|
الهوسة
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 5809 - 2018 / 3 / 8 - 17:54
المحور:
سيرة ذاتية
بكّر يونس في الحضور، طرق الباب بتأدب فلم ينفع، فقد بلغ منا التعب مبلغه، عاد وزاد في الطرق حتى صحونا على مضض، فتح حمزة الباب وأستأذنه بالدخول هو وما جادت يديه من خبز الصويرة والسمك المسقوف، لم نكن قد تمكنا من الصحو بعد لكن رائحة السمك المسقوف وحفيف أشجار دجلة ألزمتنا بالاستيقاظ، وما أن إستجمعت صحوي تمعنت اخي حمزة وكان متجهما، بادرته بالسؤال، ماذا هناك؟ أجاب مستغربا والنعاس يغالبه، حضر يونس، قلت: لا عليك، فلقد أصبحنا ضيوفه.
كان يونس قد رتب برنامج عمله اليومي كالمعتاد وأضافنا عليه في كل تفاصيله، تكدر خاطرنا زيادة على مانحن فيه من سبب النعاس، تفهم يونس لغة أعيننا وأضاف لا عليكم، فقد اردت ان لا تضيع لحظة عليكم في العراق ولا نريد ان يسرقنا الوقت، فأمامنا طريق طويل للتجوال وإنهاء بعض الاعمال، ويا حبذا أن ترافقوني الى حيث اريد إذ أني أحمل أمانة لابد من إيصالها لاصحابها عند جسر الكوفة وأخرى عند جامعة النجف، وقد أحببت أن لا أبتعد عنكم ولو لبرهة وأحببت ان ترافقوني حيث اذهب لا سيما وأن الاماكن التي سنزورها والطرق التي سنسلكها مجبولة بالتاريخ الذي يحب الاخ مهند.
إستجبنا على إستحياء لعرض يونس وتناولنا طعام الافطار في وقت الغداء، إستجمعنا كل مهارات الصحو والاستيقاظ وههمنا بالمغادرة، وما ان بدأت عجلات السيارة بالدوران حتى عدنا وغططنا في نوم عميق.
صحونا على مهل وقد إختلفت ملامح الطريق فأدركنا كم إبتعدنا عن البيت وعن الصحو معا. سألت يونس اين نحن؟ قال: حيث تحب!
نحن الآن على جسر الكوفة، الذي يفضي شرقاً إلى الطريق التي تؤدي إلى بغداد مروراً بمدينة الحلة (بابل) وحدائقها المعلقة، وإذا ما انعطفت يميناً بعد الجسر فستصل إلى الحيرة عاصمة المناذرة، أما إذا ما أتيت الجسر من جهة الشرق إلى الغرب فسوف تجد نفسك في الكوفة إياها التي ازدهرت بالعلم والشعر.
تمر في طريقك منها إلى النجف بمسجد الكوفة الذي كان فيه آلاف من الناس العلماء، وفي محرابه قتل ابن ملجم علياً بن أبي طالب غدراً وتأول له مجتهدون عدة وأعفوه من ذنبه، وقريباً منه دار الإمارة التي قتل فيها عبيد الله بن زياد رسول الحسين مسلماً بن عقيل بن أبي طالب، وهاني بن عروة، وسحلهما في أسواق الكوفة، ومنه أدار المعركة في كربلاء ثم قتله فيه المختار الثقفي، وعلى مئات الأمتار من المسجد بقايا المنزل الذي أقام فيه علي بن أبي طالب أيام خلافته، وهو لابن أخته، وعندما دفن تبين أن في كيسه سبعين درهماً وفرها بداية لتأمين ثمن منزل له.
