أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالكريم هداد - ألا يعتذر الخاكيون ...؟















المزيد.....


ألا يعتذر الخاكيون ...؟


عبدالكريم هداد
(Abdulkarim Hadad)


الحوار المتمدن-العدد: 1482 - 2006 / 3 / 7 - 10:43
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ما يشدني وأنا المتواصل في متابعتي لكتابات الشاعر العراقي " عباس خضر " نتاجه الشعري ، هو تجربته الغنية والخالية من ملوثات ثقافة أروقة السلطة القمعية ، التي جارت على تاريخ شعب وأمة وجغرافية المنطقة بأكملها، وفعل خيراً في كتابه الأخير والصادر عن دار الجمل عام 2005، والمعنون " الخاكية، من أوراق الجريمة الثقافية في العراق " وقد وفق في مسعاه في إشهار اللون الخاكي، الذي هو لباس عسكرة الحياة، التي هب لها الكثير من متطوعي ثقافة إعلام تعبئة الجماهير وإستلاب إرادتها الحرة، في إصرار وزهو كبير. فقد كان هؤلاء المطبلون جحافلا من الكتاتيب الممتلكين لأرادة إبداعية إستطاعت تأصيل فعل ثقافي يؤتمر بمبتغيات سلطة الحزب الواحد، في سياق حركة يومية متراصة في إيقاعها الأعلامي، الى درجة التزاحم والتسابق في الأداء، حيث زاد عن حاجة المهرجانات التي إرتفع صخبها عن هدير آلة الحرب والقتل اليومي ، فالحروب لم تكن "يوما صراعا بين دولتين فقط، إنما صراع قيم داخل المجتمعات المتحاربة، ولا بد هناك اختلال في المعنى الإنساني عندما يصبح قتل الآخر انتصارا وطنيا وموته شهادة وطنية للجانب الآخر، وبالتبادل ، ويصبح الأمل الإنساني هو أن يتحول الفرد إلى قاتل ، صاحب سلطة اسمها السلاح موجهة إلى صدر الإنسان! " - ص 15.
إن هذه النخبة التي تمتلك الدراية والحرفية في إنتاج الثقافة " وقفت خلف الحرب ومجدتها بأوسع الكلمات والرموز تنظيرا وأدبا وفنا، و من يومها لم يعد هناك فرق بين" البندقية و القلم "، فلهما حسب تعبير صدام حسين" فوهة واحدة"، هذا العبارة" للقلم والبندقية فوهة واحدة" التي كانت تقابل الطلاب على أغلفة الكتب المدرسية، وبقية الشعب على كل جدار وحائط وعمود، خُصص الأدب والفن العراقي ليكون تكريسا لها، تجنيدا إجباريا، بحيث كان على بعض الأدباء ارتداء الملابس الخاكية (العسكرية) أو الزيتونية (البوليسية) والمشاركة في المهرجانات والمنتديات " - ص 17.
