أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - الهرْش الديني: في حساسية الاعتقاد!!















المزيد.....

الهرْش الديني: في حساسية الاعتقاد!!


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5807 - 2018 / 3 / 6 - 21:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إحدى علامات الفكر المريض أنْ يتحسس الإنسانُ معتقداته خوفاً من الآخر, على غرار ما يتحسس قفاه حذراً من تلقي لطمةٍ مفاجئةٍ كان يتوقعها من مجهول. وبخاصة إذا كان الآخرُ مختلفاً دينياً له طقوسه وحياته الخاصة. والتحسُس نوعٌ من " الحكْ المتواصل " في جلد المعتقدات( جلد القفا - الرأس) بحثاً عن ثباتها ومنعاً لاقتحامها ودرء الشبهات حولها.

وكأنَّ المختلف دينياً سيدفع " الحاكَّ " إلى اختبارات قاسية فيما يمتلك من إيمان. وباللهجة المصرية الدارجة يُقال فلان "هارش " فلانا،ً أي أنَّه يعرف تفاصيل حياته ويُخبر جيداً ما ينتوي فعله ويفكر فيه. ولا يتوقف الأمر عند هذا، بل يقتفي الفلانُ أثرَّه ترقباً لأفعاله ومتابعةً لحركاته وسكناته. ماذا أكل، ماذا شرب، كيف سار، كيف تحدث، ماذا كان يقصد؟!! ولذلك يقال أيضاً: " اللي على راسه بطحة يحسس عليها"... في محاولة لبث الرعب من الاتهام المسبق لكل من يقابلنا.

هذا بالتحديد ما يحصل في مضمار " الدين الشعبي" داخل المجتمعات العربية. إنَّه أحد أشكال التبجح المراوغ تحت رداء الفضائل والوصاية. و باستمرار المبررات موجودة: نحن نعيش في بيئة اسلامية له قيمها وتراثها... فهل تريدون القضاء على هوية الأمة وحضارتها؟! أتدعون للفحش وشيوع الرذيلة بين المؤمنين والمؤمنات الغافلات؟ وما الذي يضركم أيها المعترضين، فلسنا بدعاً في هذا بل مجتمعات العالم كله تحرص أشد الحرص على قيمها وتاريخها؟!!

وعلي ذات المنوال يتحسس كل فرد طوال تنقلاته ومواقفه جميع المقدسات وكأنها بالمقابل تدعوه للهرش في مواضعها الجسدية والمعنوية. ليتشكل كهنوت جديد من عيون الناس ونظراتهم وخطاباتهم اليومية واقفاً على الحدد الوهمية بين الأفراد. حيث لا يسمحون لبعضهم البعض اشتراكاً في الحياة العامة دون ملاحقة. وبالطبع لن يوجد الشخص العمومي الذي لا ينبغي التفتيش في أفكاره وملابسه وعقله ووجدانه. لأنَّ تلك المساحة غدت نهباً للمتطفلين، وقريباً أو بعيداً ستكتشف بنفسك أنَّ شعوباً بأكملها قد تحولت إلى " ظاهرة تطفل" لزج.

" التطفل اللزج " اقتحام لخصوصية الفرد بما لا يليق بكيانه المادي ولا المعنوي ولا بما يجب احترامه من آدميةٍ وحريةٍ ينبغي التمتع بهما دون تدخل. وإذا كان التطفل ممجوجاً، فما بالنا بكونه تحريضاً للتضيق على الاختلاف الفكري والديني. وما بالنا إذا كان مدعوماً من عادات وتقاليد وتفسيرات دينية داعية إلى الحذر من الآخرين!! بحيث يعيش الإنسان في بيته ويشعر أن جميع الناس يتحرشون به ويطلعون على أدق أسراره.

والمعنى هنا أفظع احساس يصل إلى الإنسان المختلف دينياً. لأنك تضعه تحت الاستفهام كما لو كنت تخاطبه تكراراً: لماذا أنت مختلف عما اعتقد؟ وأنَّ اعتقادك يسبب لي حساسيةً من نوع مقصودٍ. وأن ما تقوم به من تصرفات يغاير ما نقوم به نحن من أعمال. وأنت تضعنا في التفاتٍ إليك لكونك لا تنتمي إلينا؟ وهل وراءك شيء يمكن أنْ تخبأه ثم تفاجئنا به أم لا؟ وقبل جميع ذلك أنت لا مكان لك تلقائياً بيننا إلاَّ حين نسمح بذلك؟ ولن تجد ترحيباً دائماً كأنك شخص من عالم مغاير ؟ فضلاً عن أنه إحساس يكرس التمايز الديني ويفتح قوسين لوضع الأقليات بينها بلا طائل.

