|
تعظيم الإله فى الأساطيرالبابلية والديانة العبرية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5776 - 2018 / 2 / 3 - 23:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الأمورالملفتة للنظرفى التراث الإنسانى، هوتوارد الخواطروالأفكار، لدى أساطيرالشعوب المختلفة. ولكن أنْ تنتقل هذه الأفكارللديانة العبرية، يكون من حق العقل الحرأنْ يستاءل، عن مغزى هذا النقل؟ خاصة أنّ الملايين من البشرلايقرأون الأساطير، وحتى لوقرأ البعض فإنه يتعامل معها على أنها (خرافات) أو(خيالات مؤلفها) وفى كل الأحوال هى غيرحقيقية. أما عندما يقرأ ما ورد فى هذه الأساطيرفى كتب الديانة العبرية، فإنه يعتبرها حقائق. ومن بين ذلك التشابه بين ما ورد فى كتب الديانة العبرية والأساطير، تعبير(بيت المقدس) وإضفاء القداسة على بيت الإله، وهذه القداسة أضفاها مؤلف الأساطيرالبابلية فكتب: قبل أنْ يوجد للآلهة بيت مقدس.. فى مكان مقدس.. قبل أنْ يخلق الشجر.. قبل أنْ يصنع الآجر(وقوالب الطوب للبناء) لم يكن هناك مدينة ولابشر.. ولكن أحد الآلهة قرّرأنْ يبنى بيتــًـا للآلهة.. وفى تلك الأزمان لم يكن سوى البحر.. ثم ظهرتْ بابل للوجود.. ووضع الإله مردوخ مغرفة من قصب ووضعها على وجه الماء.. وعجن طينـًـا وسكبه مستعملا المغرفة.. وحتى يخلد الآلهة ويهدأوا فى مساكنهم.. خلق لهم الإنسان.. وخلق بذورالبشر.. ثم خلق الحيوانات.. وبعد ذلك خلق الدجلة والفرات.. وحـدّد مجراهما.. وأعلن اسميهما.... إلخ (مغامرة العقل الأولى- تأليف المفكرالسورى الكبيرفرّاس السواح- دارعلاء الدين بدمشق- الطبعة العاشرة- عام1993- ص99) وفى نص آخرمن الأسطورة نجد تشابهـًـا بين قصة خلق آدم وحواء، وما جاء فى كتب الديانة العبرية، وهونص تـمّ العثورعليه محفورًا على لوح فى أنقاض مكتبة (آشوربانيبال) فى نينوى. وقد أشارتْ السطورالقليلة التى نجتْ من التلف إلى خلق الزوجيْن الأولييْن فنقرأ: عندما خلق الآلهة فى مجمعهم كل الأشياء.. كوّنوا السماء وشكــّـلوا الأرض.. وأخرجوا للوجود الكائنات الحية.. قام الإله (ايا) بخلق زوجيْن شابيْن.. وأعلا من شأنهما فوق جميع المخلوقات.. وكان تعقيب المفكرالسورى الكبيرفراس السواح: أنّ ما ورد فى الأسطورة البابلية شبيه بما ورد فى التوراة ولكن من خلال روايتين متداخلتين: الأولى تشيرإلى خلق البشردفعة واحدة. والثانية ركــّـزتْ على خلق الزوجيْن الأولييْن (آدم وحواء) (مصدرسابق- ص100، 101) وأضاف السواح أنّ الخالق فى النص البابلى إلهة أنثى إنها إلهة الأمومة (مامى) وهى الأم الكبرى، وهى أيضًـا: الأرض والتربة الخصبة. ويعادلها عند الكنعانيين (عشيرة) وعند الإغريق (جيا) وما لم يذكره السواح أنّ إله الأرض فى الأساطيرالمصرية اسمه (جـِـب) ويجب ملاحظة حرف الجيم الذى انتقل إلى اسم (جيا) فى الأسطورة اليونانية. وذكرالسوّاح أنّ كل الثقافات القديمة عبدتْ إلهة أنثى، هى الأرض الأم، التى كانت رمزًا للحياة الروحية. وبالرغم من صعود الآلهة (الذكور) وموقفهم من الأم الكبرى وإزاحتها إلى الوراء فى الثقافات الأبوية (كما فى كتب الديانة العبرية بشعبها الثلاث) إلاّ أنّ قوة وتأثيرهذه الآلهة بقى قائمًـا فى أعتى أشكال المجتمعات الذكرية. وفى بلاد الرافديْن تقاسمتْ وظائف الأم الكبرى الموروثة عن