عفرين! .... الدولة القومية؟ أم دولة المواطنة والحقوق؟ .... ملاحظات سريعة
رزكار عقراوي
2018 / 3 / 29 - 00:26
1- إجهاض الانتفاضة السورية
الانتفاضة الجماهيرية التي انطلقت في سوريا قبل سنوات أخرجت من إطارها الجماهيري السلمي المناهض للدكتاتورية والمطالب بالحقوق والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبل أجهضت وتحولت سوريا الى ساحة فجة للصراعات الدولية والإقليمية وبألاخص الأمريكي والروسي وحلفائهم، وخلق ذلك مآسي ودمارا كبيرا وهائلا لمعظم سكان سوريا على مختلف الأصعدة.
2- الهجوم الوحشي التركي على عفرين
شهدنا في الأسابيع الماضية هجمات عسكرية وحشية كبيرة في سوريا وتركزت في منطقتين هما عفرين والغوطة الشرقية وذهب ضحيتها عدد كبير من المدنيين، وخلقت أجواء مأساوية في كافة النواحي لسكاني تلك المناطق من قبل الأطراف المتحاربة المستندة الى اجندات محلية ودولية، سواء كان النظام الدكتاتوري الحاكم في سوريا أو حلفاءه او معارضيه، او من روسيا وامريكا وتركيا والفصائل والمرتزقة المتحالفة معهم. النظام التركي يحاول قدر الإمكان تعزيز نفوذه داخل سوريا المقسمة حاليا من خلال قواته العسكرية بشكل مباشر، او من خلال قوى المعارضة السورية القومية – الإسلامية الموالية له، وقد كان له الدور الكبير في تقوية دور قوى الإسلام السياسي الرجعي والقوى القومية المتطرفة في سوريا ودعمها عسكريا وماديا ولوجستيا. خلال الأسابيع الماضية شنت الماكنة العسكرية الوحشية للدولة التركية وحلفائها من المعارضة السورية هجوما كبيرا على منطقة عفرين، من اجل انتزاعها من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا، واستطاعت القوات التركية وحلفائها رغم بطولة -قوات سوريا الديمقراطية وحلفائهم في الدفاع ومحاولة صد الهجوم-، من احتلال والسيطرة على مدينة عفرين والمناطق المحيطة بها بعد معارك عنيفة غير متكافئة، أدت إلى كارثة انسانية وقتل وموت الألاف من المدنيين الأبرياء وكذلك في صفوف القوات المتحاربة، وإلى موجة تشرد ونزوح كبيرة جدا بسبب أوضاع الحرب والصراع والعنف التي سادت المنطقة.
3- التضامن!
اعتقد انه علينا كيساريين وتقدميين أن نستند إلى هويتنا الإنسانية والأممية في التضامن مع معاناة كافة المدنيين في سوريا جراء الدكتاتورية والحروب والصراع المسلح، الذي يدفع ثمنه الأبرياء بغض النظر عن العرق او الدين او الطائفة او التوجه السياسي سواء كان في عفرين او الغوطة الشرقية أو الرقة أو دمشق.... الخ. وحسب تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية مارست كافة الأطراف المتحاربة في سوريا سواء كانت في السلطة او المعارضة، انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان وبنسب مختلفة. التضامن مع «عرق أو طائفة أو اتجاه سياسي» معين فقط واعتبار قتلاها ضحايا وشهداء، في حين غض النظر عن الجرائم التي ترتكب بحق مدني «الأعراق والطوائف والاتجاهات السياسية الأخرى» وحتى في أحيان كثيرة اعتبارها اعمالا بطولية لأنهم في معسكر «الأعداء»، هو برأي تفكير لا انساني وعنيف ومتعصب عرقيا وطائفيا، ويساهم في تعزيز التعصب والكره القومي والديني في مجتمعاتنا.
4- المعركة في عفرين كانت غير متكافئة
كيساريين وتحررين لا بد أن نتعامل بعقلانية علمية وندرس الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وموازين القوى الطبقية وقدراتنا من كافة الجوانب وقدرات وقوة «أعدائنا»، والإمكانيات الواقعية لتحقيق الحلول والسياسيات التي نطرحها وآلياتها، ونتجنب المشاركة بشكل مباشر او غير مباشر في حروب قومية خاسرة ومدمرة، ونتجنب الترويج لها أو دعمها، حيث انها لن تخلق غير المآسي الكبيرة للمدنيين وكذلك خسائر كبيرة بشريا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا لكل الأطراف.
الاستناد الى العقلانية والواقعية ضروري جدا وليس إلى «البطولات القومية» و«العزة القومية» و«مواجهة العدو القومي بكل السبل والى أخر طلقة!»..... الخ.. التي لا تحقق النصر في المعارك العسكرية، معركة عفرين كانت غير متكافئة عسكريا على الإطلاق ، حيث لا أرى من الصحيح الدخول في حرب تقليدية في مواجهة احد أضخم جيوش العالم والمجهز بالأسلحة الحديثة الفتاكة واحد اكبر أعضاء حلف الناتو، وكان من الأفضل للقوات الكردية الانسحاب من اليوم الأول للهجوم التركي، حيث كان واضحا انها صفقة تركية - روسية - أمريكية - إيرانية وبمباركة النظام السوري في مقابل إعادة سيطرته على الغوطة الشرقية.
