حسن عطا الرضيع
باحث في الشأن الاقتصادي وكاتب محتوى نقدي ساخر
(Hasan Atta Al Radee)
الحوار المتمدن-العدد: 5815 - 2018 / 3 / 14 - 13:47
المحور:
الادارة و الاقتصاد
التداعيات الاقتصادية والتنموية لإنشاء عملة وطنية فلسطينية :
حسن عطا الرضيع
الباحث الاقتصادي- غزة.
استخدام الشيكل الإسرائيلي في فلسطين :
شهدت البشرية تطورات ملموسة ومتباينة, ويعتبر ظهور النقود أحد اهم ثلاثة اختراعات عبر التاريخ البشري, حيث تطورت الإنسانية من معرفة النار ثم ابتكار العجلات وليس انتهاءاً بالنقود, حيث تُعتبر أداة للتبادل ووسيط للمعاملات الاقتصادية والتجارية.
وتاريخياً فيعتبر الكنعانيين من أوائل الحضارات البشرية التي استخدمت النقود, حيث يعود جذور الشيقل إلى الكنعانية, فالشيقل هو عملة كنعانية.
ويمكن تعريف الشيقل بأنها عدد من الوحدات القديمة التي قد تعبر عن الوزن أو العملة، وقد كان الاستخدام الأول للشاقل في بلاد ما بين النهرين حوالي 3000 سنة قبل الميلاد (أي قبل اليهودية بما يزيد عن 1200 عام), وفي بداية الأمر كان الشاقل يشير إلى الوزن الذي يعتمد على الشعير؛ حيث أن 180 شاقل حبوب كانت تمثل (11 غرام أو 0,35 أوقية)؛ وقد كان الشاقل مشترك بين الشعوب السامية الغربية و الموآبيين، الأدوميين والفينيقيين وكلهم استخدموا الشاقل، كما استندت العملة البونية أيضا على الشاقل، وهذا مستمد من التراث والحضارة الكنعانية القديمة.
تنوعت العملات والنقود المتداولة في فلسطين بناء على التغيرات ونظام الحكم السائد, أثناء مرحلة الانتداب البريطاني لفلسطين في الفترة 1917-1947, ساد الجنيه الفلسطيني والذي تم اصداره على قاعدة الذهب , وحينها كان ذو قيمة عالية تقترب من الجنيه الاسترليني, وأثناء الانتداب تم إنشاء حكومة عموم فلسطين, وكان الجنيه الفلسطيني هي العملة السائدة وتم إنشاء بنوك فلسطينية عربية مثل البنك العربي عام 1933 وبنك الأمة , وبقي التعامل بالجنية الفلسطيني حتى عام , 1948 ؛ عندما احتلت إسرائيل 78% من أرض فلسطين والبالغة 27 ألف كيلو متر مربع, وخضعت المناطق المحتلة لنظام جديد وتم إصدار عملة الاحتلال وهي الليرة او الشيكل القديم, واستمرت اسرائيل بهذه العملة حتى اندلاع الأزمة الاقتصادية في اسرائيل خلال الفترة 1977-1984, وفي العام 1985 تم تأسيس حكومة إسرائيل بالشراكة بين أحزاب الليكود والعمل, وكان من نتاج تلك الحكومة إنشاء الشيكل وبدعم أمريكي قدر حينها بنحو 1.5 مليار دولار كدعم للشيكل .
خلال الفترة 1948-1967 خضعت مناطق الضفة الغربية للأردن وتم التعامل بالدينار, وكذلك خضعت غزة في تلك الفترة للحكم الإداري المصري وتم التعامل بالجنيه المصري, وبعد احتلال اسرائيل لغزة والضفة في يونيو 1967 تم اخضاع غزة والضفة لحكم اسرائيلي وتم تداول الشيكل كعملة أساسية وتم اغلاق فروع البنوك الفلسطينية كبنك فلسطين والذي تأسس سنة 1962 وبنوك أخرى, لحين توقيع منظمة التحرير الفلسطيني لاتفاقية أوسلو عام 1993, ومنذ عودة السلطة وحكمها الذاتي للمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 تم إدراج الشيكل والدينار الاردني والدولار الأمريكي كعملات رئيسية متداولة في فلسطين.
