|
اليمن وعلي سالم البيض وحكم التاريخ!
منذر علي
الحوار المتمدن-العدد: 5783 - 2018 / 2 / 10 - 04:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من حق الأستاذ قاسم محمد برمان، ( في مقالته الموسومة: لماذا علي سالم البيض، 2 أبريل 2016 ) أن يدافع عن السيد علي سالم البيض ضد الذين افتروا عليه، ولكن ليس من حقه أن يبالغ و يعالج الافتراء بالافتراء لأن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً. إذ لا ريب إنَّ السيد علي سالم البيض ، كانسان وكسياسي له ايجابيات كثيرة ، ولكن له ، بالمقابل ، سلبيات حتى وأن بدتْ للبعض أنها أقل من ايجابياته ، إلاَّ أنها من ذلك النوع السلبيات التي لا تمحو فقط الايجابيات، وإنما تؤسس لكوارث قاتلة. وتكمن إيجابيات علي سالم البيض ، في تصوري ، في دوره النضالي ضد المستعمر البريطاني، و ضد القوى الإقطاعية ، وخاصة في حضرموت . كما تكمن ايجابيته في مساهماته ، مع رفاقه الأبطال في الجبهة القومية ، في توحيد الجنوب اليمني في دولة فتية رائدة ، غدت ملء الأسماع ، هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كما يكمن دوره الايجابي المتميز كذلك في رفضه للإغراءات السعودية، عقب سقوط المعسكر الاشتراكي في محاولة منها ، لثنيه عن تحقيق تطلعات الشعب الوطنية ، ومن ثم الاستجابة الشجاعة والعبقرية لتطلعات الشعب اليمني في تحقيق وحدة الوطن اليمني، ولكن دون روية وتبصر سياسيين للملابسات القائمة والمحتملة. من الواضح أن ثمة أناس، من الموتورين ، ومشوشي الهوية الوطنية، يعتقدون أن تلك الانجازات الايجابية العظيمة للسيد علي سالم البيض ، هي في الواقع أخطاء ومثالب بائسة ، ترتقي ، في نظرهم، إلى مستوى الجرائم السياسية بحق "الشعب الجنوبي" ، ولكن هؤلاء ، نطلق عليهم ، مجازًا، من أطراف أخرى بأنهم عبارة عن "زناة الليل" ، حيث "حظيرة خنزير أطهر من أطهرهم " حسب تعبير الشاعر العراقي مظفر النواب ، الذين كانوا ومازالوا يتاجرون بالقضية اليمنية. أما سلبيات السيد علي سالم البيض القاتلة ، فتكمن ، في اعتقادي ، في عدم إدراكه المبكر، أو في الوقت المناسب ، لتعقيدات الوضع السياسي والتركيبة القبلية، وميزان القوى السياسية في شمال الوطن وفي الساحة الوطنية والإقليمية عموماً ، سواء عند الدخول المتهور في الوحدة الاندماجية الفورية في مايو1990 ، تحت ضغط الظروف المحلية والإقليمية والدولية القائمة ، عقب سقوط المعسكر الاشتراكي، أو عند الانسحاب المتهور منها في 21مايو 1994 من خلال إعلان الانفصال ، دون أدراك للنتائج السياسية ، المترتبة على هذا الإعلان. ويمكن الإسهاب في أبراز الأخطاء التي أقترفها البيض من خلال الإشارة بإيجاز إلى الأبعاد التالية: البعد الأول، إنَّ السيد علي سالم البيض لم يقرأ الواقع اليمني ، بشكل صحيح ، ولم يسع لإعادة بناء الحزب الاشتراكي، الذي تهشم في أحداث 13 يناير 1986 ، ولم يطبق وثيقة الإصلاح السياسي والاقتصادي، التي أقرها الحزب عقب أحداث يناير 1986 و قبيل الوحدة ، ومن ثم دخل الوحدة باندفاع وتهور ، ولم يدخلها بشكل تدريجي ، محسوب