5- حزب الاتحاد الديمقراطي او واجهات ب-ك-ك في سوريا
حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وملحقاته من قوات حماية الشعب وحماية المرأة.... الخ.. هي احد أهم الأقطاب الرئيسية للحركة القومية الكردية في سوريا، وتتبني بشكل واضح أفكار - عبدالله اوجلان - المستندة الى فكر قومي يساري، ولا احد يستطيع انكار الجوانب الإيجابية الكبيرة التي حققها حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا في مجال الحقوق المدنية وحقوق المرأة، في المناطق التي يحكمها مقارنة بالمناطق الأخرى في سوريا ولابد من دعمها، ولكن بقى حزب ذو صبغة قومية ومستند الى -عبادة الشخصية الاوجلانية- واستبدادي إقصائي تجاه الأفكار والفصائل السياسية الأخرى، وحسب تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش قامت السلطات التابعة للحزب بانتهاكات واسعة لحقوق الانسان في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا وفي مجالات مختلفة، واعتقد ان تجربة اليسار القومي الكردي من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي وتوابعه في سوريا، مهما تطورت فستكون بمستوى إصلاحات ذات صبغة يسارية ومدنية راديكالية شبيه بنظام حكم حزب البعث في العراق وسوريا في سبعينيات القرن المنصرم، والتي كانت احد اهم التجارب التاريخية لحكم اليسار القومي في الشرق الأوسط، وتحولت جميعها إلى أنظمة دكتاتورية - استبدادية فاسدة.
6- التوهم بالدول الكبرى وبالأخص أمريكا
حزب الاتحاد الديمقراطي من خلال -قوات سوريا الديمقراطية- في تحالف وثيق جدا مع القوات الأمريكية في سوريا، ولهم تنسيق وعمل مشترك عسكريا بشكل واسع، رغم انه حزب قريب من حزب العمال الكردستاني - تركيا الذي يصنف أمريكيا في خانة المنظمات الإرهابية.
أمريكا كأكبر قوى رأسمالية تدعم معظم الأنظمة الرجعية والعنصرية في العالم، ولم تكن يوما ما في صف الشعوب المضطهدة والقيم الإنسانية والتحررية، إنها موجودة في سوريا فقط لأجل ضمان مصالحها الإستراتيجية في سوريا والمنطقة ومواجهة النفوذ الروسي. واعتقد ان تحالف أمريكا مع - قوات سوريا الديمقراطية- هو لسد فراغ ونقص أمريكي في عدم وجود قوات برية كبيرة لها على الأراضي السورية من خلال القوات النظامية او الشركات الأمنية، وبالتالي تعتمد على القوى العسكرية البشرية لـ -قوات سوريا الديمقراطية- في تنفيذ أجندتها داخل سوريا. هذا التحالف مشابه لتحالف بعض إطراف المعارضة العراقية من خلال - المؤتمر الوطني العراقي- مع أمريكا سياسيا وعسكريا قبيل إسقاط النظام البعثي الدكتاتوري في العراق، واعتقد انه تحالف وقتي هش ووفق المصالح الأمريكية، ويضفي الشرعية على التدخل الأمريكي وممارساته في سوريا، إضافة على إنها مساهمة في تجميل وجه أمريكا القبيح والكالح محليا وإقليميا وعالميا. أمريكا معروفة بالتخلي عن حلفائها عند انتهاء مهماتهم! أو عندما تتعارض مع أجندتها كما حصل في عفرين، ولدينا أمثلة كثيرة أخرى، ومصالحها الإستراتيجية مع تركيا هي الأهم والأساس والمسألة قضية وقت لا أكثر.
7- الدولة القومية؟ أم دولة المواطنة و الحقوق؟
اعتقد ان التطور الفكري والمعرفي والحقوقي الكبير للبشرية، وسيادة ثقافة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية التي تستند الى الحقوق المتساوية والمواطنة، تتعارض الان بشكل كبير مع الولاءات الاثنية والدينية ومفاهيم الحكم -الدولة القومية-، ونرى الآن ان معظم الدول القومية في الشرق الأوسط والعالم العربي تحولت الى دكتاتوريات مستبدة تدير دولاً فاشلة عن طريق القمع والفساد، وعجزت عن توفير أدنى درجات المساواة والعدالة الاجتماعية لمواطنيها حتى لمواطني «القومية الحاكمة! »، وتفتقد إلى ابسط مقومات الحكم الديمقراطي الرشيد، وأنظمة دكتاتورية كالنظام البعثي القومي العروبي في سوريا، هما مثال للدولة القومية الحاكمة، ودولة جنوب السودان وتجربة شبه الدولة في إقليم كردستان العراق لحين مرحلة ما قبل الاستفتاء، هما مثال - للدول القومية المتحررة والمستقلة- حديثا.
لذلك أرى انه لا بد من المطالبة بتحييد دور الدين والقومية عن الدولة وتقييد تشكيل أحزاب على أساس ديني او قومي، والعمل والنضال من اجل دولة المواطنة الدستورية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان والمساواة وسيادة القانون وفصل السلطات والخدمات لا بد أن يكون أساس ومحور نضالنا الآن، ومن خلالها تتحقق المساواة وضمان الحقوق القومية لكل القوميات والأديان، وليس التركيز على حشد الجماهير الكادحة على أساس قومي وإدخالهم في حروب وصراعات قومية وأزمات عميقة وتأجيج التعصب والكره القومي، من اجل بناء دول - اطر جديدة على أساس قومي لن تكون في الاخير غير ممثل لمصالح البرجوازيات القومية ولخدمة أهدافها.