أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-














المزيد.....

عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 5829 - 2018 / 3 / 28 - 17:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تسارع الفقهاء المغاربة ومساعدوهم من الدعاة كعادتهم إلى اتهام غيرهم بالجهل، في سياق النقاش الدائر حول الإرث وإلغاء "التعصيب". و"الجهل" هو الكلمة التي على طرف لسانهم في مثل هذه الظروف، والقصد منها صرف الانتباه عن المواقف التي تزعجهم، ووضع حدّ للنقاش الذي لا طاقة لهم به، لأنه يكشف عن جوهر المشكل الذي يتخبطون فيه: أنهم لا يريدون أن يعترفوا بأن قواعد الفكر الفقهي التراثي التي يجترونها لم تعد تجيب على الأسئلة الملحّة التي يطرحها الواقع المتجدّد.
لا يبدو أن الفقهاء ينتبهون إلى أمر أساسي، أن المشكل لا يتعلق بالجهل بالدين أو بالشريعة، بقدر ما يتعلق بتجاهل الواقع، حيث ما زال فقهاء التقليد يُصرون على عدم اعتبار الواقع مرجعا للتفكير، معتقدين بأن الفقه القديم وحده، وحفظ المتون والحواشي، كاف للإجابة على جميع الأسئلة التي يطرحها الناس، بينما الحقيقة أن الأسئلة المنبعثة من صميم الواقع الحالي بعيدة كل البعد عن أن تحيط بها منظومة الفكر الفقهي التراثي الذي أصبح في وضعية صعبة.
إن الذين يطالبون بإلغاء "التعصيب" إنما فعلوا بسبب المظالم الشنيعة التي لم يعد يقبل بها كل ذي ضمير حيّ، بمن فيهم الفقهاء أنفسهم عندما تصبح بناتهم في خطر، وهذا واقع لم يعُد يخفى على أحد، لكن بجانب ذلك فالمطالبون بإلغاء "التعصيب" يعلمون أيضا بوجود مذاهب فقهية رافضة لهذا النظام، ما يجعل خطوتهم التي أقدموا عليها منسجمة تماما مع الدعوة القائلة بأنه يمكن التجديد من داخل المنظومة الفقهية نفسها، وتحقيق مكاسب حقوقية للنساء.
ويحق لنا مع هذا التساؤل عمن يعاني حقا من "الجهل"، هل الحداثيون الديمقراطيون أم الفقهاء ؟ فالأساليب الملتوية وأنواع التحايل التي أصبح يلجأ إليها المجتمع لتجنب النتائج الخطيرة لـ"التعصيب"، تدلّ بما لا يدع مجالا للشك على أن هذا النظام أصبح مثار رُعب حقيقي بالنسبة للعائلات المغربية، فلم يعد يمكن معه القول إنه نظام عادل وربّاني ومصدره السماء وأن لا سبيل إلى تغييره.
لم ينتبه فقهاء التقليد ومساعدوهم من الدعاة إلى أنه على مدى القرن العشرين المنصرم، واجه الفقهاء كل الانتقادات التي وُجهت لمنهجهم باتهام مخالفيهم بـ"الجهل"، بينما تبين فيما بعد أن أولائك الذين اتهموا بالجهل كانوا على حق، وأن الفقهاء هم من كانوا مخطئين، لكنهم رغم ذلك لم يعتذروا أبدا عن أخطائهم.
ويتهم الفقهاء بالجهل من يتحدث في موضوع ديني وهو ليس من أهل الاختصاص في الدين، أي ليس فقيها، دون أن ينتبهوا إلى أمرين اثنين: أن السبب الرئيسي لخوض الناس في شؤون ذات صلة بالدين هو إصرار الفقهاء على إقحام الدين في شؤون الدولة والسياسة وتدبير الشأن العام، من منطلق اعتقادهم الراسخ بأن الدين دولة وحكم وغلبة، متناسين بأن كل ما يُقحم في السياسة يصبح بالضرورة، وبشكل لا جدال فيه، موضوع نقاش وأخذ ورد، لأن السياسة طابعها النسبية والاختلاف.
والسبب الثاني أن الكثير من "أهل الاختصاص" في الدين يرتكبون أخطاء فادحة عندما يلجأ إليهم الناس مكرسين رغبة هوجاء في الاحتواء والردع، بمنطق مضاد للعقل والواقع والقانون، ويكفي أن نذكر بهذا الصدد ما كان ينشره فقهاء "التوحيد والإصلاح" في ركن بجريدة "التجديد" من "فتاوى" مخجلة موجهة للمواطنين، وهو الركن الذي اختفى بعد أن أصبح موضوع تندّر في الصحافة.
