ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)
الحوار المتمدن-العدد: 5834 - 2018 / 4 / 3 - 21:50
المحور:
الادارة و الاقتصاد
1. مقـــــدمة
ساعد التقدم المحرز فى انتشار المتجددات وتقليص تكلفتها، على الأخص فيما يتعلق بطاقة الرياح الأرضية (onshore wind) والفوتوفلطيات الشمسية (Solar PV)، ساعد على تمهيد الطريق للمستهدفات الطموح لاتفاقية باريس.
ويعتبر التقدم اليافع فى المتجددات واحداً من الدعائم التى يُبِنَى عليها
سيناريو 2 درجة مئوية للوكالة الدولية للطاقة (IEA).
وعلى طول مسيرة القيادة نـحو مؤتمر الأطراف الحادى والعشرين بباريس COP21، قَدَّم أكثر من 90 طرف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (UNFCCC) مساهمته الوطنية المحددة National Determined Contribution (NDC) التى اشتملت على مرجعيات صريحة وقاطعة للمتجددات، و ساعدت اتفاقية باريس ذاتها على حثّ التزامات أخرى تجاه المتجددات.
ويقع على عاتق صُنَّاع السياسات دور حيوى يتعين أن يؤدوه فى تنويع استخدام الطاقات المتجددة بتوفير الدعم السياساتى لإنضاج المتجددات renewables maturing (كالكهرباء الشمسية الحرارية)، وتيسير التكامل الناتج عن المشاركات الكبيرة للمتجددات المتعددة بنظم الكهرباء، والتوسع فى استخدام المتجددات فى الحرارة ووسائل النقل.
والحق أن توفير الآليات الداعمة المتَّسِقَة التى يُعَوَّل عليها، وأُطُر العمل التنظيمية ــ التكيفية على نحو ملائم ـــ يمكن أن يساعد المتجددات على الوصول إلى مستويات التوسع المطلوبة لمقابلة غاياتنا المناخية المشتركة.
2. نمو تاريخى، ولكن تحديات سياساتية وتسعيرية
شكلت السنوات الخمس الماضية فترة للنمو غير المسبوق للطاقة المتجددة على اتساع العالم. فبلغت إضافات قدرات القوى الكهربية المتجددة العالمية ما يربو على 150 جيجاوات
(150 ألف ميجاوات) عام 2015، متخطية إجمالى 130 جيجاوات المسجل لعام 2014. وقد أُعْلِنَت عقود لبناء مزارع رياح أرضية جديدة ومحطات فوتوفلطية شمسية مرتبطة بشبكات الكهرباء (utility-scale PV) بتكاليف هى الأقل إطلاقاًفى كل القارات، بما يؤكد الحيوية الاقتصادية لكلتا التكنولوجيتين.
ولقد أسست اتفاقية باريس مستهدفات طموح طويلة للحد من زيادة درجة حرارة الأرض،
فمهدت لطريق مُعَبَّد لتقدم انتشار الطاقة المتجددة على اتساع العالم، حيث أعلن أكثر من 90 طرفاً من أطراف الاتفاقية الأولوية المطلقة للطاقة المتجددة فى مساهماتها الوطنية
المحددة National Determined Contributions (NDCs)، وذكرت أكثر من 70 دولة مستهدفات محلية محددة لنشر الطاقة المتجددة.
ورغم هذا التقدم لا تزال هنالك لاتيقنيات سياساتية وأسواقية باقية على نحو كبير. فجمهورية الصين الشعبية (فيما بعد "الصين") تقود العالم حالياً فى التوليد الكهربى بقوى الرياح، ولكن بسبب العجز فى إمكانات شبكات النقل الكهربى فإن 15% من هذه الطاقة تفقد بسبب قصور النقل، كما أن مستهدفات الطاقة المتجددة الأوربية حتى عام 2030 لا تزال تفتقر إلى هيكلية عمل داعمة قوية.
كذلك فإن تكامل الشبكات grid integration للمشاركات الضخمة من المتجددات المتغيرة
variable renewables تبقى منعطفاً لكل من الهموم الحقيقية والمدركة بين العديد من الأطراف المعنيين. ورغم أن العديد من قوى الرياح والفوتوفلطيات الشمسية المملوكة للدولة لم تعد بحاجة إلى مستويات عالية من الدعم الذى لجأوا إليه منذ أقل من عقد من الزمان، فإن العديد من أسواق الكهرباء تحتاج إلى إعادة هيكلة كى تدفع الاستثمار فى المتجددات كثيفة
رأس المال capital-intensive renewables والتكنولوجيا التمكينية.
