مها أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1484 - 2006 / 3 / 9 - 11:43
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2006 - أهمية مشاركة المرأة في العملية السياسية ودورها في صياغة القوانين وإصدار القرارات
النساء يُطعمن العالم, هذا ما تؤكده تقارير الأمم المتحدة سنة بعد سنة, فالنساء ينتجن أكثر من نصف الغذاء في العالم حيث تبلغ نسبة إنتاجهن في الشرق الأوسط وأفريقيا "60-80%" من المواد الغذائية ويشكلن ما يعادل "90%" من طاقة العمل اللازمة لزراعة الأرز في آسيا, وفي نفس الوقت نسبة الجوع في أوساط النساء تفوق مثيلاتها في أوساط الرجال فمن بين "800"مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر هناك "600"مليون امرأة والمؤسف حقاً أن أعداد الجائعات تزايد بنسبة 50% منذ السبعينات وحتى اليوم في حين لا تتعدى هذه الزيادة (30%) بين الرجال, أي أن الأمور إلى مزيد من التدهور فيما يخص وضع المرأة.
ففي مصر تقوم المرأة بمفردها بإعالة (22%) من الأسر حيث تنفرد المرأة في الإنفاق على أسرتها وتشتغل بأعمال شاقة ككنس الشوارع والأعمال الزراعية وحتى في ورشات البناء, ورغم تعدد أدوار المرأة في البيت وخارجة إلا أنها تعاني فصلاً بين السلطة والمسؤولية فعند غياب الزوج أو موته تقاس المرأة من تدخل أهل الزوج وأهلها والجيران حيث يراها الجميع ليست أهلاً لاتخاذ أية قرارات سواءً في حياتها أو حياة أبناءها وعلى هذا تُسحب السلطة من يدها, فالزوج حتى لو كان مسافراً هو صاحب القرارات وعندما يتخلى عن مسؤولياته يتوجب على المرأة إعالة الأسرة بينما السلطة تكون في يد الرجال الأقرب الذين هم غالباً الأعمام أو الأخوال أو حتى الابن الكبير.
وفي مصر -التي بدأت الألفية السابعة لحضارتها- نجد هناك وظائف معينة ظلت حكراً على الرجال فقط لأنهم رجال ففي معرض منع المرأة من دخول سلك القضاء حتى عهد قريب كانت تقدم أسباب لتبرير هذا المنع كالقول أن طبيعة المرأة لا تؤهلها لتولي أي منصب في القضاء حتى لا تتأخر قضايا المواطنين لحين عودة القاضية الحامل من إجازة الوضع(!) أو لأن المنع من مزاولة العمل في القضاء هو لحماية المرأة من سماع قصص عن جرائم اغتصاب تخدش حيائها وجرائم قتل تخدش طبيعتها الرقيقة (!)
يقول -محمد مظهر محمود مستشار سابق في إدارة رئاسة الجمهورية المصرية- أن العمل في القضاء والنيابة العامة يتنافى تماماً مع ظروف المرأة و"طبيعتها" الخاصة, فالمرأة مهما كانت حديدية تعجز تماماً عن التوفيق بين العمل القضائي ودورها الأساسي الذي خلقه الله عزوجل لتأدية دور الزوجة المطيعة لزوجها والأم الرؤوم لطفلها الصغير.
إن خلو مجلس الدولة من النساء هو أمر محقق للعدالة لأن طبيعة عمل المجلس والإرهاق الذي يعانيه عضوه في البحث الدائم عن المسائل المعقدة الذي تفرض على المجلس بأقسامه لا يتفق مع طبيعة المرأة ولا مع مستوى تفكيرها(!) مهما كانت الشهادة الحاصلة عليها...
