قد يعتقد البعض أن حزب العدالة و التنمية التركي هي كسابقاتها من الاحزاب التركية الحاكمة، تمارس سياسة تقليدية وبعيدة عن ممكنات العصر الحالي وإنها في أحسن الاحوال ستمارس سياسة قريبة من سياسة الاحزاب الاسلامية الاخرى في العالم. بل بالعكس فأن هذا الحزب إستطاع خلال فترة قصيرة إيجاد خطاب سياسي خاص به ويحاول أن بغير المعتاد في السياسة التركية بشكل يكون فية قريبا من الغرب و الشرق في ان واحد وحليفا للاثنين معا. على الاقل قي الفترة الحالية والتي هي بداية ممارسة الحكم الفعلي لها في تركيا. ليس هذا فقط بل أن هذا الحزب يحاول الان تصحيح الاخطاء التي وقع فيها سابقاتها من الاحزاب الاسلامية التركية كحزب الرفاه الاسلامي.
المناورات السياسية التي يقوم بها حزب العدالة والتنمية التركي منذ إستلامة السلطة وبالذات خلال هذه الشهور حول العراق و الحرب" العراقية الامريكية" تدل على أنة أتى الى الساحة السياسية التركية بفكر جديد وسياسة جديدة، ليست غريبة عن الساحة التركية لكنها غير مألوفة للاحزاب و الحكومات التركية المتتابعة.
فالحزب يواجة مشكلتين يجب التغلب عليهما كي يستطيع تطبيق برنامجة على تركيا وتأسيس الدولة التي تتفق وأفكار الحزب على الصعيدين الداخلي و الخارجي والذي هو طموح كل الاحزاب عند وصولها الى السلطة. المشكلة الاولى هوالنفوذ الزائد للهيئة و القيادات العسكرية في إدارة الدولة التركية وتبعية الدولة الى أمريكا وتحالفاتها مع إسرائيل. هذا التحالف يناقض الفكر الاسلامي ويقف عائقا أمام دخول تركيا الى التحالف المضاد لاسرائيل.
حزب االعدالة والتنمية التركي خطا العديد من الخطوات كي يأخذ بزمام المبادرة في الداخل بطريقة لا يغضب حليفاتها الغربيين وإسرائيل وبموافقة القيادة العسكرية. هذا الرضا لم يكن ممكنا سابقا، ورئيس حزب الرفاه الاسلامي جهد كثبرا للبقاء في الحكم والحصول على رضاهم ولكنة لم يفلح وأسقطط حكومتة، لانة لم يستطع أيجاد التوازن المطلوب والتحول الى مدافع عن حقوق منتخبية.
الازمة العراقية الامريكية بدورها أعطت حزب االعدالة والتنمية فرصة ذهبية للبقاء. والتعامل المباشر والاضطراري لأمريكا معها أمكنها أستغلال ذلك لصالحها ولتعزيز أركانها في الدولة.
فالحزب لم ينسى استراتيحيتة ويعرف أن الرئيس التركي أحمد نجد سزر وبدعم من العسكرلم يقبل أن يستلم رئيس الحزب رجب طيب أردوغان مهام رئيس الوزراء. رجب طيب أردوغان الذي أوصل الحزب الى السلطة والقريب من الجناحين المعتدل و الاسلامي المتشدد، يحاول الان بل إستطاع التسلل الى الصف الامامي وأن يصبح هو الطرف الذي سيستطيع أخذ موافقة البرلملن على دخول الجيش الامريكي الى تركيا، لان رئيس الوزاء الحالي عبد الله غول أخفق في ذلك ولا تتوفر لدية أساليب أردوغان للإقناع حسب المصادر.
بهذه السياسة الذكية أجبر حزب االعدالة والتنمية المؤسسة العسكرية وأمريكا على الموافقة على تولي السيد رجب طيب أردوغان منصب رئيس الوزراء وبطلب من الاطراف الرافضة له، نفسها. هذا التغيير المؤمل حصولة في الايام المقبلة. البرلمان التركي يتكون أغلبيتة من أعضاء حزب العدالة وفي كل البرلمانات هناك نوعان من التصوبت، الحزبي ( أي بصورة إجماعية كحزب) و الثاني بصورة فردية ( أي كل عضو حر في إتخاذ القرار الذي يراه مناسبا) وأذا كان حزب العدالة يريد الموافقة على دخول القوات الامريكية أراضيها، لاستطاعت أخذ الموافقة من البرلمان بإتخاذها الاسلوب الاول للتصويت. أسلوب التصويت كحزب متبع في أغلب الدول الديمقراطية فمن النادر أن يصوت عضو برلماني ضد إقتراح مقدم من حزبة. و الشئ الذي يؤكد قولنا هو أن العديد من أعضاء البرلمان الذين صوتوا ضد القرار صرحوا بعد يومين من التصويت بأنهم سيصوتون لصالح دخول القواب الامريكية في تصويت اخر، أي بعد حصول التغيير الوزاري وتسلم رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء.
