أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صلاح عبد العاطي - العمل النقابي في فلسطين ... بين الواقع والطموحات؟؟















المزيد.....


العمل النقابي في فلسطين ... بين الواقع والطموحات؟؟


صلاح عبد العاطي

الحوار المتمدن-العدد: 1484 - 2006 / 3 / 9 - 09:34
المحور: المجتمع المدني
    


شكلت النقابات المهنية والعمالية إحدى الركائز الهامة للنضال الوطني والديمقراطي في التاريخ الفلسطيني والعربي الحديث والمعاصر، لكونها الإطار المنظِّم لمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والمهنيين بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، الذي لعب دوراً هاماً إلى حد معين في المجالات الوطنية والاقتصادية، كما في مجال القانون والفكر والثقافة وفق غايات وبرامج وسياسات تنسجم وتتوافق مع مصالح القوى والشرائح التي تمثلها كل نقابة من هذه النقابات التي تقاطعت في مرحلة معينة، و تعارضت في مراحل لاحقة، حسب مقتضيات تلك المصالح وعلاقاتها أو تحالفاتها وشروط تلك التحالفات.
وبالرغم من التراجع النوعي الملموس لدور العمل النقابي عموماً، فإن موضوع العمل النقابي والجماهيري يظل مسألة أساسية لا يجب أن تتوقف عند الجانب النظري فحسب فيها، بل لا بد من امتدادها وتواصلها بعمق على صعيد الممارسة العملية أيضاً، إذ أن التعاطي مع هذه الجدلية –بالاعتماد على البرمجة و التخطيط- يخلق المقدمات الضرورية لتجسيد أوثق وأوسع العلاقات بين هذه القوى من جهة، والجماهير الشعبية من جهة أخرى، بهدف الإنجاز الناجع و الفعال لمهماتها وأهدافها الوطنية والديمقراطية في فلسطين، وبالرغم من ارتباط الحركات الاجتماعية والنقابية بأفكار وقيم كبرى في مجال التغيير الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية، وحمل هذه الأفكار مناضلون ضحوا بأوقاتهم وسعادتهم الشخصية من أجلها، إلا أن أغلبية الناشطين في مجال مؤسسات العمل النقابي اليوم ولا سيما الدفاعية منها، موظفون يتوجهون لهذا المجال باعتباره أحد مجالات العمل المفتوحة أمامهم، الذي يشهد طلباً متزايداً على خدماته، بسبب التوجه إلى مأسسته انطلاقاً من الدور الاغاثي والخدمي المحدد له، ويعد هذا التحول عامل جوهري في ابتعاد هذه المنظمات عن تشكيل حركات اجتماعية تكون قادرة على حمل مصالح وأولويات المجتمع والدفاع عن مصالحه الحيوية وثرواته وحقه في تقرير مستقبله.