أما المستشار محمد يحيى أحمد رئيس محكمة الاستئناف في القاهرة يُشفق على المرأة من العمل في سلك القضاء وله أسبابه الخاصة, يقول: المرأة بعد أن بلغت من التعليم أقصى الدرجات أصبحت صالحة لتولي أي عمل إلا القضاء وهو ولاية سلطة لها طبيعة خاصة لا تتفق في الغالب الأعم و(طبيعة) المرأة وأقصد بذلك خلقة الله سبحانه وتعالى التي خلق عليها المرأة ومن طبيعة عمل القضاء الاطلاع وقتاً طويلاً والكتابة وقتاً أطول بالإضافة إلى تحمل مصاعب وعنت مناقشة الخصوم في القضايا المطروحة والمرأة عاطفية في طبيعتها لا تستطيع مجابهة هذا!...
هكذا وبمنتهى النبل نجد أن شهامة الرجل تمنعه من السماح للمرأة الضعيفة الهشة من معاينة جثث القتلة وسماع المرافعات في قضايا تخدش حياءها دون أن يترك لها فرصة لتقرر بنفسها فهو أدرى منها بما يناسبها, ولم يقل لنا سيادة المستشار على أية أبحاث استند ليجزم أن الرجل أقدر من المرأة على الكتابة والقراءة لفترات طويلة, وإذا سلمنا لهذا المنطق الذكوري يتوجب منع النساء من مزاولة الطب لأنه يتضمن تشريح الجثث, والهندسة لأنها تتضمن العمل في ظروف قاسية والتأليف لأنه يحتاج للكتابة والقراءة الطويلة وهذه كلها أمور لا تلاءم طبيعة المرأة. واللافت للنظر أن أولئك الرجال الذين يحاولون "حماية" المرأة من مشاق العمل في القضاء لا يشغلهم أبداً وضع ملايين النساء الوحيدات: زوجات مهجورات, أرامل, مطلّقات, كلهن ملزمات بإعالة أسرهن أم لعل العمل في كنس الشوارع و ورشات البناء والزراعة يناسب رقة المرأة وطبيعتها الضعيفة؟ وبنفس الذهنية نتعت المرأة في اليابان لغاية العام(1997) من العمل بعد منتصف الليل كي لا تتعرض للخطر وهي عائدة من العمل والحجة الثانية هي أن المرأة تكون بعد منتصف الليل أسهل سقوطاً في الحب بسبب (طبيعتها) العاطفية(!) وهي نفس الطبيعة التي تمنعها من مزاولة القضاء في مصر...
وهذا المنطق بالذات قامت عليه كل مجتمعات التفرقة العنصرية فـ (طبيعة) ذوي البشرة البيضاء تتسم بالذكاء والتفوق والطموح, أما السود فهم أغبياء قذرون, عديمو الموهبة, وهكذا نشأت عبر العصور نظريات عنصرية تصنف البشر في درجات كنظرية تفوق العرق الآري ونظرية شعب الله المختار, لكن أخطرها كانت نظرية جنس الله المختار الذي هو الرجل, فطبيعته تصلح لكل الوظائف فهو ذكي, قوي, عقلاني بعكس المرأة الضعيفة, الهشة, فاقدة الأهلية...
وهكذا ينقسم البشر إلى مواطني الدرجة الأولى الرجال، ومواطني الدرجة الثانية النساء.
ولا يختلف وضع المرأة في سوق العمل في اليابان ومصر عنه في سوريا والسعودية مثلاً من حيث اللا مساواة التي تطبع القوانين المنظمة, ففي سوريا نص قانون العمل وتعديلاته على أنه:"لا يجوز تشغيل النساء في الفترة ما بين الساعة الثامنة مساءً والساعة السابعة صباحاً, ولا يجوز تشغيل النساء في الأعمال الشاقة التي لا تناسب طبيعتها وغيرها من الأعمال التي تحدد بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل.
أما في السعودية فلا يجوز أن تقود المرأة السيارة كما لا يسمح لها بمزاولة أي نشاط تجاري أو استثماري إلا عبر وكيل-رجل- يقوم بتصريف شؤون العمل بتفويض منها, طبعاً هذا في مصلحتها لأنه يجنبها مواجهة صعوبات ومشاكل قد تؤذي طبيعتها الرقيقة.