ومنذ عام 2014 تهاوت أسعار النفط والفحم والغاز الطبيعى إلى أقل مستوياتها لما يزيد على عقد من الزمان، ومن غير المتوقع أن تتزايد على نحو مؤثر على المدى القريب إلى المتوسط. ورغم أن تحسينات كفاءة الطاقة ، والمشاركة المتزايدة للمتجددات فى المزيج العالمى للطاقة ، ليسا هما العاملان المنفردان فقط فى البيئة السعرية المنخفضة، فإنهما معاً سيستمران فى بذل ضغوط خَفْضَية أبداً على الطلب العالمى على الوقود الأحفورى فى المستقبل.
ومع ذلك فإن أسعار الوقود الأحفورى المنخفضة فى غياب تسعير الكربون ، أو عدم وجود أُطُر عمل تنظيمية ملائمة ، يمكن أن تُقَوِّض انتشار المتجددات بتقليص تنافسيتها السعرية بالقياس إلى وُقُد الحرارة والنقل التقليدية.
3. مسار زيادة النمو والأسعار الهابطة
3-1 الطاقة المتجددة تسود قدرات القوى الكهربية الإضافية
نمت القدرات المركبة للطاقة المتجددة المتكاملة بالشبكة بخطى سَجَّلت عام 2015
إضافة 150 جيجاوات مركبة جديدة صافية عالمياً، متجاوزة إضافة عام 2014
البالغة 130 جيجاوات مركبة. وتولد هذه القدرات الجديدة طاقة كهربية فى المتوسط
حوالى 350 تيراوات ساعة سنوياً ، بما يكافئ الاستهلاك السنوى لدولة مثل إيطاليا أو المملكة المتحدة (IEA, 2016A). وهذا النمو القوى فى انتشار المتجددات المرتبطة بالشبكة كان مدعوماً بسياسات متنوعة تعالج أمن الطاقة، وتخوفات التلوث المحلى ، والمستهدفات المناخية.
وفى عام 2015 احتُسِبَت المتجددات لأكثر من 50% من الإضافات السنوية الصافية لقدرات القوى الكهربية لأول مرة، وكانت حوالى 80% منها من المتجددات غير الهيدروكهربية (شكل -1).
شكل -1 : الإضافات الصافية للقوى الكهربية (جيجاوات)، 2015
Source:IEA (2016b), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2016 IEA (2016c), World Energy Outlook 2016.
3-2 انـحدارات متتالية فى تكلفة الطاقة المتجددة
انـحدرت تكاليف التوليد الكهربى العالمى لقوى الرياح الأرضية انحداراً دليلياً (مؤشراتياً) للمحطات الجديدة بما يقدر بحوالى 30% فى المتوسط فيما بين 2010 و2015، بينما انحدرت التكاليف لتركيبات الفوتوفلطيات الشمسية على نطاق مرافق الكهرباء بحوالى الثلثين (شكل-2). ويتوقع أن تنخفض تكاليف قوى الرياح الأرضية الجديدة بحوالى 15% أخرى بحلول عام 2021، كما تنخفض الفوتوفلطيات الشمسية الجديدة على نطاق مرافق الكهرباء بـحوالى 25%.
شكل -2: التكاليف الدليلية (المؤشراتية) المنحدرة للتوليد الكهربى بالمتجددات
Source: Adapted from IEA (2015a), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2015.
ويؤكد الفكر الأسواقى بشأن العقود طويلة الأجل long-term contracts الموقعة لمحطات قوى الرياح والفوتوفلطيات الشمسية التى يتعين تشييدها فى المستقبل القريب هذا المنحى trend، كما يوضح أن خفوضات السعر يمكن أن تكون بسرعة أكبر مما كان متوقعاً سابقاً. ففى المغرب بلغت المناقصات التنافسية للتوليد بقوى الرياح الأرضية عام 2015 السجل العالمى للخفوضات البالغ فقط 30 دولاراً أمريكياً لكل ميجاوات ساعة (أى 3 سنت دولار أمريكى/ كيلووات ساعة).
خفوضات مثيلة اعتُبرت "علامة" تم بلوغها كذلك فى المكسيك فى أبريل 2016 فى الفوتوفلطيات على مستوى مرافق الكهرباء utility-scale عند تكلفة تبلغ 35.5 دولاراً أمريكياً/ ميجاوات ساعة (بالإضافة إلى عامل Factor وقت التسليم بحوالى 5 دولارات أمريكية/ ميجاوات ساعة) ، وعند تكلفة حوالى 30 دولاراً أمريكياً / كيلووات ساعة فى دبى فى مايو 2016، وفى شيلى فى أغسطس 2016.