لكن المضحك المبكي في الأمر هو إن الكثير من هؤلاء اصبحوا ينظرون لأنفسهم على صرح بطولات وهمية، والعديد منهم من بات اليوم له مشجعين داخل أحزاب شهدت ساحات المعارضة لثقافة السلطة وأفكارها الشوفينية " وما يضحك في هؤلاء المثقفين، ما نقرأه الآن لبعضهم من حوارات في الصحافة والإعلام، وهم يدّعون (معارضتهم للنظام العراقي ) من خلال الصحافة البعثية وقتذاك، وإن كانوا من (كتبة السلطة الرسميين)، ولم يكن- على سبيل المثال- لقاء لطيفة الدليمي مع قناة الجزيرة بأكثر من سخرية حقيقية، وهي تقول لمقدم البرنامج بأنها تكتب وتنشر بحرية كاملة في عراق صدام حسين!" - ص 27. وكثيراً ما يدعوا بنا الأمر الى الدهشة والأستغراب حين يكون الأمر واضحاً أمام الملأ ومن دون خجل أيضاً . وبدل أن يعتذروا مما إقترفوه من فعل موثق ، أخذ الكثير منهم ، دور البطولة وجوائزها العارية الوقع والواقع. وما يذكره الكاتب في بحثه الذي يدل عن دراية وجهد جهيد في متابعة الموضوع وإلمامه به ، بحيث لم يفوت الفرصة على أولئلك الخاكيون ، وقد ذكر "وليس بحالة عابرة أن تطل علينا في جريدة بغداد(15تموز 2004 ، العدد 833) شاعرة استرالية تدعى آن فيرين بقصيدة" ما بين الروح والروح" مهداة للشعب العراقي و إياد علاوي، وقبلها بسنين وتحديدا في مهرجان المربد السادس 1985 (كتاب المربد للعلوجي، ص 313ـ314) طلت على العراقيين وباسم آن فيربرن وبقصيدة(ما وراء الكلمات)، وربما كانت قصيدتها مهداة إلى الشعب العراقي و صدام حسين!. وليست قصيدة كزار حنتوش للحزب الشيوعي العراقي في تموز 2004 التي تصدرت صفحة طريق الشعب( العدد 52) والتي لا تختلف عن لغة ومفردات مديحه سابقا لحزب البعث، هي مجرد حالة عادية، وكأنه لا يوجد غير المديح !. وليس بحالة عادية وطبيعية قول بعضهم إن شعر الحرب الذي كتبوه يشرفهم، لأنهم كتبوه على دبابة" - ص 46 ـ 47 . ومن الأمثلة التي تدعونا للوقفة والبحث والتساؤل بما تعج به صحافة محرري المحسوبية والموائد . ومنها " هو ما حدث بعد 9 نيسان من تلميع وتجميل لأغلب من كانوا يرقصون في إعلام السلطة الراحلة، وإعادة تأهيلهم ليرقصوا ويسيطروا على إعلام اليوم، و الأدباء الصامتون والمتوارون في زمن الطاغية كما كانوا بالأمس مهمليين اليوم على كرسي في مقهى أو دفنا في عمل لا يرتبط من قريب أو بعيد بعملهم الحقيقي، وما حدث مع أدباء المنافي من العراقيين هو من ذات الكارثة، فقد شاهدنا أن كل أديب عراقي كان له حضور في إعلام السلطة السابقة وهجرها إلى المنفى، ثم عاد بعد 9 نيسان تم الاحتفاء به بطريقة الأبطال العائدين من قبل رفاقه في الصحف والإذاعة والتلفاز، وكذلك القادم مع حزب أو دبابة! " - ص 47 . وقد كان الشاعر عباس خضر موفقاً في تغطية الكثير من الأسماء ، التي أخرجت لنفسها سلسلة من مشاهد البطولات وعلى طريقة عنتريات أبناء العوجة ، في زمن كانوا هم العلامة الفارقة لوزارة الثقافة والأعلام ، حين كان القتل والحروب والمسخ والتأليه والتزوير هو إيقاع الجميع بكل قوافيهم المنشورة بوسائل إعلام المنظمة السرية، وقد قدموا ما أرادته قرارات وقوانين مكتب إعلام وثقافة حزب البعث الذي يدير كفة إنتاج الأفكار ومسخ الذاكرة العراقية المرغمة على تلقي مايسمح به الرقيب وحده، وكاذب من قال إنه إخترق أجهزة إعلام السلطة بقدر ما كانت السلطة لها الحضوة في إختراق الحياة الثقافية بعصا ما كان يسمح به فقط، ومن كتب خارج السياق ذلك، فلن تكون كتاباته إلا في غياهب السرية التامة، حينما تكون خارج أهواء السلطة ، وخير مثال على ذلك ، هو ما يطرح من تساؤلات حول الشاعر عدنان الصائغ ، الذي مازال يصر على ممارسة دور صاخب يدفع بنا الفضول والأمر الى البحث وإلتقاط الكثير مما بين يديه ، مثل " قصيدة أحاديث حول الموقد. يضع عدنان الصائغ القناص والقناصة على عاتقه ويتغنى في ميادين الموت والبؤس و(القنص العنصري الشريف!) :
ياللخيبة . كان معي ستّ رصاصات
حفرتْ في صدري خارطة للحزن
وأشياء لن أنساها
لكني.!