ومشروط بالتحولات السياسية والاجتماعية الراديكالية، التي كان ينبغي أن تتم في الجنوب و الشمال على حد سواء ، لخلق أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة للوحدة. وهذه المقترحات وغيرها ، كان قد قدمها المناضل جار الله عمر إلى المكتب السياسي للحزب عقب أحداث 13 يناير، وقبيل قيام الوحدة ، ولكن لم يتم العمل بها ، ولو عُملَ بها لأختلف الأمر تماما. البعد الثاني ، لم يسع البيض لأن تأخذ الوحدة المسار الصحيح، الذي كان ينبغي أن تأخذه في واقع معقد كاليمن. ولو أن الوحدة أخذت مساراً تدريجياً محسوباً ، ومزمناً، تبدأ، مثلاً ، بالكونفدرالية ، فالفيدرالية ، ثم الاندماجية ، لكنا تجنبنا الكثير من المشاكل التي أعقبت الوحدة مباشرة، وأسفرت عن الصراع المسلح بين أطراف النخبة السياسية الشائنة، في 1994 ، بكل ما ترتب عليه من نتائج سلبية على الوحدة الوطنية. وهنا تجدر الإشارة إلى إنَّ هذه الأخطاء وغيرها لا يتحملها السيد علي سالم البيض بمفرده ، وإنما يشاركه فيها ، وإنْ بنسب متفاوتة، جُل أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ، سواء أولئك الذين بقوا في السلطة في الجنوب بعد أحداث 13 يناير 1986 ، أو الذين نزحوا إلى الشمال عقب تلك الأحداث المأساوية الدامية. البعد الثالث ، تمثل في أنَّ السيد علي سالم البيض، قبل وعقب قيام الوحدة مباشرة ، عجز عن إدارة الصراع السياسي بمهارة مع الطرف الآخر من النخبة الحاكمة في صنعاء ، فخلال وجوده في عدن في الموقع السياسي الأول ، ومن ثم في السلطة في صنعاء ، كنائب للرئيس علي عبد الله صالح ، فشل البيض في عقد صلح مع الجناح الآخر من الحزب الاشتراكي، الذي نزح إلى الشمال بعد أحداث 13 يناير 1986 ، ومنهم على سبيل المثال ، السيد علي ناصر محمد، وعبد ربه منصور هادي ، ومحمد علي أحمد وعبد الله علي عليوه وأحمد عبد الله الحسني والآلاف غيرهم ، بل طالب بخروج بعضهم من صنعاء ، وفشل في خلق جبهة وطنية عريضة مع عموم القوى الوطنية اليمنية المناهضة للفساد والفوضى والهيمنة القبلية . وفي المقابل نجح الرئيس علي عبد الله صالح في كسب أطراف مؤثرة ليس فقط من النخبة السياسية الجنوبية ، مثل علي ناصر وعبد ربه منصور هادي وعبد الله علي عليوه والحسني وآلاف غيرهم ، بل نجح حتى في اجتذاب عناصر كثيرة من جبهة التحرير وأعضاء ما كانوا يسمون بالجبهة الوطنية ، ومشايخ الجنوب، الذين اضروا الوطن، وتضرروا من الثورة في اليمن الديمقراطية ، فضلا عن القوى القبلية والمتطرفة المعادية أساساً للوحدة كالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الزنداني والديلمي وغيرهم. البعد الرابع ، وهو الأدهى، أنَّ السيد علي سالم البيض، بدأ يتحرك ، بحماقة واضحة ، باتجاه الانفصال من خلال الاعتكاف المتكرر في الجنوب والتعبير الفج عن موقفه السياسي بشكل جهوي ، والركون إلى الاكتشافات النفطية الجديدة المحدودة في المسيلة في حضرموت، والتنسيق السري مع السعودية ، تمهيداً للدخول في حرب غير متكافئة من الطرف الآخر من النخبة السياسية، التي شارك فيها، بشكل معاكس، قطاع