|
الخطاب التكنوقراطي كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي -- العلاقات الزبونية والوعي الطبقي ( 13 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5825 - 2018 / 3 / 24 - 14:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالإضافة الى الخطابات السابقة التي تعادي أي تحول فكري او مفاهيمي يرتبط بالجماهير و بالشعب ، ويتحنط كالحلزون ( القوقع الصحراوي ) ضمن الخطاب الأبوي الفارض لوصاية بتريركية ، تجعل سكان الأرض ، الرعايا ، و مَن مِنَ المفروض ( ممثليهم ) من كائنات حزبية ونقابية وجمعوية ، ملكا للمشرفين على الباتريمونيالية والبتريريكة ، وتُحوّل الجميع خدما للأعتاب الشريفة التي تلف كل المجتمع ضمن التقاليد المرعية ، والطقوس القروسطوية ، وتميز نوع النظام السائد عن غيره من الأنظمة الفاعلة في العالم ، بطقوس البيعة ، والامارة ، والامامة ، والرعية ، والانتساب الى النبي ، رغم ان هذا لم يخلف من بعده ولدا ذكرا . ان هذا التغليف الأسطورة ، يكبّل الحركة ، ويحول دون الجديد ، ويمنع التجديد بدعوى ان كل المراسيم محبوبة من الله ، ومستمدة من القرآن ومن الإسلام . وحين يجابه البتريركي بالقرآن والإسلام رعية تسيطر على مخيلتها الاقدار السماوية ، ولصيقة بالتقليدانية والمحافظة الشعبوية ، ويسكنها الخوف من القادم من غضب ( الله ) ، ويسيطر عليها الهول من هجوم الطبيعة ( الكوارث ) المختلفة ..... لخ ، فان أي انتقاد للبتريركي البتريمونيالي ، سيجلب غضب الله وسخطه ، وينتهي بأصحابه الى جهنم . وبخلاف هذه الخطابات الأركاييكية ، سنجد خطابا آخرا رغم انه يحاول التمايز ، فانه يظل في كل اطوار تدحرجه ، خاضعا للخطاب الأبوي الخطاب الوحيد بالدولة البتريركية . ان الخطاب التكنوقراطي الذي كانت تبلوره نواة برجوازية الدولة الناشئة ، كان يختزل مجموع المشاكل التي تعيشها البلاد في مشاكل تقنية ( عبدالله العروي ) او اقتصادية في احسن الأحوال ، وبذلك يطمس – هذا الخطاب – مجمل المشاكل الاجتماعية والسياسية ، وبالأساس مسألة الحكم السياسي وطبيعته . وتتحول الطبقات والفئات الاجتماعية في منظور الخطاب التكنوقراطي الى طبقات إحصائية ، والى مجموعة ارقام ومؤشرات اقتصادية ، وتصبح الطبقات الاجتماعية بهذه العملية عبارة عن هيكل عظمي . وفي ضوء هذا المنظور الأيديولوجي التقنوي ، تنتفي الطبقات والصراع الطبقي / الاجتماعي ، وليحل محلها تراتب الطبقات الإحصائية ، ومشاكل التوازنات الاجتماعية القطاعية منها او العامة . ويتميز الخطاب التكنوقراطي بكونه يلغي من حقله النظري ، وعلى الصعيد العملي / السياسي كذلك ، مسألة التبعية والسيطرة الامبريالية ، بل هو خطاب يعول على المساعدة والتعاون التقني لتجاوز التخلف وكل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد . ويتناقض هذا الخطاب التكنوقراطي مع بروز الوعي الطبقي / الاجتماعي لدى الطبقات / الفئات المستغَلّة والمسُودة ، لكونه يخفي الطبيعة الاجتماعية / الطبقية للمشاكل التي تعيشها البلاد ، ويركز على جانبها التقني فقط أولا . ولأنه يلغي دور المواطنين في حل هذه المشاكل ، ويلقي بكل الأعباء على الدولة التي وحدها تستطيع التصدي لهذه المشاكل سيما ان الجماهير الشعبية " لا تفقه شيئا " في قضايا التقنية المعقدة ثانيا . ولأنه يرفع الدولة عن الانحياز ويصورها كجهاز فوق الصراعات ، أي جهاز لا طبقي ، الامر الذي يخفي طبيعتها الطبقية ودورها المنحاز ثالثا . والى جانب كل هذا ، يفرز هذا الخطاب وهم " وحدة " مصالح كل مكونات الشعب وعدم تناقضها ، ويعامل الافراد والفئات والطبقات كمجرد ارقام وحصيلة مؤشرات اقتصادية وتقنية في خدمة الدولة البتريركية . لقد شكلت العلاقات الزبونية التي استشرت بالمجتمع اكبرعائق لتبلور وبروز وعي طبقي / اجتماعي ببلادنا . وهذه الحقيقة ليست وليدة اليوم ، بل ترجع بالأساس الى الظروف السياسية والاجتماعية التي تبلورت منذ سنة 1956 . فقبل الإعلان عن استقلال المغرب ، كانت شبكات العلاقات الزبونية تضطلع بدور اجتماعي / سياسي بارز في مجتمعنا . ، ولقد اشرنا الى استعمال هذه الشبكات الأخطبوطية من قبل الاستعمار وعملاءه ، للتصدي للمقاومة ولجيش التحرير والحركة الوطنية . لكن ، السؤال . هل أدى رحيل الاستعمار المباشر الى هدم شبكات العلاقات الزبونية ؟ وكيف كان موقف الدولة ، أي النظام ومن خلاله الطبقات السائدة من جهة ، والحركة الوطنية من جهة أخرى ، من هذه العلاقات الاجتماعية المتخلفة ؟ بعد الإعلان عن الاستقلال الشكلي لبلادنا ، كانت الحركة الوطنية ممثلة بحزب الاستقلال أساسا ، تحظى بتأييد شعبي واسع ، وبنفوذ سياسي كبير ، وكانت الطبقات السائدة ترى في هذا الواقع تهديدا دائما لسلطتها ، سيما ان مرتكزاتها الاجتماعية / الطبقية لا زالت هشة ، وقد لا تصمد امام زحف الحركة الوطنية وجناحها اليساري بشكل خاص . ولذلك سعى النظام ومنه الطبقات السائدة ، الى تقوية شبكات الزبائن التي كانت ترتبط بها قديما ، والى خلق شبكات جديدة من الزبائن من جهة ، وعملت على الحد من التطهير، ومن تقويض دعائم شبكات الزبائن التي استعملت من طرف الاستعمار ضد الحركة الوطنية والقصر ، وكانت حمايتها لهذه الشبكات ترمي الى الحفاظ على قوتها لتوظيفها من اجل توطيد مرتكزات سلطتها ( سلطة الطبقة السائدة ) لاحقا من جهة أخرى . وكانت الطبقات السائدة مستفيدة في ذلك من نفوذها داخل الأجهزة المختلفة للدولة ، وتعمل على تمتيع الممسكين بخيوط هذه الشبكات ( كبار الملاكين ، الاقطاعيين ، القيّاد ، الباشوات .... لخ ) بشتى الامتيازات ( تسهيل تفويت أراضي المعمرين الفرنسيين للمعمرين الجدد ، تسهيلات الحصول على القروض ، الوظائف .... لخ ) مقابل تجنيد هذه الشبكات لدعم مخططات النظام الرامية الى بسط / تقوية هيمنته وتقويض سلطة ونفوذ حزب الاستقلال . وكانت هذه العلاقات الزبونية بكل ما يصاحبها من تبعية شخصية وولاء ...لخ تخدم مصلحة تركيز قوة النظام من جهة ، وتساهم في تعميم وعي الطبقات / الفئات الشعبية المستغَلة والمسودة بمصالحها ، وتقوي تبعيتها لمضطهديها . ولئن كانت الحركة الوطنية تعادي ظاهريا كل اشكال العلاقات الزبونية لكون الاستعمار يوظفها لمحاربتها ، فإن واقع ممارسات الحركة الوطنية ، قد كانت مخالفة لمظهرموقفها الحقيقي . ذلك انها لن تتردد في استعمال العلاقات الزبونية لخدمة القضية الوطنية ، وكان التجنيد والاستقطاب يوظف علاقات القرابة والاقليم والقبيلة لتوسيع نفوذ الحركة ونشر الفكر الوطني . وفي بعض الحالات كانت القبائل تنضم الى الحركة الوطنية ، او تساند جيش التحرير ، لأن احد افرادها المؤثرين قد التحق بالحركة الوطنية. ولم تتوقف هذه الممارسات بعد خروج الاستعمار ، بل على العكس من ذلك ، حيث أدت سيطرة الحركة الوطنية على بعض أجهزة الدولة الى استغلالها لنفوذها بهدف توسيع شبكة الزبائن المؤيدة لحزب الاستقلال . وبعد انشقاق 1959 ، ورث الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعض شبكات الزبائن التي كانت موالية لجيش التحرير ، وأصبحت بعض القبائل اتحادية أباً عن جد ، وبعضها الآخر استقلاليا ، في حين اصبح بعضها الآخر يدين بالولاء للحركة الشعبية . وكانت ممارسات الحركة الوطنية هذه ، تخفي جوهر التناقضات الاجتماعية وتذكي موضوعيا ، النزعات الإقليمية ، وبكل هذا تتناقض مع بروز وبلورة وعي الطبقات / الفئات المستغَلة والمسودة بمصالحها . ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوى التنازل عن الجنسية المغربية
-
الكذب الذي هو رذيلة اخلاقية يصبح فضيلة سياسية في المغرب
-
( النخبة -- الاحزاب ) في المغرب لا تعيش السياسة ، لكنها تتعي
...
-
شهر ابريل القادم دورة قد تكون استثنائية لمجلس الامن حول قضية
...
-
الخطاب البتريركي الباتريمونيالي -- خطاب النظام -- ( 12 )
-
الديمقراطية مطلب الجماهير ام مطلب النخبة
-
الشعار السياسي المرحلي
-
الخطاب العنصري / القبلي / الطائفي كعائق لتبلور وبروز فكر طبق
...
-
المقاومة وجيش التحرير كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي جماهيري
...
-
الوعي الوطني كعائق للوعي الطبقي / الاجتماعي ( 9 )
-
الإتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية . اللّهمّ لا شمات
...
-
في دولة تجمع مواصفات وصفات البتريركية ، الباتريمونيالية ، ال
...
-
سبع سنوات مرت على حركة 20 فبراير
-
الركود وراء سراب الاغتناء السريع غير المشروع -- الحركية المج
...
-
الإنتهازية والوصولية وثقافة التقاليد البالية الممزوجة بثقافة
...
-
دائما محاولة لتشخيص اسباب انعدام بروز وعي / اجتماعي / طبقي ج
...
-
عوامل حالت وتحول دون بروز وعي اجتماعي / طبقي جماهيري شعبي --
...
-
ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي / طبقي شعبي جماهيري بالمغرب ؟
...
-
وعي جماهيري شعبي اجتماعي امْ وعي طبقي ؟ ( 2 )
-
صراع طبقي ام صراع اجتماعي ( 1 )
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|