وأضاف. وفي عينيه ومض الموقد مؤتلفا
سأعلمهم . أن القناصة. لا تقبل حلا
إن القناصة . لا يسكتها الحالوب
حمل القناصة. مزهوا
ودعنا. في عجل
ثم مضى.
قال عريف حسين
- سلمان" أبو القناصة".
لا ينسى الأرض" . ص 89
أو ماقام به من تغير لقصيدة " صباح الخير أيها المعسكر " حيث " قام الشاعر الصائغ بتغيير هذا المقطع من القصيدة في المجموعة المنشورة " انتظريني تحت نصب الحرية" في موقعه الشخصي على الانترنيت عن تلك المنشورة في بغداد عن دار الحرية عام 1984 ووضع بدلا من "بطولات تشرين والقادسية " كلمة " عذاباته" وشتان ما بين بطولات الحروب وبين العذابات ! وهو ما فعله مع أغلب قصائده الخاكية بعد خروجه من العراق ! وهناك بعض القصائد التي قام هذا الشاعر بحذفها تماما من مجموعته هذه كقصيدة " من أحاديث الموقد" التي يتغزل فيها بقناصة ، القناصة لا غير ! وكذلك تغيير في عناوين بعض النصوص كحذف أي كلمة عسكرية من بعض عناوين القصائد وحذف مقاطع شعرية خاكية بأكملها كما في آخر مقطع من قصيدة " تفاصيل لم تنشر من حياة المقاتل الفنان حسين.." وسنأتي على ذكرها في الباب الأول مع مجموعة كبيرة من نصوص الشعر الخاكي العراق. أي أن هذا المثقف ، قام بتزييف الحقيقية مرتين، مرة بتمجيده الحرب والعسكر وثانية بخداعه القارئ عند تزييف نصوصه الخاكية البغدادية وعرضها ونشرها بشكل مخالف عن أصلها بعد خروجه من العراق! " - ص 41 ـ 42.
وليس عدنان الصائغ بعينه وحسب بل مثله أعداد هائلة تمارس التزوير الثقافي وعمليات خداع القارئ على قدم وساق ، ويوجد من نصوصهم الصاروخية الممتلئة بالبارود والدم ما لا يصدق. وقد جمع الشاعر عباس خضر في كتابه " الخاكية " مجموعة كبيرة من نصوصهم وليس لعراقيين فقط ، إنما كذلك لشعراء من مختلف الأقطار العربية وهذه النصوص كانتْ تتبع في أغلبها القاعدة التي كانت تهفو لها السلطة العسكرية و التي لخصتها " سعاد الصباح" في كلمة لها في ختام مهرجان المربد السادس 3/12/1985 وهي تطالب علنا بمحرقة لا تختلف عن محرقة الكتب في الزمن الهتلري "الشاعر الذي نريد، عليه أن يكون كالجندي في جبهات القتال. وكذلك القصائد إذا غابت عنها رائحة البارود والدم فهي عفنة، وكذلك فإن الشاعر المساوم هو جندي هارب من الجبهة وعلينا أن نلاحقه ونحرق كل قصائده" - ص 37 .
