5 آذار 2003
لم يعد خافيا على أحد من أن البيان الختامي للقمة التي انعقدت في شرم الشيخ جاء مباغتا ولم يعطي الوقت الكافي للوفود المشاركة لمناقشة مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة. في الواقع هناك سببين أساسيين لهذا الإهمال المتعمد لهذه المبادرة الجادة. أولهما إنها قدمت في والوقت الذي أنعقد فيه المؤتمر ولم تقدم مسبقا للأعضاء لدراستها بشكل مستفيض والتشاور حولها قبل اتخاذ موقف منها. وثانيهما هو التآمر من الرباعي العراق وسوريا ولبنان والأمين العام للجامعة العربية عمر موسى. فالرباعي يتألف من حيث الأساس من لعنة الأمة العربية هي البعثتين، فعمرو موسى البعثي السابق والسياسي المحنك مع السوريين البعثتين وبذات الوقت أرباب القرار اللبناني بجانب بعث العراق المعني الأساسي بالأزمة العالمية القائمة، فهؤلاء هم من صاغ البيان الختامي ووضع اللمسات الأخيرة عليه وعلى عجل تم التوقيع عليه بعد المشادة التي حصلت بين السعوديين والقذافي. المسوغ لهذا النوع من العجالة هو الخوف من انفراط عقد القمة قبل التوصل إلى قرار موحد، هذا ما قاله أصحاب الشأن.
فالسؤال لماذا كانت المؤامرة أو ما سمي بالإهمال المتعمد للمبادرة؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد لنا من الرجوع إلى نتائج اجتماع المعارضة العراقية، الذين كانوا مجتمعين في منتجع صلاح الدين مباشرة قبل انعقاد القمة العربية، ربما كانت من قبيل الصدفة، ولو إني لست من المؤمنين بالصدف كثيرا، إلا أن الملفت للنظر هو تشكيل اللجنة السداسية والتي كان أحد أعضائها السياسي العراقي المخضرم، والإماراتي الجنسية، الدكتور عدنان الباججي. رغم إن الباججي كان له اعتراض على تركيبة اللجنة، إلا أنه لم يعترض على العضوية، ونحن ربما جميعا نعرف مدى اهتمام الدكتور الباججي بشكل التركيبة لهذه اللجنة القيادية. هذا بالتأكيد ليس من باب الصدفة، إذ أن الباججي ليس مجرد إنسان عادي يحمل الجنسية الإماراتية، فهو مستشارا لرئيس الدولة بدرجة وزير ومن المقربين جدا من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإنه في فترة من الفترات كان يشغل نفس موقع زلماي خليل زادة حاليا وقد عينته إدارة كلنتون في أول محاولة لها لتوحيد صفوف المعارضة العراقية. الباججي السياسي المحنك، كان لابد له أن يكون موجودا وبحضور قوي في حل هذه المعضلة ""اللغز"" الذي استعصى على الجميع.
قبل هذا وذاك، كانت المظاهرات المليونية التي اجتاحت العالم وحتى داخل أمريكا، ووقوف أقرب حلفاء أمريكا من أوربا الغربية بوجه الولايات المتحدة في المحافل الدولية وحتى تهديدهم باستعمال حق الفيتو لو أرادت الولايات المتحدة أن تمرر رغباتها بالقوة من خلال الأمم المتحدة. هذا بالإضافة إلى مواقف العرب شعوبا وحكومات، وإن كانت ضعيفة، بجانب أصوات من دول مسلمة، وأخرى صديقة للولايات المتحدة في آسيا وأفريقيا وحتى دولا من أمريكا اللاتينية. كل هذا وذاك جعلنا نرصد في مقال سابق بدء تبلور فكرة الحل الثاني المتمثل بالحل السلمي، أمريكيا، من خلال إزاحة صدام عن السلطة وتوقير ملاذ آمن له ولبعض من أعوانه.
الدول العربية وبالرغم من اعترافها بحقيقة إن النظام العراقي يجر المنطقة والعالم إلى ما لا تحمد عقباه وإيمانها بضرورة تغيير هذا النظام، ولكن هذا النوع من التغيير الذي ربما سيصبح سنة للمستقبل تهدد كل الأنظمة العربية. ولذلك، بات معرفا لدى الجميع من إن هذا النظام يجب أن يذهب بمشيئتهم بدلا من أن يذهب على يد الأمريكان ومن ثم سيكونون هم الأهداف التالية. إذا، كان لابد للعرب أن يصلوا للاستنتاج النهائي ""بيدي لا بيد عمرو"".
