أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجليل ولد حموية - حداثية إلى أن يأتي عريس














المزيد.....

حداثية إلى أن يأتي عريس


عبد الجليل ولد حموية

الحوار المتمدن-العدد: 5821 - 2018 / 3 / 20 - 17:15
المحور: الادب والفن
    


حداثية إلى أن يأتي عريس

اقتنت مؤلفين، واحد لحنة أرندت وآخر لسيمون دي بوفوار، علبة سجائر مخففة متفق عليها نضاليا «لايث»، أحمر شفاه قاتم لإخفاء أثر الدخان وتضليل عين الرقيب بدماء الثوار. أشعلت واحدة، سحبت ونفثت بعمق، وقفت لحظة تتأمل الدخان يتلاشى في الفراغ وتخلف وراءها جملة «ثوري أنت حرة». تحسست قنينة الويسكي في حقيبتها، انفرجت أساريرها، لم تفقدها في الزحام، همست لنفسها: «مشاركة البلوريتاريا وسائل النقل مكلفة رغم المبادئ».
تكرر يوميا هذا الروتين الحتمي الذي لا يكسره إلا حضور الراتب مبشرا بليلة ميتافيزيقية. حداثية حتى النخاع، تتقاذف القيم التحررية داخل فكرها ب«تيكي تاكا» منظمة، تتحين الفرص لتعلن عن مقتها لمجتمع ذكوري يحاول جعل منها نسخة لأمها. ومثل زميلاتها في الميدان تدعي الإيمان بدين الإنسانية حتى أخمص القدمين، تعتبر الحريات العامة سننها المقدسة، والقوانين الدولية لحقوق الإنسان كتابها المقدس، جعلت من الأغاني الملتزمة ترانيم ديرها تتقرب بها من رب تعرفه هي فقط. نباتية متعصبة كبقرة، بالرغم من أن نصف ملابسها جلدية. تشتكي من ظلم وجور الرأسمالية وتشييئها للمرأة بالرغم من أنها لا ترتاح إلا وسط ملابس لمركات عالمية وعرق جسدها يمتزج برائحة عطر ثمنه يساوي يوم عيش للأسر التي تدعي الدفاع عنها.
رن الهاتف منهيا تلاعب الريح بخصلات شعرها القصير، ومحاولتها مراوغة الأفكار الكافرة. تمنت لو كان متصلا آخر كي تتلذذ بالاستماع لأغنية تشي غيفارا الاسبانية. تبادلت مع المتصل كلمات حب تخرج من فمها ربما بدافع الشهوة فقط، تذكرت آخر مرة تبادلا فيها المتعة، تواعدا على تكرار الأمر إلى أن يتحرر أحدهما من قيود الحياة، كذلك يُفعل في كل العلاقات، وعود أبدية، ونهاية قاب قوسين أو أدنى. همست له مع قبلة صوتية :
• «كن يا حبيبي كعصا الأعمى، كن دليلي في الحياة إلى الأبد».
قال لها مستقبلا القبلة بعشرة أمثالها:
• «أنا عجينك شكليني كما تشائين».
وعلى هامش الحوار الشبقي جلس القدر يتأمل المشهد بسخرية وأنشد:
• «لعنة الحب عليهما».

في باب المنزل اعترضتها والدتها بجملة دوت في أذنها كَالهزيم:
• «في المنزل خطيب».
• «خطيب؟ لي أنا!؟».
كانت ترفض فكرة الزواج رفضا قطعيا، تشمئزُ حتى من ذكر مؤسسة تعتبرها رجعية. لكنها المرة الأولى التي تحظى باختبار معتقداتها، المرة الأولى التي تصطدم مثاليتها بالواقع.
دخلت الغرفة، فكرت مليا، وافقت على الزواج، وحاولت اقناع نفسها بالوهم:
• «ليس كل مرة يأتي خطيب جيد، سأحاول فرض شخصيتي عليه و أمارس حريتي كما اعتدت». هي تعلم في قرارات نفسها أنه عريس كلاسيكي يريدها زوجة مع إمكانية التعدد.
جرت الأمور بميكانيكية يفرضها المستجد، لم تعتقلها منطقة الشك والتيه كثيرا، ألقت كتبها التنويرية في سلة المهملات، مزقت علبة السجائر، كسرت القنينة، أحرقت رائحة عشيقها العالقة بين الذكريات والشفاه، كأنها كانت تنتظر عريسا كلاسيكيا في صالون حداثي فقط، كأن القيم الحداثية التي كانت تؤمن بها كرسي في محطة انتظار العودة للحياة النمطية.
قررت اقتناء كتب تساعدها في إسعاد زوجها وتحولها لحسنة الدنيا، أجهضت حلم وشم فراشة بكابوس حناء، تحولت شارة الأناركية إلى خاتم خطوبة، والتحفت أغاني الثوار لباس أغنية شعبية ترحب بالعروس. دخلت على حسابها الفايسبوكي، حذفت كل صورها، غيرت صورة الحساب والخلفية بآيات قرآنية، تحول حسابها إلى نسخة لحساب «أميرة زوجي». لم تجل في بالها علاقتها بالعشيق «الجسر» إلا عندما تذكرت أثره على جسدها، لن يستطيع الدهر إصلاح ما أفسده الحب، لكن الطبيب وبضاعة الصين قادرة على ذلك.
اتجهت بكل كيانها نحو القفص كطائر أتعبه الطيران ومل حياة الحرية، تتمايل كطاووس فقد ألوانه، ثملة بوهمها الجديد، لم يبقى إلا مشكل واحد، كيف ستقنع الزوج بفقدانها غشاء البكارة بعدما استنزفت ثروتها تشبع قيمها القديمة؟ الأمر بسيط، ما دامت استبدلت جلدها جذريا لن تتعب في ايجاد كذبة تدخل بها النفق الجديد حياتها...



#عبد_الجليل_ولد_حموية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خريطة أدب مصغرة للعالم.. من يفوز بنوبل الآداب 2025 غدا؟
- لقاءان للشعر العربي والمغربي في تطوان ومراكش
- فن المقامة في الثّقافة العربيّة.. مقامات الهمذاني أنموذجا
- استدعاء فنانين ومشاهير أتراك على خلفية تحقيقات مرتبطة بالمخد ...
- -ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب ...
- هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد ...
- هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم ...
- -معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية ...
- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجليل ولد حموية - حداثية إلى أن يأتي عريس