وإذا كانت صورة الحركات الموجودة لا تقدم، على أقله في الوقت الراهن، إمكانية لبلورة حركة اجتماعية فاعلة ومرتبطة بقضايا تطور وتقدم المجتمع، وإذا كانت صورة الأحزاب السياسية تعكس حجم الأزمات التي تعاني منها، فإن السؤال الذي يطرح: هل سينتظر المجتمع، وخاصة في ظل الهجمة التي يتعرض لها والتي تهدد وجوده، إلى أن تصحوا الأحزاب من كبوتها، لكي تعيد تشكيل الحركة النقابية والاجتماعية؟ أم أن المجتمع وبما يحمله من مكونات حيوية سيعمل على خلق حركاته الاعتراضية على هذه الهجمة؟
وفي ظل الظروف والمتغيرات التي عاشها المجتمع الفلسطيني خلال العشرة سنوات الماضية، وتطوراتها اللاحقة، حاضراً و مستقبلاً يتحتم عليه إدراك عملية التحول في المواقع النقابية، وكافة المواقع والبنى المجتمعية الأخرى في جميع القطاعات، عبر علاقة جدلية بين عنصري المرحلة الراهنة، المتداخلين معاً في وحدةٍ تعبر عن طبيعة المرحلة، كمرحلة تحرر وطني وديمقراطي، ستمتد في الزمان لفترة طويلة قادمة خاصة في ظل التوحد الأمريكي/الصهيوني في الأهداف والغايات من ناحية وفي ظل رضوخ واحتواء مجمل النظام العربي للسياسات الأمريكية من ناحية ثانية، لذلك فإن هذه العملية الجدلية عبر صعودها وحركتها ستشكل مدخلاً محورياً واسعاً للعمل الجماهيري باعتباره أحد أهم العوامل الأساسية في النضال الوطني الديمقراطي الراهن والمستقبلي، وبالتالي فإن تفعيل دور العمل النقابي، سيكون مقياساً أساسياً في الحكم على ممارساته الجماهيرية في هذا الإطار، ففي ضوء أوضاعه الداخلية الحالية غير الموحدة بسبب ضعف نضوج وتبلور السياسات تبرز الحاجة الماسة، بالمعنى الموضوعي أولاً، والذاتي ثانياً، لإنضاج وتوسيع تجربة النضال في النقابات التي يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً و نوعياً في مجمل المسارات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية.
ومع الإقرار بوجود تفاوتات واختلافات موضوعية بين أشكال وهيئات أو اتحادات العمل النقابي في المجال النقابي والمهني والجماهيري، فإنه لا بد من وعي الفرق بين طبيعة ودور وأهداف هذه الهيئات أو الاتحادات التي تتوزع كما هو معروف إلى ثلاثة أنواع أو أشكال نقابية: النقابات العمالية، والاتحادات أو النقابات المهنية، والاتحادات الجماهيريـة، وتكمن أهمية هذه الأطر بأنواعها في اتساعها وطابعها الجماهيري العام، حيث يمكن تعبئة وتنظيم أعداد كبيرة جداً من الفئات والشرائح الاجتماعية بمختلف مستوياتها وانتماءاتها للانخراط في النضال الوطني العام من جهة، ومن أجل الدفاع عن حقوق ومصالح كل طبقة أو فئة اجتماعية بذاتها من جهة أخرى .
فالنضال في الاتحادات الشعبية، وبالذات في النقابات أحد أهم أوجه النضال الأساسية والضرورية في جميع مراحل النضال الوطني والاجتماعي والاقتصادي، لكن هذا النضال في العمل الجماهيري والنقابي تزداد أهميته السياسية إلى درجة كبيرة في هذه المرحلة التي تتداخل فيها المهام الوطنية بالديمقراطية بالمطلبية مما يعني تفعيل العلاقة السياسية بين الأحزاب والأطر النقابية بدرجات عالية من التنظيم والقوة بما يتناسب مع طبيعة هذه المرحلة .
وتتطلب هذه المرحلة تعبئة وتأطير أوسع قطاعات الشعب بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية والمهنية صاحبة المصلحة في التحرر الوطني الديمقراطي، وعلى الخصوص الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكافة المهمشين في المجتمع الفلسطيني، وإذا كان هذا الشرط لا يمكن تحقيقه راهناً -بدرجات متقدمة- في إطار القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية عموماً، فإن من الممكن تحقيق هذا الشرط عبر أطر هذه الاتحادات والنقابات التي تبرز هنا بوصفها الهيئات المناسبة يمكن أن يتحقق عبرها ذلك الشرط الخاص بتعبئة وتأطير أوسع القطاعات في أوساط الجماهير الشعبية.
لكن يبدو حتى اللحظة أن المشكلة تكمن في العامل الذاتي للأحزاب التي لم تتحرك كما يجب استجابة للعوامل والظروف الموضوعية المهيأة للتفاعل مع ما تطرحه وتمثله من قضايا سياسية واجتماعية ومطلبية، حيث تتمكن بعض الأحزاب من إخراج مسيرة بعشرات الآلاف في مهرجان انطلاقتها ولا تتمكن من إخراج تظاهرة لأجل النضال المطلبي وقضايا الأسعار والبطالة، هذا الشاهد وغيره يؤكد ضعف قدرة النقابات وأحزاب المعارضة على المشاركة في نضال مدني وهذا مؤشر علي ضعف قدرتها في التأثير إيجاباً لصالح قضايا الناس المطلبية أو حتى التأثير لصالح إيجاد حكم صالح يستجيب لما تطرحه من شعارات وبرامج علي الأوراق.
