|
حاكمٌ عربي يطلبُ الصفحَ من شعبه
ميشال شماس
الحوار المتمدن-العدد: 1480 - 2006 / 3 / 5 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يسبق لي أن سَمعتُ في بلاد العرب أن حاكماً عربياً طلب "الصفح" من شعبه أوعبّر عن مواساته وأسفه للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي راح ضحيتها عشرات الألوف من أبناء شعبه. ففي سابقة ربما هي الأولى من نوعها تحدث في العالم العربي، طلب العاهل المغربي محمد السادس الصفح من شعبه في خطاب وجهه إلى الشعب المغربي في السادس من الشهر الماضي جاء فيه :(لقد أقدمنا، بكل شجاعة وحكمة وثبات، على استكمال التسوية المنصفة لماضي انتهاكات حقوق الإنسان.. فإني أرفع هذه البشرى.. إلى أفئدة جميع الضحايا والمتضررين، وكل الأسر المكلومة، التي هي محط عطفنا وعنايتنا. وأضاف الملك : ( هذه المصالحة الصادقة التي أنجزناها، لا تعني نسيان الماضي، فالتاريخ لا يُنسى. وإنما تعتبر بمثابة استجابة لقوله تعالى :"فاصفح الصفح الجميل"، فالأمر يتعلق بصفح جماعي من شأنه أن يشكل دعامة للإصلاح المؤسسي.. إصلاح عميق يجعل بلادنا تتحرر من شوائب ماضي الحقوق السياسية والمدنية). وقد جاء هذا الخطاب الذي سمي "بخطاب الصفح والسماح" أثر تسلم الملك المغربي تقرير هيئة "الإنصاف والمصالحة" التي أمر بتشكيلها العام 2003، للنظر في الانتهاكات السابقة التي طالت الحريات المدنية للمغاربة، منذ الاستقلال في العام 1956 حتى وصول الملك الحالي محمد السادس إلى الحكم في العام 1999 بما في ذلك الانتهاكات التي حدثت في عهد والده، وقد ضمت الهيئة في عضويتها أشخاصاً سبق أن تعرضوا للاعتقال والتعذيب. وهي أول تجربة في هذا الإطار تتم في بلد عربي، ونقلت صحيفة السفير اللبنانية عن أحد أعضاء اللجنة المعتقل السابق أحمد بنيوب قوله : ( أن اللجنة تلقت 20 ألف طلب، اعتمدنا منها أكثر من 16 ألفا و500 حالة منها. وتميزت جلسات الاستماع إلى المدعين بنقلها المباشر عبر الإذاعات التلفزيونية المحلية، وشهدت فيها ضحايا تعرضت للتعذيب والاغتصاب والأسر لسنوات وبلغت ذروة أعمال الهيئة في العثور على مقابر جماعية لرفات المفقودين، واستخراجها، وإن الهيئة وُفقت في حل نحو 60 إلى 70 في المئة من ملفات المفقودين، والتعويض لأكثر من 1000 ضحية، وتحديد التعويضات لأكثر من 16500 آخرين). كما تم صرف حوالي مائة مليون دولار من التعويضات حتى الآن بحسب صحيفة الأحداث المغربية. وقد لاقت خطوة الملك المغربي ترحيباً واسعاً في الشارع المغربي خاصة لدى ضحايا تلك الانتهاكات، وكذلك عائلات الضحايا الذين قضوا أو فُقِدوا نتيجتها خلال النصف الثاني من القرن الماضي، واعتُبِرَت تلك الخطوة على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، شرط أن تعبقها خطوتين في غاية الأهمية، تتجسد الخطوة الأولى بالكشف الكامل عن جميع الانتهاكات دون أي استثناء، وبالأخص بيان مصير ملف بن بركة الذي اختطف في 9/10/1965، وإحالة كافة الأشخاص الذين كانوا وراء تلك الانتهاكات، سواء كانوا مسؤولين حاليين أو سابقين إلى محاكم مختصة لينالوا جزاؤهم العادل، أما الخطوة الثانية، فتتمثل بقيام الدولة المغربية بصرف التعويض المادي المناسب لكل المواطنين المغاربة الذين ذهبوا ضحية الممارسات الأمنية وتجاوزات السلطة. وذلك كمنطلق وأساس للتحرر والخلاص نهائياً من آلام الماضي وذكرياته السيئة التي حفرت عميقاً في نفوس المغاربة، والتي تراكمت بشكل خاص في ظل ما يسميه المغاربة "بسنوات الجمر