سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 5815 - 2018 / 3 / 14 - 19:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- لماذا نحن متخلفون (53) .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (94) .
الإنسان ثقافة أى منهج ومناخ فكرى يصبغ سلوك الفرد والجماعة ويشكل محتواها ووجدانها وإرثها الفكرى ورؤيتها فى طرق معالجتها للأمور , لذا أرى إن جضور ثقافة فاسدة ستمنع أى تحضر ورقى وإنسانية , وأن كل محاولات الإصلاح السياسى والإقتصادى والإجتماعى لن تجدى بل ستكون بمثابة من يحرث فى الماء , فإصلاح الثقافة وتطويرها وتهذيبها هى الضمانة الوحيدة لتطور الشعوب ورقيها , فالثقافة البائسة لن تكتفى بالجمود والتخلف بل ستكون بمثابة معول هدم لكل تطور إنسانى .
لن نتقدم ولن نبارح تخلفنا مالم نتوقف أمام مسلماتنا وثوابتنا ونهجنا فى التفكير والسلوك لنراجع أنفسنا ,ولا أعتقد أن التوقف كافٍ أمام ميراث هائل من الجمود والإنبطاح والتبلد نلنا منه الكثير , لدرجة أننا إفتقدنا الإحساس بالقبح بل إستعذبنا هذا القبح والهوان وتماهينا فيه ,لذا أرى أن الأمور تحتاج إلى ممارسة جلد للذات بقسوة بجانب التوقف حتى نستفيق وتتحرك آلية الإحساس والدهشة من جديد ومن هنا جاءت هذه التأملات والتوقفات التى تطلب جلد الذات على الخيبات التى تغمرنا .
التخلف وليد ثقافة وليس نتاج غياب التقنية الحديثة ووسائل الإنتاج , فالتقنية يمكن التدرب عليها لإستهلاكها كما يحدث فى بلاد العربان ولكن وسائل وعلاقات الإنتاج تتجادل مع الثقافة لتنتجها لتمارس الثقافة الرجعية دورها فى التفاعل بشل المجتمع عن تطوير علاقات ووسائل إنتاجه .
يقينى أن التخلف هو ثقافة تفرض منظومتها وأدواتها على البشر لتبرمج منهجية وطرق تفكيرهم وتعاطيهم وآفاق حراكهم لذا تكون الثقافة هى سر تقدم لشعوب أو تخلفها لذا فلتبحث عن منهجية حياة وتفكير أى مجموعة بشرية فستدرك حينها لماذا هذه الجماعة متقدمة أو متخلفة.. كما أن الثقافة هى التى تبنى حضارة الشعوب أو تكون عائقا ضد تطوره , ولك مثال اليابان وألمانيا فقد تم تسويتهم بالأرض فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ولتنظر لحالهما الآن , فالإنسان بثقافته قادر أن ينتج من الخراب والدماء نماء وحياة .
خيبة !!
- خيبة ثقافتنا أنها لا تعرف مفهوم النقد الذاتى أو مراجعة الذات عند الإخفاق بل ترفض أى نقد موجه لها , ويزداد الطين بلة انها لا تكتفى بعدم الإعتراف بقبح سلوكها بل تنكر بتنشج أنه نواتج تلك الثفافة ليصل بها التصلد أنها لا تتوقف , لذا فهزائمنا وإنكساراتنا مستمرة محولين اياها الى إنتصارات , فخزينا مجد , وتخلفنا أصالة , وجمودنا حفاظ على الثوابت .
- خيبة الثقافة التى تضع العربة أمام الحصان .
الحصان هنا هو العقل والعربة هى الأفكار لتضع ثقافتنا العربة أمام الحصان بينما الطبيعى والمُفترض أن يكون العقل هو مُنتج الأفكار ليتحول العقل الإسلامى إلى عقل مُبرر للأفكار القائمة خادماً لها حتى بالإحتيال والتلفيق والمراوغة كحال ما يُقال عنه الإعجاز العلمى , كذا ممارسة تزييف الحقائق والتاريخ ليصير خالد بن الوليد أكبر مناضل بينما هو أكبر إرهابى عرفه التاريخ فهكذا ثقافة العربة أمام الحصان جعلت العقل يخدم الأفكار ويزينها ويلفقها .