وإذا ما واصلت سيرك أسلمتك الطريق إلى حي كندة حيث ولد المتنبي والفيلسوف الكندي، وفي أوله يطالعك قبر ميثم التمار الذي قتل وصلب على النخلة، ومن الكوفة إلى النجف التي أسسها كمدينة صغيرة حول قبر الإمام علي عضد الدولة البويهي في أوائل القرن الخامس الهجري، ثم تحولت إلى جامعة علمية بعد الهجوم السلجوقي على بغداد يأتيها طالبو العلم، على مدى ألف من الأعوام… وخربها الطاعون والجفاف أكثر من مرة، وهاجمها أشقاء متعصبون متوترون وهدموا شقيقتها كربلاء مرتين وحاصرها الإنكليز قبيل ثورة العشرين (1919- 1918م) وقذفوها بالمدافع وأعدموا 27 من ثوارها وعلمائها.
عند جامعة النجف تهادت بنا السيارة رويدا رويدا نزولا عند رغبة الأعين في إشباع حاجتها من سطور التاريخ التي أتخمنا بها يونس، ففي النجف لا يستقيم وصف التاريخ إلا على مهل، توقفت بنا السيارة في زقاق يعج بالمارة وبالحوانيت، ترجلنا منها واكملنا مقصدنا بإتجاه الجامعة سيرا على الاقدام، تباطأت أقدامنا أكثر وأكثر وأمعنت أعيننا "البحلقة" في شوارع مدينة غارقة بالاساطير والحكايات وهامت الانفس على حالها ولفنا شعور بالانتقال الى زمن الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وزمن يشقه نور مصباح علاء الدين وفانوسه السحري وحكايا علي بابا والاربعين حرامي ومن تآمر على العراق وباع واشترى، زمن غاب وإنقضى وبقي معه العراق مسلوب الفرح، زمن عشناه مغمضي الاعين كي نتلمس اهدابه، زمن مَر من أمام أعيننا يتبختر على مهل،ّ ولم تقاطعه إلا موشحات وتراويد وابتهالات لا تخلوا من لمسات الحزن، قطع أثيرها تجمع لشباب غاضب يتحملقون حول مجموعة أخرى تكبرهم سنا وتقترب من عمر آبائنا وآبائهم، دفعتنا أقدامنا بإتجاههم وتحملقنا حولهم وكأننا جزء منهم، لم ندرك طبيعة التجمع بدايةً، لكنّه كان جواً حماسياً سرعان ما يجذبك إليه، إن لم يكن من خلال الجمهرة وحركاتها، فمن خلال أهازيجهم وكلماتها، تهامسنا فيما بيننا، "شو القصة"؟ ماذا يفعلون؟ وماذا يقولون؟
عبثا حاولنا فهم ما يهتفون ويرددون ولم نستجمع منهم إلا جملة واحدة "مشكول الذمة على الفالة"، وبدت هذه الجملة وكأنها محور الاهزوجة، فما ان يقول أحدهم بصيغة المنادي: ها إخوتي ها، فيتحلقون حوله ملبين النداء ومرددين بأعلى صوت: ها، ويطلق المنادي بعدها اهزوجته والتي لم نلتقط منها إلا"مشكول الذمة على الفالة" فتلتقط الجموع ما هتف به ويأخذون بترديدها وهم يتقافزون ويدورون نصف دورة حول أنفسهم ويتقدمون تارة ومن ثم يتراجعون فيما ترفع يمناهم العصا أو البندقية وتثبت اليسرى الغترة والعقال بالنسبة لشيبهم، اما شبابهم فيتحرك الساعد فيهم بمعزل عن باقي الذراع الثابت مع مستوى الكتف او اقل قليلا وتكون حركة الذراع بمقدار نصف او ربع قطر الدائرة او يرفعونها الى الاعلى ويخفضونها ويضربون الارض بقدمهم الواحدة او بكلتاهما حسب شدة حماسة الاهزوجة ويظلون كذلك الى ان تنطلق صرخة او هتاف جديد.
