|
«من اليقين إلى الشك» 2 حائر فى حضرة رئيس تحرير متصوف
سليم صفي الدين
الحوار المتمدن-العدد: 5829 - 2018 / 3 / 28 - 03:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ذهبتُ إلى مكتبى المتواضع فى الجريدة، لألملم أغراضى بعدما قدمت طلب الإجازة لمدة شهرين، ولم أنتظر الرد، سأحصل على الإجازة حتى وإن رفضوا! جاء أحد زملائى يبلغنى أن رئيس التحرير يود مقابلتى، آه، لا أريد أن أتكلم، بالتأكيد سيسألنى عن سبب الإجازة، لا أنكر حبى لهذا المجنون المتصوف، العاقل الطائش، الجامع بين كل النقائض.
لملمتُ أغراضى، وخرجتُ مسرعًا، لا أعرف لماذا أتحرك بسرعة، ولماذا أنا متوتر، أثناء خروجى إلى صالة التحرير، ارتطم كامل جسدى بجسد فاتنتى، صرخت هى بشكل لا إرادى، شعرت بنهدها يخترق ضلوعى، لطالما تعبدتُ لصاحبة المرمر، هويت راكعا بين قدميها ألملم أغراضى، ظاهريًّا، بينما داخلى يطلب الرحمة والمّن، أنا لا أحبها، بل أعشقها، وحال بيننا خوفى بالاعتراف، وقفت منتصبا بعدما جمعت أغراضى وقوتى، بينما هى تضع يديها على خديها المغموزين بحسن الدلال، وتنظر إلىَّ بعينين، كامل الكون أمامهما سجن ضيق! تلعثمت وتصبب العرق منى، لن أنسى هذه اللحظة، حينما سكنت الجنة فى زمن غير محسوب. ضحكت بصوت يشبه زقزقات الكنارى، وقالت: مافيش مشكلة، إنت كويس؟ أجبت دون أن أتكلم، فقط هززت رأسى، وانصرفت دون رد، فلو وقفت لثانية أخرى قد أنهار أمامها، أنا الذى لم يهزمنى شىء، انهزمت أمامها بكاملى وكلى.
دخلت مكتب رئيس التحرير، يجلس ذو البشرة السمراء، منحنيا على مكتبه، مشبك اليدين، ما إن رآنى، رمانى بسؤال: عمرك شوفت صحفى ياخد إجازة شهرين؟ رغم أنى صاحب صوت مسموع، ورأيى قوى، ولا أخشى التعبير عما أريد بأى طريقة، إلا أننى ما إن جلست أمامه، خفت صوتى، واستمعت لحديثه، وكأن على رأسى الطير.
لم ينتظر إجابة، بمجرد النظر فى عينى، وطريقة حضنى لمتعلقاتى بين ضلوعى، قال: الأمر جلل، وأمسك القلم وأشر بالقبول على إجازتى، وقال: أتمنى لك رحلة صوفية خالصة! انصرفت بعد توديعه، وأنا أسأل نفسى، لماذا رحلة صوفية؟ أنا أحب الصوفيين، لكنى لست صوفيًّا، آه، أنا لست شيئًا حتى الآن.
خرجت إلى صالة التحرير، وعينى تبحث عن صاحبة المرمر، ست الحسن، فتاتى المدللة، إلهة الجمال على الأرض، فجأة وجدتها أمامى، وكأنها تقول لى: أنا هنا، تهت فى سحر عينيها، بحر من ملكوت غير متناهٍ، رجعت إلى الدنيا وأدركت ما حولى، بعدما قدمت يدها الناعمة لتسلم علىَّ، ولأول مرة ودون وعى، انحنيت مقبلًا يدها، فى حالة من الاندهاش منها، لم يكن أحد يرانا، يفصل بين مكتب رئيس التحرير وصالة التحرير طرقة خالية دائما من المارة والأحداث، قميصها الأبيض زاد جمالًا بعدما ارتدته، هى لا شبيه لها، بل يشبهها كل جميل، رن هاتفى فجأة، فانتفضتُ، ضحكت، فنورت الدنيا من حولى، الحسينى يتصل بى، اعتذرت لفاتنتى، ابتسمت وقالت لى: طمنى عليك دايمًا، تجمدت أعضائى وانتابنى الذهول، لأول مرة تطلب منى هذا الطلب، غير أن عينيها كانتا تحتضناننى، كأنها تقول لى: هون عليك، أحيانًا أشعر أنها تعرف أمر عشقى لها وتعبدى إليها، وأحيانا أخرى أشعر أنها لا تكترث لجبان مثلى، يخشى التعبير عن مشاعره ولا يستطيع حسم موقفه من الأديان.
رددتُ على الهاتف، مر نحو 5 أيام لا أكلم فيها أصدقائى فى الخارج، ولا أعرف لماذا فجأة قررت أن أرد على الحسينى، الغريب أنه عرف بأمر إجازتى، التى لا يعرف عنها أحد شيئا، كعادته كان ضحوكًا، وأعرب عن قلقه علىَّ من رحلة البحث المزعومة التى أود خوضها، لكن لا جديد حسمت أمرى.
حزمت حقائبى وجهازى اللوحى، واصطحبت العود، كى أعزف فيهون علىَّ، وذهبت إلى المعمورة، هناك ترك لى أبى شقة، وتركت أمى شاليهًا فى مكان هادئ للغاية، قبل أن يرحلا معا بعد انقلاب السيارة بهما، ويتركاننى وحيدًا.
مر اليوم الأول فى تجهيز المكان، وبعض الاتصالات المتقطعة مع أصدقائى المجانين، الحسينى دائمًا يطمئننى، والمحمدى يسعى لمنطقة كافة الأمور، ويرى أن قرارا بالانعزال رحلة فى طور الفلسفة البوذية، على عكس الحسينى الذى يرى أننى أضيع وقتى، فالكون جاء بفضل الانفجار العظيم، وداروين فى نظرية التطور، وصل للخلية التى جئنا منها جميعًا، أما جورج ميخائيل، فله رأى آخر، انعزالى، رحلة صوفية خالصة، والبحث يجب أن يكون بالسؤال، على مذهب المعتزلة!
آه، المسيحى صار مسلمًا، والمسلم ألحد، ورابعنا اعتنق البوذية، وأنا فى حيرة من أمرى!، اليوم أبدأ رحلة البحث، باسم الــ...، باسم من أبدأ؟! أنا جئت لأعرفه، باسم الله، باسم المسيح، باسم النور، باسم بوذا، باسم عيسى، باسم محمد، باسمى أنا، باسم من؟
* الأسبوع القادم ننشر الحلقة الثالثة.
#سليم_صفي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
«من اليقين إلى الشك» 1 حسن ومرقص وبوذا
-
«المصدومون فى الإله».. لعنة شريعتى
-
رعب الجمعة.. «ازدراء الإنسان»
-
التهمة «حوار صحفى»!
-
من مهدى عاكف إلى أبوالفتوح.. يا حرية لا تحزنى
-
عفروتو المجني عليه!
المزيد.....
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|