- خيبة الثوابت .
آفة الثقافة العربية الإسلامية سريان فكرة الثوابت لتصبح تابو وصنم يُمنع الإقتراب منها .. معنى الثوابت هو الجمود وإنكار تام لديمومة الحركة والتطور الإنسانى ليبقى نهج وفكر وقيم وسلوك مجتمع قديم سارية المفعول مهيمنة تحكم الحاضر بمنظور الماضى .
- خيبة النقل قبل العقل .
الأديان عموما تقوم على إستحضار النقل قبل العقل فهى تنقل فهم وتصور وتخيل القدماء كثابت ,ولكن الفكر الإسلامى أكثر تحجراً بإعلاء النقل قبل العقل بمفهوم متشنج رافض لأى تفعيل للعقل بل تعتبره هرطقة وكفر ليصير المسلمون عالقون فى القرون الوسطى .
- خيبة التبرير .
عندما تجد إنتهاك لحرية وكرامة الآخرين كإضطهاد اليزيدين والمسيحيين ,التبرير الفج فاليزيدين عبدة الشيطان والمسيحيين عبدة الصليب ويستفزون المسلمين بدق أجراس كنائسهم ولم يستاذنوا فى إقامة صلواتهم , فلم يسأل أحد سؤال " إنت مالك " فهذا السؤال غير وارد فى الثقافة الإسلامية فلا مكان لحرية الآخرين بل الوصاية عليهم .
-خيبة ثقافة البحث عن شماعة .
نحن شعوب لا تعرف معنى للنقد الذاتى ولا التحليل الموضوعى الذى يدين سلوكنا لنلجأ بتعليق أخطائنا وسوائتنا على شماعة ظناً منا اننا هكذا تبررنا فالعيب فى الآخر وليس فينا ..هناك فرق كبير بين البحث فى ظروف موضوعية لإدراك أبعاد مشكلة وبين البحث للتبرير والتنصل من المسئولية .
- خيبة ثقافة تقبح الآخرين وتفتقد لثقافة الإعتذار .
ثقافة التقبيح ثقافة شائعة تنم عن نزعة عدوانية هجومية تبغى التبرير , فنحن شعوب لا تعترف بأخطائها ولا تعتذر عنها بل تبرر قبحها بقبح الآخرين بنظرية كلنا فى الهوا سوا التى تهدف إننا لسنا الوحيدون السيئون فيمكن أن نعيش بقبحنا , لأسمى ثقافة التقبيح بثقافة الردح كقيام عاهرتين بسرد عهر كل منهما على الملأ , فهل فضح عُهر الآخر يكفى لتبرير عهرنا ؟!.
- خيبة ثقافة الإختزال .
ثقافة الإختزال تعنى إختزال المجتمعات والتكوينات بحكم واحد مبنى على تجربة فردية تاريخية , فاليهود الأخبث والأكثر عداوة للذين آمنوا ليتم تعميم هذا الحكم على اليهود على مر الزمان والمكان ومن هنا تنشأ مواقف حادة مُستقطبة تبدد أى فكرة للتعايش السلمى بين البشر من مجرد رؤية تعميمية تاريخية إختزالية .. إختزلت المجموع فى مشهد خاص .
- خيبة ثقافة تخلق المؤامرة والتحفز خلقاً .
( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) .
- خيبة ثقافة إغلظ عليهم .
هذه الثقافة تسرى فى ذهنية المسلم كسريان الدم فى العروق بدون أى مجهود يبذله لإستحضار تلك الثقافة فهى تمظهر للعنف الذى يعتبر أيدلوجية وسلوك ومنهج وفلسفة الفكر الإسلامى الأصيلة والمتأصلة المتجذرة فى العقلية الإسلامية .
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) فهل نتوسم بعد هذه الآية أن تجد سلوك المسلم يمارس الحوار الحضاري مع المختلفين معه من الكفار ؟!.
- خيبة ثقافة تخاف ما تختيش ..لا تسبونهم حتى لا يسبونكم .
( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) الانعام . فالمانع للسب هو ألا ينال المسلم سب الدين ولكن هذا يعنى أن المسلم عندما يتووقع أن لا ينال مقاومة من الآخر فيمكن له أن يسب دينهم وهذا هو الحادث فى المجتمعات ذات الغالبية المسلمة .!