كبير من الجنوبيين ، كان على رأسهم عبد ربه منصور هادي وعبد الله علي عليوه ، والسفير أحمد عبد الله الحسني. وبينما تمسك علي عبد الله صالح ، بمكر ظاهر ، بوحدة الوطن مع الزنداني والأحمر والديلمي وغيرهم من المناهضين بقوة لوحدة الوطن بالمعنى الحقيقي ، فأن السيد علي سالم البيض ، الوحدوي الصادق والوطني الكبير ، قام بارتكاب خطاء فادح في خضم المعارك الدائرة ، بإعلان الانفصال في 21 مايو 1994 ، منطلقاً من قاعدة داخلية جهوية ضعيفة ، ووعود خارجية وهمية، الأمر الذي قاده وحزبه إلى هزيمة نكراء ، فلجأ إلى عُمان وأستقر هناك . البعد الخامس ، لقد استكان السيد علي سالم البيض في عمان قرابة 15 عاماً ، ولكنه حينما ظهر للعلن في منتصف 2009 ، عقب خروجه من عُمان ، ارتكب خطاءً جديدًا، وبدا كما لو أنه لم يتعلم من أخطائه السابقة. فبدلاً من أن يقف موقفاً نقدياً من مغامراته السابقة ، ويعتمد على سمعته السياسية وعلى تاريخه الوطني ، وعلى تراث حزبه النضالي المجيد ، الممتد لعقود كثيرة ، و يسعى إلى ترشيد الحراك المشتعل في الجنوب ، والكامن في الشمال ، و يدعو إلى وحدة الشعب اليمني، كشرط جوهري للثورة ، As a prerequisite for revolutionary advancement و يدعو إلى تمسكه بالوحدة، والتخلص من أعدائها الفاسدين، والقتلة في صنعاء ، عمد إلى التحريض على الانفصال و المطالبة ب :" فك الارتباط" وبدا هنا مناهضاً لتاريخه الوطني ومتبنياً لمواقف القوى الرجعية ، وهي المواقف التي ناهضها طوال تاريخه ، فسقط من قمة الزعامة الوطنية إلى هاوية الزعامة الجهوية ، كالعفاشيين الحوثيين ، فأنتقل إلى سويسرا، واستقر هناك ، ثم أنتقل إلى لبنان ، معتمداً على الدعم الإيراني. وخلال ثورة 11 فبراير 2011 وفي الوقت الذي كان الشعب اليمني ، بكل فئاته ، يدعو إلى إسقاط النظام، وتغير الأوضاع وتحقيق المواطنة المتساوية، وصيانة وحدة الوطن، وتحقيق العدل، ووضع اليمن على طريق التقدم ، وقف السيد البيض موقفاً مشوشاً ، بل مجهضاً للثورة من خلال دعواته النكراء و المتكررة ل "فك الارتباط" ، وظل على هذا المنوال حتى تمكنت القوى الطائفية من السيطرة على السلطة في صنعاء ، في 21 سبتمبر 2014، وأجهض كل أمل في التغير الثوري. وفي مطلع 2015 ، وتحديداً بعد عاصفة الحزم، ذهب البيض إلى السعودية ، فالإمارات العربية المتحدة، وقرر الاستقرار هناك لفترة ، مؤيداً بقوة لعاصفة الحزم ، وآملا في الانفصال . أما خصمه اللدود وشريكه في الوحدة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، فقد تبنى ، على الأقل ظاهرياً وبشكل ماكر "مواقف البيض الوطنية " القديمة، كالتمسك بوحدة الوطن ، التي تخلى عنها البيض، فرفض الخروج من اليمن بعد أزاحته من السلطة في فبراير 2012 ، وقرر الإقامة في صنعاء ، معرضاً نفسه للموت ، ومواجهة العدوان الخارجي " بشجاعة" لا ينكرها حتى خصومه، وهذا هو ما يفسر تنامي شعبيته بين اليمينين ، كما تجلت في 24 أغسطس 2017، في ميدان السبعين، قبيل مقتله بأشهر قليلة من قبل حلفائه وخصومه الحوثيين في 4 ديسمبر 2017 . في الأخير ، ليس