|
يا تجار البناء اتحدوا .. لهدم آثار عاصمة الثقافة
علاء السيد
الحوار المتمدن-العدد: 1482 - 2006 / 3 / 7 - 11:19
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
إننا نقدم لكم أيها السادة تجار البناء ، دعوة مفتوحة لهدم كل أثر تاريخي جميل في حلب ..و إنشاء مجمعات تجارية على شكل مسوخ معمارية .. الفرصة ذهبية ..لا تكترثوا بقانون حماية الآثار .. فكل شيء ممكن ... و المصروفات المستترة ..يمكن إضافتها على تكلفة البناء ...و الطريقة مذكورة أدناه ...
و إننا نثبت لكم ذلك بالواقعة الموثقة التي نرويها لكم.. و هي ليست واقعة خيالية 000.. و مستندة إلى أحداث حقيقية ...كما يكتبون في بداية بعض الأفلام الأجنبية
أمام جامع الصديق في حي الجميلية في حلب ، و في إطلالة على شارعين ، يوجد بناء أقل ما يقال عنه أنه غاية في الروعة . و قد بني في بدايات القرن الماضي ، و سجل في السجل العقاري عام 1930 ، و هو مؤلف من طابق أقبية و طابق أرضي و خمسة طوابق فوقه ، ويعتقد البعض انه أول بناء طابقي برجي بني في حلب بهذا الارتفاع ، و يحمل رقم محضر / 88 /منطقة عقارية ثانية .
و تحمل واجهاته آيات في فن العمارة و الزخرفة ، و تدل على عراقة العمارة في بدايات القرن الماضي في حلب و تلخص حقبة معمارية مميزة في تلك الفترة .
و لأنه في وسط البلد ، و يقع على شارعين ، فإن قيمه أرضه كعقار معد للبناء التجاري ، خيالية ، و فعلا في عام 1970 ، استحصل مالكي العقار على رخصة هدم ، لهذا المحضر ، ثم استحصلوا في عام 1971 على رخصة لبناء العقار المذكور بعد هدمه .
و قد أدرك مجلس المدينة في حينها فداحة الضرر الأثري الذي ينتج عن تدمير مبنى بهذه الأهمية التاريخية ، فأصدر السيد رئيس مجلس المدينة قراراً بسحب الترخيص بالبناء .
و في عام 1978 أصدرت وزارة الثقافة و الإرشاد القومي قراراً باعتبار العقار أثري تاريخي ، و ذلك بعدما أخذت موافقة مجلس الآثار مستندة إلى قانون الآثار الصادر عام 1963، و الذي أعطى المديرية العامة للآثار و المتاحف الحق أن تعتبر عقاراً ما ، أثرياً ، و لو كان عمره أقل من مائتي عام ، إذا تمتع بإحدى الخصائص الثلاث : تاريخية أو فنية أو قومية ، و قد اجتمعت بالعقار خاصتين اثنتين منهما ، تاريخية و فنية .
و ينص القانون : أن للسلطات الأثرية وحدها حق تقرير أثرية المباني التاريخية ، و ما يجب تسجيله من آثار ، لدلالته على عصر ما ، و لما فيه من خصائص فنية.
فقام مالكو العقار برفع دعوى قضائية أمام المحاكم الإدارية لإلغاء هذا القرار ، و اعتبار أنه لا توجد للعقار صفة تاريخية أثرية ، و لا مانع من هدمه .
و في عام 1981 صدر القرار النهائي المبرم من المحكمة الإدارية العليا ، و هي آخر مرحلة من مراحل التقاضي برد دعوى المالكين ، و تثبيت قرار مديرية الثقافة ، واعتبار العقار أثري ، لا يجوز هدمه .
فعمد مالكي العقار الى الحل الدائم المتبع في هذه الحالة ..... تخريبه .. قصد جعله آيلا للسقوط .
و في عام 1989 أنذر السيد مدير الآثار و المتاحف ، مالكي العقار بعدم المساس به أو محاولة تخريبه ، و المبادرة إلى ترميمه .....و لكن دون جدوى .
و في عام 1995 تبين لمديرية الآثار أن أنابيب المياه في العقار قد تم تكسيرها عمدا ، لتسريب المياه للأقبية قصد توهين الأساسات ، و أرسلت إنذاراً بذلك لمالكي العقار.. و لكن دون جدوى .
و أعلمت مديرية الآثار السيد محافظ حلب بالوضع ، طالبة المؤازرة لمنع استمرار التخريب ... دون جدوى .