وإذا سلمنا بوجود فوارق بين طبيعة الرجال وطبيعة النساء فقطعاً هذه الفوارق عائدة لكون طبيعة تشوّهت على يد مجتمع يحرص على إخضاع المرأة لأنماط تربية تقتل داخلها كل بذور التحرر من تبعية الرجل وعلى هذا الأساس, يصبح من الجائز انتظار نتائج مبهرة من مخلوق خضع للتدجين عبر قرون طويلة حتى كاد يفقد الطموح والقدرة وحتى الرغبة في الاضطلاع بدور مهم في الحياة العمة بعد أن كرست أنماط التربية السائدة مفهوم تبعية المرأة.
ولو أتيح للمرأة أن تنمو بشكل تلقائي دون قيود فلن نجد فروقات واضحة بين طبيعتها وطبيعة الرجل سواء في الشخصية أو في القدرات الذهنية أو حتى المواهب النوعية فلم يثبت تشريحياً أي تفوق عقلي للرجل مقارنة بالمرأة فيما عدى كون حجم المخ عند الرجال أكبر منه عند النساء, وذلك بسبب التفاوت بين حجم المرأة وحجم الرجل, لكن الاستناد لهذا المعيار سيقودنا إلى نتائج مضحكة حيث يصبح تفوق الدب على الرجل مؤكداً حيث أن مخ الدب أكبر من مخ الرجل.
إذاً يبقى أن نترك للتجربة أن تحسم النقاش حول طبيعة المرأة.
والمطلوب أولاً إعادة تأهيل المرأة وفتح الأبواب كلها أمامها ودون وضع العصي في عجلاتها, ثم الحكم على جدارتها وللأسف ما زلنا بعيدين عن هذه الذهنية, فعندما تنجح المرأة في خرق منظومة المحرمات هذه وتجد لها مكاناً في سوق العمل فإن المجتمع الأبوي لا يكف عن زرع الألغام في طريقها فإذا بلغت مكانة عالية فان المجتمع متحضر وإذا فشلت فأنها امرأة.
ففي الولايات المتحدة تتعرض (35%) من النساء للعنف المنزلي لان الرجل يعتبر المرأة –الند- عدواً يجب محاربته, أما إذا تفوقت عليه مادياً واجتماعياً فتصبح القوة العضلية هي الطريقة الوحيدة المتاحة لتأكيد تفوقه عليها.
أما في المجتمعات العربية فما أكثر الأصوات الداعية لعودة المرأة لبيتها, فالنساء في رأي هؤلاء سرقنا فرص عمل الرجال وانتشار البطالة ليس سببه التخطيط الاقتصادي السيئ إنما مزاحمة المرأة الرجل في سوق العمل, كما أن ارتفاع نسبة الطلاق (برأي هؤلاء) هو خروج المرأة للعمل الذي جعل الرجل يشعر أن زوجته تسرق القوامة منه الأمر الذي خلق جواً من المشاحنات داخل الأسرة(!), كما أن المرأة العاملة هي عرضة لضغوط قاسية ووفق إحدى الإحصائيات تصل نسبة الإحباط في أوساط النساء العاملات حتى (40%), وهذا قطعاً ليس بسبب العمل نفسه وليس بسبب طبيعة المرأة الضعيفة لكن بسبب عدم التعامل معها كند فاعل وعامل مهم في بناء المجتمع و الحل ليس في عودة المرأة للبيت بل بتحقيق شروط عمل أفضل للنساء فقد حان الوقت لوقف هذا النزيف المحزن لطاقات إنسانية الأجدر بنا أن نكرّسها لجعل الحياة أجمل وهذا هو الهدف الذي يجب أن يكون محور وجودنا جميعاً.
مها أحمد
#مها_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