|
المرأة والنظام العالمي الجديد
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 1483 - 2006 / 3 / 8 - 08:46
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2006 - أهمية مشاركة المرأة في العملية السياسية ودورها في صياغة القوانين وإصدار القرارات
تغييرات و تطورات عالمية كبرى حصلت خلال العقدين الأخيرين، حيث إنتهت الحرب الباردة و دخلنا عصر العولمة و إنتشار الأفكار الديمقراطية و الليبرالية و الحرب على الإرهاب و أصبح كوكبنا الأرضي مجرد قرية صغيرة بفضل ثورة المعلومات و الإتصالات و بدأت تظهر بوادر نظام عالمي جديد وأخذت المرأة تتبؤ دورها التأريخي في المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية و العمل على تحرير نفسها من ظلم و هيمنة المجتمع الذكوري و من قيود العادات و التقاليد الرجعية البالية. كما أنه، خلال هذه الحقبة الزمنية، فقد بعض المفاهيم و المصطلحات معانيها لعدم تمكنها من مجاراة تلك التطورات و انهارت شعارات كانت تعتبر من الثوابت عند أصحابها مثل السيادة الوطنية و قمع الشعوب و إضطهاد المرأة تحت هذه الذرائع البالية. كل هذه التطورات جعل من كوكبنا الأرضي مجرد قرية صغيرة بفضل ثورة المعلومات و الإتصالات و إنتقال الرأسمال و التي أدت الى إختفاء الحدود الدولية و تمازج الثقافات و العقائد و الأديان و المصالح. لأول مرة في التأريخ البشري، بدأ تمازج المجتمعات البشرية و عيشها معاً في تواصل و شراكة مستمرة. هذه الشراكة الإنسانية الجديدة تُحتّم على المجتمع البشري خلق أرضية مناسبة لإلتقاء المصالح و الأهداف و تحديدها وتلاقح الثقافات و المعتقدات و الأديان و تفاعل الحضارات و البحث عن مصطلحات و مفاهيم و قيم و شعارات تواكب النظام العالمي الجديد. إنني أرى في الأفق إلتقاء الثقافات و الحضارات و تفاعلها في المدى البعيد بعد أن تؤدي العولمة و ثورة الإتصالات دورها التأريخي في تمازج المجتمعات و الثقافات و رفع المستوى الثقافي و الفكري و الإجتماعي و الإقتصادي للمجتمعات المتأخرة.
هذه المستجدات و التطورات تستوجب التفكير بإيجاد مرجعية عالمية تستوعب هذه المتغيرات و تضع تشريعات و قوانين لتنظيم حياة و علاقات الدول و المجتمعات و الأفراد و تجد آليات فعالة لتطبيق قوانينها و تشريعاتها لتحقيق الأهداف و المطامح الإنسانية في رؤية عالم يسوده السلم و العدالة و المساواة و الرفاهية و الديمقراطية و قبول الآخر. إن هذه المرجعية العالمية في الوقت الحاضر هي منظمة الأمم التحدة، والتي قد مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن. خلال هذه الحقبة الزمنية حصلت تطورات كبيرة في تركيبة النظام العالمي و التي تستوجب إصلاح و تطوير شاملين في تشريعات هذه المنظمة و قوانينها و صلاحياتها و هيكلية و آليات عملها لتتجاوب مع هذه التغييرات العالمية و ترتفع الى مستوى المسئولية لإداء أعمالها و مهامها بنجاح، كمرجعية كونية تقوم بتنظيم حياة الشعوب و الأفراد و علاقاتهم و الدفاع عن حقوقهم و تحديد هذه الحقوق و التمتع بها لخلق عالم يسوده العدل و المساواة و السلام و الرفاهية، خاصة كما يبدو أنها مصابة بالوهن و الضعف في معالجة الكثير من المشاكل العالمية، و تسرب البيروقراطية اليها و انتشار الفساد في مرافقها، كما برهنت الرشاوى التي حصل عليها بعض العاملين فيها، في برنامج النفط مقابل الغذاء للعراقيين، الذي وضع من قبل الأمم المتحدة بعد تحرير الكويت من الإحتلال العراقي. أحب أن أنوه هنا أيضاً، بأن إصلاح الأمم المتحدة يتطلب مشاركة جميع الجهات المؤهلة من دول و شعوب و منظمات و جمعيات و وضع إمكانياتها، من خبرة و معلومات و أموال و طاقات بشرية، لإنجاح هذه المهمة الإنسانية السامية. إن المرحلة الحالية تتطلب من الجميع، و خاصة الشعوب و الحكومات الديمقراطية في العالم العمل معاً جميعاً للقيام بإصلاح الأمم المتحدة للوصول الى الأهداف النبيلة للبشرية جمعاء.