لدينا أدلة لكي نتهم السيد علي سالم البيض بالسرقة والإثراء غير المشروع على حساب الشعب اليمني ، فهذه أمور ، لا يمكن الفصل فيها إلاَّ من قبل قيادة الحزب الاشتراكي، المطلعة على هذه الأمور، و يمكن للقضاء وحده أن يقرر صحة هذه التهم أو عدمها ، ولكن المؤشرات، تؤكد أن السيد علي سالم البيض، يعيش حياة مريحة للغاية ، وأنَّ أولاده من كبار الأثرياء ، وأنَّ هناك العشرات والمئات من المناضلين الشرفاء ، الذين خرجوا معه في يوليو 1994 ، ويقيمون في القاهرة، و في غيرها من البلدان العربية والأجنبية، أو عادوا إلى أرض الوطن، يعيشون في حالة من البؤس والفاقة . وبالتالي فمن حق أي مواطن يمني أرتبط بالسيد علي سالم كقائد خزبي بارز ، و كزعيم سياسي كبير، أن يتساءل: كيف أمكن للسيد علي سالم البيض وأولاده أن يعيشوا حياة باذخة بينما رفاقه يتضورون جوعاً ؟ وليس في هذا السؤال، بالطبع، ما يشين على أية حال . فالبيض شخصية سياسية عامة ، والشخصيات العامة، تتعرض لمثل هذه الاتهامات في جميع أنحاء العالم . الآن ، هل هو "طود شامخ ورمز كبير" ، كما قال السيد برمان ؟ أعتقد أن هذه أوصاف لا معنى لها ، إذْ لا يمكن أن نصبغ هذه الأوصاف، أو عكسها على شخص ما لمجرد أننا نحبه أو نكرهه. الرجل الآن ، كما يُشاع، مريض وفي حاجة إلى عناية طبية . إذن، لندع الحكم للتاريخ !
#منذر_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في دلالات الأحداث الأخيرة في اليمن !
-
جار الله عُمر سيبقى مشرقاً كالحقيقة!
-
اليمن الوضع القائم والاختيارات الممكنة
-
لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (2)
-
لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (1)
-
أضوء على العلمانية
-
الضمير الإنساني والموقف السياسي!
-
أي وطن هذا الذي نحلم به؟
-
ما الوطن ؟
-
حتى لا نفقد البوصلة تحت وقع المحنة!
-
كيف نتجاوز التخلف؟
-
الأميرُ الغِرُّ يغدو ملكاً!
-
نداء عاجل: اليمن والطاعون القادم!
-
اليمن والمخرج من المأزق القائم!
-
آفاق الحرب والسلام في اليمن
-
الورطة اليمنية والاستثمار في الموت!
-
اليمن في خطر!
-
مأزق شالري شابلن و ورطة الرئيس اليمني!
-
اليمن من عبور المضيق إلى المتاهة !
-
نجاح السفير اليمني في لندن يؤرق القوى المتخلفة!
المزيد.....
-
ترامب: لا ناجين في حادث اصطدام الطائرة بالمروحية فوق نهر بوت
...
-
مغنية راب سودانية.. صوت يصدح أملا في زمن الحرب
-
غزة تشهد إطلاق سراح رهائن إسرائيليين جدد من أمام منزل يحيى ا
...
-
سلوان موميكا.. مقتل حارق القرآن في بث مباشر على تيك توك في ا
...
-
هل تمكّنت إسرائيل من إضعاف حماس عسكرياً؟
-
كيف استطاع أحمد الشرع أن يصل إلى رئاسة سوريا؟
-
من دمشق.. أمير قطر يدعو لحكومة -تمثل جميع الأطياف- في سوريا
...
-
ترامب: ليس هناك ناجون في حادثة تحطم الطائرتين فوق مطار ريغان
...
-
بن غفير: إطلاق سراح الرشق والزبيدي شهادة على الاستسلام ويجب
...
-
حافلات تقل سجناء فلسطينيين أفرج عنهم تغادر سجن عوفر الإسرائي
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|