وعلى اتساع العالم توجد وفرة غنية من مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة تحت 100 دولار أمريكى/ ميجاوات ساعة على أهبة التشغيل خلال السنوات الثلاث القادمة، وبصفة رئيسية فى مدى بين 50 دولار أمريكى و80 دولار أمريكى/ ميجاوات ساعة للرياح الأرضية ، ومدى 60 دولار أمريكى إلى 90 دولار أمريكى/ ميجاوات ساعة للفوتوفلطيات الشمسية (شكل-3).
شكل -3: أسعار العقود طويلة الأجل للطاقة المتجددة التى يتم التكليف بها، 2016-19
Source: Adapted from IEA (2015a), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2015.
ولقد أُحْرِزَت تكاليف التوليد الكهربى الأخفض فى الأسواق التى أفادت من كلٍ من الموارد الوفيرة والمشتروات التنافسية للعقود طويلة الأمد، مما دبَّر تدفقات دخل مضمونة مدعومة بسياسة تأمينية طويلة الأمد وأُطُر أسواقية قائمة، وقد أبدعت هذه الظروف فرصاً للتمويل خفيض التكلفة، الذى يعتبر بُعداً حَرِجاً فى التنافسية السعرية الإجمالية.
3-3 إمكان دون سقف ومطامح قوية للنمو
يتوقع تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن سوق الطاقة المتجددة على المدى المتوسط (MTRMR2016) زيادة قدرها 41% فى القدرات العالمية المتجددة التراكمية فيما بين 2015 و2021 (IEA, 2016b).
وهذه الزيادة بقيمة 825 جيجاوات مركب أكبر من ضعف القدرة المركبة الحالية لليابان، ولذا فالمتوقع أن تولد المتجددات 7.676 تيراوات ساعة عام 2021، بحوالى 36% زيادة على 5.660 تيراوات ساعة المولدة عام 2015.
ويُتَوَقَّع أن تتزايد مشاركة المتجددات فى التوليد العالمى للكهرباء من 23% عام 2015 إلى 28% عام 2021، حيث يُنْتَظَر أن تنمو مُخْرَجَات القوى المتجددة على نحو أسرع كثيراً من التوليد العالمى من الفحم والغازالطبيعى والنووى.
وقد تجاوزت هذه المخططات توقعات انتشار المتجددات بعدة شهور قبل مؤتمر الأطراف COP21 فى باريس فى حالة الأساس فى تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن سوق الطاقة المتجددة على المدى المتوسط عام 2015 (IEA, 2015 a)، والتى تسفر فى الواقع عن صعود مُرْتَفَع لمعدل النمو للسنوات الأخيرة (شكل -4، الخط الثقيل). وعلى أية حال فإن حالة الأساس المذكورة أعلاه فى تقرير عام 2016كانت أكثر تفاؤلاً (شكل -4، الخط المقطّع)، وفيما يلى مناقشة للتأثيرات المحتملة لاتفاقية باريس على الانتشار المتزايد للمتجددات).
(شكل - 4) نمو القدرات الكهربية المتجددة المتكاملة بالشبكة فى العالم: النمو التاريخى والمخطط (الحالة المعجلة)
Sources: IEA (2016b), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2016 IEA (2015a), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2015 (for “MTRMR 2015 [main case]” only).
ويوضح كذلك تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن سوق الطاقة المتجددة على المدى المتوسط
عام 2016 أن حالة النمو المُعَجَّل فى وجود إجراءات سياساتية قوية (شكل-4، الأعمدة) قد تستبقى زيادات منتظمة عاماً بعد عام فى معدل الانتشار، وهذا السيناريو للانتشار المُعَجَّل للمتجددات يتسق مع مسار الذروة المبكرة للابتعاثات والانحدار الذى يتلوها المطلوب للبقاء تحت سقف درجتين مئويتين زيادة فى درجة حرارة جو الأرض.
4. دَفْعَة للأمام من باريـس
وَلَّدَتْ المساهمات الوطنية المحددة National Determined Contributions (NDCs)التى سُلِّمَت قبل شهر من انعقاد مؤتمر الأطراف الحادى والعشرين COP21 قوة دافعة حقيقية لتنمية وانتشار المتجددات على اتساع العالم. واليوم تستمر قوة الدفع لصانعى السياسات لوضع مستهدفات أكبر طموحاً للمتجددات، واتخاذ إجراءات سياساتية قوية تتغيَّا تحقيق تقدم كبير للارتحال العالمى فى مجال الطاقة.