أقتصر هنا في هذه المقالة، على الإجراءات الإصلاحية لمنظمة الامم المتحدة المتعلقة بالمرأة و إسترجاع حقوقها و مساواتها بالرجل بعد قهر و ظلم و تعسف تعرضت لها المرأة خلال المراحل التأريخية السابقة و ذلك بإعادة النظر في تشريعات المنظمة الدولية و قوانينها و مفاهيمها و وضع آلية عملية ناجحة لتحقيق هذا الهدف. يجب على الأمم المتحدة إعادة النظر في قوانينها الحالية المتعلقة بالمرأة و ذلك بتشكيل هيئة مؤلفة من خبراء عالميين لتقييم القوانين و التشريعات الحالية و تغيير المواد التي لا تنسجم مع الواقع الحاضر للمجتمعات البشرية و سن و تشريع قوانين و الإتيان بمبادئ و مفاهيم جديدة تكون بمستوى حاجة المرأة لرفع الظلم و العنف و الإستغلال عنها، لتكون مساوية في حقوقها و واجباتها مع الرجل و تعاونهما معاً من أجل خدمة البشرية و تطوير حياتها، حيث أن النساء يشكلن نصف المجتمع الإنساني، و بإبعاد المرأة عن الحياة السياسية و الإجتماعية و عملية الإنتاج و الإبداع و تبؤ المسئولية، كما هو الحال في الدول الرجعية و الذكورية و المتخلفة، فأن البشرية ستفقد نصف إنتاجها و إبداعها.
تنتظر منظمة الأمم المتحدة إصلاحات في التشريعات والقوانين الحالية لها، المتعلقة بحقوق المرأة و وضع قوانين جديدة و تعريفها بوضوح، منها المساواة بين المرأة و الرجل في حق العمل و التعليم و الزواج و الطلاق و التملك و الميراث و حضانة الأطفال في حالة الطلاق، و الشهادة. هناك قوانين جائرة و ظالمة في الكثير من المجتمعات الذكورية المتخلفة، خاصة المجتمعات الإسلامية، التي تُمّيز بين المرأة و الرجل، حيث أن المرأة تُمنع من قبل هذه المجتمعات من فرص المشاركة السياسية و العمل و التعليم، و تجعلها حبيسة البيت و المطبخ، كآلة تفقيس لإنجاب الأطفال و تربيتهم و القيام بأعمال الطبخ و إشباع الشهوات الجنسية لزوجها. إن هناك دول مثل المملكة العربية السعودية، تحرم قوانينها المرأة من المشاركة في الإنتخابات التشريعية، لإختيار ممثليها في البرلمان و العمل في الأحزاب و النقابات و الجمعيات ( تشكيل أحزاب و منظمات المجتمع المدني ممنوع في معظم هذه الدول). إن القوانين الجائرة و التقاليد و العادات المتخلفة في هذه البلدان قادت الى إحتكار العمل السياسي و النقابي و الإجتماعي من قبل الرجل و تفشي الأمية و البطالة في صفوف النساء.