هكذا يبلغ المناخ الثقافي في الشرق العربي درجة بعيدة من الهوس الديني. ليتمَّ التعامل بأدوات الدين وصولاً إلى كونه مادة لصياغة الآراء والأفكار والعلاقات أيضاً. والمناخ السابق يمثل حرباً ضروساً على الديانات الأخرى التي اعتبرها الاسلاميون حياة أو موتاً. رغم أنَّهم كمتطرفين هم الذين اشاعوا هذا الهوس، وأتاحوا خطباً وعبارات وكتيبات تدعو صراحة للتعامل المتوجس مع المسيحيين واليهود. ولم يكفوا عن عمليات الفرز الديني أثناء اللقاءات والأعمال العامة في المؤسسات والمدارس والشوارع.

لا يفوتنا الخطب المنبرية الشفاهية التي نشرها فقهاء الظلام( وما أكثرهم) عبر الأحياء والقرى والعشوائيات. وأضحت علكاً يومياً يمضغه المارة والجالسون على المقاهي وأصحاب الحوانيت والبائعون. خطب تحث على تحسُس الإيمان كلما قابلنا مسيحياً. ولئن مرَّ الموقف معه بسلام، فلابد من جرد أفكارنا وقناعاتنا الدينية حتى ندرك ماذا نقص، وماذا سُرق، وماذا بقي، وأين الخطر؟

وقد اعتبر بعضهم أنَّ مصافحة غير المسلم تنزع الطهارة وتستوجب الاستغفار. والمسألة بهذا الهرش تضرب بجذورها البعيدة في التراث الإسلامي، حتى أنَّ بعض الفقهاء القدامى كانوا يسيرون في الطرقات العامة وهم مغلقي العينين. وعندما سئلوا عن ذلك قالوا: إنَّه عمل احترازي من صلب الشريعة مخافة أنْ تقع أبصارُنا على ما يغضبُ الله!! وأن غض النظر عن ذلك يحول دون الانزلاق نحو المهالك!!

وامتداد الفكرة ذاتها نجده في فوبيا التعامل الراهن مع الآخر في المجتمعات الاسلامية. لقد قال الاخوان فترة حكمهم لمصر: إنَّهم لن يتوجهوا إلى الاقباط بالتهنئة ولا بالتعزية ولا بالمصافحة ولا بالسلام مهما يكن الثمن. وفي أول ظهوره على كرسي الرئاسة رفض رئيس الإخوان محمد مرسي الذهاب آنذاك إلى الكاتدرائية لتهنئة الاقباط بأعياد الميلاد. وقد عبر اتباعه عن ذلك بكل غلظة أثناء الحوارات وبرامج التوك شو. وكان السلفيون ومازالوا يذهبون المذهب نفسه في اعتباره المسيحية مجرد كذب في كذب. وأنَّ المهادنة مع اتباعها مهادنة مرحلية برجماتية ليست إلاَّ. ولو دار الزمن دورته، فلن يكون مصير المسيحيين المصريين غير الطرد خارج البلاد.

إنَّ كل عملية فرز ديني إرهابي تنتهي بوضع المسيحيين خارج الدولة المصرية. على الرغم من كونهم أهل مصر السابقين على القادمين من العرب. وهم أسباب تنوع شعبها وثرائه كجزء لا يتجزأ من نسيجها الحي. والتنوع هنا ليس مجرد كم لا قيمة له، لكنه طاقات مهدرة تحت خطابات الإقصاء والقتل والتخويف. كما أن كل مراحل النهوض الوطني في مصر لم تستثن أحداً من عناصرها، لأن ذلك يعني انقسام المجتمع على نفسه وهذا لم يحدث في أحلك الظروف.

عكس ذلك كان يصب في " الكهنوت الشعبي " كأخطر أنواع السلطة. وهو ينجرف بحكم التدين السطحي نحو العنف والتعاطف مع الجماعات الإسلامية. بل لقد استغلت الأخيرة هذا الكهنوت في تدعيم وجودها ونشر أفكارها المتطرفة بين الناس العاديين. وعندما يدخل أحد الأفراد تنظيماً إرهابياً ما، فإنه بحكم التعبئة اللاشعورية لمثل تلك الحساسية يصبح أكثر شراسة من رفقائه في الجماعة.

ذلك لأسباب تخص هذا الكهنوت المدمر:

1- لكون تصرفاته شديدة العمومية ولا تستثني أحداً من المساءلة.

2- يوجد مادياً في أي مكان يخص المجتمع ويمارس سلطاته وقتما شاء.

3- إذا لم تكن ممتثلاً له، يفترض أنك خارج عليه لمجرد إبداء اعتراض أو فعل غريب عن الشائع.

4- يقتص منك مباشرة، لأنه يشعرك بالازدراء والحصار اليوميين تبعاً للثقافة الجارية.