ويعتبر هذا الضعف ظاهرة يجب أن تخضع للمراجعة والنقد للخروج من هذا الوضع الذاتي المأزوم ، نحو تفعيل دورها وإثبات وجودها في هذه الاتحادات والنقابات وفق منطلقاتها الأيديولوجية والنضالية السياسية والمطلبية معاً، مما يتطلب أولاً ضرورة التمييز –بصورة عملية ملموسة- بين المنظمة الجماهيرية والمنظمات الحزبية وعدم اعتبار الأولى بديلاً للثانية، مستلهمين الوعي النظري الواضح من هذه العلاقة بينهما وخصوصية كل منهما، بحيث ينبغي للمنظمات الجماهيرية أو النقابية أن تكون أولاً مهنية ، ثانياً واسعة ما أمكن، ثالثاً علنية.
وبالعكس من ذلك، ينبغي للمنظمات الحزبية أن تضم بالدرجة الأولى وبصورة رئيسة أناس مهمتهم النشاط الثوري ووفق هذه الرؤية تتجلى في هذه المرحلة بالذات واحدة من المهام الأساسية بالنسبة للأحزاب الفلسطينية، لتفعيل دورها وتواصلها داخل هذه الأطر النقابية والاتحادات الشعبية.
وفي هذا السياق فإن تقدم الأحزاب والفصائل في هذه الأطر –العلنيـة والديمقراطيـة- مرهون بتلازم الجانب المطلبي والجانب السياسي في نشاطها داخل الاتحادات والنقابات، إذ أنه من الصعب إلى درجة تقترب من الاستحالة الفصل التعسفي بين النضال الاجتماعي الاقتصادي والنضال الوطني السياسي، وبشكل خاص في أوساط النقابات العمالية التي تقوم على الشرائح الفقيرة، وفي مثل هذه الحالة يكون القهر الاجتماعي والاقتصادي مُولِّداً للوعي السياسي، والنضال المطلبي لرفعه ويكون مدخلاً للانخراط في النضال الوطني العام عبر العمل المنظم، فالنقابات مدرسة إعداد للعمال، والشرائح الأخرى لتحقيق أهدافهم.

أزمة العمل لنقابي:

وتتنوع أزمات العمل النقابي في فلسطين حيث يفتقر العمل النقابي إلى قاعدة بيانات ومعلومات إحصائية دقيقة، مما يشير إلى الفوضى في العمل والتشرذم وغياب الحس العالي بالمسؤولية، وتغييب الانتخابات داخل النقابات وغيرها من المؤسسات، مما يدفع إلى توجيه النقد لعملية الانتخابات الشكلية التي تتم أحيانا في ظل حالة العضوية الضيقة في كافة النقابات خصوصاً، إلى جانب عدم الوضوح في البيانات أو الأرقام أو الإحصاءات الدقيقة التي تتيح التوزيع المهني للمنتسبين في الأطر، الأمر الذي يفرض المطالبة والمبادرة إلى انجازها، مع ضرورة العمل لوضع هيكلية تنظيمية موحدة لجميع الاتحادات والنقابات انطلاقاً من قاعدة وحدة العمل النقابي والمهني بعيداً عن هذا التشرذم والانقسام الذي لا مثيل له، على أن تأخذ هذه الهيكلية بعين الاعتبار حصر عدد النقابات على قاعدة المهنة الواحدة، للعمال، والفلاحين، والمهنيين، والمعلمين، والممرضين والممرضات، والأطباء، والمرأة، والمهندسين، والطلبة، والمحاسبين، والصيادلة، والصحفيين، والأدباء، والمصارف، والبنوك، والمحامين، والموظفين الحكوميين …الخ ، مع الأخذ بعين الاعتبار الضرورات الموضوعية التي تفرض أن يتفرع عن بعض الاتحادات الأم فروع أخرى كاتحاد العمال يتم فيها انتخاب جميع الهيئات القيادية بشكل دوري من القاعدة إلى القمة في مناخ من الحرية والتعددية والنقاش الديمقراطي للبرامج والمسؤوليات، إلى جانب ضمان حق الفروع والقواعد في المحاسبة والرقابة على القيادة، على أن يتم ذلك كله بأن تأخذ المحطات المعنية حسب النظام والهيكلية واللوائح الداخلية حقها في المناقشة وفق الأصول والأسس الديمقراطية الحرة، ونقصد بهذه المحطات: المؤتمرات ، وورش العمل الموسعة.
