|
لِمَن يَعقلون
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 5781 - 2018 / 2 / 8 - 03:45
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الثامن من شباط 1963 الذي تحل ذكراه الخامسة والخمسون ، كان يوم الثورة المضادة لثورة الشعب العراقي في صبيحة يوم الرابع عشر من تمّوز 1958 ؛ تلك الثورة التي فجرها أبطال القوات المسلحة العراقية الباسلة المؤمنة بحق الشعب في التحرر من ربقة الإستعمار وقيوده وأحلافه العسكرية ، ونفوذه الإقتصادي والسياسي الذي فرّغ مضمون السيادة الوطنية من كل معانيه . تلك الثورة التحررية التي وأدتها ، وهي لم تبلغ الخمسة سنوات من عمرها ، قوى الإستعماربالتعاون مع جميع القوى الإقليمية ، على يد حفنة من العملاء التي تبرقعت في حينها ، زيفاً ، ببرقع الوطنية والقومية . ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، وإن كان أبطالها الميامين قد نفذوها بإسلوب إنقلاب عسكري ، إلاّ أن إلتفاف جميع القوى السياسية المؤتلفة في جبهة الإتحاد الوطني ، وجماهير الشعب من جميع طبقاته حولها قد أسبغ عليها صفة " الثورة الحقيقية " التي تعززت بالإنجازات التي تحققت فعلاً في الفترة القصيرة من عمرها . لقد كان نظام الحكم في العهد الملكي يعتمد على قاعدة نظام التبعية الكاملة للأجنبي وإقتصادي شبه إقطاعي ، وصناعة محلية متدنية ، ونفطه مرهون بموجب عقود إمتياز إلى شركات أجنبية ، لا يحصل من واردها إلاّ النزر اليسير سواء على شكل عائدات أو ضريبة الدخل على أرباح الشركات صاحبة الإمتيازات ، والتي كانت تتلاعب في حسابات أرباح وخسائر عمليات البحث وإستكشاف والحفر وإستخراج النفط وتكريره وتسويقه ، وكانت عملته مرتبطة بالإسترليني وغطاؤه النقدي من الذهب والعملات الأخرى محفوظة في بنوك بريطانيا ، ومرتبط عسكريّاً بحلف بغداد الإستعماري ، وسلاحه مرتبط بجهة وحيدة غربية ، وسياسته الداخلية والخارجية يتحكّم بها خبراء إستشاريون من تلك الدول . لقد كان فهم القوى الوطنية لهذا الواقع هو الدافع وراء التنادي لبناء " جبهة الإتحاد الوطني " من جميع القوى ، من أبناء الشعب ، بدون تمييز ، لتحمّل المسؤولية والعمل لتغييره ، وقد كان لدى الشرفاء من أبناء القوات المسلحة العراقية فهمٌ أعمق للمسؤولية ، أنهم اليد الطولى المؤهلة لتنفيذ التغيير، ولذلك فقد تم تنظيم " حركة الضباط الأحرار " التي ضمّت الأبناء الشرفاء من جميع أطياف الشعب . وكانوا بحق المطرقة التي هزّت أركان النظام وحطمته وبنت على أساسه النظام الجمهوري .
لقد ثبت للعالم كله ، في يوم قيام ثورة الرابع عشر من تموز ، أصالتها وهدفها المركزي في التحرر وتحقيق السيادة الوطنية ، ولذلك لم يكن غريباً أن قامت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بإنزال قواتهما العسكرية في كل من لبنان والأردن ، وبموافقة حكومات تلك الدولتين ، للتمهيد لغزو العراق وإسقاط الثورة في أوائل أيامها ، بإختلاق أية حجة تسمح لهم بذلك .