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، ويحيى بن آدم, عن حسن بن صالح, عن علي بن الأقمر, عن عمرو بن جندب, عن ابن مسعود في قوله: ( جاهد الكفار والمنافقين ) ، قال: بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, فإن لم يستطع فليكفهرَّ في وجهه. وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللسان. وقوله: ( واغلظ عليهم ) ، يقول تعالى ذكره: واشدد عليهم بالجهاد والقتال والإرْهاب.
- خيبة ثقافة المراوغة والتلفيق وخداع الذات .
نحن شعوب تمارس خداع ذاتها ولا مانع من المرواغة والتلفيق المفضوح فمثلا تجد التبرير للتناقض البشع فى النصوص المقدسة يتم بطريقة تتخلى عن أى منطق وعقل فكلمة "ثم " التى تعنى التعاقب تصبح "واو" التى لا تعتنى بالتسلسل والتعاقب , وكلمة "لا " النافية تصبح زائدة ولا تعنى النفى , ليجد هذا التلفيق الفج مكان فى العقل الدينى ولك أن تنهل العجب العجاب فيما يقال عنه البلاغة وفقه التأويل ..والطريف عندما تجد الرد الغبى بالقول أن فهمكم ضحل باللغة وآيات القرآن ثم لا تجدهم يطرحون الفهم الصحيح .
- خيبة ثقافة تتحسس رأسها ومؤخرتها دوماً .
نحن اصحاب ثقافة هشة تدرك هشاشتها فتنتابها حساسية خاصة من أى كلمة نقد أو إشارة لتتحسس راسها ومؤخرتها .. ثقافة تحس بانها موضع إتهام وادانة دوما .. ثقافة تضعك فى موضع الإدانة حتى تثبت براءتك .
هذه الثقافة تنتفض وترتعش امام أى نقد لها فهى لا تدرك ماذا يعنى النقد والجدال الفكرى لتعتبرها تهجم وسب وأن هناك رغبات للنيل منها , بينما المُفترض أن أى فكرة مطروحة للجدل والنقاش راغبة فى الرواج أن تفتح ذراعيها لكل نقد فكرى فلا تقبحه أو تلعنه أو تشوه أهدافه بالإدعاء أن هناك مؤامرة ومخططات تريد النيل من الإسلام , وحتى لو وضعنا هذا الإدعاء موضع الجدية فليكن هناك من يناهض الإسلام كما هناك من يناهض المسيحية واليهودية والإلحاد والماركسية فهذا حقه الكامل فى المناهضة , فالأفكار يجليها النقاش والعقل وليس الرعب وفوبيا المؤامرة .
- خيبة ثقافة تداعب الغريزة ونزعة القوة والهيمنة والتمايز والاستبداد .
سر هيمنة ثقافتنا وتجذرها أنها تداعب الغريزة ونزعات القوة المفرطة وتخلق لذة متوهمة من التمايز , فعندما تنظر إلى أغوار الإيمان الدينى تجد حلم نكاح الحوريات محلق ولتدرك أن سر إنجذاب الشباب للتيارات الإرهابية أنها تحقق لهم متعة فى تنفيس العنف واستخدام القوة المفرطة التى تعطى إحساس باللذة من الهيمنة والسطوة والتمايز .
- خيبة ثقافة الوصاية .
ثقافة غريبة تؤصل لنهج الوصاية ليقبل تابعوها القيام بدور الوصى لمن تطوله يده وفى نفس الوقت يقبل أن يكون موصى عليه وفق علاقات القوة والهيمنة .
- خيبة ثقافة تسمح بالفضول ودس الأنوف .
لدينا ثقافة غريبة تتيح لنا حرية دس أنوفنا فى حرية الآخرين وسلوكهم .. تعشق الفضول فى أدنى مستوياتها بينما ينعدم هذا الفضول وحشر الأنوف عندما تتناول قضايا فكرية فتجد الجميع منصرف ومستاء من مجرد عقل يفكر يخوض فى التابوهات والأفكار , بينما الفضول ودس الأنف فى علاقة هذا بتلك هى شغلنا ولهونا .!