أسعدنا الجو الحماسي وبتنا نتراقص مع المتجمهرين على استحياء، فهذا اللحن الاهزوجي ألفناه وسمعناه من قبل لكن لا نعرف اين؟ وجدنا ضالتنا فيما إهتدى اليه حمزة حيث قال: إن هذا اللحن كنّا نسمع شبيهه في أغنية أخرى كانت دائما تبث عبر شاشات التلفزيون الاردني أثناء الحرب العراقية الايرانية وكانت اشهر الاغاني التي تحمل هذا اللحن وكنا قد حفظناها ظهرا عن قلب:
"يا كاع ترابك كافور على الساتر هلهل شاجور للساتر لتعدي، رجع الرادي لوين، مكسور ذراع اي والله وعونك يادار، اي والله وعونك ياكاع دار العدوان نساويها، ونخلي اسفلها بعاليها ذولة احنا سباع، اي والله وعونك يا كاع معمورة وبالعز مبنية ولو فاضت بالغيض الدنيا صدام شراع اي والله وعونك يادار جرح من ترابك داويته، وان راد يذلك ذليته والحق ما ضاع، اي والله وعونج ياكاع"
وما ان ذَكّرنا حمزة بهذه الاغنية حتى أصبحنا نتمتم بها مستعيدين كل كلماتها العالقة بالذاكرة وشجعنا على ذلك اللحن المتشابه في اهزوجة واغنية "مشكول الذمة على الفالة"، وتبعها في الاستحضار "دقي يا الراجمة" و"صدام حسين باب المعالي بابه" و"يلعن بو خميني ويلعن ايامه" وغيرها من الاغاني ذات اللحن المشابه.
تسربت همساتنا وتساؤلاتنا الفرِحة الى مسامع يونس، فأجاب: إنها الهوسة، إستجمعنا مداركنا بإتجاه يونس وحال أعيننا يطالبه بالمزيد، إستدرك يونس طبيعة الحيرة البادية على وجوهنا وإلتقط طبيعة الاسئلة في أعيننا بأن اللفظ لم يتم التعرف عليه في قاموسنا اللغوي، فأضاف باسماً: إنها الهوسة العراقية وهي تراث وطني اصيل.
وهي رقصة شعبية تقوم بها على الاغلب العشائر وخاصة عشائر الوسط والجنوب في مناسبات العزاء والافراح واستقبال الضيوف وتوديع الموتى، حيث يقوم بها شخص يسمى المهوال الذي يكون انسان لبق وسريع البديهة ويكون على الاغلب شاعر او حافظ للشعر الشعبي، وتبدأ بابيات شعر تمجد الشخص المعني وتذكر مآثره وشجاعته وتاريخه وتنتهي بدبكة يشارك بها اغلب الحضور، وتكون في مناسبات لرفع الحماس والمعنويات وتحشيد الناس خاصة في اوقات الحروب، وهي تشبه الى حد كبير ما تعرفونه في بلاد الشام بما يسمى العراضة او الزفة والى حد ما السامر والزجل والدحية والتراويد.
و"مشكول الذمة على الفالة" هي هوسة من أشهر الهوسات في تاريخ العراق الحديث، ولها قصة طويلة رواها مظفر النواب في قصيدته الرائعة عشائر سعود.
"هذوله احنه سرجنه الدم عله اصهيل الشكِر.. يسعود خليًنه زهر النجوم.. من جدم الحوافر سود تتجادح عيون الخيل وعيون الزلم بارود وياخذنه الرسن للشمس من زود الفرح ونزود يسعود احنا عيب انهاب يا بيرغ الشرجيًه هذي يشامغ الثوار تبرج نار حربيٌة
هذوله أحنه نحد السيوف بركاب الصكر والذيب ما نترك أثر يا سعود من أنغير…بس الطيب وتمولح عيون الخيل عجه اتطر وعجه اتغيب ينخل فشك ليل الموت وعيونك ,ليالي زبيب يسعود احنا عيب نهاب يا بيرغ الشرجيه نجمة الغبشه تانينه على حدود الحرامية
هذوله احنا بأمل يسعود كل نجمة انتلكاها نمد الها البسط دم ذيب وندك كهوه وياها نسايلها عن اخبارك تعوًك ليش؟! نتباها وعشايرنه خناجر ثار بس اندهه تلكاها يسعود احنا عيب انهاب يا بيرغ الشرجيه هذي يشامغ الثوار تبرج نار حربية"
وقد كتب مظفر النواب هذه القصيدة على ضوء الاحداث والانتفاضة الذي قام بها ابناء عشيرة الازيرج ضد الاقطاعين وضد الظلم في الخمسينيات وكان من بين هذه الشخصيات سعود بطل القصيدة.