وبقدر وعينا بأهمية استقلالية النقابة وبلورة شخصيتها المميزة، ندرك أيضا أهمية ممارسة الأحزاب عموماً ودورها النقابي وتنفيذ سياساتها من خلال كوادرها وأعضائها وأنصارها في النقابة المعنية، انطلاقاً من الموقف الذي يقوم على أساس استيعاب الأهداف والدور والخصائص المميزة للنقابات والاتحاديات، وبالذات جماهيريتها وديمقراطيتها، بما يلغي تبعيتها الميكانيكية أو المصلحية لأي حزب أو حركة مهما بلغت أغلبية ذلك الحزب أو الحركة في هذه الأطر.
وهناك فارق كبير وأساسي بين أن يستفيد الحزب من كوادر النقابة من أجل استمالة موقفها إلى توجهات الحزب عبر نضال ديمقراطي منضبط ومحكوم للنظام واللوائح النقابية الداخلية، وبين أن يستفيد الحزب من حشد الأغلبية بهدف السيطرة وإصدار التعليمات التي تتجاهل –بصورة كلية أحياناً- طبيعة العمل النقابي وأهدافه ونظمه وخصائصه ومهماته الخاصة، بما يؤدي إلى إلغاء الشخصية المميزة والاستقلالية التي يجب أن يتمتع بها العمل النقابي في كل الأحوال والظروف.
ومع الأسف قادت هذه العلاقة القائمة على السيطرة، ذات الطابع الذاتي إلى إضعاف الممارسة الديمقراطية والتعددية في صفوف الأطر النقابية، وتقليص عضويتها، وبالتالي إفقادها تأثيرها السياسي وزخمها الجماهيري في الوقت ذاته.
والملاحظ أن مظاهر الضعف هذه قد تفاقمت منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 حتى الآن، فمع قدومها بدأت الأجهزة الأمنية بالتدخل في تشكيل معظم النقابات التي يفترض فيها أن تناضل لتحصيل الحقوق المهنية لأعضائها ومنتسبيها، والأنكى أن معظم قيادات العمل النقابي أصبحوا موظفين في السلطة وبالتالي تم تفريغ العمل النقابي من محتواه بالكامل، بالإضافة إلى معاناة تلك النقابات من ذات الأمراض المتعلقة بغياب الديمقراطية، الأمر الذي أدى إلى تعطيل دور النقابات في إطار العمل السياسي والوطني العام، ولا شك أن ضعف النشاط الحزبي الذي تمارسه القوى الوطنية عموماً، ساهم في هذا الوضع الذي وصلت إليه الأطر النقابية والمهنية في الوقت الراهن، إذ أن حالة الاغتراب عن واقع القواعد والجماهير لم تتوقف عند القيادات التقليدية التي لم تتغير رموزها الأساسية منذ عقود، بل أصابت أعضاء النقابات عموماً، ومما عمق هذا الاغتراب عن الواقع غياب تفعيل البرامج والمهام المطلبية المباشرة المعبرة عن قضايا العمال خصوصاً، والمهنيين بصورة عامة، والاكتفاء بالاهتمام اللحظي والمؤقت في مناسبات معينة.
