زردشت صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1485 - 2006 / 3 / 10 - 11:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ايام قليلة وتكون ذكرى انتفاضة اذار التي حطمت الكثير من الاكاذيب التي كانت قد غدت مسلمات في زمن الرعب وفي وطن الامال , الانتفاضة التي كانت حدثا نوعيا بكل المقاسات , عبرت عن ذروة عطاء لتراكم كمي كبير , فترسخت ثقافة الانتفاضة , اكدت قدرة هذا الشعب وحيويته واستعداده للدفاع عن نفسه , كما اعلنت للعالم كله حقيقة هذا الشعب , لتكون رسالتها لكل القوى الحاكمة ان هناك قضية جادة عادلة لا يمكن طمسها بالزمن ولا بالعنف ولا بالمشاريع الاستثنائية , وان الهدوء يعني انه يمهل لكنه لا يهمل , والشعب السوري برمته يدرك جيدا ماذا تعني الانتفاضة الشعبية الشاملة في بلد مثل سورية اعتبر الجميع ولا يزال يعتبر كثيرون حتى من المعارضة ان ذلك امر مستحيل .
تحطمت كل الحواجز ومحرمات السلطة امام صرخات وقبضات الشباب الكردي بوجه كل ذهنية القمع والاته , فقتل الشعب خوفه مثلما قتل رعب النظام , واعلن لا بل دفع النظام السوري وبلسان رئيسه الى الاقرار علانية بحقيقة هذا الشعب .
الانتفاضة هي نتاج العقلية المقاومة التي ترسخت مع الزمن , فكانت حملة ربما ندر مثيلها في كردستان شمولا واتساعا وتاثيرا, اللهم الا الانتفاضة التي اندلعت في الجنوب الكبير بعد حرب الكويت .
لكن وبكل اسف نقول مع الاسف , لم تكن الحركة السياسية الكردية في سوريا على مستوى المسؤولية , لا اثناء الانتفاضة بتوجيهها وتطويرها وتخطيطها , ولا بعد الانتفاضة في الحصول على النتائج التي افرزتها لصالح الشعب , لتكون بداية لحركة سياسية من طراز خاص يوصل الشعب الى اهدافه , ربما ان الحركة السياسية وجدت نفسها مذهولة وسط بحر الجماهير الغاضبة المنتفضة , فغرت فمها ووقفت تراقب من بعيد , ليس هذا فحسب بل انها بدات منذ اللحظة الاولى تخطط لمكاسب بسيطة حزبية او شخصية , وكأنها تنتظر ان تبيع دماء الشهداء لقاء مصالح هزيلة اقل ما يقال فيها سياسيا انها دنيئة من العيار الثقيل , ولا ينقذها من ذلك تشكيلها للجنة تنسيقية اسموها مجموع الاحزاب الكردية , ولا التبرعات المالية التي جمعت في غير مكان لصالح الجرحى والضحايا فذهبت لجيوب الاخرين .
بمقدار ما اكدت الجماهير عنفوانها والتزامها ووطنيتها , فقد اكدت كذلك انعدام المسؤولية والهشاشة والضعف والانتهازية والاستسلام في صفوف فصائل الحركة السياسية , التي ارسلت لهم الانتفاضة رسالتها " انكم غير راشدين ولا يمكنكم تحمل المسؤولية فاصلحوا نفسكم والا فان يقظة الجماهير ستتعداكم وسيحاسبكم التاريخ " .
لست بصدد مناقشة جوهر الانتفاضة المقاوم المقدس بكل المقاسات , لكنني اريد ان اعرج على مواضيع اخرى , وخصوصا الفترة التي اعقبت الانتفاضة , حيث يمكننا تقييم سلوك ومواقف الحركة السياسية الكردية التي عليها ان تتحمل مسؤولية قيادة الجماهير , فماذا افرزت الانتفاضة في هذا الاتجاه ,خصوصا اننا ومن منطق المسؤولية يجب ان نشير الا ان هذه الانتفاضة كغيرها من الانتفاضات العفوية لم تخل من التصرفات الخاطئة التي اثرت سلبا والتي مكنت الاخرين من استغلالها , حيث لا يمكننا تناسي ان اخطاء الانتفاضات الكردية في مراحل عديدة ادت الى اجهاض كل الحركة في تلك الفترة , مثلما جرت عمليات نهب المحلات في ديار بكر اثناء انتفاضة الشيخ سعيد او غيرها .
اطراف الحركة السياسية الكردية ومثقفيها توصلوا الى مجموعة من النتائج عبر تحليلات موضوعية مسؤولة بعد لملمة الجراح والتخلص من الذهول المصاحب لهول الانتفاضة وجبروتها , صبت في مجملها نقدا على الحركة , ليس تهجما بل دعوة الى التحضير لمرحلة قادمة بعد ان دقت الانتفاضة ناقوس الخطر ,فاكدت :
- ان الحركة السياسية الكردية في سوريا قاصرة ومتخلفة فكريا وايديولوجيا وسياسيا وتنظيميا وعملياتيا بالنسبة لمستوى الحراك والموقف الشعبي , اي انها غير مؤهلة بوضعها هذا على قيادة الشعب نحو تحقيق اهداف عظيمة , لا تملك مشروعا حقيقيا موضوعيا لقيادة الجماهير , وان فصائل منها لا تكتفي بالموقف والموقع الذيلي , بل تتوجه نحو انتهازية فظيعة تحاول المساومة على دماء الشهداء والام الشعب لقاء مكاسب هي شخصية او فئوية ضيقة , فهي لم تكن ممثلا جيدا لروح المقاومة والتضحية التي استندت اليها الانتفاضة .