ومن هنا لنا القول ، لماذا لا يعتذر هؤلاء الخاكيون بما إقترفوا ..؟ مما صنعت صنعتهم الشعرية وحرفية كتاباتهم وجدية عملهم ضمن مؤسسات إستطاعة تشويه مساحة كبيرة من الذاكرة العراقية ، وبقدر الأعتذار من الشعب العراقي وشرف القصيدة المنتهك..! ، لماذا يصرون على إن قصائدهم تلك بعد تحويرها هنا وهناك هي المهمة والأهم ..؟ ، ولم يتجاوزونها كي يبدأ بجدية جديدة تلامس نكران الماضي وحرق جميع مشاهده اليومية، مجرد تساؤل، لماذا هذا الأصرار على نتاجات أروقة ثقافة النظام..؟ . إنهم لم يعتذروا الى الآن وهم في حماسة قول الشاعر نزار قباني في مهرجان المربد عام 1985 " لا أعتقد أن حكومة ثورية في أي مكان في العالم، أدخلت الشعر في جدول أعمال مجلس قيادة الثورة، ومناقشات مجلس الوزراء، وفي خطط التنمية والأعمار، مثلما فعلت الحكومة العراقية" - ص 153. هؤلاء مازالوا يغتصبون الشعر بما تعودوا عليه من إنتهازية وكذب وتزوير..!.
إن كتاب الشاعر عباس خضر يستحق القراءة المتأنية ، التي بها نقف على أعتاب الخراب الثقافي وصانعيه الأشاوس ، فالخراب الثقافي لن يندحر ، مادام الكثير لم يعتذر عما اقترفه بحق تاريخ شعب ، وكذلك بحق الثقافة ، وحين يصر الكثير أيضاً على جعل كتاباته مع بعض التحوير ، تحت مسمى " ثقافة عراقية مبدعة ...!" ، وهي في الأساس وليد شرعي وحقيقي لمنظومة مفاهيم ثقافة سلطة جائرة وغاشمة .
( عن جريدة المدى العراقية )




عبدالكريم هداد






ما يشدني وأنا المتواصل في متابعتي لكتابات الشاعر العراقي " عباس خضر " نتاجه الشعري ، هو تجربته الغنية والخالية من ملوثات ثقافة أروقة السلطة القمعية ، التي جارت على تاريخ شعب وأمة وجغرافية المنطقة بأكملها، وفعل خيراً في كتابه الأخير والصادر عن دار الجمل عام 2005، والمعنون " الخاكية، من أوراق الجريمة الثقافية في العراق " وقد وفق في مسعاه في إشهار اللون الخاكي، الذي هو لباس عسكرة الحياة، التي هب لها الكثير من متطوعي ثقافة إعلام تعبئة الجماهير وإستلاب إرادتها الحرة، في إصرار وزهو كبير. فقد كان هؤلاء المطبلون جحافلا من الكتاتيب الممتلكين لأرادة إبداعية إستطاعت تأصيل فعل ثقافي يؤتمر بمبتغيات سلطة الحزب الواحد، في سياق حركة يومية متراصة في إيقاعها الأعلامي، الى درجة التزاحم والتسابق في الأداء، حيث زاد عن حاجة المهرجانات التي إرتفع صخبها عن هدير آلة الحرب والقتل اليومي ، فالحروب لم تكن "يوما صراعا بين دولتين فقط، إنما صراع قيم داخل المجتمعات المتحاربة، ولا بد هناك اختلال في المعنى الإنساني عندما يصبح قتل الآخر انتصارا وطنيا وموته شهادة وطنية للجانب الآخر، وبالتبادل ، ويصبح الأمل الإنساني هو أن يتحول الفرد إلى قاتل ، صاحب سلطة اسمها السلاح موجهة إلى صدر الإنسان! " - ص 15.
إن هذه النخبة التي تمتلك الدراية والحرفية في إنتاج الثقافة " وقفت خلف الحرب ومجدتها بأوسع الكلمات والرموز تنظيرا وأدبا وفنا، و من يومها لم يعد هناك فرق بين" البندقية و القلم "، فلهما حسب تعبير صدام حسين" فوهة واحدة"، هذا العبارة" للقلم والبندقية فوهة واحدة" التي كانت تقابل الطلاب على أغلفة الكتب المدرسية، وبقية الشعب على كل جدار وحائط وعمود، خُصص الأدب والفن العراقي ليكون تكريسا لها، تجنيدا إجباريا، بحيث كان على بعض الأدباء ارتداء الملابس الخاكية (العسكرية) أو الزيتونية (البوليسية) والمشاركة في المهرجانات والمنتديات " - ص 17.