إن هذا التقصير أو التقاعس الذي يمكن تبريره في الظروف النضالية التاريخية السابقة، لا يمكن تبريره في ظروفنا الراهنة التي تتداخل وتتشابك فيها قضايا التحرر الوطني بالقضايا المطلبية والديمقراطية بشكل باتت معه هذه الأخيرة، شرطاً وعاملاً أساسياً من عوامل صمود وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الاستقلال والتحرر الوطني.
إذ لا يعقل استمرار هذه الحالة من الابتعاد عن هذا الواقع العمالي والنقابي والاكتفاء بالتعاطف، أو الموقف التضامني النظري معه، خاصة وان هذا الواقع، يضم في صفوفه عشرات الآلاف من العمال والفلاحين والمهنيين لا تربطهم بالعمل النقابي أي صلة أو علاقة فاعلة، إلى جانب إشكالية أولئك المنتسبين أو الأعضاء في الاتحادات أو النقابات من العمال وغيرهم، المحرومين فعلاً من حقهم في التغيير أو المشاركة في الانتخابات أو في اختيار ممثليهم أو حتى معرفة كيف تسير أمور اتحادهم الإدارية والقانونية والمالية وغيرها.
إن إشكاليات الحركة النقابية الفلسطينية لا تتوقف عند انخفاض النسبة المئوية أو ضعف مشاركة العاملين فيها، بل تعود في أسبابها الرئيسة الأخرى إلى مظاهر الضعف العام وغياب الشرعية والتشرذم والاستزلام، والتفكك الذي يسود بنيانها العام وأطرها التنظيمية، وهي ظاهرة مرتبطة إلى حد بعيد بمظاهر الخلل والفساد وغياب النظام العام في السلطة الفلسطينية الذي يعكس نفسه على كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، إلى جانب الانحدار المتزايد في مستويات معيشة العمال والشرائح الفقيرة، وتزايد معدلات البطالة، وانتشار مظاهر الفقر المدقع في صفوفهم، دون أية مبادرات جدية في معالجة الواقع المتردي، خاصة في ظروف الانتفاضة، فالنضال من أجل القضايا الديمقراطية والمطلبية كمهمة من المهمات الرئيسية ، يجب أن يخدم في نتائجه ، وتراكماته الداخلية،عوامل ومتطلبات النجاح في معركتنا المعقدة والقاسية ضد الاحتلال.

العمل النقابي وآفاق المستقبل:

وتبعاً لتراجع دور العمل النقابي ونتيجة لاستفحال أزمة الحركة النقابية بدأت بعض الأطراف في السنوات الأخيرة تشعر أكثر فأكثر بالحاجة الماسة إلى معالجة أزمة النقابات والاتحادات والكتل والوقوف على أسباب التراجع الذاتية منها والموضوعية فخاضت نقاشات ومشاورات ودوّنت بعض التقييمات المتحفظة ثم قامت ببعض المبادرات العملية المشتركة ( مسيرة عمالية، اتحاد مستقل، عريضة يتبعها جملة من الفعاليات) وما يلفت الانتباه أن هذا الشعور بضرورة التجاوز لهذا الواقع النقابي الرديء –وإن ظهر مؤخراً- هو شعور عام يشق أغلبية الأطراف ولو بتفاوت، كما أن صدقيته حاصلة أيضا عند أغلب المكونات التي وقفت على حقيقة أوضاعها الضعيفة بمفردها، ثم إن هذه الرغبة عندما تتحول إلى أعمال ملموسة –وقد تحولت فعلا في مناسبات على قلتها- قادرة على صنع الحدث لما يتمتع به أصحابها من مخزون نضالي وجرأة في الصراع وقد أربكت السلطة كما أربكت البيروقراطية داخل أجسام عدد كبير من النقابات.
إن الاختلاف بين مكونات الحركة النقابية الراغبة في العمل الجدي المناضل أمر طبيعي ومصدر ثراء لا ينضب ولا يجب أن نقيم الدنيا ونقعدها وندير ظهورنا لبعضنا البعض عند حصول اختلاف تقديري أو ممارسة خاطئة لهذا الطرف فوحدها الممارسة العملية اليومية كفيلة بتقريب وجهات النظر ووحدة التراكم للأعمال المشتركة كفيلة ببناء الوحدة النقابية المنشودة.