وماذا عندما يُعبّر فقيه متخصّص ومجتهد عن موقف مضاد لمواقف فقهاء التقليد ؟ عندئذ لا يجرؤ الفقهاء على استعمال نعت "جاهل" ، لكنهم يعمدون إلى حيلتين أخريين لمواجهته ونزع الشرعية عن رأيه التنويري: الأولى بالقول إنه رأي "شاذ مخالف لإجماع جمهور العلماء" ، والثانية نعته بأنه "متشيع" أو متأثر ببعض "المذاهب المنحرفة".
أما إذا أوردنا للقراء الأعزاء لائحة بأسماء المفكرين الذين اتهمهم الفقهاء بـ"الجهل" منذ بداية القرن العشرين فقط إلى اليوم، فسيستغربون بلا شك، لأنهم سيكتشفون بأن الكثير من عظماء الفكر والعلوم وحتى السياسة، الذين صنعوا التاريخ الحديث لشعوبهم، اتهموا من قبل الفقهاء وهوجموا بدون تحفظ عندما عبروا عن أفكار لم يستسغها الفقهاء بسبب الجمود الفكري لا غير.
هل نضجت الشروط المجتمعية والتاريخية لمراجعة نظام الإرث الإسلامي ؟ نعم، والواقع هو المحك الحقيقي، فلا شيء في تفاصيل الواقع الراهن يمتّ بصلة للواقع القبلي والعشائري العربي الذي ساد قبل قرون طويلة، كما أنّ العائلة النووية التي نعيش في ظلها اليوم، لم تعد هي العائلة الممتدّة التي وُجدت من قبلُ، والتي جاءت النصوص الدينية مطابقة لها. ولا مجال لحظر النقاش ومضايقة أهله أو اتهامهم بـ"الجهل"، فالجاهل من يغوص في بطون كتب التراث القديم وهو لا يرى موطئ قدمه عند خروجه من باب بيته.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق المرأة و-استقرار الأسرة-
- الحركة الأمازيغية وإسرائيل : أسئلة وتدقيقات
- التعامل الديني القاسي مع الأطفال يتعارض مع البيداغوجيا العصر ...
- هل أصبحت مهمة سائقي التاكسي نشر الجهل والتطرف ؟
- إلى أحمد الريسوني: من أوصل الجامعة المغربية إلى حافة الإفلاس ...
- مشكلتنا مع الدّعاة وفقهاء التشدّد
- عندما يعتلي الجهلُ منابر المساجد
- لماذا لا يحسن المسلمون الدعاية لرأس السنة الهجرية ؟
- نهاية مقامر
- القدس عاصمة الديانات الثلاث، ينبغي أن تكون منطقة دولية
- مقترح قانون حزب العدالة والتنمية بشأن العربية نكوص ذهني متأخ ...
- في الحاجة إلى الفلسفة، ضد العنف والوصاية
- حِجّية الحديث (بصدد النقاش حول البخاري)
- ما الذي يمكن للبهائية أن تقدمه للمسلمين اليوم ؟
- الاعتراف بالتعددية الدينية وحرية الضمير من أوليات الحياة الد ...
- وحدة العراق، مطالب الكُرد، وموقف الحركة الأمازيغية
- معاني الدولة، السلطة، والوطن
- أي مغرب نريد ؟
- الشعور الوطني والنشيد الوطني
- الاقتتال بسبب الدين من مظاهر غباء البشر وانحطاطهم


المزيد.....




- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
- عبود حول تشكيلة الحكومة السورية الجديدة: غلبت التوقعات وكنت ...
- بقائي: يوم الجمهورية الإسلامية رمز لإرادة الإيرانيين التاريخ ...
- الخارجية الايرانية: يوم الجمهورية الإسلامية تجسيد لعزيمة الش ...
- الملك المغربي يعفو عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة قيادة ش ...
- بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
- العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك ...
- اتصالات هاتفية بين الرئيس الإيراني وقادة الدول الإسلامية


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-