وهكذا نستطيع أن نستنتج أن العرب قد اصبحوا جاهزين تماما لتلقي هذه الفكرة. ودولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت قد سعت مسبقا في هذا الصدد منذ أكثر من سنتين من خلال المؤتمرات الخليجية ولكنها لم توفق، إنها على أتم الاستعداد لطرح نفس أفكارها ولكن على مستوى أوسع من المؤتمرات الخليجية، هذه المرة، العربية ومنها مباشرة للتدويل الذي سيجد له الدعم الكبير من لدن معظم الأطراف العالمية والمتصارعة على الساحة العراقية، خصوصا وإن الرئيس الفرنسي يتمنى لو ترك صدام السلطة الآن، على حد قوله قبل أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع.
الذي لا نعرفه بالضبط هو هل إن للخيوط الأنف ذكرها من رابط، وهي الإمارات والباججي والمعارضة والولايات المتحدة والمبادرة الإماراتية القديمة بحلتها الجديدة؟
فظائية أبو ظبي التي تابعت أحداث مؤتمر شرم الشيخ من خلال الإرسال المباشر واستضافت الدكتور الباججي لمتابعة الأحداث و التعليق عليها، إلا أن العقيد القذافي قد فوت علينا الفرصة لقراءة المزيد من أفكار الدكتور وما بين السطور.
المهم إن المبادرة قد تبناها مجلس التعاون الخليجي ولكنها لن تطرح على المؤتمر الإسلامي على إن تطرح عربيا. واكن المعلومات الغير رسمية التي سمعت عن موقف الرئيس المصري من المبادرة بعد انتهاء القمة العربية من إن الرئيس المصري قد عنف عمرو موسى على انحيازه الواضح للعراق وسوريا وتابعها لبنان. وسمعنا وزير الخارجية السوداني من أول المؤيدين للمبادرة إذا طرحت من جديد وذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية السوداني، وظهور عمرو موسى من جديد وهو يدعوا لعقد قمة عربية مستأنفة وليست جديدة،على حد تعبيره. والأبعد من ذلك هو إطلاق المبادرة الإيرانية التي هي نفس الإماراتية ولكن بثوب موشى بالطرز الفارسي الإسلامي. ولكنها لن تطرح على المؤتمر الأسلامي لاستشراس الجانب العراقي ومؤيديهم. على أغلب الضن إن الإيرانيون كانوا قد قرءوا ما بين السطور أيضا وأرادوا أن يركبوا ذات الموجة بهذه المبادرة، وذلك لتحاشي الحرج في وقوفهم مستقبلا إلى جانب المبادرة الإماراتية خصوصا كونهم من الثلاثي المكروه لأمريكا أي "محور الشر"، فالوقوف خلف المبادرة أمر لا حرج عليهم به، أي حشر مع الناس عيد.
الوفد العراقي الأكبر والأشرس في تأريخ المؤتمرات والذي ذهب إلى الدوحة قد يساعد هو الأخر على الاستنتاج الذي وصلنا له، الوفد قد نشط ومنذ الوهلة الأولى بعد أن توزع أعضائه على الوفود الإسلامية من أجل عدم إضاعة الوقت، خصوصا و المؤتمر بجلسة واحدة وليوم واحد. هذا بالإضافة إلى معرفة حقيقة المبادرة أو المبادرات ودوافعها. لابد إن الجهد كان مضن وكبير على أعضاء الوفد العراقي المهزومين أصلا من الداخل. ولكنهم وبالطريقة الصدامية التي نعرفها، دخلوا بالمشادات على طريقة أبناء الشوارع، من هذا نستنتج إن النظام بات مدركا تماما إنها أيامه الأخيرة وإن العد التنازلي قد أبتدأ فعلا، لذا لم يعد للعيب أو الدبلوماسية من معنى.
المؤتمر الصحفي الذي جاء بختام المؤتمر الإسلامي كان غاية بالأهمية لقراءة هذه الفكرة. إن الانقسام أكبر من أن يستوعبه شرح. ولكن السؤال البالغ الأهمية كان الأخير وهو إن رامسفيلد كان قد صرح بالأمس إن هناك أكثر من تسعين دولة مؤيدة للولايات المتحدة في مسعاها، في حين إن المؤتمرات العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز فيها ما يزيد على التسعين بلد، السؤال أيهما نصدق؟ رامسفيلد أم هؤلاء؟
كان جواب الوزير القطري أبلغ، أتصدقني لو أجبتك؟ قال السائل "نعم"، قال له الوزير "صدق ما قاله رامسفيلد".