وعندما نطرح مشروع تفعيل العمل النقابي سوف نجد لا محالة صعوبات جمة في إنجازه لا ننتظر تطابقاً تاماً في كل الرؤئ النقابية التي تستند إلى إحالات ومرجعيات سياسية مختلفة، ولكننا نعني بذلك الحد الأدنى النقابي الديمقراطي الذي يمثل قاسماً مشتركاً بين كل النقابيين كالتصدي الحازم للبيروقراطية والفساد ورفض سياستها النقابية والنضال الفعلي من اجل مصالح وحقوق العمال والطلاب والمهنيين والعمل على إفراز نقابات مناضلة عوضاً عن النقابات العاجزة والرجوع إلى شكل الانخراط الطوعي في النقابات علي قاعدة الوعي الفاعل من اجل الحصول علي حقوق الجماهير.
إن الحد الأدنى النقابي المطلوب اليوم وجوبا النضال الواعي والملتزم من أجل فرض الحريات الديمقراطية على السلطة، ولا سبيل لفرض الحق النقابي والحريات النقابية دون النضال الدؤوب من أجل حرية التفكير والتعبير والتنظيم والمعتقد والانتصار لقضايانا الوطنية والإنسانية. كما أن الحد الأدنى للعمل النقابي يعني العمل جنبا إلى جنب مع مكونات المجتمع المدني الديمقراطي والأحزاب السياسية الديمقراطية والتقدمية من أجل فرض سيادة الشعب، وهي مجالات وواجهات مازالت بعض الأطراف مترددة في الاقتناع بها أو تتجنبها وتغض الطرف عنها خشية بطش السلطة أو بعض المتنفذين أو تعلل ذلك بضرورة التركيز علي ممارسات الاحتلال.
إن التحرك المنفرد لكل مكونة من مكونات العمل النقابي لن يساهم إلا في مزيد التشتيت والإضعاف ولن يحقق المكاسب المرجوة لا لأصحابها ولا لعموم النقابيين، ومن أجل إرساء وتعميق الأعمال المشتركة يتعين على كل طرف من الأطراف المعنية بهذا الهدف أن يعمل على إحداث نقلة نوعية داخلية في التصور والسلوك تستوعب الواقع والرهانات لتنسجم مع بقية المكونات الأخرى الحريصة على تثبيت وإنجاح هذا المسار الجديد.
ومن أجل أن يصبح العمل النقابي قوة جماهيرية يحسب لها ألف حساب ويعاد الاعتبار لدورها النشيط في الساحة النقابية وتُقرّب ساعة خلاص الفئات المتضررة من البيروقراطية النقابية ويُفرض حقها في نقابات مستقلة ديمقراطية ومناضلة ينبغي على هذا التيار أن يصوغ جماعيا برنامجه النقابي البديل ويحدد جماعيا أهدافه الاستراتيجية والمرحلية بدقة وسبل الوصول إليها ويحدد كذلك الأطراف النقابية القابلة بإنجاز ذلك البرنامج والعمل من فوق ومن تحت على تأسيس وبناء الهيكل الوطني النقابي الموحد بعد سلسلة من المشاورات واللقاءات قد تستغرق وقتا طويلا ولكن يجب أن تحدد بسقف زمني معقول.
إن أولئك الذين ليس من مصلحتهم إرساء هذا البناء سوف يعرقلون هذا التوجه تحت هذه الذرائع أو تلك وسوف يشوهون هذا الطرف الساعي إلى وحدة العمل النقابي أو ذاك بأسماء وتوصيفات مختلفة سواء باسم التقزيم والاستخفاف أو بالرجوع والنبش في ماضي الخلافات والصراعات القديمة.