هذا القصور انعكس بغياب المبادرة والابداع اثناء الانتفاضة وبعدها , وفي المفاوضات مع السلطات , وفي المرحلة التالية , حيث تراجعت لدرجة اعتذار البعض للمتامرين , ومحاولات تضخيم اخطاء عملية تظهر طبيعيا في انتفاضة واسعة عفوية بهذا الحجم , ومن ناحية اخرى عدم السيطرة على الاخطاء وتكرارها باشكال اخرى في التحركات اللاحقة .
اي ظهرت الحاجة الى ان تقوم الحركة السياسية الكردية بتصويب نفسها على كل الصعد , بمبادرات ذاتية داخلية تسمح لكل فصيل بالقيام بدوره في العملية السياسية التي قفزت الى مرحلة جديدة مختلفة تماما , تجاهلتها الفصائل وكان شيئا ما نوعيا لم يحدث فلم تكلف نفسها عناء اعادة النظر في ذاتها بشكل جدي , كدليل على ان العجز في اغلبها مرض مزمن ومستفحل .
- كان على فصائل الحركة ان تصل الى صيغة عمل مشتركة في الاحداث الكبيرة الطارئة على الاقل , بعد ما تاكد للجميع عدم فاعلية الصيغ الارتجالية اثناء الحدث , وهذا بحد ذاته يتوقف على ما ذكرناه سابقا , حيث تختنق مقاربات الفصائل المختلفة للقضية في مستنقعات المصالح الحزبوية والفئوية الضيقة , ولا تمتلك بعضها عمليا حتى الحد الادنى من تمثيل الروح المقاومة في الجماهير .
- باعتبار ان الانتفاضة غدت نموذجا للنضال بعدما حطمت الجماهير اسوار الممنوعات والخوف , ظهرت الحاجة الى تبني هذه الفصائل للانتفضة كشكل نضالي , لذا كان لا بد من تطوير الوعي الجمعي للجماهير بهذا الاسلوب النضالي , عبر تدريب الجماهير لايصل نسبة الاخطاء الى الحد الادنى , مع رفع الجاهزية وروح المقاومة , وحمايتها من المؤامرات والتصرفات غير المسؤولة والمسيئة للهدف , وهذا يصل في حده الاعظمي الى مستوى تنظيم الانتفاضة وانقاذها من العفوية , لان استمرارها بهذا الشكل قاتل .
- الانتفاضة الجماهيرية في سوريا تهدف الى خلق حركة جماهيرية ضاغطة باتجاه الحل , الذي سيتاتى عبر الحوار المسؤول مع السلطات , ولهذا لا بد من اتقان اللعبة السياسية التفاوضية , وعدم التفريط بالمكاسب وحساب نقاط القوة وكل الاوراق الممكنة لمصلحة الشعب , بخلاف ما حصل بعد الانتفاضة , حيث اكدت الاحداث تخلفها الكبير لدرجة ان الحركة اتهمت بالتفريط بالمكاسب , ليس هذا فحسب بل ان الطرف الاخر نجح في فرض شروط اضافية اقل ما يقال فيها انها اجراءات عقابية للجماهير وافراغ للانتفاضة من محتواها .
- هنا لا بد من التحذير من ان سقوط الانتفاضة قديؤدي خصوصا اذا تكرر ,الى هزيمة شعبية يفقد فيها الجماهير الامل بالنصر ويمتنع عن معاودة الكرة مرة اخرى فيسقط فريسة الياس التي تكون نهايتها الموت .
ماذا بعد الان ونحن على اعتاب مرجلة جديدة مع ذكرى الانتفاضة الخالدة , اعتقد ان الحركة تحتاج الى الجدية والمسؤولية والمفهومية في تناول قضية قيادة الجماهير الشعبية , وفصائلها مكلفة باعادة النظر في حقائقها ومنطقها قبل سياساتها وخطاباتها التي تنبيء عن اسهال سياسي مزعج وهائل ,فهل ستعض على شفتيها سيسمح غرورها الفارغ بقيامها بعملية نقد بناء جذرية يحقق من خلالها ثورة في العقلية والنهج والتنظيم والممارسة ؟ , ام انها ستظل متمسكة بحقيقتها التي اكدت التجربة انها متخلفة عن العصر وانها خارجه لا بل تشكل حجرة عثرة في طريق تطور الشعب نحو اهدافه , بايهام البعض انه طليعة رغم انه بالحقية ليس اكثر من مجرد وهم .
الضرورة والمصلحية الشعبية العليا تفرض ان تعبر الجماهير عن التزامها بذكرى قيمها التي سقطت قرابين على مذبح حرية الشعب في ساحة الانتفاضة الجليلة , حتى اذا تهربت الاحزاب من مهامها القيادية والطليعية , لكن حينها على هذه الاحزاب ان تقرا الفاتحة بنفسها على ارواحها الملعونة التي ربما خفف عنها الموت الما .
لا بد للشعب ان ينهض من اجل كرامته متسلحا هذه المرة بالتجربة السابقة , فيمنع قيام البعض بخروقات تسيء الى روح الانتفاضة,لينادي بكل الوسائل الديمقراطية يحيي حريته , ينادي بحقوقه الديمقراطية , يعلن استعداده لدفع ثمن الحرية والديمقراطية .
عاشت انتقاضة شعبنا في الثاني عشر من اذار
عاش شهداء الانتفاضة الاحرار
الموت لكل المواقف الذيلية والعميلة والتابعة ولكل قوى الظلم والعدوان
#زردشت_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