خرجنا من القصيدة وقد نجحت في تحريضنا وعدنا الى الفالة وقد نجحت في اغراقنا باساطيرها؛ وبادرناه السؤال بلهفة، وماذا تعني "مشكول الذمة على الفالة"؟ فزاد موضحا ومشبعا فضولنا: مشكول الذمة تقال عندما نريد تأمين شي عند شخص آخر .. بمعنى أشكل ذمتك على سر لا تفشيه او أشكل ذمتك على امانه لا تضيعها ..
عدنا الكرة بسؤال أكثر لهفة، وما الفالة؟ اجاب: الفالة آلة حديدية ذات ثلاث أصابع ابتكرها السومريون بعد ان كانوا يستخدمون الرماح في الصيد. ومن ثم تطورت وأصبحت خمس اصابع ملحومة على قضيب من حديد بطول نصف مسطرة ويسمى (صنخ) وفي نهاية كل اصبع نتوء معاكس يسمى (روشان) وصناعتها من اختصاص الصابئة المنتشرون في النواحي والاقضية القريبة من الاهوار ( الجبايش، سوق الشيوخ، المدينة، المجر الكبير، الكحلاء ). والفالة لها اسماء حسب المناطق، الشويجية، الجبايشية، المجراوية واثناء الصيد يثبت بطرف قصبة غليضة تؤخذ من الاهوار او قصب (الجنا) المستورد من دول جنوب شرق اسيا ( الهند، الصين، كوريا، باكستان ) بواسطة تجار في الموانئ العراقية ومن ثم تصل الى الصابئة وبدورهم الى الصيادين في الاهوار.
وتعتبر الفالة ايضا من أدوات الزراعة التي تستعمل لذر القمح، وهي مشهورة ومعروفة في هذا الاستخدام الزراعي حتى لديكم في بلاد الشام وفي مصر وسائر البلاد العربية ايضا، ولكن قد تكون الاسماء مختلفة وتحت اسماء أخرى. اضفنا؛ نعم صحيح، فهي معروفة لدينا، لكن بإسم الشعوبة أوالمذراة، لكنها تكون بثلاث شعب وبدون الرأس المدبب او الرمحي فنحن لا أهوار لدينا ولا أنهار كذلك...
عادت الهوسة وإنطلقت من جديد، فعدنا وسألناه ما سِرُّ هذه الهوسة حتى تصبح أهزوجة وتراثا وطنيا يتم ترديده في المحافل والساحات والمناسبات؟
اجاب: ترتبط الفالة بالتاريخ والتراث العراقي بأروع الحكايات، حتى غدت من ألمع رموزه وانصع صوره واحد معالم هويته، ويعود أجملها الى ذكرى إشتهارها كسلاح وأداة لمقاومة الاستعمار، فضلا عن كونها اداة للتواصل مع الارض والنهر بما تحصد وتصطاد. حيث إشتهرت الفالة وذاع صيتها على أثر المكيدة التي دبرها الحاكم البريطاني في العراق للشيخ شعلان ابو الجون شيخ مشايخ عرب الظوالم، وهم عشائر حوض الفرات المتوسط، ومدينتهم الرئيسية في العشرينات من ذلك القرن كانت الديوانية. وكان الشيخ شعلان قد توجه صباح ذلك اليوم إلى الديوانية لرؤية الحاكم العسكري البريطاني الذي دعاه للتفاوض.
وكان الحاكم العسكري البريطاني قد حضّر المكيدة لاعتقال الشيخ شعلان ابو الجون عند حضوره لغايات المفاوضة فأمسك به وقال: "أنت سجين ما دمت لا توافق على سياستنا، وغداٌ ننقلك إلى سجن بغداد المركزي".