إن البيروقراطية النقابية تعيش اليوم أوضاعا غير مريحة سواء في علاقتها بالسلطة التي تسعى لابتزازها من أجل استحقاقاتها المستقبلية أو في علاقتها بجمهور النقابيين الذين يشقهم الغضب الاجتماعي والاحتجاج على غلاء المعيشة وتدهور الأوضاع المادية والمعنوية أو في علاقة بالحركة الديمقراطية التي لا تنظر بعين الرضى لتراجع الدور الديمقراطي والاجتماعي للاتحادات والنقابات، كما أن الأوضاع الداخلية للبيروقراطية تشكو من عدم الانسجام بل الصراع الخفي للكتل الجهوية والولائية في ظروف تجديد نقابي متوقع غير مأمون العواقب.
إن سطوة البيروقراطية في العشرية السوداء الأخيرة قد ولت مخلفة وراءها آثارا وسلبيات وجروحا غير قادرة على تجاوزها ولملمتها وباتت مصداقيتها لدى القواعد ضعيفة جدا بل ومحل تندر واحتقار وبالتالي فالظروف الموضوعية والذاتية سانحة للفاعلين كي يتقدموا أشواطا نوعية في اتجاه أعمال مشتركة
كما أن منبرا إعلاميا موحدا بات لا مناص منه ليجمع شمل الفاعلين في الاتحادات والنقابات منبر يذوّب خلافاتهم ويصهر ممارساتهم ومواقفهم في كيان تنظيمي ملموس يعيد إلى الفعل النقابي إشعاعه ووهجه.
إن الفترات التاريخية الحرجة لا تقبل التردد والحسابات الضيقة التي يجب أن تقبر إلى الأبد وتحل محلها الجرأة والنضال المبدئي الميداني والشعور الجماعي بالمسؤولية، إذن لن نستطيع تحقيق أهداف وحقوق الفئات الفقيرة، ما لم يتم العمل على بناء وتقوية العمل النقابي الاجتماعي.
وتتطلب عوامل النجاح في المعركة المعقدة والقاسية ضد الاحتلال والظلم، التصاق النقابات والاتحادات بالجماهير ووعي قضاياها وهمومها وتفاصيلها الحياتية بصورة موضوعية ودقيقة والتواصل مع هموم الجماهير وبالذات الشباب، عبر صياغة وامتلاك البرنامج السياسي الاقتصادي الاجتماعي المستند لمصالح الناس وحقوقها باعتباره دليل عمل في النضال من أجل التغيير، بشرط إعادة النظر بصورة موضوعية وبعقل جمعي في التجارب السابقة والاستفادة من الأخطاء.



#صلاح_عبد_العاطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلم الأهلي و نبذ العنف في القانون الأساسي والمواثيق الدولي ...
- المرأة والقانون
- المرأة الفلسطينية والمشاركة السياسية والاجتماعية
- الديمقراطية والتنمية في العالم العربي وفلسطين
- الحكم المحلي والهيئات المحلية في فلسطين
- قراءة في التعاطي القانوني والرسمي مع ملف الأراضي التي ستخليه ...
- حقوق المواطن في ظل الواقع الراهن ..وسؤال ماالعمل؟؟
- قانون رعاية الشباب الفلسطيني الي اين...؟
- دور منظمات المجتمع المدني في الرقابة على الانتخابات
- قراءة في تقرير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن -الرقابة علي ان ...
- ازمة الثقافة
- ما العمل؟؟!
- جدار الضم والفصل العنصري
- الشباب والانتخابات
- واقع الطفل الفلسطيني في ظل اتفاقية حقوق الطفل
- الحركة الطلابية الفلسطينية بين الواقع.. والمامول؟
- المنظمات الاهلية ..هل يمكن ان تكون بديل الحركات الاجتماعية
- المخيمات الصيفية في فلسطين
- الية مقترحة للوصول الي السياسة الوطنية للفتيان والشباب
- النضال الاجتماعي


المزيد.....




- أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس ...
- مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران ...
- -الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا ...
- الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين ...
- الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو ...
- هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
- الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق ...
- مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه ...
- كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم ...
- سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صلاح عبد العاطي - العمل النقابي في فلسطين ... بين الواقع والطموحات؟؟