|
سجن الرّوح -9-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5835 - 2018 / 4 / 4 - 11:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وأنا أمضي في طريقي إلى القاع، كنت أدرك أنّني لست أكثر من حجر يغرق في بحر، ويستقرّ في أسفله ليصبح مأوى للعوالق. من أسهل الحجج أن أقول أنّ هناك من سيطر على نبض قلبي، وبرمجني بطريقته كي أجنّب نفسي المسؤوليّة. ماذا كان سوف يجري لو قلت: لا، ومهما كان الثمن غالياً. بينما كان داخلي يمتلئ بالزعيق. كان جسدي يستجيب ليكون حجراً تستعد للسّقوط في ماء بحر، أو ماء بئر. كلما عدت إلى مصطلحات مثل: قيم المجتمع، أو الواجبات الزوجيّة، أو مشاعر الأهل، أشعر بالغثيان منّي. كنت أرزح تحت كلّ تلك الآلام المصطنعة التي كبّلت نفسي بها، فبعض من صديقاتي تجاوبن مع المجتمع نصفاً بنصف، فمثلاً وضعن الحجاب على رؤوسهن، و لا مانع لديهن من بيع الجنس لو كان ذلك مفيداً لهنّ، هذا الحدّ الصّارم للقيم الذي وضعته مثل الأهل، والدّين كان مرناً في داخلهنّ، سمحن لأنفسهن بتجربة مذاق الحياة. صحيح أنّ أمورهن اليوم قد تكون مثل أموري أو أسوأ منها، لكنّ عزاءهنّ لأنفسهن، أنّهن جرّبن، ولا عزاء لي. أنا حجر، وليس بشراً. أعمل بالتّحكم، او بالمغناطيس حيث أدير العائلة، والأطفال، ليس ذلك فحسب. بل أنّني أعتقد أنّه كلما تعذّبت أكثر أقدم محبّة أكثر ،دون أن أفصح عنها. وهي إرث سوف يذكرني أولادي به. أورثتهم صعوبات الحياة. بناء النّفس من الصّفر، ليس هكذا يكون الإنسان! كان داخلي يهتزّ بالنّغم، وجسدي يتمايل طلباً للأزياء، لم أستطع، فقلت لهم: لا أهتم، ولا تهتموا! كن كاذبة. نعم، فكلما شممت رائحة عطر كانت أنوثتي تحتجّ ، وكلّما رأيت مطربة برداء يبدي تفاصيلها كنت أصرخ: هذه أنا. في الحقيقة لم أكن أنا. كان مستقبلي تلك الحجر. عندما يزحف الفقر جهتك لا تعرف أنّك ضمنه، فقد كنت لفترة تتبجّح بما تملكه، ولا تستعمله لأنّك من ذوي القيم، الفترة التي تتحدّث فيها بكلّ مركبات النّقص فيك عن الغنى الذي لا تعرفه. تجد نفسك غاطس في الفقر إلى أذنيك، ولا تعرف أنّك سوف تورّث ذلك لأولادك، فالفقر دائرة ربما يكسرها أحد الشّجعان، أو تستمر من الأجداد إلى الأحفاد. . . . التعريفات الموجزة للأمور المبهمة سهلة، فلا أحد يستطيع تعريف الحبّ والسّعادة، والآخرة سوى المال، ولكل مفردة ضدّها، فسعيد عكسه تعيس والقاسم المشترك هو المال. تعيس تعني فقير لا يملك المال كي يقضي يوماً ينسى فيه الجوع ، والمرض والعذاب، لكن المال ليس هو كلّ شيء. هو فقط يجلب كل شيء، وأستحضر هنا كتاب رأس المال لماركس، والذي يدرّس اليوم في جامعات العالم لأنّه يحتوي أفكاراً حيّة في الاقتصاد، وبخاصة حول القيمة والقيمة الزائدة، فماركس كان فيلسوفاً، والفرق بينه وبين لينين أن لينين كان ربما " ثائراً " بينما ماركس كان ربما" عالماً" في الاقتصاد. تحدّث عن الشّيوعية كحلم ربما غير قابل للتطبيق برأيه حتى مئات السّنين، ودفع ثمن قلمه جوعاً وفقراً وموتاً، بينما كسب لينين سلطة ومجداً، فإذا كان ماركس يقول بأنّ الشيوعية وهي كلمة ربما اقتصادية قد تقوم عندما يتطور العالم إلى ما بعد الرّأسمالية حيث تعمّ قيم مجتمعيّة جديدة، ويستطيع الفرد أن يأخذ كفايته فقط، ويقدم كلّ جهده. هي فكرة ربما تبدو كحلم له، وهو في النّهاية كاتب يحقّ له أن يحلم. ماركس ابتكر فكرة الحلم " الشيوعي" وربما لينين ومن بعده ستالين، وحالياً بوتين قد خرّبوا مفهوم الفكرة الأدبي. ماركس لم يقتل أحداً، ولم يستلم سلطة، بينما جميع من ادعوا الشيوعية وحكموا كانوا دكتاتوريين وقتلة، فلو كانوا فعلاً يؤمنون بالماركسية، والإيمان موضوع كبير جداً، فحتى الإيمان الدّيني لم يجسد بشخص إلا " الله" حيث لا يُرى، ولا نعرف عنه إلا ما يقول عنه الرّسل، وأعداد الرسل في العالم كبير جداً، ومع هذا نفترض إيمانهم بالفكر الماركسي. كيف تمكنوا من تغيير أهمّ فكرة، وهي أن يكون المجتمع متطوّراً ومرفّهاً إلى حد أن الإنسان بخياره الشّخصي لا يأخذ إلا ما يحتاجه؟ اقتنعت منذ وقت مبكر في حياتي بأنّ الفكرة الشيوعية التي طرحها ماركس هي حلم عالم اقتصاد، وربما حلم لبعض المفكّرين، ولا نعرف إن كانت الأحلام تتحوّل إلى حقيقة، لكنّ بعضها يتحوّل. من وجهة نظري فإنّ الإيمان مجبول بالشّك، وأنّ الشّك قد يأتي إلى قلب رجل مؤمن، وهذا الأمر طبيعي، لا يوجد إيمان مطلق بأمر، ولا إلحاد مطلق، ففي الإيمان الديني مثلاً والذي يشمل علماء وسياسيين لا يستعملون إيمانهم في التحليل والتحريم شيء من التّصالح مع قلوبهم التي ربما تكون مليئة بالشّك. . . . أعود إلى السّجن. ذلك المكان الذي سجن روحي حيث أدركت منذ نصف قرن من الزمان أنّني سجينة، ومهما حاولت فتح باب السجن لم أنجح. روحي لا زالت سجينة ، فقط التزمت الهدوء، وامتنعت عن الضجيج. تقول لي -أعني روحي-: هل تصورين نفسك كيف تقتلين كي يتعاطف العالم معك بعد موتك؟ أجيبها: نعم، فطالما حلمت بالموت في مراهقتي ، وبكيتني في جنازتي التي خلت إلا من بعض الغرباء. أرغب أن يبكيني العالم. -كفي عن الهراء! سوف يصوّر العالم موتك، ومن يعجبه فيلم العنف يراه، ومن لا يعجبه قد يغلق التلفاز، وسوف يكتب رفاقك عنك شعراً، ويصنعون لك فيلماً يمجدّك، ويكسبون الجوائز، ويكون لك جمعيات وتجّار، ومحطات إذاعيّة. الجميع في انتظار أن تموتي كي تقدّمي لهم النّشوة. -لا شيء لديّ أفعله سوى الموت! أرغب أن أفعل شيئاً، لا أعرف ما هو. أعرف من تتحدّثين عنهم. هؤلاء هم مساعدو عزرائيل. يسمون أنفسهم بأسماء جميلة. كنت لا أحترم كلامهم قبل، ولكن تعلّم بعضهم البلاغة فصدّقته بعد المقبرة الكبيرة في سجن كبير اسمه سورية، ووقعت في الوهم. طلبت منهم شخصاً ،شخصاً، ومجموعة مجموعة، المساعدة ، وكان أفضلهم من ردّ على رسالتي بالاعتذار. لا أحد يحتاج قلمي، ولا ترجماتي. هم يأخذونها منّي بالمجان. كيف أتحرّر من هذا؟ . . . حرّرت روحي منذ فترة قصيرة، ولا ينهي تحرير الأسير أو السّجين رحلة السّجن المريرة إلا إذا كان يعتبر أنّ روحه الثّائرة تعطيه الحقّ في سجن أرواح الآخرين، فالكثير من الناس قضى عقوداً في سجن حقيقيّ، لكنّه لازال يعتقد أن مسيرة الفقر سوف تنتصر. لقد عرفت بوقت متأخّر أن الفقر وباء، عليك بمعالجته، وإذا كنت فقيراً داخل سجن اسمه الوطن عليك كسر أبواب السّجن. لا تمت في السّجن. ارحل! هذا الكون لم يكن له حدود. نحن من وضع الأسماء والحدود والقيود. ارحل إلى بقعة مجهولة من الدّنيا أينما كانت، ودع روحك تقودك. . .
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مارتن لوثر كنغ
-
حول قيامة المسيح
-
سجن الرّوح-8-
-
سجن الرّوح-7-
-
حول غزو العراق
-
سجن الرّوح-5-
-
حول فضيحة ترامب مع الممثلة الإباحيّة
-
حول الانتخابات المصرية
-
سجن الرّوح -5-
-
ماريا فرن
-
حول وسائل التّواصل
-
سجن الرّوح -4-
-
حول فضيحة كامبريدج أناليتيكا
-
سجن الرّوح-3-
-
سجن الرّوح-2-
-
سجن الرّوح-1-
-
طريق العودة
-
بمناسبة عيد المعلم العربي
-
هل غيّر الغرب فكر المرأة السّورية؟
-
قصة حقيقية عن العبودية
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|