يختار أهل الفتاة شريك حياتها دون مراعاة رأيها و رغبتها، و تقف العادات و التقاليد و القوانين الجائرة و اعتماد المرأة اقتصادياً على زوجها، حجر عثرة في تمتع المرأة بحق طلب الطلاق و في حالة طلاقها، تُحرّم من أطفالها، حيث أن الرجل له الحق في حضانة الأطفال و الإحتفاظ بهم، بالرغم من أن الأم هي أقرب اليهم من الأب، و أكثر قدرة و كفاءة في تربيتهم و الإهتمام بهم. المرأة في المجتمعات الإسلامية، تحصل على نصف الميراث مقارنة بالرجل و توازي نصف الرجل كشاهدة في المحاكم. كما أن المرأة تعاني من مشكلة تعدد الزوجات، حيث يحق للرجل أن تكون لها عدة زوجات لإستغلالهن في إشباع شهواة الرجل الجنسية و إثبات فحولته و رجولته و زجهن في الأعمال المنزلية و الزراعية و غيرها و إنجاب المزيد من الأطفال. تصبح المرأة في المجتمعات المتخلفة، ضحية لما يسمى بغسل العار حينما تكون للفتاة أو المرأة المتزوجة علاقة عاطفية مع فتى أو رجل آخر، حيث يقوم الأب أو الأخ أو الزوج بقتل المرأة و قوانين هذه الدول تتساهل مع و تشجع الإقدام على مثل هذه الجريمة البشعة، حيث يواجه المجرم حكماً مخففاً في حالة إقدامه عليها. إن المشكلة في المجتمعات القبلية و المتخلفة الذكورية هي أن الرجل يعتبر المرأة سلعة كأية سلعة إستهلاكية أو كمالية أخرى يقوم بإقتنائها، لذلك يعتبر زوجته أو بنته أو أخته ملكاً شخصياً له، معتقداً أن من حقه التحكم بحياتها و مصيرها، دون أن يدرك و يستوعب الأب أو الأخ بأن بنته أو أخته هي بشر مثله لها الحق في تقرير مصيرها و اختيار حياتها كما تريدها و تختارها هي كما الأب أو الأخ حر في القيام بذلك. المشكلة هي أن الزواج بالنسبة للرجل يعني إمتلاكه لزوجته و تبعيتها له و حقه في تحديد نمط حياتها و علاقاتها و إهتماماتها و حتى إختيار ملابسه، مؤدية الى علاقة عبودية بينهم، دون أن يعي الرجل بأن الزواج هو عقد إجتماعي طوعي بين الرجل و المرأة للعيش معاً و أن للمرأة الحق في فسخ هذا العقد متى ما ترغب في ذلك و أن للمرأة إستقلاليتها و حريتها و حقها في تقرير مصيرها و تحديد نمط عيشها في علاقاتها و لبسها و عملها، مساوياً للحق الذي يتمتع به زوجها.
في بلد مثل السعودية، هناك ظاهرة الإعتداء على النساء من قبل ما يسمى ب(هيئة االأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) و ذلك بضربهن علناً في الشوارع و أمام أنظار السلطات السعودية و بتشجيع منها. تقوم عصابات هذه اللجنة بالإعتداء على النساء اللواتي مثلاً، تتدلى خصلة من شعرها على جبينها بحجة مخالفة ذلك للقوانين الإسلامية و الدين الإسلامي برئ من هذه البدع المتخلفة. المرأة السعودية محرومة أيضاً من حق سياقة السيارة. في بلدان مثل الهند و باكستان وبنغلادش، يتألف المجتمع فيها من طبقات إجتماعية لا يحق لأفراد تلك الطبقات من التزاوج فيما بينها. كما أن هناك في الهند تقليد سيئ و جائر، حيث يقوم أهل الطفل أو الطفلة بترتيب عقد قران أبنائهم و بناتهم الذين قد لا تتجاوز أعمارهم أكثر من خمس سنوات و ثم يتم زفافهم عندما يبلغون سن الرشد. عند الزواج في الهند، فأن التقاليد تقضي بقيام أهل البنت بتأثيث البيت الزوجي للعروسين، في الوقت الذي لا يساهم العريس أو أهله في ذلك. لهذا السبب، فأن االمرأة الهندية تقوم بعملية الإجهاض عندما تكون حاملة أنثى نتيجة عدم قدرة الأسرة المالية للصرف على زواج بناتها. تقول الإحصائيات بأنه تجرى في الهند حوالي ستة ملايين عملية إجهاض سنوياً لهذا السبب، منعاً لإنجاب إناث التي تكلف الأبوين الكثير من المال الذي لا طاقة لهما عليه. نرى مما سبق، أن مثل هذه التقاليد المجحفة يجب معالجتها عن طريق سن قوانين لإيقافها و رفع الظلم عن المرأة.
