أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابداح - قواعد النّقد السياسي-1















المزيد.....

قواعد النّقد السياسي-1


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 5794 - 2018 / 2 / 21 - 03:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قواعد النقد السياسي

إن الإبتعاد عن قواعد الليّاقة النقدية عند التطرّق لأي موضوع، لهو أمر تأباه أي مهنة، بل وترفضه حتى الفطرة البشرية، والتي من طبعها التحفّظ على الآراء الناقدة، وغالبا عدم تقبّلها. قد يتفق الجميع على أن الناقد الجيّد يتجنّب الأنا قدر المستطاع وإلا تحوّل طرحه إلى محاولة للظهور أو جلبا لمنافع خاصة، مبتعدا بذلك عن السبب الحقيقي للنقد وهو كشف الحقيقة لصالح عام.
قد يكون الخروج عن قواعد اللياقة مرتبطا بأنماط المجتمع كاسلوب العيش ونقل المعرفة وتبادل الثقافة وسياسة إدارة الدولة، ولأن يكون الناقد المخلّ بقواعد النقد ملماً بدسّ المفاهيم المريبة فيما بين السطور يجعل من التفكّك أمرا محتملا عموما ومربحا بشكل خاص، حيث يُفترض بأي كاتب العلم بمآلات قوله لأمر ما يوما، ونقضه في يوم آخر، مع إبقاءه للدوافع طي الكتمان، ومن البديهي أن تكون النتائج غامضة ومتناقضة بمعزل عن أصل نشأتها وأسباب تكوّنها، لذا فمن المفيد القول بأن أي نقد من هذا القبيل يكون بأمر سلطوي، مع الأخذ بعين الإعتبار أن تغيير الآراء النقدية قد يُعزى لتغيّر الظروف أو المواقف السياسية، أو الدوافع والولاءات أو القراءة الخاطئة أحيانا، فمُدّعي الكمال مقرٌ بالنقص، لذا فإن تعديل الناقد لرأي نقديّ أو تحليل سياسيّ سابق منسوب له؛ قد لايفقده مصداقيته، لكنه يضعفهُ كمحلل وناقد سياسي، ويجعله كمن يرجمُ بالغيب تحت طائلة الخطأ، وهذا يشكّلُ الحد الفاصل بين تغييب الواقع أو إعادة اكتاشفه، وإنه لمن المستغرب عدم القول بأن وجود مثل تلك الفئة من المحللين والناقدين السياسيّين قد يخلق أجيالا من فقدان الذاكرة الجماعي، كما يحدث في الوطن العربي منذ أكثر من قرن من الزمان، حيث يبقى الماضي مجرد متحف لعرض ما يُراد له أن يُعرض فقط وبالطريقة التي تخدم أهداف الأنظمة السياسية الحاكمة، الأمر الذي من شأنه عزل العامة عن محيطها وقطع كافة الجسور بينها وبين ما يدور حولها، مما يؤدي لتشويه الماضي وعدم القراءة الصحيحة للحاضر وتحوّلُ بوابة المستقبل إلى عدة أبواب وأنفاق مظلمة.
إن لدى كلّ ناقد رسالة هامة يهدف لإيصالها إلى الجمهور، وقبل أن يكون مؤيدا أو معارضا لسياسة نظام ما أو أداءه، ينبغي العلم بأن من يدّعي بأنه ناقد مستقل فهو واهم، فقد ينتقد أداءا حكوميا معيناً أو قرارا سياسيا ما أو موقفا اتخذه نظام الحكم، وهذا الأمر لايجعل منه معارضا سياسياً، فمن ينتقد بيان وزارة الخارجية السعودية تجاه قرار الرئيس الأمريكي ترامب أواخر العام 2017 باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والذي أعربت فيه السعودية عن (أسفها للقرار وأملها بأن يعيد الرئيس الأمريكي إعادة النظر فيه)، ثم يصف الموقف السعودي تجاه قرار الرئيس ترامب، بأنه بيانٌ بطعم التواطؤ، فقد أصاب الحقيقة، ولا يجعل منه ذلك معارضا سياسيا، وإنما ناقدا لموقف نظام الحكم السعودي من القضية الفلسطينية، وليس على حكومة المملكة السعودية أو أجهزة مخابراتها أن تفقأ عين ذلك الناقد أو تعتقله أو تعذّبه، كما وليس على ذات االناقد أن يقيم الدنيا ويُقعدها في نقده على السياسية السعودية، إلا إن لم يكن يملك المعرفة التاريخية بظروف نشأة المملكة العربية السعودية واتفاقيّاتها السرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولن تجد في دفاتر قلمه السياسي أي إشارة أو تحليل لوهم الحلم العربي، أو توقعا مّبشراً بالخير من نتائج مؤتمرات القمم العربية، والتي كان يترقبها بإمل كل مواطن عربي.
