|
أحزاب العرب الكوميدية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1486 - 2006 / 3 / 11 - 09:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أحزاب العرب الكوميدية في ليالي الأنس السياسية قد ينطوي العنوان على بضع مفارقات كوميدية فعلاً في هذا المحيط العربي الدامي. وأولى هذه المفارقات الفقعاء هو وجود "أحزاب" شرعية في بؤر استبدادية مستعصية، والمفارقة الأخرى هو وجود أي نوع من الكوميديا حتى السوداء يمكن أن تنتج مجرد ابتسامات باهتة. إلا أن تطميناً يقيناً تسجله مؤشرات الأحداث في الملمات والنازلات يؤكد وجود مثل هذه الظواهر الغريبة وتناميها. لكن الثابت أيضا أن في أحيائنا الشعبية، وزواريبنا البلدية، بعض الفرق الجاهزة وتحت الطلب لإحياء الحفلات والمناسبات المختلفة كالأعراس، وأعياد المولد النبوي، ونجاح الأولاد بالشهادات، والطهور، والختان، والعودة من الحج والديار المقدسة. وقد اعتادت هذه الفرق الشعبية إدخال البهجة والسرور في نفوس الناس عبر تأديتها لعملها، ومهامها الإنسانية والترفيهية المختلفة، بحرفية، ومهنية، وصدق عال.
وفي ليالي الأنس، وحقب التهريج السياسي، ومسلسلات ارتكاب الأخطاء، والمناسبات الوطنية النكداء انتشرت أيضاً ظاهرة "بزنس" أحزاب الدعم، والتأييد، والاعتصامات والخطابات مهمتها المعلنة نشل الأنظمة من الهاويات. وإذا كان هناك ثمة قواسم مشتركة وَصْفِيّة، وملامح وضعية متشابهة، وبعض المسارات التاريخية المتطابقة التي تَسِمُ الأحداث بين الوضع السوري الراهن، والوضع العراقي البائد في بعض الأوجه، فقد يبدو هذا أولاً من قبيل الصدف الجيوسياسية البحتة ليس إلاّ، والأقدار السياسية الصعبة التي طبعت الجارين اللدودين. غير أن سير الأحداث، بنفس الوقت، وتتابعها في نفس المسار الدرامي، ولا سيما في ظاهرة الدعم والتأييد من نفس الشخصيات والأحزاب، هو وبلا شك، نذير شؤم، وسوء طالع، وتكرار ممل لنفس السيناريو والأحداث.
ولعل ظاهرة الأحزاب العربية الخطابية هذه هي واحدة من أوجه عدم التفاؤل على الإطلاق، ربما نظراً للدور "التوريطي" الكبير الذي ساهمت فيه في تقصير عمر نظام صدام، عبر دفعه لاتخاذ مواقف بدت فضفاضة وكبيرة على مقاسه السياسي، مما فضح عوراته، وعجّل بسقوطه التراجيدي ذاك. وإذا كان النظام السوري عموماً أذكى، وأكثر مناورة، وأقل بطشاً ودموية من سلفه البعثي العراقي، ولديه شيء من المرونة، والتكتيك، والديناميكية والحذر تجاه الخارج، وعدم التهور والاندفاع، بما لا يقارن مع نظام صدام حسين المنقرض، فإن تكرار عروض التهريج في ليالي الأنس السياسية، التي تقودها فرقة الأحزاب العربية الكوميدية توحي بشيء من الخوف، والانقباض، وعدم الارتياح، وتفرض على النظام، في الوقت نفسه، تجنب القيام، أو حضور أية حفلات إباحية سياسية من هذا المقام، بسبب عدم جدواها، وتحسباً، طبعاً، لحسن العاقبة والختام.
وإذا كانت الغاية هي إظهار تلك الاحتفالية المطلقة، والمهرجانية القصوى، دون إحداث أي تأثير لوجستي على أرض الواقع أو تغيير في المعطيات، فإنه من الممكن تماماً، والأجدى عملياً، الاستعانة بفرق من الطبّالة، والزمّارة، والدّبيكة، وبرغم عدم شطارتهم، وذكائهم، وتخصصهم السياسي، فهم الأمهر والأقدر على تولي هكذا مهمات، التي تضفي على متابعتها بعض المؤثرات الشعبية الخاصة، شيئاً من المتعة والاهتمام. أما إعطاء تلك المهمة الوطنية، ولكل من أراد أن يتعلق بحبال الهواء، لفرقة الأحزاب العربية الخلبية الكوميدية، فهو وبلا شك، من قبيل الذهاب للعنوان الخاطئ، ومقامرة سياسية لا تحتمل أية إمكانيات للنجاح، فهم ما حلوا يوما بأرض، إلا وأعقبها التصحر والخراب، وأظهرت منصة العرض بعد مغادرتهم، كماً هائلاً من المهازل، والنقد، والسخريات.
