أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - محمد عبده: إصلاح التربية طريق الإصلاح الحق















المزيد.....

محمد عبده: إصلاح التربية طريق الإصلاح الحق


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 5782 - 2018 / 2 / 9 - 12:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


احتوت الرؤية الإصلاحية عند محمد عبده على مبدأ دفين يحدد اتجاهها الفعلي ألا وهو أولوية إصلاح التربية بالنسبة للإصلاح الحق،على ان يستند هذا الإصلاح على التقاليد الخاصة . بمعنى إن معاناة الاجتهاد العقلي في مواجهة إشكاليات الوجود التاريخي للفرد والجماعة والمجتمع والدولة والأمة ينبغي أن تقوم عبر تبني الرؤية التربوية الجديدة، التي اعتبرها ضرورية للوجود الإنساني أولا وقبل كل شيء. من هنا فكرته عن "إن الإنسان لا يكون إنسانا إلا بالتربية . ووضع فيها تربية الأصول أو الرجوع إليها ويقصد بذلك سلوك الأنبياء والمرسلين والحكماء. من هنا فكرته عن انه ليس القوانين الرادعة هي التي تربي الأمم، بل ما اسماه "بنواميس التربية الملية لكل امة" ، أي التربية المبنية على أساس التقاليد الخاصة، بوصفها الوسيلة الضرورية للتحرر من التقليد. وهذا بدوره الشرط الضروري للاجتهاد الحر والسير في طريق معاناة أو مكابدة نتائجه العملية. وإلا فإن كل ما يجري القيام به سوف لن يؤدي إلى إلا نتائج وآثار مخربة ومدمرة. والقضية ليست فقط في أن هذا النوع من الجهود (التي لا اجتهاد حر فيها) سوف تتحول إلى هباء، بل وكذلك لإمكانية ارتداده بالعكس تماما. من هنا مرجعية الفكرة التي بلورها والقائلة، بأن الأولوية بالنسبة للإصلاح هو إصلاح حال التربية استنادا إلى التقاليد الخاصة . ولم يعن ذلك الانغلاق أمام الآخرين، على العكس. لهذا نراه يقف أيضا إلى جانب نشر المدارس بما في ذلك الأجنبية. بل ولا يمانع من إرسال الأطفال إلى المدارس الدينية للطوائف الأخرى (غير الإسلامية)، ولكن فقط في "حال عدم مبالاتهم بالدين". وهو موقف يعكس بقدر واحد الانفتاح الداخلي والتسامح الخارجي الذي يتفوق على نظيره الأوربي آنذاك أيضا. ولم يكن الحافز وراء هذا الموقف دينيا بقدر ما كان اجتماعيا وثقافيا بحتا. من هنا ربطه إمكانية إرسال الأطفال المسلمين إلى المدارس التبشيرية النصرانية في حال ألا يؤدي ذلك إلى ما اسماه بإثارة خلل وصراع داخل العائلة والمجتمع. غير إن موقفه العام والجوهري هو موقفه الإصلاحي الشامل في ميدان التربية والقائل بضرورة فتح وتوسيع شبكة المدارس الوطنية، لما لها من اثر وفاعلية في تكامل الشخصية الفردية بمعايير انتمائها الديني والقومي الثقافي . وأسس لهذا الموقف على رؤيته المتعلقة بأهمية وجوهرية التربية في بناء الإنسان والمجتمع والدولة والأمة. وكتب بهذا الصدد، بأنه بدون التربية لا بمكن بلوغ الوحدة والقوة والتقدم وثبات العلوم واستثمارها. على العكس بدونها لا تؤدي حتى العلوم إلا إلى إثارة اللغو والهذيان. وقدّم نماذج عديدة بما في ذلك على مستوى اللغة العادية مثل إيراده كلام الأم لابنها "خذ هذا وأخفه عن الأعين حتى لا يراك أخوك" نموذجا عل سوء التربية لما في هذه العبارة من غرس لثلاث خصال مهلكات وهي الأثرة والدناءة والسرقة. ومن هنا أيضا فكرته عن انه لا يمكن بناء جمعية ولا جماعة ولا أمة من الجهلة والجاهلات. وقدم أمثلة من حياته في القضاء حيث وجد ما يقارب 75% من المشاكل التي قضى فيها بأحكام عادة ما تقع بين الأهل والأقارب! وتساءل عما إذا كان يمكن بناء مجتمع على هذا الأساس؟