إذن فعناصر المعرفة والتي ينبغي على الناقد السياسي الإلمام بها كي يتمكن من تحقيق هدفه، تكمن في طبيعة العمل النقدي ذاته والذي يتناول وقائع سياسية وأحداث تاريخية وشخصيات قامت بصنعها، مع ما يحيط بتلك العناصر من عوامل سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية وثقافية.
- مفهوم المعرفة لدى الناقد السياسي :
إن طبيعة الحد الفاصل بين الإلتزام بأصول قواعد النقد السياسي والإخلال بها هو كالفرق فيما نتعلمه بالمدرسة وبين ما نتخبره بالميدان مع تأخّر الوعي عن التجربة، غير أن المكونات الطبيعية للسياسة ليست بعائق، فالسياسة هي محصلة للعلوم الإنسانية كالفلسفة والتاريخ والأدب، وهي وفق (روبير) فناً لحُكم المجتمعات الإنسانية، وهي صناعة الخير العام وفقا لابن خلدون، وهي عند (ديفيد ايستون) قيام السلطة السياسية الحاكمة بتوزيع القيم الإنسانية في المجتمع، مع تفعيلها في الواقع العملي، وبغير ذلك فلا يُتوقع من العامة التسليم برفع الأسعار والضرائب وترديد مقولة (خذ من أموالنا ماشئت) على غرار قولة سعد بن معاذ ومن حوله للنبي قبيل بدر، في الوقت الذي تغصّ فيه الدول العربية المعاصرة بقضايا الفساد ونهب المال العام، كما ولن يكون حينها لمفاهيم عقيدية مثل إطاعة أولي الأمر أي مسوّغ ديني أو حتى سياسي لتكميم الأفواه.
إن المفهوم العام لأدبيات اللياقة هو احترام الشخص لنفسه وللآخرين وحسن تعامله معهم، وبلا شك فإن النجاح لاعلاقة له بسوء الحظ أو اشتهاء السفن، بل بالمعرفة والعلم والتخطيط السليم، وبغير تلك الأدوات فعلى الناقد مواجهة عناء المبتدء بعدم التسليم بالبديهيات كاستحالة تقاطع المتوازيات، والتي قد تتقاطع عند الناقد المبتدىء، بسبب قلة الخبرة والتسرّع بإطلاق الأحكام وعدم القراءة الجيّدة للحدث أو الموقف، غير أن أحد أهم قواعد النقد السياسي هي المعرفة، والتي قد تمكنّا من تفهّم الحقيقة القائلة بأن ليس كل ناقدٌ سياسي هو مُعارض لنظام الحكم، كما أنه ليس كل من يرتاد المسجد يحمل بعقله ضدّين، بمعنى أن يتكلّم في السياسة ويخفي خلف ظهره كتاب (نصيحة الملوك) للغزالي، أو أن يتكلم بالدّين متأبطا (إحياء علوم الدين) لذات الكاتب، وإلا لكان يكفي لحل المشاكل على الأرض رفع الأيادي والتضرّع إلى السماء.
إذن فالمعرفة والتي تتطلب سعة الإطلاع والثقافة هي أول قاعدة من قواعد النقد السياسي، وعليه فإن الخطاب النقدي الموجّه لنظام حُكم ملكي يختلف عن ذلك الموجّه لنظام جمهوري، فأنظمة الحكم الملكية غالبا ما تكون أكثر رسوخا واتزاناً في وجه المتغيّرات السياسية، وأكثر حكمة وخبرة في طرق التعاطي مع النقد، بخلاف أنظمة الحُكم الجمهورية وتحديدا الغير ديمقراطية والوراثية، حيث تكون أكثر تطرّفاً في ردود أفعالها تجاه النقد عموما والسياسي بشكل خاص.
قد نجد نماذج عديدة لفنون النقد السياسي الموجة ضد أنظمة الحكم الدكتاتورية، ملكية أو جمهورية شيوعية أو رأسمالية أو علمانية أو إسلامية، والتي لا تصلح لأن توجّه لأنظمة حكم ملكية إقطاعية دستورية كبريطانيا مثلا، فرواية (مزرعة الحيوانات) للكاتب البريطني جورج أوريل واسمه الحقيقي هو (إريك بلير)، حرّرت لغة الفكرالنقدي من القيود السائدة والموروثة ثقافيا واجتماعيا، كمصطلحات إثارة الفتن وتشويه الماضي، وتحريف الحقائق، ولجم الأفواه، والتخويف من الحاضر، وتقييد نجاح المستقبل بسياسات النظام الحاكم.