4-1 المساهمات الوطنية المحددة والوصول إلى مؤتمر الأطراف 21
فى الطريق إلى مؤتمر الأطراف الحادى والعشرين COP21 بدأت العديد من اقتصادات العالم الكبرى فى تمهيد أرضية العمل لاتفاقية باريس بالإعلان عن مستهدفات جديدة طموح لانتشار الطاقة المتجددة. وفى إعلان مشترك فى نوفمبر 2014 مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أعلن رئيس الصين أن بلاده تسعى إلى الوصول إلى ذروة الابتعاثات الكربونية (CO2) فى حوالى 2030 أو قبلها، وإلى زيادة مشاركة البلاد من الطاقة غير الأحفورية فى الطاقة الكلية إلى 20% بحلول
عام 2030.
وفى بيان تالٍ مشترك فى سبتمبر 2015 أعلن الرئيس الصينى أن بلاده سوف تعطى الأولوية الأولى للمتجددات، وتطبق نظاماً وطنياً لتجارة الابتعاثات عام 2017. وتضمنت المساهمة الوطنية المحددة للهند المقدمة لمؤتمر الأطراف 21 قبيل انعقاده تعهداً بزيادة القدرات الشمسية للبلاد بمضاعفتها 25 مرة إلى 100 جيجاوات مركب، ومضاعفة قدرات الرياح لأكثر من مرتين إلى 60 جيجاوات مركب بحلول عام 2022.
وتعهدت دول عديدة لا تنتمى إلى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) بأن تستثمر فى تنمية المتجددات، على الأخص البرازيل، التى أعلنت عزمها أن تُزيد مشاركة المتجددات غير الهيدرولية فى توليد القوى الكهربية إلى 23% بحلول عام 2030، صعوداً من حوالى 9% فقط.
ومن بين دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، اليابان، واستراليا، وشيلى، وإسرائيل، ونيوزيلاندا، وتركيا ، جميعها أعلنت مستهدفات محلية للكهرباء المتجددة فى مساهماتها الوطنية المحددة (NDCs). وأشهرت دول عديدة أخرى مستهدفات متجددة جديدة للقوى الكهربية سواء قبل مؤتمر الأطراف 21 أو بعده. وفى سبتمبر 2015 أطلقت وزارة الطاقة المكسيكية إرشادات دليلية للكهرباء وأسواق شهادات الطاقة النظيفة، مع جدول مزادات لاتفاقيات شراء الكهرباء طويلة الأمد.
وقد أرسيت التعاقدات الأولى للمحطات المتوقع أن تكون فى التشغيل الفعلى فى منتصف عام 2018 فى مارس 2016 عند سجل جديد لمستويات الأسعار المخفضة للفوتوفلطيات الشمسية. وسوف تعقد الحكومة المكسيكية المزادات السنوية لإحراز مستهدفها الذى يتغيَّا نسبة 35% لتوليد الطاقة خفيضة الكربون (بما فيها النووية) ببلوغ عام 2024.
وقد أسس قانون الطاقة الانتقالى فى فرنسا، الذى تم إقراره فى 22 يوليو 2015 ، هدفاً جديداً لتحقيق 40% من القوى المتجددة بحلول عام 2030. وفى يونيو 2015 تعهدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل تضامنياً بزيادة مشاركة المتجددات فى التوليد الكهربى (باستثناء القوى الهيدروكهربية) إلى 20% بحلول عام 2030.
4-2 المشهد السياساتى بعد مؤتمر الأطراف 21
على المستوى السيادى للدول حول العالم أثبتت اتفاقية باريس بالفعل أنها بمثابة الحافز الرئيسى لإعادة تقييم المستهدفات المناخية الراهنة، والتعجيل بالأُطر الزمنية لخفض الابتعاثات. وعلى نحو مشجع تبدو الاتفاقية بوصفها قوة مُلْهِمَة لعدد من الإجراءات السياساتية الفَعَّالة التى تهدف إلى دعم تنمية الطاقات المتجددة وانتشارها.
فى ديسمبر 2015 أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية
(Japan s Ministry of Economy, Trade & Industry (METI)) عن تدشين نظام مزايدات لمشروعات الفوتوفلطيات الشمسية المرتبطة بالشبكة بمرافق الكهرباء، مع عقد دوراتها الأولى فى العام
المالى 2017. ويُتَوَقَّع أن تجتذب المزايدة تنافسية سعرية أعلى مما للنظام المطبق
حالياً (FIT System)، وأن توفر هيكلة تخطيطية أفضل لمولدى الكهرباء، على الأخص فى مجال التزاحم الشبكىgrid congestion.
