|
المرأة في المشروع الحداثوي
منقذ ابو عطوان
الحوار المتمدن-العدد: 1484 - 2006 / 3 / 9 - 11:41
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2006 - أهمية مشاركة المرأة في العملية السياسية ودورها في صياغة القوانين وإصدار القرارات
يطل علينا اليوم العالمي للمرأة من جديد ، والمرأة العربية ما زالت تتحدى وتقاوم بكل فخر وإباء رغم شراسة الهجمة الرأسمالية عليها . فاضحة كل الشعارات الحداثوية الكاذبة ، والبراقة، الساعية ( الشعارات الحداثويه ) الى إعادة إنتاج المرأه من جديد عن طريق أنثوَّتِها وتحويلها الى مجرد دمية يستمتع بها الرجل متى شاء.كما يحدث للمرأة في المجتمعات الرأسمالية التي سعت الى تفريغ المرأة من محتواها الفكري الإنساني وتحويلها الى جسد فارغ المحتوى يسهل تطويعه من اجل استثمار جسدها وبيعه إما في الحانات او على أرصفة الطرقات دون النظر الى إنسانية الإنسان وكرامته، كذلك أيضا تم تحويلها الى سلعة تباع وتشترى من خلال وضع صورها على المنتجات المختلفة بغض النظر عن نوعية هذه المنتجات وقيمتها الانسانيه. فالمرآة التي هي الأم والأخت والابنة تم تسليعها بعد ان شيئت من خلال التعامل معها كصورة على منتج وبغض النظر أيضا عن نوعية استخدام المنتج وأين يستخدم. هذا هو المشروع الحداثوي او ما يسمى من قبل البعض أيضا بعصر التنوير. ان ما تعانيه المرأه في ظل المشروع الحداثوي وما أنتجه من علاقات رأسمالية بشعة تقوم على أساس الاستغلال المباشر للإنسان وقيمه يفوق إضعاف المرات من ما ذاقته المرأه في مرحلة العبودية، وذلك لان العبودية كانت ظاهرة في علاقاتها القائمة على الاستغلال المباشر وغير المبطن، وبالتالي فالمرأة كانت على علم مسبق بان ما يحدث لها هو شكل من أشكال الاستغلال القائم على أساس مصادرة الحريات خاصة الحرية الشخصية. أما في العهد الحداثوي او في المرحلة الرأسمالية فإن علاقات الاستغلال غلفت وبطنت بطرق تجعل من المستَغَل ان يبحث عن من يستَغِلُهُ، من خلال اعتمادها ميكانزمات تعتمد في أساسها على صنع الثقافة. بمعنى ان الاستثمار الرأسمالي اعتمد أساسا في الترويج لمنتجاته على وسائل الإعلام. هذه الوسائل التي تعرض صور المنتجات التي طبع عليها صورة هذا الشيء ( المرأه ) او تعرض صورا لها تنهك حرمة جسدها كإنسانه، أولا وأنثى ثانيا هي نفسها ( وسائل الإعلام ) تقوم بالترويج لمفاهيم ومصطلحات تحمل مضامين مختلفه كالجندرة والمساواة، وحرية المرأه... وغيرها من الشعارات الانسانيه التي تتضمن معاني وقيم إنسانية جميلة ورفيعة. ان صناعة الثقافة التي تقوم بها وسائل الإعلام الرأسمالية تسعى الى سلب ألإمكانيات الابداعيه للمرأة، لأنها أوجدت ما يسمى بالمعايرة والمقايسة التي تسهم في تعميم الهيمنة الفكرية من خلال وضع معايير مسيطر عليها لعمل أي شيء. بحيث يكون ما يتلاءم مع المعايير التي وضعت لقولبة المرأه كما يريدوها مقبول. أي ما يلائم أفكار والمفاهيم التي تصب في مصلحة ألطبقه المسيطرة ( الرأسمالية ). كذلك فان التقييس يجعل المرأه تتصرف بما ينسجم مع مستواها المحدد مسبقاً والمخصص لنوعها. وبالتالي فهي عملت على إعادة تشكيل المرأه أو إعادة إنتاجها من خلال إضفاء شيء من الواقعية على الأفلام التي تروجها والتي يتم تضمينها بأفكار جديدة ( الحرية، المساواة.. الخ ) من صنع المنتج لتتقبلها المرأه وتتعامل معها. وبشكل عام فان المرأه وان شعرت بأنها حره. فهي ليست حره، بل أنها أصبحت أداة من أدوات النظام أو السلطة السائدة، وهذا يظهر من كيفية تصوير المرأه وإخراجها