لقد أظهر أوريل أهمية الكتابة اللغوية كأداة للنقد السياسي من خلال إعادة تشكيل مفردات اللغة بحيث توافق أنماط التفكير المختلفة مما يجعلها مقبولة لدى المتلقي، فلم يستخدم الإستعارة أو التشبيه بالشكل المتعارف عليه، وتجنّب استخدام الجمل الطويلة واستعاض عنها بجمل قصيرة تؤّدي ذات المعنى، كما تجنّب استخدام صيغة المبني للمجهول قدر المستطاع. لقد قام أوريل بنقد الحكم الشمولي وتقييده للفكر العام من خلال التحكم بالأفكار عبر صياغة مفردات قابلة للتطبيق المجازي رغم عدم قابليتها للتعبير البلاغي، وتمكن بذلك من إدخال مفردات ومصطلحات جديدة إلى اللغات العالمية، ومن تلك المفردات (اللغة المخادعة) والتي تعني لغة سياسية مبسّطة ومبهمة تجعل من التفكير النقدي المستقل أمرا مستحيلاً، وبالتالي تجعل من الناقد السياسي كما المتلقي مُنحازا برأيه لجهة معينة بذاتها.
كذلك الأمر بالنسبة لمصطلح (التفكير المزدوج) ويعني فكرة تحتمل نقيضين في ذات الوقت، فضلا عن مصطلح جميل يدعى (شرطة الأفكار) وتعني بها السلطة الرقابية وأجهزتها القمعية، ومصطلح (تهجين الفن) أي تسخير مظاهر الفنون الإنسانية من أدب وموسيقى ومسرح وسينما وغيرها لخدمة سياسة نظام الحكم، مما يضمن الولاء والطاعة، وكذلك (الأخ الكبير) ويُقصد به الزعيم أو الديكتاتور بمعنى أدق، ومن بين هم المصطلحات التي استحدثها أوريل على الإطلاق هي (الحرب الباردة).
تستعرض رواية (مزرعة الحيوانات) أحداثا معينة بذاتها، كفشل الثورات الشعبية، وأسباب فشلها من وجهة نظر الكاتب، فبدءا من شعار الرواية (القرن والحافر) والذي يرمز إلى المطرقة والمنجل وهو شعار الشيوعية، مرورا بشخصياتها (ميجور العجوز) والذي يمثل المفكر ومؤسس الثورة الماركسية (كارل ماركس)، وشخصية نابليون الديكتاتورالطاغية والذي يرمز إلى (لينين)، حيث يقوم بتربية جراء للحراسة في إشارة للأجهزة الأمنية. تُظهِرُ الرواية فساد الحُكم واقتتال قادة الثوار على السلطة وسذاجة الشعب بذات الوقت، غير أن من بين أهم القضايا التي حاولت الرواية معالجتها هي حقيقة أن قيام قادة الثورات الشعبية في أي مكان في العالم باحتكار السلطة يؤدّي في النهاية لفشل الثورة، وتحوّل الثوار أنفسهم في نهاية الأمر إلى طغاة.
ثمة العديد من الروايات والأعمال الأدبية والفنية المشابهة كرسوم الكاريكاتور والأفلام والبرامج المرئية والمسموعة والمقالات والدراسات والأبحاث الأكادمية وغيرها، والتي تحذر من المصير المشابه لأي ثورة إن لم يتم تبادل السلطة بشكل ديمقراطي، وبالتالي سقوط تلك الأنظمة في النهاية بعد ثبات فسادها، فما الذي يُميّز تلك الأعمال عن غيرها ويجعل منها مصادر لفنون النقد السياسي؟



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
- أولستَ بخير!
- يفعلون ما يؤمرون -2
- أصحاب السمو والفخامة !!
- أماني العرب
- بطولة حمل الأثقال السياسية
- يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ-1
- قانون الميراث الروسي
- قانون الميراث الفلبيني
- قانون الميراث البريطاني
- موانع الميراث وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية ...
- موانع الميراث وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية ...
- موانع الميراث وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية
- تحليل الجدل الفقهي والقانوني حول موانع الميراث في الشريعة ال ...
- تدابير الحرية
- لو.. وأخواتها
- العلمانية وفقه التدليس
- الحرب والخوف - واقع اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء- الجز ...
- الحرب والخوف - واقع اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء- الجز ...
- الحرب والخوف - واقع اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء- الجز ...


المزيد.....




- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابداح - قواعد النّقد السياسي-1