤكد أنه علم ذلك عبر أعلى المناصب في الدبلوماسية ويضيف "ليس جيدا أن يقال ذلك" فنقل هذه الاشياء صحيح اي أن القضية هي قضية فلسطين- صفحة 375-. ويتابع بأن الملف الفلسطيني في حقيقة الأمر أغلق ولم يبق سوى وضعه في المشهد لتذويبه - صفحة 376-... لكن لماذا؟ و كان الجواب "من يريد قتل الأمل" - صفحة 376-. و هكذا تسير الدبابة الدبلوماسية منذ زمن طويل.. لكن ما هي الاسباب الحقيقية لهذا الموقف؟
وينهي "دوبريه" كتابه "ساذج في الأرض المقدسة" ببعض الخلاصات ومنها:
"كل ما يوجد من البربرية على هذه الأرض ذات الحضارة العالية هو من نتاج الانسان، والذي يخلع قناع البربرية عن نفسه فإنه سوف يرى نفس الشيء الذي يرى فيه ذاته و يرى نفس الشيء الذي يراه في ربه.. هل يكمن السبب في المرآة؟.. أو نحن غير جميلين بهذه الرؤية"- صفحة 437 و 436-.
أما في كتابه الثاني والمعنون بـ"رسالة الى صديق اسرائيلي"، والذي صدر في عام 2010 عن دار "فلاماريون- Flammarion" للنشر، يتصدى الكاتب "دوبريه" فيه من خلال رسالة تبدو شخصية كان قد وجهها الى السفير السابق لإسرائيل في فرنسا "إيلي برنافي". لكن من الواضح ان هذه الرسالة تتوجه أيضا الى الرأي العام الاسرائيلي والفرنسي وببعد آخر إلى العرب والفلسطينيين بشكل الخاص. وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب، حيث أنه كتاب جريء ويقول بكل وضوح وصراحة ما حقيقة القضية و كيف يمكن تفسير و تحليل الوضع الفلسطيني والاسرائيلي في الماضي والحاضر، ويقدم بعض الإشارات عن مستقبل ليس بسعيد، ويتنبأ حسب الأوضاع الحالية والمعطيات التي يعرفها بضرورة الإسراع بحل القضية الفلسطينية.. مقدما تفسيرات معاصرة والتي تقود للقول بأن الإدارة والقيادة الاسرائيلية غير راغبة في إحلال السلام، وهذا ناتج عن الدعم غير المحدود وغير المشروط من قبل الإدارة الأمريكية.



عن المعاداة للسامية والهولوكوست

"إن كان الفكر قد تصور هذه الدولة - الأمة لكن في الواقع الهلوكوست هي من ولدتها" "ريجيس دوبريه"- "ساذج في الأرض المقدس"- صفحة 287-
يقول "دوبريه": "ان المكانة الخاصة للمعاداة للسامية على مسرح فضائلنا يعود إلى خصوصية المحرقة "الهلوكوست" وهذه أولوية الشرف". والمقصود هنا موقف فرنسا العلماني حيث ان الجمهورية الفرنسية نظريا هي جمهورية علمانية لا تعترف بالعبادات لكن في الواقع تضع بعناية تدرجا لاعترافها بالمناسبات والأماكن الدينية وهذا يبدو جليا من خلال احتفالات الدولة بالمناسبات الدينية"- صفحة 40-. ويتابع بالقول: "خلال يوم "كيبور" نرى أشتاتا من الوزراء وممثلي المعارضة يتوجهون إلى المعبد اليهودي، بينما في عيد رمضان نجد في الجامع الكبير في باريس نوعين من الاستقبال الاول يتمثل بوزير الداخلية والطقوس الدينية والثاني يتمثل باستقبال محافظ مدينة باريس. أما على مستوى الكنيسة المسيحية فإننا نشهد حضورا تمثيليا بشكل أقل عن بقية الأديان الأخرى، فهي لا تحظى بنفس المستوى من المعاملة حيث يزورها فقط مدير البوليس... وهذا يتم حسب التسلسل "الضمني" للتراتبية الدينية"- صفحة 40-
ويعطي "دوبريه" أمثلة أخرى من خلال طرح قضية الدولة والتعليم الخاص للأقليات.. حيث تقوم الدولة بالسماح للتعليم الخاص بالأقلية اليهودية وتقديم المساعدات بشكل دوري لهم، مع العلم أنهم يقومون بتعليمهم الخاص على تعليم التلاميذ الثقافة والتاريخ اليهوديين وكذلك تعليمهم على حب اسرائيل. كل هذا يدخل ضمن العقود المبرمة مع الدولة. كما أن الدولة هي الحاضنة لوبافيتش وفيها يقبل الأطفال حسب المعايير اليهودية Rabbiniqus- صفحة 40- .. بينما لا نجد ذات الانفتاح الفكري للمدارس الابتدائية والاعدادية الاسلامية - صفحة 41-.. وهناك مثال آخر وليس أخيرا كتعرض المقبرة اليهودية أو المعبد لأي انتهاك أو تدنيس في كل أرجاء فرنسا نجد تراكض كل الوزراء للتعبير عن تضامنهم، أما عندما تنتهك مقابر أو جوامع اسلامية خارج باريس فيكتفون فقط بزيارة محافظ المدينة - صفحة 41-.