لكن المضحك المبكي في الأمر هو إن الكثير من هؤلاء اصبحوا ينظرون لأنفسهم على صرح بطولات وهمية، والعديد منهم من بات اليوم له مشجعين داخل أحزاب شهدت ساحات المعارضة لثقافة السلطة وأفكارها الشوفينية " وما يضحك في هؤلاء المثقفين، ما نقرأه الآن لبعضهم من حوارات في الصحافة والإعلام، وهم يدّعون (معارضتهم للنظام العراقي ) من خلال الصحافة البعثية وقتذاك، وإن كانوا من (كتبة السلطة الرسميين)، ولم يكن- على سبيل المثال- لقاء لطيفة الدليمي مع قناة الجزيرة بأكثر من سخرية حقيقية، وهي تقول لمقدم البرنامج بأنها تكتب وتنشر بحرية كاملة في عراق صدام حسين!" - ص 27. وكثيراً ما يدعوا بنا الأمر الى الدهشة والأستغراب حين يكون الأمر واضحاً أمام الملأ ومن دون خجل أيضاً . وبدل أن يعتذروا مما إقترفوه من فعل موثق ، أخذ الكثير منهم ، دور البطولة وجوائزها العارية الوقع والواقع. وما يذكره الكاتب في بحثه الذي يدل عن دراية وجهد جهيد في متابعة الموضوع وإلمامه به ، بحيث لم يفوت الفرصة على أولئلك الخاكيون ، وقد ذكر "وليس بحالة عابرة أن تطل علينا في جريدة بغداد(15تموز 2004 ، العدد 833) شاعرة استرالية تدعى آن فيرين بقصيدة" ما بين الروح والروح" مهداة للشعب العراقي و إياد علاوي، وقبلها بسنين وتحديدا في مهرجان المربد السادس 1985 (كتاب المربد للعلوجي، ص 313ـ314) طلت على العراقيين وباسم آن فيربرن وبقصيدة(ما وراء الكلمات)، وربما كانت قصيدتها مهداة إلى الشعب العراقي و صدام حسين!. وليست قصيدة كزار حنتوش للحزب الشيوعي العراقي في تموز 2004 التي تصدرت صفحة طريق الشعب( العدد 52) والتي لا تختلف عن لغة ومفردات مديحه سابقا لحزب البعث، هي مجرد حالة عادية، وكأنه لا يوجد غير المديح !. وليس بحالة عادية وطبيعية قول بعضهم إن شعر الحرب الذي كتبوه يشرفهم، لأنهم كتبوه على دبابة" - ص 46 ـ 47 . ومن الأمثلة التي تدعونا للوقفة والبحث والتساؤل بما تعج به صحافة محرري المحسوبية والموائد . ومنها " هو ما حدث بعد 9 نيسان من تلميع وتجميل لأغلب من كانوا يرقصون في إعلام السلطة الراحلة، وإعادة تأهيلهم ليرقصوا ويسيطروا على إعلام اليوم، و الأدباء الصامتون والمتوارون في زمن الطاغية كما كانوا بالأمس مهمليين اليوم على كرسي في مقهى أو دفنا في عمل لا يرتبط من قريب أو بعيد بعملهم الحقيقي، وما حدث مع أدباء المنافي من العراقيين هو من ذات الكارثة، فقد شاهدنا أن كل أديب عراقي كان له حضور في إعلام السلطة السابقة وهجرها إلى المنفى، ثم عاد بعد 9 نيسان تم الاحتفاء به بطريقة الأبطال العائدين من قبل رفاقه في الصحف والإذاعة والتلفاز، وكذلك القادم مع حزب أو دبابة! " - ص 47 . وقد كان الشاعر