سهيل التويمي بنجلون
الحوار المتمدن-العدد: 5810 - 2018 / 3 / 9 - 22:12
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
إقرار دستور 2011 بعد هبة حركة عشرين فبراير كان بمثابة قفزة نوعية في المجال الحقوقي و السياسي حيث أصبحت جميع المقررات الإدارية قابلة للطعن فيها دون استثناء حيث نصت إحدى مواده و هي المادة 118 على أن جميع القرارات المشوبة بتجاوز السلطة تقبل الطعن بالالغاء بغض النظر عن الجهة التي أصدرته و منها القرارات الإدارية المشوبة بتجاوز السلطة التي يمكن أن تصدر عن مؤسسة الملك , ذلك أن الملك في الدستور الجديد و طبقا للمادة 42 منه أصبح يمارس سلطته بصفته المدنية كرئيس للدولة و ليس بصفته الدينية كأمير للمؤمنين كما كان ينص على ذلك الفصل 19 من الدستور القديم , إذن لم تعد بالمغرب أية مؤسسة خارجة عن مراقبة القضاء أو فوق الدستور , إلا أن محكمة النقض المغربية كان لها رأي آخر , ذلك أنها بمناسبة بتها في ملف قاضي الرأي جلال مجاهدي و هو أحد القضاة المغاربة الذين بلغوا عن الفساد المستشري داخل جهاز القضاء المغربي و عزله المجلس الاعلى للقضاء في الفترة الإنتقالية التي تلت دخول الدستور الجديد و الذي نص على إحداث مؤسسة دستورية جديدة و هي المجلس الأعلى للسلطة القضائية , هنا محكمة النقض و خلافا للمقتضيات الدستورية قررت بأن طلب الإلغاء الذي تقدم به القاضي المذكورغير مقبول من الناحية الشكلية على أساس أن القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء لا تقبل الطعن و عللت قرارها بالمادة 114 من الدستور الذي ملخصه أن المقررات الإدارية الصادرة عن المجلس الاعلى للسلطة القضائية تقبل الطعن بالإلغاء أمام أعلى هيئة إدارية بالمغرب و اعتبرت أن ذلك جاء على سيبل الحصر و بهذا المنطق المغلوط استثنت المقررات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء في الفترة الإنتقالية .
القرار عدد 1563/1 الصادر بتاريخ 28 دجنبر 2017 في الملف عدد 1782/4/1/2017 له أهمية خاصة باعتباره أول قرار صدر بعد حلول أجل الطعن و بعد جملة من القرارات التي أصدرتها محكمة النقض و التي كانت تصرح من خلالها بأن الدعاوى التي رفعها القضاة في مواجهة المجلس الأعلى للقضاء سابقة لأوانها على أساس أن أجل الطعن يكون بعد تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية و دخول القوانين التنظيمية المتعلقة به حيز التنفيذ .
قبل التعليق على القرار المذكور , تجدر الإشارة إلى أن ما ذهب إليه يعتبر مسا خطيرا بأحد الحقوق الأساسية التي أقرها الدستور الجديد للمواطن المغربي و هي الحق في إلغاء أي قرار مشوب بالشطط في استعمال السلطة تصدره إدارات الدولة , كما يعتبر كذلك تجنيا خطيرا على الدستور التي يعكس إرادة الأمة , ذلك أن مجرد التصريح بكون قرار ما صدر عن جهة ما هو قرار محصن ضد الطعن فيه خلافا للدستور يجعل من المحكمة المذكورة أداة تجني على القانون و على الدستور و يضرب في الصميم مصداقيتها و مكانتها على رأس الهرم القضائي.
أولا نشير إلى أن محكمة النقض في تعليلها للقرار اعتمدت على حيثيات تهم الاختصاص بينما أصدرت منطوقا في الشكل , وهذا عيب كبير في التعليل لا يمكن اعتباره إلا متعمدا , فإذا كانت فقط المقررات الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية هي التي تقبل الطعن بالإلغاء أمامها فكان عليها أن تصرح بعدم اختصاصها للبت في المقررات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء , لكن لكون التعرض للاختصاص يسبق الشكل و سبق للمحكمة المذكورة أن تجاوزت الاختصاص و تعرضت للشكل في دعاوى سابقة , فإنها لم تستطع التصريح بعدم الإختصاص و كان هذا سبب الخلل و التباين بين حيثيات القرار و منطوقه , لكن رغما عن محاولة المحكمة عدم معارضة قراراتها السابقة فهي قد سقطت في تناقض آخر , فمحكمة النقض و في قراراتها السابقة و منها القرارات عدد 277 و عدد 278 و عدد 279 الصادرة بتاريخ 19 فبراير 2015 اعتمدت المادة 114 من الدستور و صرحت بأن هذه المادة تتيح للقضاة الذين عزلوا في الفترة الإنتقالية من طرف المجلس الأعلى للقضاء حق الطعن في مقررات العزل و بأن عليهم انتظار حلول أوان الدعوى الذي يأتي إثر تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ودخول القوانين التنظيمية المتعلقة به حيز التنفيذ , لكن عندما تقدم قاضي الرأي جلال مجاهدي بدعواه داخل الأجل , لم تجد المحكمة المذكورة بدا من أن تناقض قراراتها السابقة و تتراجع عن موقفها و لو ضدا على الدستور لتقرر أن القضاة الذين تعرضوا للعزل في الفترة الإنتقالية يشكلون استثناء من المادة 114 منه و لا داعي أن نؤكد على أن ما يزيد من الطين بلة هو أن هذه القرارات المتناقضة صادرة عن نفس الغرفة الإدارية بمحكمة النقض.