العصورالسالفة، إلهتان هما ننتو(مامى) و(عشتار) فبقيتْ ننتوالأم- الأرض. وصارتْ عشتارللحب وروح الخصوبة الكونية (مصدرسابق- ص101) وجاء فى تعويذة بابلية: أنتِ يا (مامى) عون الآلهة.. أيتها الحكيمة.. أنتِ الرحم.. يا خالقة الجنس البشرى.. اخلقى الإنسان فيحمل العبء.. ويأخذ عن الآلهة عناء العمل.. وفتحتْ الإلهة (ننتو) فمها.. وقالت للآلهة الكبار.. لن أنجزذلك وحدى.. ولكن بمعونة الإله (انكى) سوف يـُـخلق الإنسان.. الذى سوف يخشى الآلهة ويعبدها.. فلتعطى الإله انكى طينـًـا كى أعجنه.. وقال الإله انكى: سأجهزمكانـًـا طهورًا.. وسيـُـذبح أحد الآلهة.. وحينئذ سيتعمّـد باقى الآلهة.. وبلحمه ودمائه ستقوم الإله (ننتو) بعجن الطين.. إله وإنسان معـًـا.. سيتحدان فى الطين أبدًا فى هذا النص البابلى نجد تشابهات مع نصوص كتب الديانة العبرية، مثل (تحمل الإنسان عبء العمل) ومثل استخدام الطين أوالتراب لخلق الإنسان، ولكننا نجد اختلافــًـا واضحـًـا، مثل قول كاتب الأسطورة البابلية أنه (سيـّـذبح أحد الآلهة) والسبب- كما ذكركاتب الأسطورة- لكى يتم (تعميد الآلهة) فلماذا ذبح أحد الآلهة؟ وألايدل ذلك على النزعة الدموية عند كاتب الأسطورة؟ كما أنّ من مفارقات النص البابلى: الإشارة إلى (تعميد الآلهة) حيث أنّ فكرة التعميد وردتْ فى الديانة المسيحية للأطفال وتعميد المسيح، وهى فكرة منقولة عن الحضارة المصرية. ويستمركاتب الأسطورة البابلية فى تكثيف فكرة (الذبح) فكتب: لنذبح بعض آلهة اللامجا.. فمن هم آلهة اللامجا: فى الهامش ذكرالمفكرالسورى الكبيرفراس السواح أنهم ((آلهة الحرف اليدوية من صغارالآلهة)) (مصدرسابق- ص103) أما مبرركاتب الأسطورة فإنه: ومن دماء آلهة الحرف نخلق الإنسان.. ونجعله يقوم بخدمة الآلهة.. ألايعنى هذا النص البابلى التركيزعلى احتقارالحرف اليدوية؟ والسؤال الثانى: لماذا سيطرتْ على ذهنية كاتب الأسطورة (فكرة الذبح) وهى الفكرة التى كرّرها أكثرمن مرة. والسؤال الثالث: لماذا التركيزعلى أنّ الهدف من خلق الإنسان هو(خدمة الآلهة) وأليس هذا الهدف هوالتمهيد لسيطرة (فكرة عبودية الإنسان) للإله الواحد الأحد التى جاءتْ بها الديانة العبرية؟ وفى نص بابلى آخرذكركاتب الأسطورة أنّ الإله مردوخ صارع امرأة اسمها (أوموركا) وشطرها نصفيْن، جاعلا من نصفها الأول أرضًـا، ومن نصفها الثانى سماءً. أى أنّ كاتب الأسطورة البابلية أراد أنْ يـُـشيرإلى انفصال السماء عن الأرض التى ذكرها القرآن فى آية ((إنّ السموات والأرض كانتا رتقــًـا ففتقناهما)) (الأنبياء/30) فى حين أنّ الأساطيرالمصرية سبقتْ الأسطورة البابلية وسبقتْ القرآن بآلاف السنين، وكان كاتب الأسطورة المصرية يتمتع بخيال فيه رُقى، حيث نسج قصة حب بين إلهة السماء (نوت) وإله الأرض (جـِـب) وفجأة قرّرالإله (رع) أنْ يتدخل ويـُـنهى علاقة الحب هذه، فأمرإله الهواء (شو) بتنفيذ هذه المهمة، وبالتالى انفصلتْ السماء عن الأرض.. وقد رسم الفنان المصرى عملية الانفصال فى أكثرمن بردية.. وكذلك رسمها على بعض جدران المعابد. وأشارالمفكرالسورى الكبير(فراس السواح) إلى الحقيقة التى أثبتها علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار. وكذلك العلماء الذين درسوا حضارات الشعوب القديمة، وأشهرهم (جيمس فريز) فى (موسوعته الغصن الذهبى) حيث