عباس خضر موفقاً في تغطية الكثير من الأسماء ، التي أخرجت لنفسها سلسلة من مشاهد البطولات وعلى طريقة عنتريات أبناء العوجة ، في زمن كانوا هم العلامة الفارقة لوزارة الثقافة والأعلام ، حين كان القتل والحروب والمسخ والتأليه والتزوير هو إيقاع الجميع بكل قوافيهم المنشورة بوسائل إعلام المنظمة السرية، وقد قدموا ما أرادته قرارات وقوانين مكتب إعلام وثقافة حزب البعث الذي يدير كفة إنتاج الأفكار ومسخ الذاكرة العراقية المرغمة على تلقي مايسمح به الرقيب وحده، وكاذب من قال إنه إخترق أجهزة إعلام السلطة بقدر ما كانت السلطة لها الحضوة في إختراق الحياة الثقافية بعصا ما كان يسمح به فقط، ومن كتب خارج السياق ذلك، فلن تكون كتاباته إلا في غياهب السرية التامة، حينما تكون خارج أهواء السلطة ، وخير مثال على ذلك ، هو ما يطرح من تساؤلات حول الشاعر عدنان الصائغ ، الذي مازال يصر على ممارسة دور صاخب يدفع بنا الفضول والأمر الى البحث وإلتقاط الكثير مما بين يديه ، مثل " قصيدة أحاديث حول الموقد. يضع عدنان الصائغ القناص والقناصة على عاتقه ويتغنى في ميادين الموت والبؤس و(القنص العنصري الشريف!) :
ياللخيبة . كان معي ستّ رصاصات
حفرتْ في صدري خارطة للحزن
وأشياء لن أنساها
لكني.!
وأضاف. وفي عينيه ومض الموقد مؤتلفا
سأعلمهم . أن القناصة. لا تقبل حلا
إن القناصة . لا يسكتها الحالوب
حمل القناصة. مزهوا
ودعنا. في عجل
ثم مضى.
قال عريف حسين
- سلمان" أبو القناصة".
لا ينسى الأرض" . ص 89
أو ماقام به من تغير لقصيدة " صباح الخير أيها المعسكر " حيث " قام الشاعر الصائغ بتغيير هذا المقطع من القصيدة في المجموعة المنشورة " انتظريني تحت نصب الحرية" في موقعه الشخصي على الانترنيت عن تلك المنشورة في بغداد عن دار الحرية عام 1984 ووضع بدلا من "بطولات تشرين والقادسية " كلمة " عذاباته" وشتان ما بين بطولات الحروب وبين العذابات ! وهو ما فعله مع أغلب قصائده الخاكية بعد خروجه من العراق ! وهناك بعض القصائد التي قام هذا الشاعر بحذفها تماما من مجموعته هذه كقصيدة " من أحاديث الموقد" التي يتغزل فيها بقناصة ، القناصة لا غير ! وكذلك تغيير في عناوين بعض النصوص كحذف أي كلمة عسكرية من بعض عناوين القصائد وحذف مقاطع شعرية خاكية بأكملها كما في آخر مقطع من قصيدة " تفاصيل لم تنشر من حياة المقاتل الفنان حسين.." وسنأتي على ذكرها في الباب الأول مع مجموعة كبيرة من نصوص الشعر الخاكي العراق. أي أن هذا المثقف ، قام بتزييف الحقيقية مرتين، مرة بتمجيده الحرب والعسكر وثانية بخداعه القارئ عند تزييف نصوصه الخاكية البغدادية وعرضها ونشرها بشكل مخالف عن أصلها بعد خروجه من العراق! " - ص 41 ـ 42.