كذلك اقترح الكونجرس الأمريكى فى ديسمبر 2016 على تمديد الاعتماد الضريبى الاستثمارى للطاقة بقطاع الأعمال Business Energy Investment Tax Credit (ITC) ، والاعتماد الضريبى الانتاجى للكهرباء المتجددة Renewable Electricity Production Tax Credit (PTC) اللذين يؤديان دوراً رئيسياً فى تشجيع تنمية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وفى فبراير 2016 أطلقت الهند مستهدفات على مستوى الدولة لبلوغ "التزام الشراء المتجدد" للدولة Country s Renewable Purchase Obligation (RPO) بقيمة 17% ببلوغ عام 2022، مؤسسة بذلك مساراً طويل الأمد يتضمن 8% كحد أدنى التزام شراء من الطاقة الشمسية. ولقد عَجَّلت وزارة الطاقة الجديدة والمتجددة الهندية الموافقة على مشروعات الفوتوفلطيات الشمسية على النطاق الكبير، وأعلنت اعتزامها إضافة 48 جيجاوات مركب من القدرات الشمسية الجديدة مع بواكير عام 2019.
ولقد تُعْطِى المبادرات الأخرى التى أُعلِنَت خلال مؤتمر باريس للمناخ دَفْعَة للطاقة المتجددة وانتشارها على نحو أسرع وأكبر. وتشتمل المبادرات الواعدة على "الاتحاد الدولى الشمسى" International Solar Alliance (ISA) الذى أعلنته الهند وفرنسا، و"اتحاد الجيوثرمال العالمى" Global Geothermal Alliance (GCI) الذى تقوده آيسلندا، والمُعَزَّز بواسطة "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة International Renewable Energy Agency (IRENA)، والمبادرة الأفريقية للطاقة المتجددة المدعومة برؤساء الدول الأفريقية وفرنسا وألمانيا، و"إرسالية التجددية" Mission Innovation (MI) التى تمثل التزاماً مشتركاً لعشرين دولة مع الاتحاد الأوربى لمضاعفة استثمارات القطاع العام فى بحوث وتطوير الطاقة النظيفة على مدى خَمْس السنوات القادمة.
5. ما وراء مؤتمر المناخ 21:
فرص وتحديات جديدة للانتشار العالمى للطاقة المتجددة
حتى يمكن عبور الفجوة بين المسارات الراهنة والحالة المعجلة المطلوبة لإحراز هدف عدم تجاوز الزيادة فى درجة حرارة جو الأرض درجتين مئويتين فإن تغيرات سياساتية أعمق ستكون مطلوبة لمعالجة القضايا القائمة والتركيز على الفرص فى الاقتصادات البازغة والدول النامية الأخرى.
وتتضمن تلك التغيرات السياساتية دعماً متزايداً للمتجددات مثال طاقة الرياح بالبحر، والكهرباء الحرارية الشمسية Solar Thermal Electricity (STE)، والطاقة الجيوحرارية، التى يتعين أن تحرز النضوج التجارى للفوتوفلطيات الشمسية والرياح البحرية، والآليات التى تُيَسِّر التكامل الشبكى الأفضل للمشاركات الكبيرة من المتجددات ، والتوسعات الأكبر للمتجددات فى الحرارة والنقل، وإدارة التنافسية تجاه الأسعار المتدنية للوُقُد الأفورية.
5-1 الإجراءات السياساتية المطلوبة حول العالم
بالنظر إلى المستقبل.. سترتحل التنمية على نحو متزايد بعيداً عن دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD، واتجاهاً نحو الاقتصادات البازغة والدول النامية، التى يقدر أن تُحْتَسَب لثلثى النمو العالمى فى القدرات المتجددة بحلول 2021.
والواقع أن نظم القوى الكهربية لدول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية تنمو عموماً ببطء، وتحتاج إلى إعادة هيكلية لنظمها وأسواقها ، فضلاً عن تحديث وتطوير هياكل بنيتها الأساسية لكى تكون قادرة على تكاملية النِّسَبْ الأعلى لمشاركة المتجددات.
(شكل - 5) صافى الحصص الإضافية للطاقة المتجددة ، 2015-21
وتتعلق هذه التحديات على الخصوص بالقارة الأوربية، رغم أنه ــ بالمشارطات المطلقة ــ يبقى الاتحاد الأوربى هو ثانى أكبر سوق مفردة فى العالم للمتجددات.