والرصاص". وفي إشارة للصدى الايجابي للجهد الكبير الذي قامت به "هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب" ذكرت صحيفة السفير في عددها الصادر بتاريخ 13/2/2006 أن سورية طلبت من الهيئة المذكورة زيارة دمشق للاطلاع على التجربة المغربية في مقاربة ملف المفقودين في سوريا. ويبدو أن هذه الخطوة التي اتخذها الملك المغربي، قد جاءت على خلفية ارتفاع معدل البطالة إلى مستويات كبيرة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مستوى الدخل لأغلبية الشعب المغربي، وتصاعد نشاط الأحزاب والقوى السياسية والنقابية والمنظمات الأهلية المغربية، وتأثيرها الذي بات مسموعاً لدى أوساط واسعة من الشعب المغربي، يضاف إليها المتغيرات الدولية التي أصبحت تشكل ضغطاً قوياً باتجاه تحقيق المزيد من الإصلاحات ومزيد من الديمقراطية ليس في المغرب وحسب، بل في جميع البلدان العربية. وبعيداً عن الأسباب والدوافع التي دفعت بالملك المغربي إلى اتخاذ هكذا خطوة، فإنها مع ذلك تعتبر خطوة جريئة بكل المقاييس،و تستحق الثناء، سيما وأنها المرة الأولى التي نسمع فيها أن حاكماً عربياً قدم المواساة لشعبه وطلب الغفران والصفح منه على الانتهاكات التي تعرض لها من قبل السلطة وأجهزتها الأمنية، على خلاف الذي كان سائداً وما يزال كذلك حتى الآن في بلاد العرب، حيث ينظر الحاكم العربي إلى شعبه على أنه خُلِقَ لخدمته وأنه قدره الذي لامفر منه،وعليه التسبيح باسمه وحمده صباح مساء. تُرى هل تشجع خطوة الملك المغربي الجريئة باقي الحكام العرب على كسر حاجز الرهبة لديهم والمبادرة إلى فعل الشيء نفسه.؟! حتى يسود الدفء علاقة الحاكم بشعبه، بما يساهم فعلاً في إذابة جبال الجليد التي تفصل بينهما والتي تراكمت خلال عقود طويلة من الزمن. والبدء بنشر ثقافة جديدة بعيداً عن أي إقصاء وتهميش أوعزل، نشر ثقافة الحوار والمصالحة الوطنية بين الحكام العرب وشعوبهم من أجل استئناف مشروع التقدم والنهضة السياسية الاقتصادية والاجتماعية، لبناء دولنا ومجتمعاتنا العربية على أساس احترام حق المواطن في الأمن والقضاء المستقل العادل الكفء، وسيادة القانون، وحقه في التعليم الأساسي وفي الرعاية الصحية وفي حرية الاعتقاد والفكر والتديّن، وحقه في الاشتراك مع باقي أفراد الشعب في اختيار حكامه وتغييرهم سلمياً ودورياً واختيار ممثليه إلى مجلس تشريعي رقابي فعّال يقوم بعمله في الرقابة على عمل السلطة التنفيذية وقادراً علي محاسبتها وإسقاطها إن هي فشلت في أداء عملها. وفي حقه أخيراً وليس آخراً بتولي الوظائف العامة على أساس الكفاءة والنزاهة واختيار الشعب له، بما في ذلك منصب رئيس الدولة، كل ذلك بصرف النظر عن جنس أو دين أو لون هذا المواطن أو درجة غناه أو فقره أو مركزه الاجتماعي .. باختصار نريد مجتمعاً ودولة يكون رائدهما الحق والعدل والقانون. عين الغارة 3/3/2006
#ميشال_شماس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيون المدينة
-
من أين يأتينا الفرح ؟
-
نحو تفعيل قانون الكسب غير المشروع
-
خليك عالخط
-
بماذا نفخرُ نحنُ العربْ؟
-
تصريحات بالاتجاه المعاكس
-
خطوة في الاتجاه الصحيح
-
هل أصبح طريق الإصلاح والتغيير مفتوحاً بعد خدام ..؟
-
من هو الخائن..؟
-
حين الحاجة يتذكرون شعوبهم
-
ميليس وخيار التحقيق في التحقيق
-
حزب البعث والحرص على الدستور في سوريا
-
مخاطر القرار 1636على سورية
-
هل ينطلق الإصلاح من تحت الضغوط؟!
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|