وليس عدنان الصائغ بعينه وحسب بل مثله أعداد هائلة تمارس التزوير الثقافي وعمليات خداع القارئ على قدم وساق ، ويوجد من نصوصهم الصاروخية الممتلئة بالبارود والدم ما لا يصدق. وقد جمع الشاعر عباس خضر في كتابه " الخاكية " مجموعة كبيرة من نصوصهم وليس لعراقيين فقط ، إنما كذلك لشعراء من مختلف الأقطار العربية وهذه النصوص كانتْ تتبع في أغلبها القاعدة التي كانت تهفو لها السلطة العسكرية و التي لخصتها " سعاد الصباح" في كلمة لها في ختام مهرجان المربد السادس 3/12/1985 وهي تطالب علنا بمحرقة لا تختلف عن محرقة الكتب في الزمن الهتلري "الشاعر الذي نريد، عليه أن يكون كالجندي في جبهات القتال. وكذلك القصائد إذا غابت عنها رائحة البارود والدم فهي عفنة، وكذلك فإن الشاعر المساوم هو جندي هارب من الجبهة وعلينا أن نلاحقه ونحرق كل قصائده" - ص 37 .
ومن هنا لنا القول ، لماذا لا يعتذر هؤلاء الخاكيون بما إقترفوا ..؟ مما صنعت صنعتهم الشعرية وحرفية كتاباتهم وجدية عملهم ضمن مؤسسات إستطاعة تشويه مساحة كبيرة من الذاكرة العراقية ، وبقدر الأعتذار من الشعب العراقي وشرف القصيدة المنتهك..! ، لماذا يصرون على إن قصائدهم تلك بعد تحويرها هنا وهناك هي المهمة والأهم ..؟ ، ولم يتجاوزونها كي يبدأ بجدية جديدة تلامس نكران الماضي وحرق جميع مشاهده اليومية، مجرد تساؤل، لماذا هذا الأصرار على نتاجات أروقة ثقافة النظام..؟ . إنهم لم يعتذروا الى الآن وهم في حماسة قول الشاعر نزار قباني في مهرجان المربد عام 1985 " لا أعتقد أن حكومة ثورية في أي مكان في العالم، أدخلت الشعر في جدول أعمال مجلس قيادة الثورة، ومناقشات مجلس الوزراء، وفي خطط التنمية والأعمار، مثلما فعلت الحكومة العراقية" - ص 153. هؤلاء مازالوا يغتصبون الشعر بما تعودوا عليه من إنتهازية وكذب وتزوير..!.
إن كتاب الشاعر عباس خضر يستحق القراءة المتأنية ، التي بها نقف على أعتاب الخراب الثقافي وصانعيه الأشاوس ، فالخراب الثقافي لن يندحر ، مادام الكثير لم يعتذر عما اقترفه بحق تاريخ شعب ، وكذلك بحق الثقافة ، وحين يصر الكثير أيضاً على جعل كتاباته مع بعض التحوير ، تحت مسمى " ثقافة عراقية مبدعة ...!" ، وهي في الأساس وليد شرعي وحقيقي لمنظومة مفاهيم ثقافة سلطة جائرة وغاشمة .



#عبدالكريم_هداد (هاشتاغ)       Abdulkarim_Hadad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطن غرگان - شعر شعبي عراقي
- الناس والله اتغَيرَتْ ...! - قصيدة شعر شعبي عراقي
- لا تكول عني مغترب - شعر شعبي عراقي
- لا تْگولْ عَني مغْتَربْ - شعر شعبي عراقي
- بطاقة عيد - شعر شعبي عراقي
- غزل البنات- الحلقة الثانية
- غزل البنات
- مكمن العقارب
- صديقي
- السندباد الثائر ، شيخ المنفى ، الشاعر العراقي الكبير كاظم ال ...
- ثقافة البعث العفلقي مازالت تقود العراق بقوة ..!
- دللول الفخاتي - شعر شعبي عراقي
- شكراً للفنان العراقي محمد جواد أموري ، حين لا يجامل الخراب و ...
- سعدي الحلي لا يغني ...!
- خايف
- أمريكا لن تمثل حلمي ...!
- من أولها...تجاوز أعضاء الجمعية العراقية قانون إدارة الدولة . ...
- أردناً حصاناً لجرِ العربة ، فتخاصموا على ركوب الحصان
- إهزوجة عراقية - شعر شعبي عراقي
- قصيدة - نشيد الله


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالكريم هداد - ألا يعتذر الخاكيون ...؟