إذن فالمسألة هي ليست فقط رفع الحضر والحكم عن رجب طيب أردوغان بل الموافقة على إستلامة للسلطة وأن يأخذ الرجل المناسب مكانة الذي ناضل من أجلة. تحقيق هذة الامنية تعتبر نجاحا باهرا لحزب العدالة الاسلامي.
الانتصار الثاني لحزب العدالة هو التقرب الحاصل بين الحكومة و العسكر وأستطيع القول بأنها المرة الاولى التي يقف فيها حكومة إسلامية والعسكر في خندق واحد. يساعد فيها العسكر الحكومة من أجل الخروج من مأزق خلقتها الحكومة من أجل الوصول الى نقطة البداية، فرئاسة الوزراء كانت من حق رئيس الحزب رجب طيب أردوغان منذ بداية الفوز والانتخابات. العسكر الذين كانوا يهددون الحكومات المتعاقبة بالانقلابات العسكرية صاروا يقولون بأن البرلمان حر في إتخاذ القرار الذي تراه صائبا، وذلك بعد أن إطمأنت الى الحكومة الحالية أو الجديدة برئاسة رجب طيب أردوغان. ففي كل الحالات ستدخل القوات الامريكية الى تركيا سواء كان بالاتفاق مع الحكومة أو بموافقة البرلمان بعد تسلم أردوغان السلطة. وفي كل الاحوال أيضا سيحصل حزب العدالة الاسلامي على رضا أمريكا وستأحذ منها الهدية أو الرشوة المناسبة مقابل الخدمة التي ستقدمها لأمريكا. فالمكاسب الاقتصادية و العسكرية سترضي العسكر و الاجنحة الاخرى من الشعب الذي يؤيد أمريكا و النفوذ الامريكي في تركيا و الذين يشكلون نسبة غير قليلة على الرغم من إستطلاعات الرأي التي تقول بأن 94% من الشعب التركي يناهض الحرب.
حزب العدالة الحاكم برفضة لدخول القوات الامريكية المبكر و العلني الى تركيا، أرضى جمهوره المعادي للحرب و للتواجد الامريكي في المنطقةولو مؤقتا والذي يعتبر أمريكا العدو رقم واحد للمسلمين و السند القوي لاسرائيل وأستطاع تخليص الحزب من خلاف أو إنشقاق محتمل.
كذلك أرضى الدول الاوربية الرافضة للحرب وإحتفظ بمكانتة وإستطاع التقرب و لو قلبلا من الاتحاد الاوربي وأبقى على أحلامة لدخول هذا الاتحاد. وموافقتة على دخول القوات الامريكية ستاتي في وقت فقدت فية الدول الاوربية الأمل بمنع وقوع الحرب على النظام العراقي وعندها موافقة أو رفض الحرب سوف لن يكون لها ذلك التأثير.
هذا الرفض لدخول القوات الامريكية من قبل البرلمان التركي قرب العديد من الدول العربية الى تركيا وأصبحت تعتبرها كدول صديقة وتناست الاتفاقات الموقعة بين تركيا وإسرئيل و أمريكا وتواجد قوات هذه الدول على أراضي هذه الدولة المسلمة. ليس هذا فقط بل أن دولة مثل سوريا وبلسان وزير إعلامها أشاد بهذا الدور الريادي لتركيا و تمنى روسيا بقاء تركيا على قرارخا بشأن القوات الامريكية وهلهلت بغداد لهذا القرار.
مع أن أغلبية الدول وتركيا نفسها تعرف بأن قرارها الرافض لدخول القوات الامريكية مؤقت و تكتيكي، فإنها تحاول أن تستغل قرارها بالرفض و القبول الى أقصى الحدود من أجل تحقيق مكاسب حزبية والبقاء في الحكم و تجنب إنقلاب عسكري و تثبيت أقدامها على الساحة السياسية و الدولية .
هنا يأتي السؤال الأهم، من سيكون في خدمة من؟
هل سيكون حزب العدالة في خدمة أمريكا و مخططاتها في المنطقة وبنفذ ما تريدة أمريكا و بأيادي إسلامية؟
هل ستصبح القوة الضاربة لامربكا أم ستحافظ على إسلاميتها وتساند المسلمين وتعادي اسرائيل؟
هل سيتغل العسكر هذا الوضع ووجود هذا الحزب في السلطة لضرب الحركات السلامية و المسلمين بعضهم ببعض؟
هل ستفضل المساعدات المالية على المبادئ أم ستصمد وتلغي الاتفاقات العسكرية الموقعة سابقا مع إسرائيل وأمريكا؟
الايام القادمة ستجيب على هذة الاسئلة.