للناس على أنها دمية جميله يتهافت الناس عليها من اجل التسلية الاستمتاع، وبالتالي تغيب دورها ورسالتها الحقيقية في المجتمع كشريك أساسي في صنع الأحداث التاريخية. فالمرأة يجب ان لا ينظر لها على أساس جمالي كما الرجل، وإنما ينظر لها على أساس ما تقوم به من أفعال كما يقول المثل العربي الشائع " الرجال مش جمالهم الرجال أفعالهم " وهذا ما يجب ان يقال أيضا في المرأه، لان ما تنجزه المرأه من مهام وأفعال اقلها عمليات التنشئة لأفراد أسرتها يؤهلها بان تكون شريكه أساسيه في الفعل كما الرجل. وهذا ما لا نجده في الفكر الحداثوي وما تبعه من تحولات في علاقات الإنتاج. فالرأسمال المنتج لمنتجات مساحيق التجميل وما شابهها، الى جانب الشركات الاعلاميه معنية بإظهار المرأه كجسد طيع فارغ المحتوى لتسهيل مهمتهم في إبرازها كدمية جميله من اجل تسويق منتجاتهم وهذا ما يتضح أيضا من قيام بعض الشركات في استغلال المرأه من اجل إشباع بعض الغرائز للناس سواء فيما يتعلق بالأفلام ألجنسيه وغيرها كمنج للتسويق.وهذا يظهر لنا كيف تنظر الرأسمالية للمرأة، حيث ينظر لها على أنها شيء وسلعه. فمن خلال التشيئ والتسلع أصبحت المرأه مطوعه وأداة من الأدوات التي تستطيع الرأسمالية من خلالها تحقيق غاياتها، وعلى سبيل المثال: فالمرأة في المجتمع الرأسمالي الحداثوي لا تبرز أهميتها من إنسانيتها بل بمدى الاستفادة من جسدها، كم تدر أعضائها ألجنسيه ربحا، وبشكل عام فان المشروع الحداثوي في استغلاله لجسد المرأة يهدف الى خلق حاجات مزيفه ، إلى جانب فرض الهيمنة على عقول البشر من خلال عملية الترغيب القمعي مستغلة جسد المرأه بتنفيذ هذه المخططات الراميه لفرض السيطره. ان مفاهيم الحرية والمساواة والجندره...الخ ما هي الى غطاءا تتستر من ورائها وجوه قبيحة لا تتوقف عن العمل في إعادة أنتاج شروط استغلالية جديدة للمرأة على اعتبار أنها ( المرأه ) في حال وقوعها في شبكة الاستغلال فان ما تنجبهم وتنشئهم من أبناء هم الآخرين يكونوا خاضعين لشبكة علاقات الاستغلال. ولهذا السب نجد بان في العالم العربي المؤسسات والجمعيات التي تنادي بهذه المفاهيم تتكاثر بسرعة تفوق تكاثر السمك، ونجد أيضا ان من يمول هذه الجمعيات هو الغرب الحداثوي، فإذا كان الغرب معني بتنمية المرأه كما تدعي هذه الجمعيات فمن باب أولى ان يدعم ويمول بناء المدارس والجامعات !!. ونجد أيضا ان السيدات او الرجال القائمين على هذه الجمعيات تتكاثر أرصدتهم في البنوك بشكل مخيف !! . وبما ان من يُمَوِّل يتحكم في سياسة المُمَوَّل، فمن الطبيعي ان تنقاد هذه الجمعيات والمؤسسات لشروط من يمولها. والمخيف هنا ما يكمن خلف هذه السياسة. فإذا كانت المرأه الغربية التي تقع ضمن المشروع الغربي الحداثوي خاضعة لعلاقات الاستغلال الاقتصادي البشع، وتم سلب مضمونها منها وتشيئها وتسليعها فكيف إذا سيكون حال المرأه غير الغربية والعربية الاسلاميه الخاضعة لشبكة علاقات استعماريه ضمن هذا المشروع ؟. إذا نظرنا الى ما يقوله الكاتب روبرت يانج في كتابه أساطير بيضاء والذي يفضح فيه الفكر الغربي الحداثوي وينتقده كمشروع نهضوي وتنويري تم جلبه الى الشرق في ظل حملات استعماريه، والذي يرى يانج فيه بأنه سيئ أصلا في موطنه الأصلي لأنه قائم على أساس الاستغلال اللا إنساني وبتالي فكيف سيكون هذا المشروع الذي يعتبر صورة عن ما هو في الغرب في دول المستعمرات. فإذا كانت المرأه تعاني من فقدان إنسانيتها وكرامتها في الموطن الأصلي الذي رفع شعارات المساواة والحرية لها، فما هو شكل المعاناة إذا للمرأة