لكن الشيخ الذي جاء للمكيدة برجليه لم يعدم الحيلة. وكان يعرف أن وراءه فرساناٌ أشرافا أغيارا يعرفون النخوة والرجولة والكرامة والشهامة، لذا أرسل خطابه المشهور لولده خنجر. "ولدي خنجر: باكر ينقلونني إلى بغداد وأريد منك عشرين ليرة رشادية ذهب، موش مغشوش".
وصل الخطاب إلى مضارب عشيرة الظوالم، وكانوا قد احتشدوا حول ديوان شعلان يدقون الأرض بأقدامهم إستعدادا لأي طارئ منذ تأخر شيخهم عن العودة. قرأ الشيخ خنجر الخطاب الذي حمله الرسول ثم خاطب العشيرة: "شعلان يريد عشرين ظالمي أصيل أبا وأما جداٌ وجدة فهل من ملب"! أرتفع حماس العشيرة ودق الأرض وعلا الهتاف بعنفوان الإصرار العربي: "الليلة يصلي بديوانه، الليله يصلي بديوانه"..
إجتمع الظوالم الأصيلون وهاجموا مقر الإحتلال في الديوانية وأبادوا الحامية البريطانية وقتلوا الحاكم العسكري الذي خان عهدهم وأنقذوا شيخهم شعلان وعادوا إلى مضابرهم حيث أمهم في صلاة الشكر لله ثم صلاة الصبح. بعدها انفجرت ثورة العشرين المشهورة، وقاتل العراقيون ومن معهم من اخوانهم العرب وبالذات الفلسطينيون جيش الإستعمار البريطاني المدجج بأحدث وأفتك أسلحة ذلك القرن في مقابل أسلحتهم البدائية والمتهالكة؛ لكنها كانت اسلحتهم وكانوا هم اصحابها وابطالها، فكانت تلك حكايتهم مع الارض التي لا تشيخ من الابناء ولا ترتوي من الدماء .
وفي هذه الثورة بزغ نجم الفالة كأداة مقاومة تبث الرعب وتصنع الانتصار. وبها قاتل ثوار العشرين حتى علا صيتها وأصبح الجندي البريطاني يلقي سلاحه ويفر هارباٌ حالما يشهر العراقي فالته بوجهه. وكما اصبحت الفالة سلاح فتاك ارعب الجنود البريطانيون اصبحت ايضا رمزا في التاريخ والتراث وعنصر اساسي من عناصر الهوية الوطنية.
المشكلة التي ضاق بها العراقيون ذرعا ٌ كانت صعوبة إخراج الفالة من جسد المستعمر القتيل بسبب شكل أسنانها، لذا كانت أغاني الثورة لدى عشائر الفرات تهزج وتهوس:(رد فالتنة و شلك بيها، مشكول الذمة على الفالة) أي أن فالتي أمانة في ذمتك يجب أن تردها لي لأواصل معركتي حتى تحرير كافة الأرض العراقية.
ويعود اصل هذه الهوسة "مشكول الذمة على الفالة"، الى يوم من ايام ثورة العشرين، حيث قالها بطل عراقي من الجنوب حين طعن جندي بريطاني بثورة العشرين وثبتت الفالة بجسد الجندي(في قفاه) فهرب الجندي .
حيث يروى بأن اهل الرميثه انتفضوا ضد الانكليز، وكما هو معروف فان سلاح سكان الجنوب عامة هو بنادق البرنو و( المكوار او الفالة ) فصادف ان جندي بريطاني افرغ بندقيته من البارود واخذ يملئها ثانية بالبارود فكان احد ابطال الرميثه يراقبه فأجهز عليه بالفالة وضربه في ظهره ومن شدة الضربة بقيت الفالة في ظهره(في قفاه) وفرّ مسرعا من قوة الضربة وما كان من البطل الا ان يلحق به قائلا "الهوسة" وهو يركض وراءه ( مشكول الذمه عله الفالة ) فهو يريد استرجاع سلاحه وهو الفالة فهي امانة عندك ولازم ترجعها.
