|
تِجَارَةُ الجَهْل لا تَبورْ ..
زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 5835 - 2018 / 4 / 4 - 15:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منَ المَعْلوم أنّه كلّما تقدّم العلم بجلائه و ازْدادتْ حقائقه الأكيدة ، سعى بقوةٍ مُتزايدة إلى الإطاحة بالأفكار الإيمانية اللامنطقية وهزيمة بعض المُعتقدات الخرافية السائدة ، لكن الانسان – حسب زعمي - يكره أنْ يتخلى بسهولة عما آمن به لقرون عديدة ، أو أنسَ إليه طوال سنين عمره ، واعتاد القلب منه على تصديقه تماماً وتأكيد طاعته بين ذويه وأخلائه . و الملاحظ لديّ ، أنّ المرء (صاحب الإيمان المطلق والتسليم العميق) ، عندما يسْبر أغوار العلم أو يتسلق أسواره ، أو يمضي بصدق العارف البصير في سنا أنواره ، يواجه صعوبة بالغة في مراجعة أيّ جزءٍ – ولو يَسيرٍ - ممّا آمن به تقليداً و وراثةً عن آباؤه وأجداده .. و كثيراً ما نَجدهُ يلبس حالَ المُحال في تكذيب مَرْويات من يتبَعهم أو أحاديث من يُقدّسَهم ، مهما بلغت من الوضاعة و التهافت ، بل قد يخاف - أحياناً - مُجرّد الشك بحقائق من يَحْسَبهم أئمّةً عليه أو معصومين عن الخطأ أصلاً . حتى ولو بيّن له العقل والمنطق العلمي جلياً تُرّهاتها ووضحت له التجرُبة ملياً هشاشة مقولاتها ... ولذلك نرى ذاك اليقيني يسعى بدأبٍ ومثابرة الى امرين ، ربما ثالثهما لم يعد نادر الحدوث كما في السابق : الأول : المُجاهرة بالقديم البال أكثر فأكثر ، والدعوة بلا خجل إلى مُحاربة الفكرة الجديدة و حشد الدعم لرفضها كليّة ..كما نرى لدى بعض المسلمين من السلفيين والوهابيين و .. في قضية دائرية الأرض .. الثاني : الهروب إلى الدّجل المُحكم و تصدير الخطاب الجذّاب ، في محاولة يائسة منه إلى إيجاد موائمة - ولو شكلية - بين مُعتقده القديم الميت وبين جديد الحقيقة العلمية .. كما نرى لدى بعض الدعاة الكذبة من أصحاب الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة .. الثالث : الرفض والمُكابرة والعداء السافر و الواضح لصحيح العلم ..و اتقان التجارة بالدّين والعقيدة واستخدامهما كمطيّة في سبيل تحقيق أهداف سياسية ومالية واجتماعية ..الخ . و بالطبع ، لنْ يتمّ كل ذلك – للأسف - دون القيام بضجيج وعنف اجتماعي ، حيث يعمّ صمت المُواربين و يسود خطاب المنافقين من الأئمة و المُصلحين ، ثمّ يعلو صخب الغوغاء على الرشاد حتى يقدّم مقالاً سفيهاً يشبه الصواب في أكاذيبه .. وهنا جدير بنا أن نتذكر معاً .. بأن الأديان بعامة ، تعتمد في خطابها على أسلوب " الديماغوجيا " أي التعمية الفكرية.. ومعنى كلمة " الديماغوجيا "- كما باتَ معروفاً – يتأتى في أنّها كلمة يونانية في أصلها ، و مُشتقة من كلمتين ( ديموس ) ، التي تعني الشعب و(غوجيا ) و تعني العمل ، أما معناها السياسي فيعني مجموعة الأساليب التي يتبعها المُشتغلون بالسياسة لخِداع الشعب ، وإغراءه ظاهرياً إلى حين الوصول للسلطة بدعوى خدمة مصالحهم أو سعياً لحماية معتقداتهم أو خلاصاً لهم من شرور واقع ظالم لهم أو .. أو الخ . .. كما و تُستخدم - الدّيماغوجيا - كإستراتيجية ماكرة ، تسعى لإقناع الآخرين وتضليلهم بالاستناد إلى مخاوفهم و أفكارهم الإعتقادية المُسبقة .. ولا بأس أن نذكر هنا ، بأنّ الديماغوجيا الدينية بالذات ، تُعتبر من أسوأ أنواع التضليل الفكري وأخطره ، لكون أربابها يعتمدون دائماً على جهل السامعين و سذاجة المؤمنين و اللعب على عواطفهم . ولهذا ، نجد تلك الفئة من " رجال الدين" تعمل بدأبٍ وجدٍ منقطع النظير ، على استغلال حماسة أفهام الناس ، على اختلاف مشاربهم ، وتدرج مستويات تعليمهم .. حيث نراها تسعى للتركيز على شحن أمانيهم الصادقة ، والتحكّم التام بمخاوفهم من المجهول ، وإدعائها رسم أسلم الطرق لهم للوصول إلى الفردوس الأعلى ، من خلال طقوس لا عقلية جليلة مُكللة بأساطير الأولين تارة ، و مسكوكات لغوية غامضة ، أو بيان مرهوب وسجع لعبارات عاطفية جذّابة تارة أخرى .. وهي ذات الديماغوجيا التي شهدناها مؤخراً في ثورات الصقيع العربي تُدَمّر الإنسان وتفتت الأوطان و تدبّج للناس البسطاء الشعارات الانفعالية البرّاقة .. مثل : نحن نحبُكم في الله ، نعمل لأجلكم ، جئنا لنحرركم (من الظلم إلى الظلمات)... أو أن فتوحاتنا ليس مقصدها الغنائم والسبي أو القتل إنما لنشر الهداية وإعلاء كلمة الله ، أو أن ثوراتنا المجيدة إنما هي لله لا للسلطة ولا للجاه .. أو ..الخ . بالطبع كلنا يعلم ، أنْ لا أسهل من أن تُغذي العقول بأي باطل وتتحكم بأصحابها إن أنتَ أحسنتَ تقديمه في لبوسٍ ديني .. فالدين - بالنهاية - شعور توجهٍ نحو المُطلق ، ينهض على عواطف متعددة في الأساس ، والتجارة بعواطف الجهلاء جذابة ومُرْبحَة ، و لها عدَّتها البسيطة و عديدها الكثر .. وهي قلّما خسرت نزالاً عبر التاريخ ، خاصةً ، إن هي شاركت رماح السلطة الغاشمة في مغانمها ، أو تحالفت مع ذوي البأس والبطش .. قصارى القول : تبقى التجارة الدينية – في اعتقادي - خطرة للغاية ، ليس على عقل المؤمنين فقط ، بل كذلك على جوهر الدّين نفسه ، لأنّها تفتت من عضد الذهن و المُجتمع ، حيث تحرّف بالضرورة روح النصوص المُقدّسة ، وتشوّه - عمداً - فهم مرامي الدّين العام ، وتُجرّده من أهمّ وأقوى مُقوّمات وجوده ، من حيث هو حالة ترابط روحية سامية ، و رسالة محبة وسلام ، يجب أن تجمع في مقاصدها النهائية الأفهام المُتباينة بين الناس المختلفين في الإعتقادات والعبادات وتخفف شقاء طرق تحصيل المنافع فيما بينهم . وهي أولاً و أخيراً : صلة شعورية ذاتية شديدة الخصوصية ، تمتد من عميق وجدان الإنسان نحو الخير المُطلق أو العقل الكلّي ( الله ) .. وللحديث بقية ..
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوهام ديمقراطية .. (2)
-
أوهام ديمقراطية .. (1)
-
هموم فيسبوكية ..2
-
في رِحَابِ الإيمَان ..!
-
بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَة الحَسَنَة ..
-
هموم فيسبوكية..!
-
نحن نعاني من أزمَةُ نصْ لا أزمَةُ شخص .. !
-
أَخي المُؤْمِن : لا تَتَفَلْسَفْ ..(3)
-
أخي المُؤْمنْ : لا تَتفَلْسَفْ ..! (2)
-
أخي المُؤمنْ : لا تَتَفَلْسَفْ ..!
-
في غور تلك ال أنا .. ( نص نثري )
-
الحل أنْ نفهمَ أولاً ..
-
أفكار حول القيم الأخلاقية ..(1)
-
تَسَاؤلات مشروعة ..!
-
مملكتي ليست في هذا العالم
-
منْ سَرْدِ الذّاكِرَة ..!
-
الدّْينُ التَسَلُّطي
-
هلوسات فكرية ..4
-
مَزيّة الفكر النَقدي و رَزيّة الفكر العَقدي
-
- قطة الحَجّة -
المزيد.....
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|