يتساءل المتتبعون لتطورات الأزمة العراقية حول جدية موقف البرلمان التركي من مسألة السماح بانتشار القوات الأمريكية المتجمعة على الشواطئ التركية فوق الأراضي التركية ، وعن المشاركة الفعلية للجيش التركي في الحرب التي أعدت لها الولايات المتحدة على العراق ، والتي باتت كما يبدو قاب قوسين أو أدنى من الاندلاع شرارتها.
أن تركيا بحكم العلاقة الوثيقة بالولايات المتحدة ، وتشابك المصالح الاقتصادية والروابط العسكرية والسياسية بينهما ،وبسبب كونها عضواً هاماً في الحلف الأطلسي ، وبسبب الهيمنة الحقيقية لقادة الجيش التركي على مقدرات الأمور فيها ، وهذا ما أثبتته الأحداث التاريخية السابقة ، حيث قام الجيش التركي بإسقاط العديد من الحكومات ، كان آخرها حكومة حزب الرفاه الإسلامي برئاسة أربكان فإن الحكومةالتركية ، ذات التوجه الاسلامي تجد نفسها اليوم في مأزق لا يمكن الخروج منه ، فهي لا تجد أي مجال لاتخاذ سياسة منفصلة حيال الأزمة العراقية على الرغم من عدم الرغبة في المشاركة في هذه الحرب والتي يمكن أن تؤثر تأثيراً بالغ السلبية على شعبية الحزب في أي انتخابات قادمة ، وستجد الحكومة التركية والبرلمان التركي في نهاية الأمر أن الانغمار في الحرب أمر لا مفر منه كي تتجنب الاصطدام بالولايات المتحدة من جهة ،وبقيادة الجيش التركي من جهة أخرى .
وفي اعتقادي أن البرلمان التركي سيصوت على المشاركة في الحرب والسماح لانتشار القوات الأمريكية على الأراضي التركية بعد الانتخابات الفرعية التي رشح نفسه فيها زعيم الحزب السيد رجب طيب أردوغان ،والتي ستجري يوم غد الأحد لكي يضمن فوزه فيها ، وبالتالي تولي منصب رئيس الوزراء ، حيث أن الشعب التركي بأغلبيته الساحقة يعارض المشاركة في الحرب ، مما يجعل مسألة فوزه بمقعد في البرلمان مشكوك فيها إذا ما صوت البرلمان للسماح للقوات الأمريكية للنزول في الأراضي التركية.
وهكذا فإن البرلمان التركي سيصوت ،على مضض ،مرة أخرى ، وفي القريب العاجل على السماح للقوات الأمريكية الانتشار في الأراضي التركية ، والمشاركة في الحرب ، وليس أدل على ذلك من بقاء القوات الأمريكية المرابطة على الشواطئ التركية وعدم مغادرتها المنطقة لولا أنها متأكدة من النزول على الأراضي التركية في نهاية الأمر ، وقبل نشوب الحرب ، وقد أفادت الأخبار بأن المعدات العسكرية الأمريكية تنقل على عجل عبر الأراضي التركية نحو كردستان العراقية ، فالحرب باتت وشيكة والولايات المتحدة على عجل من أمرها ، وهي لا تنتظر موافقة مجلس الأمن ، ولا تعير اهتماماً لمعارضة فرنسا والمانيا وروسيا، فقد أصبح الأمر بالنسبة لها أنها أمام خيارين ، فإما أن تفرض هيمنتها على العالم كقطب أوحد أو التراجع والانكفاء وهذا ما لا تسمح به ، فقد تملكها الغرور وأصابها هوس الهيمنة على العالم أجمع .، ولن تكون الحرب على العراق نهاية المطاف بالنسبة لها ، بل وبكل تأكيد ستكون بداية لإعادة تنظيم شؤون العالم بما تقتضي مصالحها الاستراتيجية ، وعالمها الجديد الذي تبشر به !! .