قام العراق في العهد الجمهوري الأول ، الذي لم يُكمل الخمسة سنوات ، بتغيير جوهري في البنية الإقتصادية والإجتماعية ، وبنى موقعاً متميّزاً له على المستوى الدولي ؛ فإنسحابه من حلف بغداد العسكري الإستعماري ، ومن الإتفاقيات الأمنية المشتركة مع بريطانا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى قد حطّم حلقة مهمة من خطط الدول الإستعمارية لفرض سيطرتها على دول المنطقة والعالم . خروج العراق من كتلة الإسترليني حرر العملة العراقية " الدينار" من التلاعب بقيمته من قبل المنظمات المالية العالمية وسياسة حكومات الدول الإستعمارية . إصدار قانون الإصلاح الزراعي ، وإن لم يكن خالياً من عيوب جدّية ، إلاّ أنه كان ضربة قوية للنظام الإقطاعي وسطوة ونفوذ الإقطاعيين وسراكيلهم ، وتحريراً للفلاح العراقي ، نوعاً ما ، من إستغلالهم . لقد كان صدور قانون شركة النفط الوطنية ، وسحب الإمتياز الممنوح للشركات الأجنبية ، في المناطق التي لم يباشر بها العمل ، ضربة جدية لتحرير النفط ، وخطوة تمهيدية لتأميم النفط مستقبلاً . لقد كانت مشاريع بناء العراق على قدم وساق ، فعلى خلفية الإتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الإتحاد السوفييتي ، تم بناء معامل البتروكيمياويات ، والزجاج ، والورق ، والحديد الصلب ، والأدوية ، وتم تشجيع الإستثمارات في القطاع الخاص بتوسيع نشاط كل من المصرف الصناعي والمصرف الزراعي . هذا وتمت إجازة نقابات العمال والجمعيات الفلاحية والتوسّع في بناء المدارس والمستشفيات في جميع أنحاء العراق . إن الواجهة الدكتاتورية التي هيمنَت على النظام ، وسيطرة العسكر على مراكز الحكم والقرار ، لم تمنع كون النظام نظاماً وطنيّاً حراًّ وبسيادة كاملة .
ثورة ما أكملت الخمسة سنوات من عمرها ، بدأت الثورة المضادة لها منذ خمس وخمسين عاماً ، لمحو ما أنجزته ، وإعادة العراق إلى ما كان عليه قبل قيامها .
لننظر إلى صورة العراق اليوم ، بعد خمس وخسين عاماً ، تداولت فيها السلطة والحكم ، قوى بعثية وقومية شوفينية ( عربية أو كردية ) و بمراحل مختلفة ، كل مَن يأتي يدعي الإخلاص ويتهم السلف بالخيانة ، ثم دينية طائفية لم تكمّل مراحل الثورة المضادة فحسب بل زادتها بإضافات نوعية عميقة . فترى أين نحن الآن ؟
عراقٌ لا دولة له ، لا قانون يحكم سوى قانون " عدم وجود القانون " ، لا سيادة وطنية ، يتحكّم فينا ، ليس فقط الدول الإستعمارية التي كانت تسمّى " عظمى " بل دول الجوار التي هي الأخرى لا تملك سيادتها ، بل تُحكم من شلل تأتمر بأوامر تأتيها من الخارج عبر خطوط مرئيّة أو غير مرئيّة . لدينا عراقٌ متشظٍّ مقسّم شعبه قومياً ، ودينياً ومذهبيّاً وفكرياً وإنتماءً . عراق مكبّل بإتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، عراق ليس نفطه مرهوناً إلى سياسات الدول المتنفذة في قرارات حكومته فحسب ، بل مباعا أيضاً إلى شركات نفطية عالمية بموجب إتفاقيات " الشراكة " و" جولات التراخيص " مقابل عمولات يحصل عليها مسؤولونا " الشرفاء جدّاً " . عراقٌ مقسّم إلى مركز وإقليم إتفقا على أن لا يتفقا . عراقٌ لم تبق فيه زراعة أو صناعة بل تجارة يستورد فيها " المقربون المحظوظون " كل شي من الإبرة والخيط إلى الطائرات ، عراق عادت فيه سطوة رئيس القبيلة المحترم من النظام والمجهّز بالمال والسلاح ، تحت عباءة مكافحة الإرهاب ، وهو يبيعها إلى الإرهابيين بدون حساب ، عراقٌ أصبحت فيه ثقافة الفساد والرشوة والتزوير وإعتلاء المناصب عن طريق المحسوبية أو الشراء بصورة غير شرعية ، ثقافة مقبولة و مألوفة ، بل فخراً يعتزّ به صاحبه . عراق تصول به عصابات الإتاوة والإبتزاز بحرية ، دون حساب ، ميليشيات مسلّحة ، تدّعي لنفسها حصّة من ميرات شهداء الحشد الشعبي الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن ، ويطالبون بحق أن يكون لهم دور في رسم مستقبل العراق . عراقٌ ، لشعبه الحق في إبداء رأيه ، بقدر ما رسمه بريمر ، ممثل الدولة غازية العراق ، ولكن في أذن حكام العراق وقرٌ لا يسمعون نداءه . عراقٌ لا همّ ل " نوّابه المنتخبين " غير رفع سقف رواتبهم وإمتيازاتهم ، وتضمين قانون الإنتخابات ضمانات أن لا يفوز غيرهم .
