|
هل المسيحيون يؤمنون بثلاث الهة؟
لطيف شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 5817 - 2018 / 3 / 16 - 09:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول كتاب المقدس: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (تث 6: 4). "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (أش 44: 6) - "لأنك عظيم أنت وصانع العجائب أنت الله وحدك" (مز 86: 10) وهذه العقيدة الخاصة بوحدانية الله يؤكدها العهد الجديد أيضًا، ويتضح ذلك من مواقف عديدة نذكر بعضها فيما يلي:- عندما سأل أحد سأل احد الكتبة السيد المسيح "أية وصية هي أول الكل؟"، أجابه السيد المسيح قائلا "إن أول كل الوصايا هي" "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" مر 12: 29 وفي رد السيد المسيح على الشاب الغني قال له "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (لو 18: 19) وفي رسالة القديس يعقوب الرسول "أنت تؤمن أن الله واحد حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع 2: 19) وبالطبع هذه مجرد أمثلة وهناك آيات كثيرة تؤكد على وحدانية الله في العهدين القديم والجديد. فإن كان الله واحد فما معنى الثالوث إذن؟.. نحن نؤمن أن الله واحد في الجوهر ومثلث في الأقانيم ولابد أن ندرك أن الله غير محدود، ولا يمكن لعقل الإنسان المحدود أن يدرك كل شئ عن الله، لأنه إن كان الإنسان يعجز عن معرفة كل شئ عن طبيعة الروح الإنسانية الموجودة داخله فكيف يستطيع أن يعرف كل شئ عن الله خالق هذه الروح؟ بل خالق الكون كله الذي لم يستطع البشر حتى الآن الوصول إلى كل أجزائه. نحن إذن لن نستطيع أن نعرف شيئا عن الله إلا ما أعلنه هو لنا من خلال الكتاب المقدس، ولذلك كان لابد من طرح هذا السؤال: هل عقيدة التثليث موجودة في الكتاب المقدس؟ . والإجابة على هذا السؤال هي نعم، فالسيد المسيح قال لتلاميذه قبل صعوده "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 29)، وهذه الآية تؤكد أن الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم في جوهر واحد، لذلك نجده يقول "باسم" ولم يقل "بأسماْء"
وفي رسالة يوحنا الأولى نجد هذه الآية الصريحة "فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد (1 يو 5: 7) كما ظهر الثالوث القدوس عند عماد السيد المسيح في إنجيل متى أصحاح 3، حيث نجد أن أقنوم الكلمة المتجسد كان في نهر الأردن، والآب من السماء "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت"، والروح القدس في هيئة حمامة نازلاً عليه، وهنا يجب أن نشير إلى أن هذا الظهور كان فقط لأجل الناس، حيث أن الأقانيم الثلاثة غير منفصلة كما قلنا من قبل. وبذلك نرى أن الكتاب المقدس أعلن صراحةً أن "الله واحد"، وأن هناك "الآب" و"الابن" و"الروح القدس"، فلابد أن يكون الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم في جوهر الله الواحد ولكن كيف ذلك؟ مع صعوبة شرح جوهر الله أو إدراكه تماما بالنسبة للبشر، إلا أن هناك بعض الأمثلة التي تقرب لأذهاننا المحدودة أن التثليث لا يتنافى مع الوحدانية، وذلك رغم أن الله لا يوجد في عالم الماديات ما يمكن أن نشبهه به كما يقول الكتاب المقدس "فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به" (أش 40 : 18)، فهو خالق الكل. ولكن يقول بعض المعترضين: "كيف تقولون 1 + 1 + 1 = 1؟ هذا يناقض العقل!".. ونحن في الحقيقة لا نطرح هذه المعادلة عندما نتكلم عن الثالوث، ولا يمكن قياس الله وإخضاعه للمعادلات الرياضية، ورغم ذلك نرد عليهم بهذه المعادلة أيضا وهي أن 1×1×1= 1 فالسيد المسيح قال "أنا في الآب والآب فيّ" (يو 14 :10) ومن الأمثلة التي تقرب لأذهاننا البشرية أن الثالوث لا يتنافي مع الوحدانية كما يلي: الإنسان: فالإنسان الواحد به جسد ونفس وروح، ورغم أن لكل من الجسد والنفس والروح ما يميزهم عن بعضهم، إلا أنهم يجتمعون في إنسان واحد. الشمس: وهي تشمل القرص والشعاع والحرارة، فالشعاع متولد من القرص والحرارة منبعثة من القرص، والقرص والشعاع والحرارة شمس واحدة، ولا يمكن أن نتصور أن الشمس أقدم من الشعاع الخارج منها، فالشمس بدون أشعتها وحرارتها لا تكون شمسا. النار: وفيها اللهب والنور والحرارة، واللهب والنور والحرارة نار واحدة، ولا يمكن أن نتصور أن النار يمكن أن توجد بدون نور أو حرارة. -فما هو الثالوث المسيحي إذن؟ الأقانيم الثلاثة كما أعلن الكتاب المقدس هي الآب والابن والروح القدس وهم في جوهر واحد الآب: كلمة أب تدل على مصدر الشئ، وكلمة "الآب" تعني أصل أو مصدر وجود كل شئ، فالآب هو الأصل من حيث الأقنوم، وهو الله من حيث الجوهر، ولا يمكن أن نتصور أن الله لم يكن موجودا في لحظة ما. الكلمة (الابن): ويُطلق عليه باليونانية "لوغوس"، وهو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل، فهو النطق والعقل من حيث الأقنوم وهو الله من حيث الجوهر، ولا يمكن أن نتصور أن الله كان في لحظة ما بدون عقل- حاشا- فالله هو العقل الكلي، وعقل الله لا ينفصل عن الله. ولكن لماذا أُطلق على الأقنوم الثاني لقب "الكلمة" و"الابن"؟ من المعروف أن الكلمة تعلن ما في عقل الإنسان وتعبر عنه، فهي تجسيد للعقل، وسُمي الأقنوم الثاني بـ"الكلمة" لأنه الأقنوم الخاص بالإعلان في الذات الإلهية، فهو الذي يعلن أو يخبر عن الله، وهو الذي تجسد كما يقول الكتاب المقدس "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر" (يو 1: 18)، أي أنه أخذ جسدا ورأينا الله فيه، لأنه "صورة الله غير المنظور" (كو 1: 15 ولماذا يُدعى "الابن"؟ كلمة "ابن" هي أقرب كلمة في قاموس البشر تعبر عن العلاقة بين الآب والابن وتؤكد وحدانية الجوهر، فجميعنا نعرف أن ابن الطير طير، وابن الأسد أسد، وابن الإنسان إنسان، وبهذا المعنى نفهم أن ابن الله هو الله، فهي أقرب كلمة في لغتنا المحدودة تعبر عن علاقة غير مدركة بين الآب والابن وتؤكد في ذات الوقت أن الابن مساو للآب في الجوهر. ولأن طبيعة الله تختلف عن طبيعة البشر وكل المخلوقات، فمن الحماقة أن نتصور أن تكون ولادة الابن من الآب كولادة المخلوقات، لأن "الله روح" (يو 4 : 24). كما أن كلمتي "ولادة" و"ابن" تطلقان أحيانا في المفهوم البشري عن علاقة ما بين شيئين بمعنى مجازي، فنقول مثلا "تتولد الحرارة من الاحتكاك"، و"ابن مصر"، و"أبناء النيل"، "أولاد الشوارع".. الخ. الروح القدس: هو الأقنوم الثالث في الثالوث القدوس، وهو روح الله، ومانح الحياة لكل المخلوقات، فالروح القدس هو أقنوم الحياة من حيث أنه "أقنوم" وهو الله من حيث الجوهر، ولأن الله حي منذ الأزل، فلا يمكن أن نتصور أن الله كان في وقت ما بدون الروح القدس. والثلاثة أقانيم غير منفصلة، ولا يمكن أن يعمل أقنوم مستقلا عن الآخرين، وهي بذلك متساوية تماما في جميع الصفات الجوهرية، ولكنها تتمايز فقط في الصفة الأقنومية .برمهات / مارس
#لطيف_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاهوت والناسوت في شخص المسيح
-
حيثيات صلب المسيح
-
صوت صارخ في البرية
-
كيف القضاء علي الاسلام الارهابي ؟
-
سؤال وجواب في الارهاب الاسلامي
-
دماء الاقباط بذار الايمان
-
قضية القدس عاصمة اسرائيل
-
القدس لمن؟
-
هدم الكنائس في العصور الاسلامية
-
الارهاب ومستقبل الايام
-
المثقفون وغلق الكنائس
-
عيد الهلوين (الحصاد سابقا)
-
غلق الكنائس لارضاء المتشددين
-
المسيحيون رمانة الميزان للدول العربية ج2
-
المسيحيون رومانة الميزان في المنطقة العربية ج1
-
متي يحقن دماء الاقباط؟
-
الحياة بعد الموت
-
هل المسيح لم يمت على الصليب بل أغمى عليه ؟!
-
الجزية ج2
-
أهل الذمة
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|