أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - حسن بشير محمد نور - الجنيه السوداني، القاتل والمقتول والضحية















المزيد.....

الجنيه السوداني، القاتل والمقتول والضحية


حسن بشير محمد نور

الحوار المتمدن-العدد: 5781 - 2018 / 2 / 8 - 14:54
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


الجنيه السوداني، القاتل والمقتول والضحية
بروفيسور: حسن بشير محمد نور- الخرطوم
سألته شولميت: ومتي نخرج من هذا الحصار؟ قال والغيمة في حنجرته: اي انواع الحصار؟
فأجاب: في صباح الغد تمضي، وانا اشرح للجيران ان الوهلة الاولي خداع للبصر. نحن لا ندفع هذا العرق الاحمر ... هذا الدم لا ندفعه.... من اجل ان يزداد هذا الوطن الضاري حجر....
محمود درويش: كتابة علي ضوء بندقية.
لا صوت يعلو هذه الايام في الاوساط الاقتصادية السودانية فوق سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الامريكي الذي اصبح (الدولار) وحدة الحساب ومقياس القيم المعتمدة رسميا وشعبيا بعد السقوط المريع للجنيه، الوحدة النقدية السودانية. لقد تركت تلك الاوساط الداء المثمثل في الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، بعد ان حار بهم الدليل في ايجاد حل لها واتجهوا نحو العرض الابرز لها المتمثل في سعر صرف الجنيه، كمظهر صارخ ومؤثر لمظاهر تلك الازمة، التي انتجتها وراكمتها وفاقمت من اثارها السياسات المالية والنقدية للحكومة.
فيما يتعلق بالسياسة النقدية لا يوجد نهجا واضحا مستقرا، ناهيك ان يكون مستداما لتلك السياسية فهي تتخبط وتلهث للحاق بالاحداث والمستجدات حتي اصبحت خاضعة لتوجيهات السلطة التنفيذية حسب مقتضيات الحال الاقتصادي، الامر الذي استدعي عقد اجتماعات متلاحقة لوضع معالجات طارئة للسيطرة علي اندفاع الاقتصاد نحو الانهيار التام والفوضي.
يلاحق بنك السوداني المركزي المسار المنحدر لسعر الصرف بحصائل الصادر تارة وبالسعر التأشيري تارة اخري ,الذي عدل مرتين خلال فترة وجيزة وتم رفع نطاقه من 16 – 20 جنيه الي ان وصل في حده الاعلي الي 31 جنيها للدولار الواحد، بعد ان لامس سعر هذا الاخير مبلغ 45 جنيها. لكن ولعلم البنك المركزي ان ذلك غير كافي عمل، علي تجفيف السيولة(رغم النفي الرسمي لذلك الا ان الواقع يؤكده بشكل جلي)، فاصبحت المصارف لا تفي بطلب السحب من الودائع مما تسبب في ازمة سيولة حادة، بل حتي الصرافات الالية اصبحت خاوية وتوقفت في عالبيتها العظمي عن العمل. هذا الوضع اذا استمر فسيصيب السوق بالكساد التام لتقلص الاستهلاك، واذا تم السماح بالسحب من الودائع ستخرج السيولة من الجهاز المصرفي وتتجه نحو الدولار او اي اصل يحافظ علي قيمتها، وفي الحالتين يتفاقم المأزق نسبة لان البحث يتم في عرض المرض كما ذكرنا ولا يخاطب الاسباب الحقيقية للازمة.
من اهم اسباب الازمة هو النهج الحكومي الموالي للنهج الليبرالي ووصفات صندوق النقد الدولي، باتباع سياسة التحرير الاقتصادي وتحرير سعر الصرف دون رؤية واضحة ودون اهداف محددة تتوفر لها الشروط الاقتصادية الملائمة للنجاح، فاصبحت الحكومة تتعامل مع الاقتصاد السوداني وكأنه الاقتصاد الياباني. كيف يمكن توحيد سعر الصرف ناهيك عن تحريره في بلد يعاني من اختلال مزمن في هيكله الاقتصادي وفي ميزان مدفوعاته ويزيد فيه عجز الميزان التجاري عن 5 مليار دولار؟، اي ما يزيد عن 50% من حجم الموازنة العامة التي تبلغ حوالي 173 مليار جنيه سوداني. ظلت الحكومة تبحث عن تحقيق ما تسميه بالتوازن الاقتصادي منذ العام 2009م عبر رفع الدعم عن السلع الاساسية وتخفيض قيمة الجنيه، ولم تجني الا مزيد من الاختلالات والتشوهات الاقتصادية، الي ان وصلت حدها بموازنة العام 2018م، التي كانت الفتيل الذي اشعل نار التضخم وانهيار القوة الشرائية للعملة السودانية، وتآكل الدخول بشكل وضع البلاد علي فوهة بركان يغلي.
عندما تم الاعلان عن مؤشرات واتجاهات الموازنة العامة حذرنا من تداعياتها علي الاقتصاد السوداني في عدد من المنتديات والمنابر، ومنها مقالنا بصحيفة ايلاف الغراء بتاريخ 17 يناير 2018م (ملامح واتجاهات الموازنة العامة للعام 2018م). في تلك الموازنة تم رفع سعر صرف الدولار الجمركي من 6.9 جنيه الي 18 جنيها، اي بنسبة حوالي 260% دفعة واحدة، الامر الذي اطلق شارة المارثون للاسعار، ومع ذلك كان اقتصادي الحكومة يقولون ان ذلك لا علاقة له بسعر الصرف.