و في عام 1996 حققت في الموضوع ، الهيئة المركزية للرقابة و التفتيش ،و وجهت كتاباً للسيد مدير الآثار و المتاحف ،لإجراء التدابير الحازمة بحق مالكي العقار لمنعهم من التوصل لأغراضهم ، بعد تفاقم الضرر الذي أصاب المبنى... دون جدوى .
و في عام 1997 قام أربعة مهندسين مدنيين بتكليف من مديرية الآثار و المتاحف ،بالكشف على العقار ، و قدموا تقريرهم : وجود بعض التشققات السطحية ، و هي موضعية و غير مستمرة و لا تعتبر خطرة ، و وجود بعض الصدأ في الدعامات المعدنية نتيجة الرطوبة ، و لكن يمكن معالجة هذه الأمور و ترميمها ، و العقار يعتبر سليم إنشائيا .
و لم يقم مالكي العقار بأية خطوة لترميمه ،بل إنهم قاموا في عام 2000 برفع دعوى جديدة أمام القضاء الإداري مخاصمين فيها السيد وزير الإسكان ، و السيد رئيس مجلس المدينة ، زاعمين انه ليس للعقار أية أهمية تاريخية ، و البناء متوهن و يخشى سقوطه ، و يجب إجازتهم بهدمه و إعادة بنائه .
و على الرغم من أن موضوع أثرية البناء من عدمه ، قد بحث سابقا ، و صدر فيه قرار قضائي مبرم ، يحمل عنوان الحقيقة ، و لا يجوز إعادة البحث فيه ، فقد نظر في هذه الدعوى .
و في عام 2000 قامت محكمة القضاء الإداري بدمشق بتعيين خبير هندسي من دمشق ، زار حلب ، و نزل في أحد فنادقها من فئة خمسة نجوم ، و على نفقة مالكي العقار ، و أعطى خبرته بأن البناء متوهن ، و غير مستقر ، و معرض للانهيار في حال حدوث زلازل ( لاحظ تخريجة موضوع الزلازل ، و هل يوجد عقار في العالم غير مهدد بالانهيار حال حدوث زلزال ) .
و في عام 2001 قامت مديرية الشؤون الفنية في مجلس مدينة حلب ، بالكشف على العقار ، و أصدرت كتابها بأن العقار غير متصدع و سليم إنشائيا ، و لا يجوز هدمه لعلة التصدع ، و هو بناء أثري لا يجوز هدمه.
و في عام 2002 قررت المحكمة الإدارية إعادة إجراء الخبرة ، للمرة ثانية ، فجاء ثلاثة خبراء مهندسين من دمشق ، و نزلوا كذلك في أحد الفنادق فئة أربعة نجوم ، و لمدة يومين ، و على نفقة مالكي العقار ( كما يقولون فول بورد ، فطّر غدّي عشّي )،و بنتيجة حسن الضيافة ، كان تقريرهم أن البناء عادي ، و النقوش الموجودة عليه تعبر عن ذوق خاص بالمعماري الذي بناه ، و لا تعبر عن طراز معماري ، و العقار لا يحتوي على الشروط الكافية لاعتباره أثرياً أو تاريخياً .
و على الرغم من أن نص قانون الآثار واضح ،و يحصر حق تقرير ما هو أثري من عدمه للسلطات الأثرية ، فقد جاء تقرير هؤلاء المهندسين الثلاثة ليخالف القانون ، و يضرب به عرض الحائط .
في عام 2003 و في تغيير دراماتيكي لمجريات الأمور ( كما يقولون في نشرات الأخبار ) و على الرغم من تقارير الخبراء ، فقد أصدرت المحكمة الإدارية قرارها العادل ، برفض دعوى مالكي العقار ، و تأكيد اعتبار العقار أثرياً لا يمكن هدمه ، و نص قرارها على انه يقع على عاتق مالكي العقار مهمة ترميمه و الحفاظ عليه .
قد يشعر تجار البناء الذين يطالعون هذا المقال باليأس عند هذه الفقرة ، و لكن ( لا تستعجلوا على رزقكم ) و (ما في شي عنا ، ماله حل ) و البقية تثلج قلوبكم :
فقد بادر مالكي العقار إلى الطعن بقرار هذه المحكمة ، أمام المحكمة الإدارية العليا بدمشق ، بحجة أن المحكمة لم تأخذ بتقرير الخبراء ، و الطعن - عادةً - يمر على دائرة فحص الطعون لتبدي رأيها ،و ينام عندها لسنة أو سنتين ، ثم يحال إلى المحكمة الإدارية العليا .