- خيبة عندما نحتفى بغزوة بدر ونفرح بها ونسمى أولادنا تيمنا بإسمها وننعت معاركنا بها بينما هى غزوة إعتنت بقطع الطريق فلم تكن دفاعا عن إيمان أو حتى قهر الآخرين على الإيمان بل قطع الطريق على قوافل قريش التجارية ونهبها .
-خيبة الإزدواجية عندما نحتفى بالغزو الإسلامى لبلادنا ونسميه فتحاً مبيناً عظيماً بينما نقبح ونلعن الغزو الأمريكى والإنجليزى والفرنسى لبلادنا .
- خيبة عندما نتحمس بشدة للحجاب ونعتبره رمز للعفة والفضيلة وهو لم يأتى إلا للتمييز بين الحرائر والأماء حتى لا يتحرش بهن أحد عند الخروج للتبرز .
- خيبة عندما نحتفى بإسلام البعض تحت راية المؤلفة قلوبهم .
- خيبة المسلمين الطيبين أو الوسطيين المعتدلين كما يقولون عندما ينددون بأفعال داعش معتبرين أنها لا تمثل الإسلام وفى نفس الوقت لا يستنكرون القتل والذبح والسبى والإغتصاب والنهب فى الآيات القرآنية التى تحلل ذلك .
- خيبة عندما تمر أمامنا آية الردح تبت ابولهب وتب ولا نتوقف .
- خيبة عندما نجد من يشيد بشرب بول البعير وتناول الطعام الذى سقطت فيه ذبابة فبدلا من أن يخجل ويعزف عن هذا القرف تجده يهز رأسه إعجاباً باحثاً عن اختلاق فوائد صحية له .. أأمل فيمن يتفوه بهذا الكلام أن يتم سقيه رغماً عن أنفه أقداح من بول البعير ووجبات من الذباب المغموس فى الجبنه والمربى وطواجن اللحمه ولنراه حينها .
- خيبة عندما نقرأ فتوى من الازهر الذى يعتبر أكبر مرجعية سنية فى العالم تقول من أنكر رضاع الكبير وسخفه فقد كفر ويقام عليه الحد .!
- خيبة عندما نسمع للشيخ بن الباز أن كل من ينفى دوران الشمس حول الأرض مروجاً لدوران الأرض حول الشمس هو كافر يقام عليه الحد حتى يستتاب .!
- خيبة الدين الذى تدخله فيقطعوا شقفة من قضيبك كشرط دخوله ويقطعوا رأسك حال خروجك .
- خيبة الإله الذى لا يعرف أبناءه المختارين إلا عندما يشلح كل ذكر ليرى هل قضيبه مختون أم لا .
- خيبة عندما نعلم أن كل آية فى القرآن لها سبب لمعالجة مشهد محدد ورغماً عن ذلك نعتبر معالجة هذا المشهد الخاص صالح لكل زمان ومكان ونتغافل بغباء عن بشرية النص .
- خيبة عندما نضحك ونسخر ونقهق من خرافات الآخرين بينما خرافاتنا على نفس الشاكلة إما فى صور كربونية أو اكثر فجاجة لنستعذبها ونهز رؤوسنا كبندول الساعة إعجاباً وتقديساً .
- خيبة عندما يقسم الإله بموجودات فلا نرى هذا انتقاصاً من إله كلى العظمة وتزداد خيبتنا عندما نرفض الآيات التى تقول لا أقسم لنحذف كلمة "لا" ونعتبرها زائدة .!
- خيبة عندما نمسك فى البردعة ونترك الحمار وخيبة عندما نفكر فى فلسفة البردعة ونتفنن فى تزيين البردعة , وخيبة عندما يبرمج الناس أدمغتهم لقبول البردعة أولا قبل الحمار , فهناك من فصل البردعة ثم أنتج عليها حمار .
- قد نختلف فى تقييم الماء فى كوب فمنا من ينظر للنصف المملوء من الكوب وآخر ينظر الى النصف الفارغ .. الخيبة عندما ننظر للكوب الفارغ تماما ونقول أن فيه ماء .
- خيبة ان نعيش مع الثوابت بالرغم ان الحياة لا تعرف الثوابت لذا نحن متخلفين لاننا نعاند قوانين الحياة .
دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته "- أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