إستحلفكم ، يا مَن تعقلون ، يا مناضلين من أجل العراق ، يا كتاب يا مثقفين ، بأقدس ما تحملون من إيمان ، أن أخبروني ما الذي بقي من منجزات ثورتكم في 1958 ، وما أشبه اليوم بماضي الزمان في العهد الملكي البائد ؟ ترى ، إن كان جميع أبناء الشعب قد تعهّد ومضى في تغيير ذلك النظام ، فترى ما هي الحجج في البحث في الصغائر الآن ومنع أي فصيل من تحمّل مسؤوليته لإستعادة وجه العراق الحر الباسم .
إنها دعوة لِمَن يعقلون أن أتركوا القضايا الفرعية جانباً ، وأدعو أبناء الشعب الشرفاء للإتحاد تحت راية واحدة ، في الإنتخابات القادمة ، للخلاص من هذا الوضع ، ومنع تكرار حصول ذات نتائج الإنتخابات السابقة .
الذاكرة تسعفنا ، أن أبناء الشعب عندما خرجت للتظاهرات الداعمة لثورة تموز لم تكن تعرف هوية قائد الثورة و لا أصحابه ، و لا توجهاتهم السياسية ، بل كان الأمل يحدوهم أن يجدوا الأفضل ، فما الذي يمنعنا أن ندعو الجماهير لتوحيد صفوفها من أجل تحقيق ثورة التحرر و تحقيق الشعار المركزي الأول " التغيير" الذي لا يتحقق إلاّ بتعاون الجميع .
إتحدوا جميعاً ، بدون إستبعاد جهة ، مثلما إتّحدت قوى الشعب كافة لتغيير النظام الملكي ، و لا يتم ذلك إلاّ بتجميد خلافاتكم الفرعية إلى ما بعد التغيير.
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جبهة للإنتخابات
-
لِمَ
-
خطابٌ إلى - مثقّفينا -
-
خِطابٌ لأولئك
-
يَومَ يُكنَسون
-
مَرَّ شهرٌ على الإستفتاء
-
رَدُّ مُداخلة
-
صَرخَةُ أمّة
-
القمارُ السّياسيّ
-
الديمقراطية في العراق
-
الديمقراطيّة - جزء 2
-
الديمقراطيّة - جزء 1
-
نداءُ تحذير
-
برهم صالح أم مستقبل العراق ؟
-
تظاهَر يا شَعَب .. وإستَعِدّ .
-
هَل يُحَوّل ترامپ العالم
-
نَينَوى بعد التَحرير
-
عودة الصدر ليسَت غريبة
-
تَوَجُّهان مُتَضادّان في المسرَحِ السياسيِّ العراقيّ
-
أزمة الفكر القوميّ
المزيد.....
-
العراق.. تبرئة ضابط أدين بقتل متظاهرين في -مجزرة جسر الزيتون
...
-
لا سبيل لمواجهة السياسات اللاشعبية سوى بالمزيد من تنظيم وتقو
...
-
الجبهة الشعبية: تتوجه بالتحية إلى المقاومة والشعب اللبناني
...
-
الدفاع التركية: تحييد عنصرين من حزب العمال الكردستاني شمال س
...
-
أكاديمي أميركي: وصف ترامب لهاريس بأنها شيوعية يظهر قلقه الوا
...
-
تجديد حبس للصحفي ياسر أبو العلا 15 يوم.. وممدوح والخطيب أمام
...
-
أحزاب يسارية تدشّن الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية تحت شعا
...
-
حبس 15 يوم لمعتقلي “بانر فلسطين”
-
افتتاحية: للجفاف أسباب اجتماعية وطبقية
-
الغارديان: المحافظون صنعوا مستنقعا معاديا للإسلام لكن حزب ال
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|