هذه الموازنة كانت الاولي التي ترفع معدلات التضخم خلال شهر الي 128% مقارنة مع يناير 2017م، وهي الاولي التي تجعل سعر رغيف الخبز زنة 70 جرام بجنيه سوداني، مما رفع مؤشر الجوع في السودان ولون خارطة السودان في مؤشر الغذاء العالمي باللون الاحمر المعبر عن الوضع الحرج (راجعوا مؤشر الجوع العالمي Global Hunger Index ). كيف يمكن للساسة ان لا يدركوا ان تحرير القمح والدواء والوقود يحتاج الي توفر موارد بالنقد الاجنبي بالسعر الرسمي، 18 جنيه للدولار مثلا؟ في الوقت الذي لا تتوفر فيه تلك الموارد بالمصارف، وعندها سيتجه الطلب نحو السوق الموازي (الاسود) ونسبة لقة الموارد بذلك السوق مع ارتفاع الطلب فان سعر الدولار سيعانق السماء!!
حتي لا نغرق في جدل لاطائل من وراءه فان الحلول الانية لهذه الازمة تكمن في مجموعة من المتطلبات اذا تم الوفاء بها يمكن السير نحو ايجاد مخرج في المدي القصير، الي حين الوصول لاعادة هيكلة الاقتصاد السوداني واستقطاب الموارد للاستثمار في البنيات التحتية، قطاعات الانتاج الحقيقي، الخدمات الاجتماعية ورفع تنافسية القطاع الخاص. نشير الي ان اي اساليب غير اقتصادية مثل الاجراءات الامنية وحظر السيولة لن تؤدي الا الي اختناقات واحتقان خطير لا يلبس ان ينفجر ويخرج عن السيطرة. ما هي تلك المتطلبات؟:
اولا: التفكير الجاد واعادة النظر في تحرير الخبز والدواء والحفاظ علي الاسعار الحالية لاسعار الوقود وغاز الطبخ. يستدعي ذلك توفير الموارد لاستيراد القمح بفاتورته المرتفعة، استيراد الوقود والدواء وتوفير مدخلات الانتاج الزراعي للموسم الذي يقترب. سيساعد ذلك علي توفير لقمة العيش للمواطن المسحوق ويلبي احتياجات الامن الغذائي الذي هو من اهم عناصر الامن القومي.
ثانيا: اتباع اجراءات تقشفية صارمة تطال الانفاق الحكومي الذي يأكل الاخضر واليابس والوصول الي اقصي حد في ذلك، خاصة فيما يتعلق بميزانيات التسيير، سيحد ذلك من عجز الموازنة الكارثي البالغ 28.4 مليار جنيه اي حوالي 16% من الموازنة العامة. لا سبيل لسد ذلك العجز الا بالاستدانة من الجهاز المصرفي مما يفاقم من التضخم وتردي سعر صرف الجنيه. اضافة لمحاربة الفساد كما وعدت الحكومة بذلك.
ثالثا: مواجهة الاختناقات في الاحتيجات الموسمية مثل احتياجات الموسم الزراعي، السلع الاستهلاكية الضرورية في رمضان والوفاء بتمويل الحج، قد يستغرب البعض من هذا البند الا ان الحجم المحدود للاقتصاد السوداني، يؤدي الي اختناقات في هذه المناسبات ويرفع مستويات الاسعار لضروريات الحياة، كما ان الحج يزيد الطلب علي النقد الاجنبي ولكم مراقبة ذلك.
رابعا: معالجة مشاكل المواني والمنافذ للصادرات وتجارة الحدود التي تعاني من تعدد وازدواجية الرسوم ومعالجة مشكلة الجبايات الولائية والمحلية، التي تثقل كاهل الصادرات والتجارة المحلية وتجارة الحدود. اضافة لترقية الاداء الجمركي وتطبيق القيمة الصفرية.
خامسا: دعم كل ما يمكن تصديره والتركيز علي سلع معينة للصادر بتوفير الامكانيات لها بما يدعم تنافسيتها ويزيح العقبات والتربح عن طريقها.
سادسا: استقطاب الاستثمار الاجنبي وتهيئة المناخ الملائم له خاصة من الدول الداعمة للسودان بغرض المساندة الاسعافية لتوفير ما يلزم للاستقرار النقدي في هذا العام.
سابعا: مراجعة شراء الذهب من قبل البنك المركزي، نسبة لان معظم الانتاج يأتي من القطاع غير المنظم والقطاع الخاص، مما يتطلب موارد كبيرة من العملة المحلية يهدد بطباعة النقود ورفع معدلات التضحم وتراجع سعر الصرف، كما ان هامش السعر بين البنك المركزي من جهة والاسواق الخارجية والسوق الموازي من الجهة الاخري، ستظل مرتفعة، وهذا مأزق اخر لاجراءات البنك المركزي.
ثامنا: الخروج من الاجراءات الحالية الخاصة بالحد من السيولة لانها تدمر الثقة في الجهاز المصرفي وتؤدي الي هروب نسبة كبيرة من الكتلة النقدية خارج المصارف واللجؤ الي ملاذات امنة مثل النقد الاجنبي، الذهب والاصول الثابتة، مما يحد من الاصول التمويلية المحدودة اصلا.
اخيرا فان اللجؤ الي الجنيه الذهبي كحل لتدهور قيمة الجنيه، يعتبر امعانا في الريعية المسيطرة في الاقتصاد السوداني، بدلا عن تنمية الاحتياطات وتغذية اصول البنك المركزي واصدار شهادات ذهب بما يملكه من ذلك المعدن وزيادة الكتلة النقدية وفقا لذلك.
هذا غيض من فيض، فهل يا تري تستطيع الحكومة القيام بتلك المتطلبات ام تستمر في الانكار وتجريب المجرب من الاجراءات الامنية وغيرها من المعالجات غير الاقتصادية؟
في الختام نقول ان الجنيه سيقتل من يعتمد عليه في معاشه من اصحاب الدخل المحدود الذين لن يستطيعوا تأمين حد الكفاف بعد تراجع القوة الشرائية لدخلهم النقدي، وهو قد تم قتله بالسياسات الحكومية غير الرشيدة، وبشركاتها المهيمنة علي السوق بما فيها سوق العملات الاجنبية، وهو في النهاية ضحية لتلك السياسات ولتراكمها عاما بعد اخر، دون الخروج من صندوق الليبرالية الجديدة ونهج الراسمالية المتوحشة، المتمثلة في وصفات صندوق النقد الدولي النادي الاكبر والمضارب الاعظم لاثرياء العالم.