لقد وجد محمد عبده في انعدام أو ضعف التربية السليمة سرّ الخراب والانحطاط. من هنا تشديده عل أهميتها العلمية والعملية. بل اعتبرها أسلوب بلوغ السعادة. فهو يسير ضمن تقاليد الفلسفة الإسلامية العقلانية التي وجدت في العلم والمعرفة سبب ومقدمات بلوغ السعادة ولكن من خلال نقلها إلى ميدان التنظيم الضروري الذي ينبغي أن تقوم به الدولة والمجتمع والأفراد. وليس مصادفة أن نراه يبحث عن كل صغيرة وكبيرة في مختلف تجارب الأمم، التي تكشف عن دور الفرد والمجتمع المدني والنخبة العاملة من اجل الخير العام والدولة والأمة .
بعبارة أخرى، انه جعل من التربية مهمة الدولة والمجتمع. وبهذا يكون قد أدرك قيمتها العلمية والعملية الهائلة بالنسبة للإصلاح الشامل. لهذا نراه يعتبر التعليم العام ضروريا. ويشير إلى مسئولية الدولة. فمصر تنفق على التعليم مائتي ألف جنيه بينما ميزانيتها تبلغ 12 مليون . بل ونراه يربط فكرة غنى الأفراد والمجتمع والدولة بمدى انتشار التربية والمدارس فيها. وكتب بهذا الصدد يقول، إن أرض مصر غنية لكنها فقيرة. والسبب يكمن في الإنسان وتربيته. فقر البلاد بقلة الراشدين وغناها بكثرة المهتدين . من هنا دعوته الأغنياء آنذاك من اجل المساهمة في بناء المدارس والتعليم. فهو ثروة لهم أيضا، مستشهدا بالتجربة الأوربية . والغاية النهائية من وراء كل ذلك تقوم فيما للتربية والتعليم من اثر جوهري في سعادة الأمم. وكتب بهذا الصدد يقول، إنما الغرض من التعليم وإنشاء المدارس هو تربية العقول والنفوس من اجل نيل كمال السعادة. والمقصود بتربية العقول إخراجها من فساد الرؤية والمعتقدات من اجل بلوغ الحالة التي يمكن للمرء التمييز بها بين الخير والشر والصحيح والخطأ، أي بلوغ الحالة التي يصبح فيها العقل نافذا في الحكم على الأشياء، وتحول ذلك إلى سجية .
وإذا نراه أحيانا يشدد على أهمية التربية الدينية، فإن المقصود بذلك تربية الرؤية الإصلاحية. وضمن هذا السياق يمكن فهم موقفه عن وضع ما اسماه بتربية المعتقدات الدينية الصحيحة في أولويات هذه التربية. بمعنى وضعه في أولوياتها ما هو مرتبط بمرحلة الإصلاح الديني والفكرة الإصلاحية، أي "تربية القلوب بما يرضي الخالق، وذلك بشرط عدم خروجها على مكارم الأخلاق"، كما يقول محمد عبده . من هنا تأييده لإجراء وزارة المعارف (نظارة المعارف العمومية) بتعليم العقائد الدينية (التربية الدينية) ولكن بعد ربطها بشروط أساسية وهي أن تكون هذه التربية معنوية حقيقة وليس كعبادة الجاهليين، وملاحظة تعاليم هذه التربية من اجل "ألا تكون محشوة بالتخريف المضادة لحقيقة الدين" . ودفع هذه الفكرة صوب أبعادها النظرية العقائدية عندما تناول قضية إصلاح مناهج التربية. إذ نراه يضع في فكرة تجديد المناهج (حالما تكون جزء من الإصلاح الديني) ضرورة القضاء على الأفكار السيئة مثل الجبرية والمرجئة. ومن ثم المطالبة بالعمل. ولكن من خلال نموذج للتربية دقيق يبدأ بالفقه الباطن، أي تربية الروح الأخلاقي. ثم البقية الباقية على أساس اليسير والسليم، أي المرتبط بالرؤية العقلية الصحيحة .
