|
الحضارة والمجتمع
حياة إبراهيم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1485 - 2006 / 3 / 10 - 11:38
المحور:
حقوق الانسان
إنّ تاريخ الإنسان يدور حول علاقته بالمجتمع وتفاعله معه ، ومع الحضارة التي أنشأها . ولا يمكن تصور هذه الحقائق منفصلة عن بعضها فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً ولا سبيل إلى التفريق بينها . فالإنسان لا تتفتح مواهبه ولا تنمو معارفه إلاّ عن طريق المجتمع . ولولا هذا الوجود الاجتماعي لما استطاع الإنسان أن يكوّن حضارة . لأن اجتماع البشر مع بعضهم وتفاعلهم مع البيئة هو الأساس في نشأة الحضارة ونموها وتطورها . وإذا كان عمر الإنسان محدوداً فعمر المجتمع والحضارة مديد ، لأنّ المجتمع والحضارة دائمان ويتطوران باستمرار ؛ وما من دليل قاطع على أنّ المجتمع يفنى أو أنّ الحضارة تزول . فالمجتمع يستمر في بقائه ما دام فيه أفراد يتكاثرون بالتناسل أو يضم عناصر أو أفراد آخرين إليه . ولعل السبب في تكوين المجتمعات الإنسانية ناشئ عن غريزة التجمع والحفاظ على الحياة الاجتماعية . وتختلف المجتمعات الإنسانية في الزمان والمكان ، ولكل منها مظاهره ، لأنّ الحيّز الـمكاني يحدد نـوع النشاط . فالمجتمع الصحراوي هو غير المجتمع الريفي ، وهكذا المجتمع المدني. والحيّز الزماني يحدد درجـة هذا النشاط ؛ ففي المجتمعات الأولى نجد تأثير المكان واضح على نشاط الإنسان، ولكن صراع الإنسان مع الطبيعة جعله يتغلب عليها ببعض الأمور أو يتكيف معها ويعدّل من شروطها ويسخره لصالحه . وما قصة الحضارة في الواقع إلاّ قصة صراع الإنسان مع الطبيعة والاستفادة من إمكانياتها . والمتأمل في تاريخ الحضارة يجد أنها لم تكن وليدة عرق من العروق ، ولم تظهر في قارة دون قارة بل أنها ظهرت في أصول مختلفة وفي أماكن متعددة على سطح الكرة الأرضية ، كحضارة وادي الرافدين ووادي النيل والهند والصين والمكسيك . الحضارة ، من حيث الأصل ، لا وطن لها ، فهي من إبداع الإنسانية بأجمعها . وإنّ أرقى الشعوب المتـقـدمة حضارياً مدينة إلى الشعوب البدائية في اختراعاتها الأولى ، ولهــذا ينبغي أن نحـذر من استعمال كلمة متوحـش أو همجـي عندما نصف بها بعض الجماعات البشرية ، فأوصاف كهذه لا تنطبـق على الواقع . لأنّ مثل هذه الجماعات ، على الرغم مما هي عليه من تأخر وتخلّف ، تضمّ كثيراً من العناصر ، التي تدخل في تكويـن الحضارة الإنسانية . في الحقيقة إنّ الاختلافات العرقية ليس لها أيّ تأثير على التاريخ البشري ، والقول بنقاوة دم بعض العروق والأجناس وتفوقها على غيرها ، زَعْـمّ باطل لا نصيب له من الصحة فضلاً عن أنّ العلـم يرفضه ولا يقره . فمنذ عصور ما قبـل التاريخ والمجتمعات البشرية في اتـصال دائم واختلاط مستمر وعلاقات متشابكة ، وهذه العلاقات ، أسقطت الاعتبارات العرقية وأخذت تعلّق أهمية كبرى على العلاقات البشرية الدائمة ، التي لها أكبر الأثر في نمو الحضارة وازدهارها . إنّ أول ما اتجه إليه الإنسان ، منذ وجوده على سطح الأرض ، كان المأكل والمسكن والملبس . وإنّ البحث عن هذه المطالب الرئيسية كان أقدم نشاط عرف عن الإنسان ؛ وعلى هذا الـمجهود الأول بنيت أسس الحضارة الأولى ؛ وما زالت هذه الحقيقة قائمة ، مهما اختلفت صور النشاط . ولكن من الصعب أن نقبل القول إن تطور الحضارة قائم على هذا الأساس وحده . ومع اعترافنا بما لهذا العامل الاقتصادي من أهمية بالغة ، فإننا نجد أنّ هناك عوامل أخرى ، لها أهميتها ، وخاصة عندما تجاوز الإنسان مرحلة تأمين الغذاء والمسكن والكساء فأخذ يتطلع إلى حياة أفضل وعيش أمثل . وإذا كان مجهوده الأول لسدّ هذه الحاجات الأساسية ، فهو لا يرغب في العيش وحده مجرداً عن كل زخرف بل إنه يطمع في الحياة وفي كلّ ما يزينها ويجعـلها جميلة في نظره .
#حياة_إبراهيم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يديعوت أحرونوت: صفقة الأسرى ربما لا تتم قبل نهاية ولاية بايد
...
-
متورطون بقمع وتعذيب المعتقلين.. ضباط من قوات النظام السوري ا
...
-
فيديو.. لحظة اعتقال منفد هجوم -أعياد الميلاد- في ألمانيا
-
ألمانيا.. دعوات لترحيل جماعي للمهاجرين على خلفية مأساة ماغدي
...
-
السعودية تنفذ الإعدام بمواطنين بتهمة خيانة وطنهما وحرّضا آخر
...
-
هجوم ماغديبورغ: مذكرة اعتقال وتهم بالقتل موجهة للمشتبه به
-
مقاومو -طولكرم وجنين- يتصدون لاقتحامات و اعتقالات الإحتلال
-
اللاجئون السودانيون.. مأساة لم ينهها عبور الحدود واللجوء
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|