فلقد عجلت ــ على نحو كبير ــ احتياجات الطلب على القوى الكهربية، ومطالب التنوعية فى مصادر الطاقة، والتخوفات المحليةمن التلوث، انتشار الطاقة المتجددة فى الصين/ التى تمثل حوالى 37% من إجمالى الزياد ةالعالمية فى القدرات المتجددة (2015- 21)، ويبدو أن هذه العوامل عينها تدفع الانتشار للمتجددات فى كل من الهند والبرازيل.
وهناك العديد من انعدام الكفاءات السياساتية (أو الضعفات السياساتية) حول العالم التى إذا ما عولجت لابد تساعد على التعجيل بانتشار المتجددات. وهذه الانعدامات فى الكفاءة، أو الضعفات السياساتية، قد تم حصر أهمها فى عدد من منشورات الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) (شاملة تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن سوق الطاقة المتجددة على المدى المتوسط MTRMR):
• أعلنت الخطة الخمسية الثالثة عشر للصين، التى أذيعت فى مارس 2016، مستهدفًات طموح لنشر طاقتى الرياح والشمس، ولكن بتر أو إننقاص المتجددات يبقى تحدياً، فى وجود إنقاص لطاقة الرياح بلغ فى المتوسط 15% عام 2015.
• تفتقر مستهدفات الاتحاد الأوربى الراهنة فى مساهماته الوطنية المحددة حتى عام 2030 (NDC 2030) إلى آلية قوية لحث (أو استفزاز) الإذعان الحكومى. فالتقدم فى زيادة الترابط الشبكى عبر القارة الأوربية يبدو أبطأ جداً من أن يزيد قيمة التوليد المتجدد المتغير مُخَلِّفاً المستثمرين وشركات التوليد مفتقرين إلى تيقنية تنظيمية كافية.
• فى الولايات المتحدة الأمريكية: تبقى على نحو ثابت اللاتيقنية فى تنفيذ خطة القوى الكهربية النظيفة فى ظل توقف تنفيذ الخطة فى منتصف تحدِّ قانونى قائم بواسطة المحكمة العليا.
• فى الهند: قد تستبقى عوامل كاللاتيقنية عبر التنفيذ على المستوى الحكومى للمستهدفات الوطنية، والمخاطر الثابتة المرتبطة بيقينية الحوافز السياساتية، ونوال الطاقة المولدة، واحتياز الأرض، والربط بالشبكة الكهربية، قد تستبقى تكلفة رأس المال عالية حتى فى حالة انخفاض تكلفة تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
• فى العديد من الدول النامية: لا تزال إمكانية التكامل الشبكى وإتاحية التمويل الذى يمكن دفعه هى أهم التحديات.
5-2 تحدى أسعار الوقود الأحفورى
أشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن "سوق الفحم فى المدى المتوسط" الصادر عام 2016 (IEA, 2016g) إلى أن أسعار الفحم من الأرجح أن تبقى منخفضة فى المستقبل، وتبقى الأسئلة عما إذا كانت تُسْتَرجَع كُليةً أبداً, وأسعار الغاز أيضاً يتوقع أن تبقى منخفضة خلال العقد المقبل فى ظل نمو مخطط للطلب العالمى على الغاز الطبيعى مُرَاجَعَاً على نحو هابط إلى 1.5% سنوياً حتى 2021.
أما أسعار النفط فمن المرجح أن تظل منخفضة حتى نهاية 2017 رغم أنها قد تُسْتَرجَع كلما انحدرت قدرات الإنتاج بمقتضى القصور الراهن فى الاستثمارات. وبينما كان هنالك بعض الضغط فى اتجاه الهبوط على الطلب على الغاز الطبيعى بسبب الانهيار فى أسعار الفحم على الأرجح، ترتئى تحليلات الوكالة الدولية للطاقة أن ارتفاعاً عما هو متوقع فى مستوى انتشارية المتجددات كان أيضاً عاملاً مهماً.
وعلى ذلك تواجه الكهرباء المتجددة تنافسية فعلية من الغاز والفحم أكثر من النفط، بينما تمثل أسعار النفط المنخفضة بثبات تخوفاً أكبر لانتشار الحرارة المتجددة والإنماء المتقدم للوقود الأحيائى Biofuel.
وفى المدى القصير (حتى عام 2020) يتوقع أن تُظَلِّل الإجراءات السياساتية انتشار المتجددات على نحو واسع وتقدم لها الحماية من تأثيرات الأسعار المُقَلَّصة للوقود الأحفورى.
