|
مأزق أقباط المهجر!
جوزيف بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 1486 - 2006 / 3 / 11 - 07:53
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
اتابع بكثير من الاهتمام ومزيد من الدهشة الخلافات والانقسامات الحادة بين زعماء منظمات أقباط المهجر. حقيقة لا أدري أسبابا واضحة لهذ الخلافات التي جاءت في أعقاب مؤتمرهم العام بواشنطن والذي حضره ـ كما سمعت ـ نخبة من المفكرين المسلمين والمسيحيين بالعالم العربي في دليل على اهتمام إقليمي واضح بقضية الأقباط. ولكن سرعان ما تلبدت سماؤهم بغيوم داكنة كثيفة حملت تلاسن ومهاترات وأحقاد من المؤكد أنها ستلحق الكثير من الضررتهم. لم يكن لي شرف اللقاء بأحد منهم، ولم تكن لي أية اتصالات مع أي منهم من قبل، ومن هنا فأنا لا أتحدث عن شخصية بعينها ولكني أتناول ملاحظاتي على الخلافات الراهنة من وجهة نظر مراقب محايد يحمل لأقباط الداخل الكثير من الحب والتقدير والتعاطف.
كان أول ما لفت انتباهي في السجال الدائر بين أخوة الأمس وأعداء اليوم أن لغة الخطاب السائدة بين قادة منظمات أقباط المهجر تردت إلى مستوى هزيل ينبئ بأن الشخصيات المختلفة لم تتعلم كيفية الاختلاف الموضوعي البناء والمتحضر.لقد كف المتحضرون عن استخدام مرادفات من عينة "مؤامرة"، "خيانة"، "إختراق"، "عمالة" إلخ. ولكن يبدو أن بعض قادة اقباط الخارج لم يتقنوا بعد كيفية إجراء حوار بناء. ما نقرأه في الصحف المطبوعة والإلكترونية وما نسمعه على السنة بعضهم لا يزال يحمل نبرة الماضي العتيق ويذكرني بخطاب العرب بعد زيارة الرئيس السادات للقدس وكذا خطاب بعض الفصائل الفلسطينية وسوريا بعد توقيع الرئيس عرفات إتفاقيات أوسلو مع إسرائيل.
أكاد أشعر أن للمصالح الشخصية دور في الخلافات الراهنة بين قادة أقباط المهجر، فبعض الأصوات الصادرة من هنا وهناك تبدو كما لو كانت تبطن نوايا ومصالح شخصية بغلاف جذاب يحمل مشاكل الأقباط، وإلا لما كانت بعض الأفواه تلفظت بما يسيء للأخرين، وما كانت التناحرات قد بلغت حد المساس بالذمم المالية للبعض، وما كانت شخصيات تحفظت على أدوار تلعبها شخصيات أخري. إن أصحاب القضايا لا يبالون بالأدوار التي يلعبونها بقدر ما يبالون بتحقيق أهدافهم التي يدافعون عنها والتي تتطلب في كثير من الأحيان التضحية وانكار الذات. ولكن يبدو أن بعض هؤلاء القاده تناسوا أهمية وحدة الصف في تلك المرحلة الحاسمة في تاريخ وطنهم وقضيتهم، فقرر كل منهم التحرك وفق رؤيته الشخصية، غير مبال بأهمية التحرك الجماعي المنسق والمنظم. إن عدم تنسيق الأدوار والمهام هو السبب في الخلافات، حيث يبدو أن أقباط المهجر لم يتفقوا على مجموعة أو قيادة بعينها لتمثيلهم، كما انهم لم يجتمعوا تحت مظلة واحدة حتى الأن.
لم تتبلور قضايا ومطالب الأقباط قي نقاط محددة واضحة حتى الأن. أعلم أن هناك بعض الأمور التي يتفقون عليها مثل مساواتهم الكاملة في الحقوق والواجبات مع المواطنين المسلمين، ومنحهم نسبة أكبر من الوظائف، والسماح لهم ببناء الكنائس بحرية والتوقف عن مهاجمة المسيحية في سائل الإعلام. ولكن مازالت هناك بعض الاختلافات في الرؤى بين الأقباط حول بعض النقاط ومن أهمها تعديل المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وكذا الحوار مع الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن الحوار العقلاني الهادف مع الحكومة والقوى الوطنية الأخرى يعتبر الحل المنطقي الوحيد لحل مشاكل الأقباط في مصر.
إن التعاون والتنسيق بين قادة أقباط المهجر وأصحاب الشأن من أقباط الداخل يبدو مطلبا ملحا الأن. فمازلت أتحفظ على تجاهل أقباط الخارج لأقباط الداخل كما لا أتقبل تمثيل أقباط الخارج لأقباط الداخل دون تنسيق حتى لا يبدو الأمر كما لو أن هناك هوة كبيرة بين منظمات الخارج والقيادة بالداخل. وفي هذا الصدد فلم يعد من المقبول - حين نطالب بعلمانية المجتمع المصري - أن يمثل رجال الدين المسيحيين أقباط الداخل في أية مفاوضات مع الحكومة المصرية. لقد حان الوقت لفصل الدين عن السياسة قولا وفعلا، وعلى الأقباط أن يبادروا بهذه الخطوة حتى يكونوا نموذجا يحتذى. يمكن انتخاب قيادة داخلية مستقلة للقيام بهذا الدور، وربما يتم ذلك عبر تفعيل دور المجلس الملي العام، مع منحه استقلالية عن الكنيسة.
إن الاعتدال والحوار العقلاني بين القيادات المتعددة هما السبيلان الوحيدان لخروج أقباط المجهر من مأزقهم الحالي، كما أن ديمقراطية منظماتهم هي الوسيلة الوحيدة التي تحافظ على مصداقيتهم أمام شعبهم القبطي والحكومة المصرية والمجتمع الدولي، فليس من العقل أوالحكمة أن ينادي هؤلاء بمبادئ لا يطبقونها فيما يبنهم. ويجب أن يعمل هؤلاء على وحدة صفوفهم خاصة في الفترة التي تشهد مناقشة منظمة الأمم المتحدة لمطالبهم، فالإنقسامات لن تؤذي سوى قضيتهم والصراعات لن تغرق إلا سفينتهم المبحرة كما أن الغيرة والحقد لن يخلفا سوى المرارة والعداوة بين من يفترض أنهم أشقاء...
#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النقد الفكري في الإسلام
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|