الوزراء الفرنسيون واللوبي الصهيوني
يحرص الوزراء في فرنسا على الظهور مرة في كل عام من خلال العشاء الذي يقيمه المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية في فرنسا الـ"CRIF- Le conseil representatif des institutions juive de France والذي تحضره كل الاحزاب السياسية يمينا ويسارا ما عدا حزب "فرنسا المتمردة" والحزب الشيوعي الفرنسي مضافا لهما بعض الفرق الصغيرة من أقصى اليمين وأقصى اليسار، كما يحضره أيضا السفراء ورجال الدين اضافة الى رئيس الدولة والوزراء والكتاب والفنانون الخ.. وفي هذا الاجتماع يسمح رئيس المجلس لنفسه بنقد الدول وسياسة الحكومة كما تقول الصحفية الفرنسية "إليزابيث ليفي" والتي تنحدر من أصول يهودية فرنسية.. و في ذات هذا اللقاء صرح الرئيس السابق "نيكولا ساركوزي" أن فرنسا لن تعترف بفلسطين كدولة، كما صرح رئيس الوزراء السابق أيضا "مانويل فالس" بأنه وعبر زوجته مرتبط بشكل متين بإسرائيل. وهذا ما دعا "دوبريه" للقول بهذا الخصوص: "هذا الانخفاض بمستوى الدولة ساعد على خلق "هيئة حوار" و فيها يشارك رئيس الوزراء و رئيس الدولة ورئيس الـ"CRIF". والذي يسمح لنفسه بقول ما يريد عن سياسة فرنسا الخارجية إضافة إلى "ممثل" عن الحكومة الاسرائيلية والذي بإمكانه التدخل أيضا وفي أية لحظة، وبدون وجود لأي إيقاع آخر فلسطيني، "فهذا الأخير غير معهود وكأنه غير موجود"- صفحة 43 - فالطائفة اليهودية هي الوحيدة التي يحق لها الحضور ونقد السياسة الخارجية الفرنسية بهذا الخصوص يقول المفكر "دوبريه": "الأوروبيون فقدوا الفكر المستقل وفقدوا معه قوتهم"- صفحة 92-.
وهناك مثال آخر يدل على قوة التدخل والمفرط للمجلس الممثل للمؤسسات اليهودية في فرنسا، فعندما صرح رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون أن فرنسا تقف مع القانون الدولي، ولا يعترف بتصريحات الرئيس الأمريكي "ترامب" بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل، تنطح مباشرة ممثل المؤسسات اليهودية وطالبه بأن يغير موقفه ويحذو حذو الرئيس "ترامب" وتقديم خطوات مماثلة لصالح إسرائيل، لكن الرئيس ماكرون رفض ذلك وعمل على استقبال الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" وكان ذلك بتاريخ 22/ 12/ 2017. (يتبع)




نبذة

الدكتور عماد صالح هو كاتب وموسيقي.. صدرت له ستة كتب باللغة الفرنسية عن دار "لارماتان L hammattan" للنشر:
1. بين حلمي والقدس- 1999.
2. أرض الميعاد، أرض ملعونة - 2003.
3. فلسطين خمسون عاما من المنفى والأمل 2003.
4. صلوات نور- 2007.
5. فلسطين- إسرائيل مصائر متقاطعة بين الجحيم والأمل- 2009.
6. وصدر عن دار "الفابار Alfabar" للنشر- 2016: غزة.. إرادة الحياة لا تقهر..
كما صدرت له الاسطوانات التالية:
1. في بلادي- 1983.
2. أحبابنا- 1989.
3. شمس أدونيس "شعر محمود درويش"- 1995.
4. لو كان لي حمامة - 2003.
5. أشعار ونزهات في تورين- 2014
6. زيتون- 2015
7. لازورد "شعر محمود درويش"- 2016.



#عماد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق ...
- بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين ...
- تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف ...
- مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو ...
- تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات ...
- يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض ...
- الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع ...
- قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
- ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
- ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ ...


المزيد.....

- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عماد صالح - اطروحات الفيلسوف -ريجيس دوبريه- حول القضية الفلسطينية (1-2)