|
الحداثة كاملة أو لا تكون !
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 5824 - 2018 / 3 / 23 - 08:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرا ما نجد انتقائية لدى الكتاب في التعاطي مع مسألة الطابوهات وهذه الانتقائية تتجلى في الاختزال والتجزيء وعدم النظر الى المسائل في كليتها وشموليتها، فمثلا يعتبر الجنس قضية اجتماعية وسياسية، فتحرير جنسانية الفرد تبقى مشروطة بالمجتمع الذي يتأطر داخله الفرد، فإذا كان المجتمع متحررا لن تكون هناك أية قضية جنسية على الإطلاق، لأن المجتمع تصالح مع ذاته وصارت الأخلاق متماهية مع الممارسة، ولكن إذا كان المجتمع محافظا ومتزمتا، فإن الرغبة الجنسية سوف تعبر عن ذاتها بشكل خفي وسوف تظل طي الكتمان ولن تتحقق إلا في الكواليس، لأن الرقابة الاجتماعية والسياسية تعمل على قصها، وهذا ما يجد تعبيره في الأفلام والمسلسلات المغربية، إذ يتم قص كل ما يمت بصلة إلى الجنس من قبل أو عناق أو ممارسات حتى صار الليل/ الظلام مرادفا للجنس، تقول ليلى السليماني في كتابها 《Sexe et mensonges la vie sexuelle au Maroc 》: 《 المجتمع المغربي يبقى مجتمعا محتشما بما فيه الكفاية في كل مسائل الجنس ، في طفولتي أتذكر على التلفاز أو السنيما غالبا ما وجدت صعوبة في فهم خدعة الفيلم لأن كل مشاهد الجنس وحتى القبل كان يتم قصها 》 (page 34) يتضح من خلال هذه القولة أن المجتمع المغربي مجتمع محتشم، ولكن الأمر ليس كذلك، ففي الواقع يبقى المجتمع مجتمعا منافقا لا يعبر عن ذاته بصدق ولم يتصالح مع نفسه، أليس الجنس واقعا وممارسة ؟ فلماذا لا يتم التعبير عنه بشكل أمين وصادق، إن الجنس حق من حقوق الإنسان، وحاضر ومبثوث ومن المستحيل بتره واجثثاته لأنه مرتبط بالغريزة التي تفوق الفرد والمجتمع والدولة، إلا إن السليماني تكتفي بمقولة الحشمة، كأن المجتمع عفيف وطاهر وقليل التعاطي مع الجنس، ذلك ينطبق على الرهبان البوذيين ممن يصيرون نباتيين ويعتزلون في الجبل ويمكثون بعيدا عن النساء، لكن المجتمع المغربي شيء آخر. إن الفرد يدعي العفاف والأخلاق وفي الآن نفسه يمارس الجنس، لا يستطيع أن يتحدث عن الجنس بكل أريحية مع جميع الأفراد الذين يحيطون به كأن الجنس لعنة، إنه مرغوب ومنبوذ في الآن نفسه، وهذه الازدواجية تسمى بالنفاق أي عدم المصالحة بين الفعل الجنسي والإيمان به كفكرة / قناعة . وفي هذا الجانب تتحدث السليماني عن طفولتها حينما كانت تشاهد فيلما في التلفاز أو السينما حيث كان يتم قص مشاهد من الفيلم تتحدث عن الجنس أو القبل . إن هذه الحكاية الطفولية جد معبرة لدى السليماني، إذ توحي بفكرة الطفل الذي يشعر بالخوف من الإخصاء، فالفيلم دون جنس كالطفل المخصي، إذ يتحول إلى صحراء أو إلى أرض بوار، لا حياة فيها، بل حتى القبل تكون غائبة تماما ويتم قصها، فتصادر الحياة وكل معاني الولادة والتجدد. ويصير الفيلم عبارة عن حركات ميكانيكية وآلية، كيف نخلق عملا ابداعيا والمجتمع يمارس وصايته على الأفلام؟ أليس الفيلم انعكاسا للمجتمع ؟ وهنا أسائل السليماني : من المسؤول عن الرقابة على الأفلام ودور السنيما والتلفاز ؟ لماذا لا تتحدث عن العامل السياسي ؟ إن السليماني تختزل التخلف الاجتماعي فقط في الجانب الجنسي، بينما في الواقع يعتري التخلف كل مفاصل المجتمع، فالرقابة السياسية تمارس على الإعلام، فلا تسمع الأصوات المعارضة، وهناك رقابة على حرية المعتقد، وهناك رقابة على الاقتصاد وهناك رقابة على حرية التعبير . وهذه كلها خدع، ولست أفهم هل السليماني استوعبت هذه الخدع ككاتبة وليس كطفلة صغيرة قادها حدسها لتلمس الرقابة التي تمارس على الجنس في المغرب. فالمفروض في الكاتب أن يبصر كل المتاريس والقيود التي تقف أمام الحرية، وأن يتصدى لكل أشكال الرقابة والوصاية المنصوبة أمامه، وإذا كانت السليماني تراهن على تحرير الجنس، فهذا التحرير يبقى قضية سياسية ودينية واقتصادية، فلا تحرير للجنس دون ديمقراطية حقيقية تكون فيها السيادة للشعب، ودون علمنة حقيقية للمجتمع بفصل الدين عن الدولة، ودون توفير فرص الشغل، ودون تحرير للاقتصاد المغربي من الاحتكارات المحلية والأجنبية، كيف يمكن للمرء أن يتملك جسده وفكره وهو غير متملك لثروات بلاده ولا يتنعم بخيراتها، كيف يقبل الحبيب حبيبته ويقول لها: أنت مثل حورية البحر والمغربي لا يمكنه أن يأكل أثمن الأسماك ؟ إن السليماني سفيرة الفرانكفونية في المغرب لا تستطيع التفوه بهذا الكلام، لأن فرنسا والاتحاد الأوروبي هما اللذان ينعمان بخيرات البلاد . كما لا تستطيع أن تنتقد الاتحاد الأوروبي حول عدم إدراج الصحراء المغربية في اتفاقية الصيد . إن ذلك من التابوهات. فلم أراها يوما قد خرجت بموقف ينتقد مزايدات الاتحاد الأوروبي على المغرب. وعلى الرغم من ذلك يحسب للكاتبة السليماني أنها فتحت المجال للكثير من النساء لكي يعبرن عن همومهن ومشاكلهن، إلا أنها تعاطت بانتقائية مع الحداثة، إنها غائبة تماما عن الحديث في المجال السياسي والمجال الديني، لماذا لا تطالب بعلمنة ودمقرطة المجتمع على شاكلة المجتمع الفرنسي ؟ لماذا لا تتحدث عن حقوق الإنسان بالمغرب على مستوى الكرامة والعدالة والحرية ؟ هل نكتفي فقط بتحديث جنسي دون تحديث العقليات ؟ كيف يمكن تحديث جنسي في ظل عقلية الطاعة والولاء وذهنية الشيخ والمريد ؟
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (3)
-
أنا وست مدن: ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (2 )
-
أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (1 )
-
العرب: رؤية من الداخل (3) الفلسفة والصحراء: نشدان المحال قرا
...
-
العرب: رؤية من الداخل (2 ) القضية الفلسطينية قراءة في كتاب:
...
-
العرب : رؤية من الداخل (1 ) قراءة في كتاب : العرب وجهة نظر ي
...
-
الطفولة موطن للإبداع
-
الإنسان، الوادي، الآبار، العيون في بني كرزاز (3 )
-
الإنسان، الوادي، العيون، الآبار في بني كرزاز (2 )
-
الإنسان، الوادي، العيون، الآبار في دوار بني كرزاز/ بنسليمان
...
-
كلمات les mots
-
متى تنزاح الثلوج عن قريتنا ؟
-
من مراكش إلى ستي فاظمة
-
الصهيونية حركة استعمارية وعنصرية
-
قابعون في أديم الأرض
-
رحلات مغربية : مذكرات عاشقين مشردين
-
ردا على بعض مريدي الزاوية المباركة!
-
من تطوان إلى الناظور : 12 ساعة من الطريق اختلط فيها البرد با
...
-
من تطوان إلى الناظور : 12 ساعة من الطريق اختلط فيها البرد با
...
-
رحلات مغربية : جلسة مع التصوف (بحث عن الله ) . - نقطة تطوان-
المزيد.....
-
الملكة رانيا والشيخة موزة وإمام الأزهر يشاركون بقمة حول الطف
...
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|