الشيكل يستخدم للشراء في الأسواق كعملة أساسية لتثمين معظم السلع والمنتجات والخدمات في فلسطين.
الدينار: لتثمين الأراضي, والمهور , وغرف النوم , الذهب .
الدولار: أسعار الشقق, السيارات , الصادرات, القروض البنكية في الأغلب بالدولار.
أثر استخدام الشيكل على الاقتصاد الفلسطيني :
حقق الاقتصاد الفلسطيني خسائر اقتصادية كبيرة بسبب تداوله لعملات الدينار والشيكل والدولار الأمريكي, حيث يصاحب تلك العملات خسائر وارتفاع درجة المخاطر في الاقتصاد الفلسطيني, فوفقاً للدراسات والتقديرات الاقتصادية فإن الخسارة الاقتصادية في فلسطين بسبب عدم إصدار عملة وطنية تبلغ نحو 4% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي, وعليه فإن حجم الخسارة السنوية فقد تراوحت ما بين 160-480 مليون دولار سنوياً, وبمتوسط سنوي يبلغ 320 مليون دولار .
وعليه فإن اصدار عملة وطنية فلسطينية من شأنه أن يوفر على ميزانية السلطة ما يقرب من 500 مليون دولار سنوياً, ولكن لا زالت تلك العملية معقدة وغير واقعية نظراً لحالة عدم الاستقرار السياسي الفلسطيني والحصار على غزة وكذلك وجود الانقسام , بالإضافة إلى عوامل اقتصادية أخرى كعدم وجود إنتاج حقيقي كفيل بالتغطية للاستمرار في إصدار العملة الفلسطينية, وعليه فإن عدم تدارك تلك المؤشرات وخصوصا غياب الإنتاج الزراعي والصناعي والاعتماد المتنامي على الضرائب والدعم الخارجي كموارد رئيسية للسلطة , من شأنه أن يؤدي إلى حدوث معدلات عالية للتضخم , وفقدان المواطنين لمستويات المعيشة, حيث سترتفع معدلات الفقر وتراجع مستويات المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار وغيرها.
مدى نجاح إصدار عملة وطنية فلسطينية :
في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي, وعدم قدرة السلطة على الاستفادة من الموارد الاقتصادية الطبيعية واهمها مناطق سي والتي تحتوي على 61% من مجمل ثروات الفلسطينيين وغاز بحر غزة, بالإضافة إلى وجود انقسام سياسي, وتراجع مذهل في الإنتاج, فإن عوامل نجاح اصدار العملة في الوقت الراهن تعتبر غير واقعية وسياسة غير رشيدة من الناحية الاقتصادية, فإصدار العملة يعتبر شأن سيادي ومن مقومات ومرتكزات الدول, وعليه في ظل تراجع السيادة الفلسطينية وعدم وجود انتاج حقيقي في الضفة وغزة فإن اصدار عملة رغم أهميته يحتاج لإعادة النظر بشكل كامل بالسياسات الاقتصادية والمالية في فلسطين , واصلاح النظام الاقتصادي والسياسي قبل التوجه إلى تلك الخطوة.
( تشير عدة تقارير للبنك الدولي إلى أنه في حال حصل الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية وخصوصاً مناطق جيم , فإن ذلك سيؤدي إلى انتعاش الاقتصاد الفلسطيني وتحقيق عائدات تقدر بنحو 3 مليار دولار سنوياً, حيث تشكل مناطق جيم نحو 61% من مجمل الثروات الفلسطينية )
نقاط القوة لإصدار العملة الفلسطينية :
هناك عدة نقاط قوة لإصدار فلسطين لعملة خاصة , ويمكن إبرازها كالتالي:
1- تحقيق مزيداً من الاستقرار النسبي في السياسة النقدية والمالية في فلسطين.
2- وجود استقلالية في السياسة الاقتصادية الفلسطينية.
3- تحقيق مكاسب اقتصادية بمتوسط سنوي يزيد عن 500 مليون دولار.