لقد كانت الغاية، عموماً، من إنشاء أية أحزاب سياسية في العالم، هي لحمل أهداف عظمى، ومبادئ سامية كتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحرير المجتمعات، ومناهضة العنصرية والفاشية والاضطهاد، ومقاومة الظلم والاستبداد، وتحقيق العدالة بين كافة الطبقات، أو إنجاز برامج تنموية وخدمية واقتصادية للمجتمعات للارتقاء والسير بها نحو الأمام. أمّا أن تتحول الأحزاب بأسمائها الوطنية الطنّانة الرنّانة الكبيرة، وشعاراتها القومية العريضة، إلى مساحيق، ومواد تجميل وماكياجات وأقنعة تتخفى وراءها أنظمة الاستبداد، ومجرد فرق من الجوالة و"الكسّيبة" للاسترزاق من هذه العاصمة أو ذاك النظام، وعلى حساب قوت الشعوب والفقراء، عارضة خدماتها الخطابية الاستعراضية الجليلة، وقدراتها المسرحية الخارقة في ليالي العربدة والأنس السياسية، وبعيداًَ عن مهامها الأصلية، فذلك ليس سوى من قبيل العلامة التجارية الفارقة التي ميّزت تاريخها، وكانت أصلاً مبرراً لوجودها وعاملا لاستمرارها، وصفة لازمة لعملها الدائم بالشأن العام في هذه المنطقة الموبوءة بشتى أنواع الموبقات، والبطالات السياسية.
وفي الحقيقة فلقد وصلت بعض الأنظمة المتهالكة، والتي عاشت ردحاً طويلاً من الزمن على الادعاء والمقويات الإعلامية، إلى مرحلة بات من المحتم عليها الاستعانة ببعض المنشطات السياسية والخطابية التي تعيدها لسالف العهد التليد والأوان، وتضخ فيها من نفس تلك الدماء التي سرت في شرايينها يوما ما وأعانتها على البقاء. وقد قُدِّر الآن، أن هذه الحركات، والخزعبلات السياسية القرعاء للأحزاب الكوميدية العربية العرجاء، هي العلاج والمخدر لذاك الداء العضال، لكنها لا تدخل إلا في إطار التهريج، الذي يسبب الحزن، والأسى، والاستفزاز، رغم أنه لم ينقذ، في النهاية، أي نظام متغطرس، يوماً، من هاويته السوداء.
أحزاب الكوميديا العربية المبكية، الجاهزة وتحت طلب أي نظام، ليس لها من نظير سوى تلك الفرق الشعبية الدوّارة التي اختصت بالطهور، والختان، والأعراس، مع فارق بسيط، ولكنه جوهري، أن الأخيرة تمتعت على الدوام بمصداقية عالية، وحس شعبي رائع ومرهف وعفوي الأداء، جلب الفائدة والمتعة للناس، فيما لم تخلّف الأولى وراءها سوى تلك الدعائية الزائفة المفرطة، والتمثيلية المتصنعة الزائدة، إضافة طبعاً، لطبقة عالية من صيحات الشجب، والإدانة، والاستنكار، علاوة على أنها لم تكسب أية قضية على الإطلاق.
وبالرغم من ذلك كله، وبرمزية مطلقة وتحاشياً مطلوباً لعدم الوقوع في مطبات الجزم الحمقاء، فإنه ليس مؤكداً، حتى الآن، بأنها قد ساهمت بشكل مباشر بأية عملية ختان سياسي لأي نظام.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى ظبية فراتية
-
تحررالمرأة بين الواقع والأحلام
-
الاعتقال هو الحل
-
أنا سوري آه يا... شحاري
-
الحراك المذهبي والسنيّة والشيعيّة السياسية
-
ما هكذا الإجحاف يا سيريا نيوز
-
العراق: العبور الشاق، والمخاض العسير
-
أطوار الزمان الغريبة
-
أسافين المعارضة السورية
-
ماكيافيلية الإخوان:رد على د.خالدالأحمد
-
خدام - البيانوني: تطبيع الفساد، أم تعويم الإخوان؟
-
مخاتير الوزارات السورية
-
خبر عاجل:ملاحقة خدام بتهمة إقلاق راحة الجوار
-
هل تتخلى أوروبا عن علمانيتها؟
-
الفالانتاين.....دعوة للحب
-
حفلات التعذيب على الطريقة الديمقراطية
-
متى يعتذر رسامو الكاريكاتيرات المسلمون؟
-
التغيير وكيس الوزير
-
البيانوني-خدام:تحالف المصالح الجديد
-
من دخل دمشق فهو غير آمن
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|