ومن اجل تنفيذ هذه المهمة وضع رؤية عملية تتعلق بتدريس العقائد والحلال والحرام والتاريخ مهمتها جمع الكلمة ونبذ الخلاف. على أن يجري تدريس ذلك كل قوم بلغته، بالعربية للعرب وبالتركية للأتراك وهكذا دواليك . كما وضع هذه النماذج المختلفة للدارس الابتدائية ثم المتوسطة وما فوقه، مهمتها في نهاية المطاف الأخذ بمنطق الإصلاح والرؤية العقلانية والإنسانية مع البقاء التام والدقيق ضمن معايير التقاليد الإسلامية بوصفها تقاليد ثقافية . وتعدى ذلك إلى مسألة الاهتمام بنوعية الكتب لما لها من اثر بالنسبة لتربية العقول والضمائر. فعندما تناول على سبيل المثال حالة الكتاب آنذاك في مصر نراه يشير إلى وجود أنواع من الكتب: دينية تقليدية واسعة الانتشار، وكتب حكمية عقلية فلسفية يصعب الحصول عليها، وكتب الأدب القديمة والحديثة وهي آخذت في الانتشار، وكتب خرافية أو ما يدعوه محمد عبده بكتب الأكاذيب الصرف مثل عنتر وعبس والظاهر بيبرس وأبو زيد وغيرها، وكتب الخرافات، أي مختلف نماذج الكتب المتعارضة مع العقل من العفاريت وتأثير الأجواء على المصير. ووضع محمد عبده هذه الكتب الأخيرة في مقدمات بقاء وانتعاش التخلف الفكري والروحي والأخلاقي. على عكس ما سعت إليه الدولة من منع الكتب "المضرة بالدين والسياسة" . أي على عكس إدراك الحقيقة التي تكشف عنها وتبرهن تجارب الأمم الراقية في سلم المدنية عما في العلم والتربية من قوة مادية وروحية. لهذا نراه يربط مهمة وإمكانية الدفاع عن الدولة والدين والإنسان بالعلم والتربية، بوصفهما القوى الوحيدة القادرة على مساعدة الأمم في مواجهة التدخل الأجنبي والاحتلال وغيره، انطلاقا من إن "العلم نافع لنا، والجهل مهلك لأرواحنا" . ليس هذا فحسبن بل ونراه يربط بين التمدن الحقيقي ونتائج التربية القائمة على العلم. وليس مصادفة أن يعتبر المعيار الفعلي لحقيقة التمدن هو نمو الثروة العامة. وليس مظاهر البهرجة الزائفة . ولا يكن بلوغ ذلك دون التربية والعلوم وذلك لما لها من اثر جوهري بالنسبة لتنظيم القيم الإنسانية الضرورية بالنسبة لبلوغ السعادة الحقيقية. فعندما يتكلم على سبيل المثال عن فكرة العدالة، فإننا نراه يربطها بالتربية والعلم. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن العلم والعدالة بالنسبة لدولة والأمة "متلازمان في الوجود". والرابط الفعلي بينهما هو العلم. وذلك لأن انتشاره يضيء العقول ويوصل المرء والجماعة إلى أن العدالة والمساواة هما العلة الأولى لسعادة البشر .
***









#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عبده وفكرة التدرج في الإصلاح
- الفكرة الإصلاحية عند الشيخ محمد عبده
- مرجعية الخلافة الذاتية عند محمد عبده
- زكي الارسوزي - الفكرة القومية واللغة العربية
- كراهية الإسلام
- الصراع الديني - المذهبي في المشرق العربي المعاصر
- المشرق العربي وإيران في الصراع الروسي – الأمريكي
- روسيا والصراع من أجل الشرعية في سوريا
- الإمبراطورية (الأمريكية) والجغرافيا السياسية (للعالم العربي)
- في نقد طه حسين(7)
- في نقد طه حسين(6)
- في نقد طه حسين(5)
- في نقد طه حسين(4)
- في نقد طه حسين(3)
- في نقد طه حسين (2)
- طه حسين(1)
- مائة عام على الثورة البلشفية - اشكالية الثورة والاصلاح
- حدود العقل- المقدمة العقلية لطور الولاية عند الغزالي
- الفكرة الحضارية عند حسن حنفي( 3-3)
- الفكرة الحضارية عند حسن حنفي(2)


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - محمد عبده: إصلاح التربية طريق الإصلاح الحق