من ناحية ثانية , نشير بأن حيثيات القرار جاءت على شكل سردي بعيدة عن الأسلوب القانوني و مبالغة في الايجاز , فالمحكمة لم توضح على أي سند قانوني اعتمدت للقول بأن القرار الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء غير قابل للطعن فيه و اكتفت بذكر ذلك مقررة هذا الأمر من الفراغ , و نشير بأن المحاكم سابقا قبل إقرار الدستور الجديد كانت تعتمد المادة 19 من الدستور القديم لتصرح بعدم اختصاصها للبت في المقررات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء على اعتبار أن الملك الذي كان يرأس المجلس الأعلى للقضاء كان يمارس مهامه بصفته الدينية كأمير للمؤمنين , لكن نحن الآن أمام مستجد فبمجرد إقرار الدستور الجديد أصبح الملك يمارس مهامه بصفته المدنية كرئيس للدولة بموجب المادة 42 , لذلك فمحكمة النقض التي ليس من اختصاصها التشريع أو صنع القوانين تجنت على الدستور و على مجموعة من القوانين وتجاوزت مهمتها القضائية و صلاحياتها كمؤسسة تطبق القانون لتصدر قرارا تشريعيا من فراغ و هي بذلك قد تعدت على اختصاصات الجهات التشريعية , لذلك فإن إصدار مثل هذه القرارات التشريعية يمس في الصميم بمبدأ فصل السلط و بمقولة دولة الحق و القانون هذا دون الحديث عن الدستور التي تمت معارضة مقتضياته بشكل سافر.
محكمة النقض التجأت إلى التشريع و التعليل من الفراغ و اكتفت بإصدار حكم في الشكل بعدم قبول الدعوى رغم انتفاء العيوب الشكلية لأن التطرق للموضوع يضعها أمام جملة من المعطيات التي لن تملك معها سوى الحكم وفق الطلب , فحالة القاضي جلال مجاهدي هي من بين الحالات الشهيرة و التي يعرفها المحامون و رجال القانون و القضاء بالمغرب , فالقاضي المذكور عزل بسبب تبليغه عن الفساد بالمحكمة الابتدائية بمدينة تمارة التي كان يشتغل بها ولتعرضه لتجاوزات رئيس المحكمة بها و بسبب ذكره في أحد تقاريره لأسماء بعض المسؤولين داخل وزارة العدل الضالعين في التدخل في عدد من الملفات القضائية لأغراض مشبوهة , هذا القاضي الممنوع من نسخ ملفه و الإطلاع عليه استثناء من جميع الحالات لم يمكنه المجلس الأعلى للقضاء من الأجل المخصص لإعداد الدفاع قبل مثوله أمامه و الذي حدده النظام الأساسي لرجال القضاء في ثمانية أيام و لم يمنح حسب ما جاء في قرار محكمة النقض سوى أجل يومين فقط و بعد ذلك اتخذ قرار العزل في حقه غيابيا و لذلك فإن محكمة النقض لا يمكنها و هي تبت في الملف التعرض للموضوع لأن خرقا واحدا من الخروقات التي شابت المسطرة التأديبية كعدم تمكينه من الأجل القانوني أو عدم تمكينه من حقه في الدفاع كاف للتسبب في إلغاء قرار المجلس الأعلى للقضاء .
و يبقى السؤال مطروحا بخصوص الأيادي و الأسباب التي تحول دون إنصاف قضاة الرأي هل ترجع إلى عدم إمكانية إلغاء قضاة محكمة النقض المرؤوسين لقرارات رئيسهم الذي تستجمع عنده جهات المتابعة و الحكم و الطعن أم يتعلق الأمر بتوجه ما للدولة أو لرغبة في التستر عن خروقات المجلس الأعلى للقضاء السابق سيء السمعة ؟
#سهيل_التويمي_بنجلون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