على أنه قد تحدث تقطعات (انعدام استمرارية) سياساتية عام 2020 حيال انسحاب هيكلية الدعم المالى والتعزيز التنظيمى المُوجَّه من الاتحاد الأوربى للطاقة المتجددة
EU Renewable Energy --dir--ective (2009) نـحو الإغلاق بالتزامن مع إجراءات شبيهة فى الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك فهنالك العديد من اللاتيقنيات تجاه تنفيذ مخطط القوى الكهربية النظيفة لوكالة حماية البيئة الأمريكية (US EPA)، وما إذا كانت المستهدفات الراهنة لانتشار المتجددات فى الصين سيمكن تحقيقها أم لا.
وبينما تُزيد الأسعار المنخفضة للوقود الأحفورى على نحو ثابت مخاطر إضعاف الدعم السياساتى للمتجددات، وهنالك دليل محدود على أن ذلك حادث على أى حال،
ترتئى سيناريوهات السعر المنخفض للنفط فى الاستشراف المستقبلى للطاقة
العالمية World Energy Outlook 2015 (IEA, 2015b) 2015 عدم الجزم بحدوث ذلك فى المستقبل. وحقيقةً فإن الطريقة التى تُتَرجَم بها أسعار النفط إلى أسعار أخفض لبيع الكهرباء بالجملة قد تُقلِّص احتمالية التقهقر السياساتى مقابل تكلفة الدعم المالى للمتجددات فى قطاع القوى الكهربية.
ومعنى ذلك للحكومات الوطنية كى تفى بالتزاماتها حيال اتفاقية باريس أن رؤية كلية طويلة الأمد ستكون مطلوبة، إضافةً إلى التنفيذ المستمر للإجراءات السياساتية قصيرة الأمد للتعجيل بالانتقال خفيض الكربون للطاقة.
هذه الإجراءات تشتمل على ترحيل أكبر للدعم المالى للوقود الأحفورى، مثلما تتضمن آليات لتسعير الكربونCarbon Pricing Mechanisms، وإجراءات سياساتية وأسواقية محددة لحفز الاستثمارات فى المتجددات وكفاءة الطاقة وتكنولوجيات خفض الكربون الأخرى.
وتوفر البيئة السعرية المنخفضة الراهنة للوقود فرصة مثالية لإزالة الدعوم المالية للوقود دون فرض تأثيرات شاقة على المستهلكين.
5-3 جهد أكبر مطلوب للانتقال من سقف 2 درجة مئوية إلى ما دونها
معظم النقاش السابق تأسس على إحراز درجتين مئويتين كسقف للزيادة فى متوسط درجة حرارة جو الأرض، بَيد أن جهوداً إضافية ستكون مطلوبة لتحديد مسارات سياساتية للحد من الزيادة العالمية المتوسطة لدرجة الحرارة إلى الغاية الأكثر طموحاً "تحت 2 درجة مئوية على نحو كاف"، التى تم تبنيها فى مؤتمر الأطراف الحادى والعشرين COP21، وإحراز توازن بين مصادر الابتعاثات الأنثروبوجينية وإزالتها فى النصف الثانى من هذا القرن.
ورغم أن هنالك شك ضئيل فى أن المتجددات ستؤدى دوراً متزايداً فى التخفيف من التغير المناخى فى السنوات القادمة، فإن الطموح الزائد لاتفاقية باريس سيحتاج على الأرجح تكاملاً لمساهمات أكبر للمتجددات فى الطاقة العالمية عما سبق اعتباره ضرورياً أو ممكناً.
وكما نعرف فإن الابتعاثات التجميعية من القوى الكهربية والنقل والصناعة فى سيناريو الدرجتين المئويتين الزيادة اللتين يتعين عدم تجاوزهما تصل فى إجماليها إلى 870 جيجا طن من ثانى أكسيد الكربون خلال الفترة 2015 – 2050 ، وتمثل حوالى 86% من الابتعاثات الفعلية فى السيناريو، أما إحراز هدف "على نحو أخفض جيداً من درجتين مئويتين زيادة " فسوف يتطلب حذف حجم كبير من هذه الابتعاثات.
وينتظر المتجددات دور مرجح فائق الأهمية لتؤديه عبر هذه القطاعات الثلاثة فى معالجة الابتعاثات المتبقية، بما فى ذلك انتشار أسرع وأوسع للمتجددات فى قطاع القوى الكهربية لإحلال التوليد بالوقود الأحفورى، فضلاً عن استخدام أوسع فى النقل والصناعة. بل أكثر من ذلك ترحيل الاستخدامات النهائية إلى الكهرباء (مثل الانتشار الأوسع للمركبات الكهربية فى النقل) التى بالفعل قد انتزع كربونها على نطاق كبير، والتى يمكن أن تكون كذلك وسائل غير مباشرة مهمة لتخفيض الابتعاثات. فهى بمستطاعها أن تقلص الابتعاثات من النقل والصناعة، وكذلك قطاع المبانى، والقطاعات الأخرى غير القوى الكهربية، التى تُحتَسَب مجتمعة مع النقل والصناعة لغالبية ابتعاثات ثانى أكسيد الكربون خارج قطاع القوى الكهربية فى سيناريوالدرجتين المئويتين الزيادة اللتين يتعين عدم تجاوزهما، بما يقدر بحوالى 70% حتى عام 2050 وأعلى من 90% عام 2050 ذاته.