من هنا نجد ضرورة الإسراع بإصلاح الأمم المتحدة و وضع تشريعات صارمة و حاسمة لمساواة المرأة مع الرجل و إجبار الحكومات بجعل تشريعاتها متوافقة مع تشريعات و قوانين منظمة الأمم المتحدة. تطبيق القوانين الكونية تحتاج الى آليات فعالة لجعل الحكومات الإلتزام بها و تطبيقها. أعتقد أن هذه المهمة تحتاج الى تأسيس مجلس دائم لحقوق المرأة يتبع المنظمة الدولية ليشرف على تطبيق القوانين الدولية المتعلقة بالمرأة و الدفاع عن حقوقها و مساواتها بالرجل. يستطيع مثل هذا المجلس بهيئاته المختلفة من التدقيق في القوانين المتعلقة بالمرأة في كافة دول العالم و مطالبة حكومات هذه الدول بإلغاء قوانينها التي تخالف القوانين الدولية أوتعديلها لتكون مقبولة عالمياً. كما يجب أن يقوم المجلس بالمشاركة الفعالة في تنظيم نشاطات و برامج لمحو الأمية بين النساء في مختلف دول العالم و تعليم النساء المهن و مساعدتها لإيجاد عمل لهن و المساعدة في تأسيس منظمات نسائية محلية في كل بلد لتوعية المرأة فكرياً و ثقافياً و مهنياً و سياسياً و إنشاء جمعيات تدافع عن المرأة ضد العنف و الإغتصاب و التبعية و إرغامها على الزواج ضد رغبتها و توفير ضمان صحي و إجتماعي لها لتكون مستقلة إقتصاديا، و توعية الناس لترك العادات و التقاليد البالية التي تظلم المرأة مثل الزواج بين الأقارب الذي يؤدي الى إنتقال الصفات الوراثية السيئة و الأمراض الوراثية في العائلة الى الأطفال و بالتالي تدهور نوعيتهم و صحتهم و تبادل الأخوات في الزواج بالضد من رغبة الفتاة و الكشف عن مساوئ ختان البنات، الذي تقوم به العائلات المتزمتة بحجة كبح جماح الرغبة الجنسية عند المرأة و عدم فسادها و بهذه الجريمة يحرمون المرأة من الإستمتاع بلذتها الجنسية طيلة حياتها. كذلك القيام بتوعية الناس عن أهمية تحديد النسل و وسائل منعه و توفيرها للنساء حيث أن كثرة الولادات هي السبب الرئيس للمجاعة في العالم و تلوث البيئة و وفيات الأطفال و الأمهات و تدهور صحتهن و إنتاجيتهن. يجب العمل أيضاً على القضاء على جميع العادات و التقاليد التي تظلم المرأة و تسئ اليها و إلغاء القوانين المجحفة بحق المرأة.
هكذا يستطيع مجلس حقوق المرأة المقترح إنشاؤه و التابع للأمم المتحدة، من تحقيق أعمال و إنجازات تأريخية تمكن المرأة من إسترجاع هويتها و شخصيتها و حقوقها المغتصبة. إن فكرة القوانين العالمية الموحدة، ليست بفكرة خيالية، بل سنجدها على أرض الواقع بعد أن تقوم التطورات العالمية بإداء مهامها في إلتقاء الحضارات و إمتزاج الثقافات و تواصل و تقارب الشعوب و الأمم. علينا أن نتهيأ من الآن ونبدأ العمل من أجل المساواة بين المرأة و الرجل و تحرير المرأة من عبودية الرجل و هيمنتها. ختاماً هنيئاً للمرأة في كل مكان عيدها متمنياً لها المزيد من العمل للتمتع بحقوقها الكاملة و إثبات وجودها بتحررها من عبودية الرجل و تبؤ مكانتها اللائقة بها و إداء دورها التأريخي في الإسهام في بناء الحضارة الإنسانية و تقدمها بعد إلغاء و إقصاء داما طويلاً.
#مهدي_كاكه_يي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشكيل الحكومة العراقية و المعادلات المعقدة التي تتحكم به
-
خارطة المواقف العراقية و الإقليمية و الأمريكية تجاه القضية ا
...
-
الكونفيدرالية تفرض نفسها على الواقع العراقي
المزيد.....
-
تركي آل الشيخ يتحدث عن -صعود نجم جديد في سماء الأغنية السعود
...
-
ترامب سيطبق الرسوم الجمركية على دول آسيوية والصين الأكثر تأث
...
-
اعتراض 6 غواصات تنقل مخدرات بعملية دولية واسعة أسفرت عن مصاد
...
-
ما قصة عيد الشكر والديك الرومي في أمريكا؟
-
قصف إسرائيلي واستهداف أعضاء في حزب الله رغم وقف إطلاق النار
...
-
بوريل: حكومة نتنياهو تدوس على القانون الدولي والإنساني
-
الصين تنفي تقارير عن إجراء تحقيق ضد وزير الدفاع
-
برلمان أبخازيا يقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في 15
...
-
بوساطة قطرية.. روسيا تسلم أوكرانيا 7 أطفال
-
إسرائيل تطلب من اللبنانيين عدم العودة إلى قراهم الحدودية.. م
...
المزيد.....
-
من اجل ريادة المرأة أو الأمل الذي لازال بعيدا : الجزء الثاني
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|