دلــّـتْ الحفريات على التشابه الكبيربين مختلف الشعوب، وبين مختلف النصوص، بينما عناصرها واحدة، حيث الماء (البدئى) الحالة السكونية الأزلية، ظهور(فكرة القوى الغيبية المحركة) لخلق السماء والأرض، وخلق الكواكب والنجوم وخلق الإنسان والحيوان والنبات.. كما تتفق معظم هذه الأساطيرعلى على خلق الإنسان من طين، وعلى خلق زوجيْن بدئييْن أولييْن، وعنهما تسلسل الجنس البشرى. وهذا ما انتقل- فيما بعد- فى الرواية التوراتية (مصدرسابق- ص107، 108) وأضاف السواح: أنّ كثيرًا من أساطيرالشعوب- حتى المسماة بدائية- تقول حفرياتهم وأساطيرهم بتسلسل البشرية عن زوجيْن أولييْن. ومن أمثلة ذلك أسطورة أفريقية تقول: إنّ الإله (نزامى) خلق الإنسان الأول وسماه (سيكوم) ولما رأى أنّ هذا الإنسان وحيد فى العالم، أمره أنْ يصنع امرأة من غصن شجرة اسمها (ميونوى) وتقول أسطورة أفريقية أخرى: أنه فى البدء لم يكن هناك سوى رجل وامرأة.. يعيش كل منهما دون أنْ يعرف بوجود الآخر.. إلى أنْ التقيا صدفة عند أحد الينابيع.. فتشاجرا وتصارعا.. ومن خلال ذلك اكتشفا الفعل الجنسى.. ومباهجه فأنجبا خمسين فتاة وفتى.. وهكذا بدأ تسلسل الجنس البشرى. وتقول أسطورة فارسية أنّ الأنثى والذكرانبثقا عن شجرة وكانا متحديْن فى جسد واحد.. ثم جاء إليهما الإله (آهورا مزدا) وفصل كل منهما عن الآخر.. ثم أرسلهما إلى الأرض. وفى أسطورة مكسيكية أنّ الخالق لما قرّرصنع الإنسان.. فإنه فكرفى المادة المناسبة لذلك.. وكان أول ما جاء على ذهنه (مادة الطين) فخرج منها أول امرأة وأول ورجل.. وأنهما تعانقا ومارسا العشق.. ولكن هذه المادة الطينية أثبتت عدم صلاحيتها.. لأنها ذابتْ فى الماء عندما ذهب الرجل والمرأة للاستحمام فى النهر.. ثم استقر(الإله) على المعدن الذى أثبت قدرته، وبذلك استوى المخلوقان وأنجبا الجنس البشرى. وهكذا تتعدد الأساطير ولكن الجوهرلم يتغيـّـربالنسبة لبداية أول امرأة (حواء) وأول رجل (آدم) وأنه نتيجة الاتصال الجسدى عرفا طريق الممارسة الجنسية.. فكانت النتيجة بداية تكاثر الجنس البشرى.. وبينما أجمعتْ معظم الأساطيرعلى أنّ الإله استخدم الطين أوالتراب.. فإنّ الاستناءات النادرة استخدام الخشب أوالمعدن.. كما جاء فى الأسطورة الفارسية. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توارد الأفكارفى الأساطيروالديانة العبرية
-
صفات الإله البابلى والإله العبرى
-
وظيفة الإله فى الأسطورة البابلية والديانة العبرية
-
الفرق بين بيت الإله السومرى والإله العبرى
-
خلق الإنسان فى الأساطيرالسومرية وغيرها
-
القومية المصرية فى فكرلويس عوض
-
أثر الماركسية على تطور المجتمعات الإنسانية
-
قصة الخلق وفق أساطير بعض الشعوب (2)
-
سفر البداية
-
أساطير شعوب ما قبل التدوين
-
مرثية عزاء فى وداع اللغة العربية
-
صلا ح عيسى والدفاع عن الدولة المدنية
-
التوحيد المصرى والتوحيد العبرى
-
النصوص المكتوبة واختلاف المجتمعات
-
جامعة الأزهرمعامل لتفريخ الإرهابيين
-
أليست الصراعات العربية/ العربية تؤكد أكذوبة (العروبة)؟
-
هل التبشيربالدين يكون بالغزو وقوة السلاح؟
-
كيف انتصرجيش محمد على قريش؟
-
كيف يكون التوفيق بين حرية العقيدة والتكفير؟
-
رد ثالث على الاسيد (متابع)
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|