وفي رواية اخرى، يروي الرواة ومنهم من كانوا شهوداً في ثورة العشرين أن سفينة إنكليزية معتدية كانت تمخر عباب الفرات عند جسر الكوفة في طريقها إلى الجنوب.. فقرر عدد قليل من الثوار الفلاحين اصطيادها، وليس في أيديهم سوى “المكاوير” أي العصي ذوات الرؤوس المكورة من القير الأسود الجاف.. و(فالة) حيث هجموا على قمرة القيادة، وضربوا القبطان بالفالة، وعلقت الفالة بين كتفيه(او في قفاه) فرمى بنفسه في النهر وهو على هذه الحال.. وسيطر الفلاحين الثوار على السفينة ورقصوا رقصة الهوسة وهوّسوا “مشكول الذمة بها الفالة” أي إنهم لا يسامحونه على الهرب بفالتهم.
طغت علينا بحور من الفرح سببه هذه الهوسة، وأضافت الفالة وحكايتها الضاربة الجذور في أعماق هذه الارض مزيدا منه، وكان فالها علينا جميلا بما أتحفتنا به من سرد سرمدي لامتناهي عن اصل وفصل قصة الفالة وعن معنى وتاريخ الهوسة.
بادرنا اخي حمزة بإضافة لا نعرف نهايتها، لكنها كسرت حدة صمتنا امام هذا السيل المعرفي لتاريخ الفالة والهوسة حيث قال: كنت قد قرأت فيما قرأت قصيدة لمظفر النواب يمر فيها على ذكر الفالة، ولا أعرف إن كانت هي المقصودة في حديثنا أم لا؟ أغمضت عيني تحسباً لخطأ حمزة الذي لا أريد ان اكون جزءً منه، وعدت فاتحا عيني فرحا بعد أن تلمست صواب مداخلته، إذ عاد يونس وتلقف الحديث من حيث إنتهى حمزة وقال: بعد ان لجأ الشاعر مظفر النواب الى الاهوار في اوائل الستينيات والتحق في الكفاح المسلح في اهوار ( الغموكة- السلام - ابوغريب - البطاط ) وقضى عدة سنوات في بيوت صغيرة مؤقتة بين غابات القصب والبردي واستمع الى نقيق الضفادع وانين البراهين وتحمل لسع البعوض ورأى بأم عينه معاناة السمكة وهي تحاول الافلات من اصابع الفالة فنظم قصيدته: روحي ولا تكَلها : شبيج وانت الماي مكَطوعة مثل خيط السمج روحي حلاوة ليل محروكَة حرك روحي حمرية كَصب مهزومة بالفالة ولك روحي وعتبها هواي ما يخلص عتب روحي …. لا مرّيت … لانشديت …. لا حنيت وكَالولي عليك هواي وعودان العمر كلهن كِضن ويّاك يا ثلج الي ما وجيت تعال بحلم … أحسبها إلك جيّه واكَولن جيت
حمزة قرة العين والبسمة التي لا تنام، أسعدنا -وقد اصبح عراقيا من اهل الدار - بمداخلته التي سترت ضحالة معرفتنا بالعراق الذي نحب ونهوى، وساهمت برسم بسمة الرضى على وجه مضيفنا الذي ربت على كتف حمزة وقال متفهما، لا عليكم فالعراق أكبر من ان تحتمله الجغرافيا وأقدم من ان يذكره التاريخ.
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بغداد
-
العمل الجماهيري والحفاظ على الذات
-
جرح صويحب
-
الكم والكيف في التنظيم الثوري
-
الاخلاق في اللغة والاسلام والفلسفة والشعر
-
مصر المحروسة، أم الدنيا
-
الهشير
-
شقائق النعمان
-
ما هي الثورة؟
-
أُغنية على ضفاف النهر
-
الأم
-
الهزيمة والنصر
-
درب الآلام؛ حكاية الألفي عام
-
الذاكرة الفلسطينية
-
التاريخ والتراث؛ الدور الأصيل في النضال والتحرير ، -المقلوبة
...
-
ناظم حكمت الإنسان والشاعر الثوري
-
القدس؛ عاصمة التفاؤل والأمل
-
القديسة فيرينا ابنة مصر أم الدنيا
-
الكرامة
-
وصايا صاحب الأرض؛ توفيق زياد
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|