#حسن_بشير_محمد_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالجة الاثار الجانبية لسعر صرف الجنيه السوداني
- جدل في الفكر السياسي في السودان
- ماذا بعد رفع اسعار الكهرباء والماء؟
- استنهاض قوي الاستنارة
- من الذي يرعي الخرطوم؟
- لقد ثكلت الاغاني المتكأ
- السيسي علي طريق دغول - ايزنهاور
- عواصف في العصب الحيوي
- العودة لسيادة حكم القانون
- مانديلا ، في مقررات العلوم الانسانية
- فائض قيمة استرداد ثورة
- مستجدات القرن الافريقي ومستقبل الامن القومي السوداني
- اسطنبول ، بداية الخروج من الفوضي
- ازدراء العمل الفكري
- الحكومة والعمل والعمال
- ايدولوجيا المصالح، تغييب القيم وانتهاك الحقوق
- مشكلة المعرفة في انظمة (الربيع العربي)
- الاسلام السياسي، مأزق البدائل الاقتصادية
- (الربيع العربي) بين الاحتواء والاجهاض
- التكاليف الاجتماعية للازمات المالية العالمية


المزيد.....




- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...
- شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
- الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل ...
- العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها ...
- روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن ...
- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال ...
- لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين ...
- الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - حسن بشير محمد نور - الجنيه السوداني، القاتل والمقتول والضحية