خــــــــاتمــــــــــة
ستستمر المتجددات فى إظهار أنها بإمكانها أن تتزايد وترتفع إلى مستوى تحدى توفير القوى الكهربية للاقتصاد العالمى، والإمداد بطاقة نظيفة يمكن دفع ثمنها لسكان العالم الذين يتزايدون على نحو مستديم.
على أنه فى ظل تحديات كبرى تلوح فى الأفق يتعين على الحكومات أن تستبقى وتستكمل السياسات القائمة كى تعزز انتشار المتجددات. فلا تزال الدعوم المالية مطلوبة بمستوىً عالٍ للرياح الأرضية والفوتوفلطيات الشمسية، لكن التكنولوجيات الأخرى لا تزال تواجه حواجز رئيسية أمام حيويتها الاقتصادية.
بل أكثر من ذلك.. لا تعنى المدفوعية affordabilityالجديدة للتكنولوجيات المتجددة إمكانية الاعتماد على السوق بشكل كامل لنشرها وتوسيعها، فهذه التكنولوجيات لها تكلفة جارية منخفضة ولكنها تتطلب استثمارات أمامية كبيرة، وتأمين كاف يجب توفيره للمستثمرين لأجل أن تكون هذه التكاليف الرأسمالية من الممكن دفعها.
كذلك فإن إدراك الكمون أو الإمكان الضخم لنشر وتوسيع استخدام المتجددات فى قطاعى الحرارة والنقل سيتطلب توفير المزيج الصحيح من الحوافز والإصلاحات التنظيمية، كما يتطلب تضافراً فعالاً مع القطاع الصناعى.
إن الطموح الأكبر نحو هدف "على نحو أخفض جيداً من درجتين مئويتين زيادة" سيتطلب انتشاراً أسرع وأوسع للمتجددات لإحلال حرق الوقود الأحفورى ، والأرجح لإحداث ارتحال أكبر قوة للاستهلاك النهائى إلى الكهرباء منزوعة الكربون.
إن التمكين للمتجددات كى تمنح العالم النمو الاقتصادى وإحراز المستهدفات خفيضة الكربون يتطلب اتساقاً سياساتياً، وتصميماً، ورؤيا – الرؤيا التى تمت مشاركتها فى مؤتمر الأطراف الحادى والعشرين فى باريس.
المراجع:
1. IEA (International Energy Agency) (2016a), World Energy Investment 2016, OECD/IEA, Paris. IEA (2016b), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2016, OECD/IEA, Paris.
2. IEA (2016c), World Energy Outlook 2016, OECD/IEA, Paris. IEA (2016d), Energy Technology Perspectives 2016, OECD/IEA, Paris.
3. IEA (2016e), Re-powering Markets: Market Design and Regulation during the Transition to Low-Carbon Power Systems, OECD/IEA, Paris.
4. IEA (2016f), Next Generation Wind and Solar Power – From Cost to Value, OECD/IEA, Paris.
5. IEA (2016g), Medium-Term Coal Market Report 2016, OECD/ IEA, Paris.
6. IEA (2015a), Medium-Term Renewable Energy Market Report 2015,OECD/IEA, Paris. IEA (2015b), World Energy Outlook 2015, OECD/IEA, Paris.
7. IEA (2015c), Energy Technology Perspectives 2015, OECD/IEA, Paris.
8. IEA (2014), The Power of Transformation – Wind, Sun and the Economics of Flexible Power Systems, OECD/IEA, Paris.
9. IEA/NEA (Nuclear Energy Agency) (2015), Projected Costs of Generating Electricity 2015, OECD/IEA/NEA, Paris.
10. IEA SHC (IEA Solar Heating and Cooling Programme) (2016), Solar Heat Worldwide: Markets and Contribution to the Energy Supply 2014 – 2016 Edition, OECD/IEA, Paris.
(مقالى المنشور بمجلة "العلم والحياة"- الإصدار الثالث، العدد الخامس، يناير 2018 - تصدرها أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بمصر)
#ماهر_عزيز_بدروس (هاشتاغ)
Maher_Aziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