العربية التي تم نسخ وتصوير هذه الأفكار في موطنها المستَعمَّر ؟. إذا كنا على يقين ان الصورة لا تشبه الأصل أطلاقا وان المنسوخ لا يشبه المستنسخ في كل شيء، بل توجد اختلافات من شئنها زيادة معاناة المرأه بشكل لم تشهد له مثيل. كذلك ما كتبه الكاتب الأمريكي صامويل هان تجتنون في كتابه تصادم الحضارات فإننا نستطيع إذا أخذنا ما كتبه هان تجتنون على محمل الجد، فأننا نستطيع ان نحلل علاقة التمويل الغربي لهذه الجمعيات والمؤسسات التي تستهدف المرأة العربية في شعاراتها الرنانه، على اعتبار ان المرأه في العالم العربي والإسلامي هي من يلقى على عاتقها وبشكل أساسي عملية التربية. وبالتالي فان إيقاع المرأة في شرك المشروع الحداثوي الخادع من شأنه التأثير على الأجيال القادمة من خلال إخضاعهم بشكل لا شعوري الى علاقات سلطوية جديدة تسهم في جعلهم يبحثون عن التبعية والهيمنة الغربية بحثا. الى جانب وجود جيل متغربن ( متقمص الثقافة الغربية ) في كل شيء. هذا الجيل ونتيجة لشعوره بالاغتراب الثقافي في وطنه بفضل عمليات الغربنه يقع أمام خيارات صعبه منها الهجرة الى الغرب الذي تقمص ثقافته وبالتالي دخوله في صراعات من نوع جديد تقوم على أساس العرق والدين وغيره الى جانب اكتشافه زيف هذه الأفكار التي تقمصها ويصبح من الصعب عليه العودة الى موطنه الأصلي الذي كان مغتربا فيه، وغالبا ما يكون مصيره الضياع. أما الخيار الثاني أمام هذا الجيل هو ان يكون عرابا للحملات الاستعماريه الجديدة على الشرق كما حدث في أفغانستان والعراق والكويت وغيرها من دول العالم. ان عظمة الدور الذي تقوم به المرأه العربية دفع مخططي السياسات الاستعماريه في الغرب الرأسمالي الى وضع المرأة ضمن مخططاتها الاستهدافيه من خلال زجها في نقاشات وصراعات جانبيه لتثنيها نوعا ما عن أدوارها الحقيقية في المجتمع، الأمر الذي يساعد على تحقيق أهداف المستعمر بكل يسر وسهوله. وبتالي فان دور المرأه الحقيقي يتمثل كيفية إعدادها وتنشئتها لمجتمعها وسعيها الدءوب الى النهوض به وتطويره بما يخدم ثقافته ومستقبله وليس باستيرادها مفاهيم ومصطلحات من موطن أخر نشأت كرد فعل على عمليات الاستغلال الجنسي والاقتصادي لجسدها. وبشكل عام المرأة العربية مطلوب منها العمل من اجل إنتاج خطاب ثقافي نسوى تاريخي نافذ قادر على أداء مهمته الإنسانية المتمثلة في تغيير الموازين الثقافية الحالية، وتكوين هيمنة ثقافية مضادة للثقافة لنسويه المهيمنة، وهنا لا ينبغي تجاهل امكانات الثقافة الضخمة المتعولمة التي تتمتع بحماية اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها، بالتالي فان المهمة صعبة ولكنها ممكنة وخاصة في ظل التحولات العالمية في الآونة الأخيرة التي ساهمت إلى حد كبير في إماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لمنظومة الرأسمالية بعد أن فشل خطابها الناعم في فرض سيطرتها مما اضطرها إلى استخدام العسكر وهذا بدوره عمل على استنهاض نقيضها. خاصة ان الثقافة العربية لديها القدرة في دعم ومساندة المرأه في إنتاج خطابها المنفصل والمستقل عن الخطاب الغربي الحداثوي، الى جانب ان التاريخ العربي يزخر بحالات وأمثله عديدة استطاعت من خلالها المرأه العربية ان تسطر مشاركتها واسمها عليه بأحرف من نور، دون ان تلجأ الى أعداء شعبها طلبا للدعم والمساندة.
#منقذ_ابو_عطوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
من اجل ريادة المرأة أو الأمل الذي لازال بعيدا : الجزء الثاني
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|