و لمحاسن الصدف ، و لحسن حظ مالكي العقار ، و بتوجيه رباني ، أحالت دائرة فحص الطعون ،فورا ، الطعن إلى المحكمة العليا ،و التي بادرت في نفس اليوم إلى حسم الدعوى ، و إعطاء القرار بالسماح لمالكي العقار بهدمه ، و اعتباره غير أثري ( لاحظ خلال يوم واحد فقط ، و يقولون لدينا بطء في حسم الدعاوي ) . بالرغم من أن حسم الطعون أمام الإدارية العليا يطّول عادة إلى عدة سنين ، لأنها المحكمة الوحيدة في سوريا ، و لا يوجد غيرها ، التي تنظر في قرارات جميع الإدارات و طعون جميع المواطنين ، و لديها تراكم هائل .
إذاً لحسن حظ المالكين ، حسمت الدعوى في يوم واحد ، و لسوء حظ رئيس المحكمة ، فقد أقيل بعدها من منصبه ،و أوقف في سجن خاص ، قيد التحقيق في دعاوي فساد عديدة ، تزكم الأنوف ، و هو موقوف من حينها ، و حتى تاريخ كتابة هذا المقال ، قيد التحقيق ( فك الله أسره ) .
و لكن ما الفائدة ،و قرار الهدم صدر مبرماً ، ومن أعلى مرجع قضائي إداري في البلاد ، و لم يكن أمام السيد وزير الثقافة ، و السيد المدير العام للآثار و المتاحف ، و السيد وزير الإسكان ، و السيد رئيس مجلس المدينة ، و انضمت إليهم جمعية العاديات بحلب ، إلا الاعتراض على هذا الحكم الجائر - اعتراض الغير - طالبين جميعاً إعطاء القرار : بوقف تنفيذ قرار الهدم ، و إلغاء القرار المعترض عليه الذي ينص على إجازة مالكي العقار بالهدم. و لكن للأسف ، و لحسن حظ تجار البناء المومأ إليهم في بداية دعوتنا هذه ، و من واقع الحال القانوني ، فإن قبول هذا الاعتراض و الرجوع عن القرار الفاسد ، أمر صعب قانونياً .
و ما زال هذا الاعتراض منظورا أمام المحكمة الإدارية العليا ، و أمام قاضي جديد معروف بالنزاهة ، و ذلك منذ عام 2004 و حتى تاريخه .
و حتى لا نتّهم بأننا لا نذكر آراء جميع الأطراف ، و على سبيل الدعاية للمحامي الزميل ، فقد بادرنا الى سؤال المحامي الأستاذ محمد نيال (وكيل مالكي العقار ) عن رأيه بالموضوع وقد أكد انه لا مجال قانونياً للرجوع عن قرار الهدم ، و إن القانون يحمي القرار الصادر بالهدم ، و هو يرى أن البناء غير أثري ، و يجب هدمه ، و إن المهندسين خبراء المحكمة القادمين من دمشق من أشهر و أنزه المكاتب الهندسية و هم فوق أية شبهات .
و المشكلة أنه : في حال عجزت المحكمة العليا عن إلغاء قرار الهدم - لأسباب قانونية - فلا يوجد أي حل إلا استملاك العقار من قبل الدولة ، و لكن في حال تم استملاكه ( و من واقع حال العقارات المستملكة ) نكون قد حكمنا عليه بالزوال الحتمي و الإهمال و الانهيار .
و لذلك لماذا لا نختصر الطريق ، و ننادي كلنا بشعار : يا تجار البناء ...اتحدوا .. لهدم آثار عاصمة الثقافة .
#علاء_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلدية حلب : ننظف بيوتنا ..فقط ... عندما يزورنا الضيوف
-
ردود السيرة النبوية على الرسوم الدانمركية
-
حدثنا عيسى بن هشام عن المحاكم
المزيد.....
-
كيف ردت الصين على ترامب بعد فرضه الرسوم الجمركية؟
-
نبيذ الكوبرا وخصيتي الثعبان.. إليك وجبات غريبة يأكلها الأشخا
...
-
واشنطن تضغط على كييف: لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول
...
-
بعد صورة الشرع متوجها إلى الرياض.. إغلاق حساب للرئاسة السوري
...
-
البحرية الإسرائيلية تعتقل صيادا لبنانيا عند نقطة رأس الناقور
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن توسيع عملياته شمالي الضفة الغربية
-
سموتريش يطالب نتنياهو بتدمير -حماس- و-نصر كامل- في غزة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ 3 غارات جوية على شمالي الضفة الغ
...
-
علماء روس يبتكرون نظاما للتحكم بكثافة البلازما
-
Lenovo تعلن عن حاسبها الجديد لمحبي الألعاب الإلكترونية
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|