4- التحكم بالمتغيرات الاقتصادية والحد من مشكلتي البطالة والتضخم بسياسات تلائم كل مشكلة اقتصادية.
5- وجود قطاع خاص يتسم بالمتانة والقدرة على مواكبة التغيرات باستمرار.
6- وجود رؤوس أموال فلسطينية بالخارج من الممكن أن تستثمر مستقبلاً, حيث تبلغ استثمارات الفلسطينيين في الخارج ما بين 80-150 مليار دولار.
( تشير التقديرات أن مجمل ودائع الفلسطينيين واستثماراتهم في الخارج تتراوح ما بين 80-150 مليار دولار., ويعزو اقتصاديون عدم لجوء أصحاب رؤوس الأموال في الخارج لاستثمار أموالهم في وطنهم إلى الحالة الأمنية والسياسية الموسومة بعدم الاستقرار هناك، سواء في الضفة الغربية حيث السيطرة الإسرائيلية على منابت الموارد الطبيعية، أو في قطاع غزة حيث السيطرة على المعابر والحدود وعدم السماح بإقامة مشاريع تدعم الصناعة أو الإنشاءات أو التجارة)
نقاط الضعف لإصدار عملة فلسطينية خاصة :
هناك عدة نقاط ضعف لإصدار فلسطين لعملة خاصة , ويمكن إبرازها كالتالي:
1- عدم وجود سيادة فلسطينية على الموارد والمناطق الغنية بالثروات منها مناطق جيم , وغاز بحر غزة .
2- وجود الاستيطان وتماديه بشكل دائم ونموه المتواصل.
3- وجود عراقيل من الجانب الإسرائيلي وخصوصاً بنود باريس التي أقرت انشاء سلطة للنقد الفلسطينية, وتخضع للبنك المركزي الإسرائيلي.
4- وجود الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني.
5- تراجع الانتاج الحقيقي, وتباطؤ الإنتاج الزراعي والصناعي والخدماتي.
الأثر الاقتصادي المترتب على إصدار عملة فلسطينية :
بالإمكان تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية وأهمها الغاء الخسائر التي تتحقق بسبب التذبذبات المستمرة في أسعار صرف العملات الثلاثة الرئيسية في فلسطين, إضافة إلى نمو الناتج بما يزيد عن 4% سنويا هي حجم الخسارة المحققة بسبب عدم وجود عملة وطنية فلسطينية .
إضافة إلى وجود إمكانية لانتهاج سياسات مستقلة من شأنها تحقيق الاستقرار المالي والنقدي في فلسطين.
الخسارة الإسرائيلية من جراء انشاء عملة وطنية فلسطينية:
سيكون الاقتصاد الإسرائيلي الأكثر تضرراً من توجه الفلسطينيين لإصدار عملة وطنية فلسطينية , لعدة أسباب أهمها أن الضفة الغربية وقطاع غزة تستحوذ على 8-10% من مجمل النقد الذي يصدره البنك المركزي الإسرائيلي, حيث تعتبر الأراضي الفلسطينية مصدر ريع مهم للشيكل, فمثلا تكلفة اصدار الشيكل هي عبارة عن ثمن الورق المستخدم في الطباعة, مثل وحدة 100 دولار تُكلف الخزينة الأمريكية 35 سنت أي أقل من دولار واحد, وعليه فإن اسرائيل ستفقد قرابة 10% من قيمة الشيكل المصدر.
في حال اصدار عملة فلسطينية فإن حجم الخسارة الإسرائيلية سنوياً ستتراوح ما بين : 5.5- 6.8 مليار شيكل أي حوالي 1.5- 2 مليار دولار بسبب غياب ريع الشيكل.
(تم تقدير تلك الخسارة من قبل معد المقال بناءً على مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي, حيث يبلغ اصدار الشيكل من البنك المركزي سنويا 70 -86 مليار شيكل بناء على تقارير مختلفة للبنك المركزي الإسرائيلي).
#حسن_عطا_الرضيع (هاشتاغ)
Hasan_Atta_Al_Radee#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