5- يتزايد الكهنوت باستمرار، لأنه قرين العادة وحبيس التكرار والإلحاح ويترسخ بالتقليد. وهي أشياء تأتي خفية وقوية لحد اغراق الإنسان في المستنقع الطائفي والمتطرف والإرهابي تجاه الديانات الأخرى.

6- يشكل دجما أكثر عنفاً، لأنه يضع على حياتك العامة " وصمة اجتماعية" كأنها ختم مقدس لإمكانية المرور أو التوقف أو حتى الترخص في المجال العام.

7- ينشر أجواء التوجس والريبة والاتهام السابق قبل أية مواقف أو أفعال. فالمختلف سيجد نفسه متهما دون ذنب، ويصبح مستباح العرض والشأن والخصوصية والكيان.

8- أساسه التحريض على سلوك الطريق نفسه لمن يؤمن به وينخرط فيه. فقد ينقلب حتى على اتباعه حين يتكاسلون عن ممارسة مهامهم الرقابية.

9- يتمايل مع السوق السياسية الاجتماعية ويتلون عارضاً ألاعيبه بالمجان. سلطة مجانية لمجرد أن يُظهر أحدهم تعجباً من حالة فلان أو علان.

10- يتوسل بالأخلاقيات والقيم الجارية زاعماً حراسته لها. بينما هو ينتعل كل حياد وعدالة ومساواة لصالح الاقصاء والغلبة والمكيدة.

11- يقف ضد التعايش والحوار وقبول المختلفين، بل يمنع تلك الأجواء المفتوحة - إن وجدت- من تدعيم المجتمع المتعدد.

12- يقوض سلطة الدولة، لأنه غرائزي وشهواني في صور إقصائية. بدليل أن دول الربيع العربي تحولت إلى فوضى عارمة باسم الكهنوت الشعبي. وهو ذاته قد تحول إلى أداة نهب وسرقة للأموال والمحلات وممتلكات الغير.

13- ينشر الجهل على نطاق واسع، فنى شيوخ الجماعات المتطرفة يحظون بمكانة وحظوة تحت بند الحفاظ على ثوابت الأمة.

14- يغذي النعرات الطائفية ويقتل الابداع ويربط الإرادة الفردية بغرائز الجموع وتكتلها نحو التخلف والجمود.

محصلة ذلك تعكس هشاشة الوضع العام أمام التنوع الثقافي والديني في المجتمعات العربية. لأن سلطة الغوغاء هي التي تحدد مصير الأفراد والحريات والأوزان المعطاة للأديان والعلاقات مع أصحابها. وبالتالي يصبح ركوب الجماهير هو الوسيلة لبلوغ المآرب السياسية والتنكيل بالمخالفين. وعلى اثرها يغدو المجتمع حظيرة كبيرة من "الغمز واللمز".

وهو ما يجعل حياة الناس كابوساً يفتش في ضمائرهم وايمانهم تحت سقف النفاق واخفاء ما يجب إظهاره. ولذلك مهما حاول العرب التخلص من جماعات الارهاب، فالمناخ المغلق أمام الحريات الفردية وتباين المعتقدات سيولد أنماطاً غريبة من العنف الديني. ونحن نظل سنوات وسنوات: نتساءل ما السبب؟ وكيف نتجنب ذلك؟ بينما الأسباب والجذور كامنة عبر الثقافة السائدة في ظل مجتمعات حاضنة للإقصاء بالتاريخ والمعتقدات.

وبالتالي ما لم ينظف ويتطهر هذا " القاع المظلم" من ثقافة العنف لن يأتي الأمل في حياة مفتوحة للجميع، ولن يكون العمل إلاَّ تبديداً لجميع الجهود. فالاستثمار في بناء الإنسان الحر كتقنية لتأسيس المجتمعات المفتوحة لهو أقصر الطرق للاعتراف بالتنوع وممارسته دون حساسية. إنه الضمان المستقبلي لقبول الآخر وترسيخ التعايش والحوار على صعيد أبعد.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلاَّحٌ في حقلِّ الديمقراطية
- أنطولوجيا الحب: هل نحتفل بالسر؟!
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (6)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (5)
- دولةُ المتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (4)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (3)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (2)
- دولةُ المُتملِّق: في العقل الاحتيالي (1)
- لعنة التاريخ: ترقيع بكارة الثورات!!
- احتمالات الربيع الفارسي
- دولةٌ تحارب الإرهابَ
- الربيع بالحروف الفارسية
- الإرهاب يهنئنا بالعام الجديد!!
- فوضى الدولة النهارية
- أسطورة الدولة الليلية
- الدَّولةُ المَرِحَةُ
- دولةُ الحَيَوان
- الدولة البهلوانيَّة: المثقف والإعلامي
- الدولةُ المُزدوجة: الإرهابي والفقيه
- هل تبكي الشعوب ؟!


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - الهرْش الديني: في حساسية الاعتقاد!!