|
أطوار بهجت .. من الشعر إلي الحرب
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1480 - 2006 / 3 / 5 - 11:45
المحور:
الصحافة والاعلام
الذين شاهدوا الصحفية العراقية أطوار بهجت على شاشة قناة العربية ، سيظلون طويلا يذكرون وجه جميل لشابة لم تتجاوز الثلاثين ، تتحرك بهدوء ومودة أمام الكاميرا ولا تفارق عينيها نظرة دافئة مستقيمة ، ولا تفارق عنقها سلسلة ذهبية تحمل خارطة العراق . في 22 فبراير الحالي كانت كانت أطوار في مدينة السامراء تقوم بتغطية لتفجير قبة مرقد الإمام على الهادي، حين توقفت سيارة وهبط منها ثلاثة بمدافع رشاشة ، وصاح أحدهم مشيرا إلي أطوار بهجت : نريد المذيعة . نريد المذيعة ! واختطف المسلحون أطوار وزميليها المصور عدنان خير الله ومهندس الصوت خالد محمود وزجوا بهم في سيارة سرعان ما اختفت وسط ذعر حشد من المواطنين . في صباح الخميس عثروا على جثتها ملقاة في شارع جانبي ببلدة دور بضواحي مدينة سامراء . كانت آخر كلمات الشهيدة في آخر رسالة لها قبل اختطافها بلحظات " يجب أن نسعى بالمشاركة لإخماد أية فتنة طائفية " . ثم انقطع الاتصال نهائيا ، إلي الأبد . الإعلامية التي لم تفارق عنقها سلسلة ذهبية تحمل خارطة العراق ، كانت من أب سني ، وأم شيعية ، ولدت في المدينة ذاتها التي ماتت فيها . توفي والدها مبكرا وكان مديرا لإحدى المدارس فتحملت - وهي في السادسة عشرة - عبء سد حاجات والدتها وأختها الوحيدة الصغيرة إيثار ، ولم تكف في تلك الأثناء عن كتابة الشعر ونشر قصائدها . تخرجت من كلية الآداب جامعة بغداد قسم اللغة العربية ، وعملت بعد ذلك في مجلات وصحف عراقية عديدة منها " ألف باء " و " الجمهورية " ، وعملت في القناة الفضائية العراقية مقدمة لبرنامج ثقافي . عام 1999 نشرت ديوانها الأول " غواية البنفسج ". وبعد اندلاع الحرب على العراق عام 2003 ، عملت مراسلة للفضائية اليمنية ، ثم انتقلت إلي قناة " الجزيرة " وتعرضت للاعتقال من قبل القوات الأمريكية أثناء عملها ، وبعد أن أغلقت أمريكا مكتب الجزيرة في بغداد في أغسطس 2004 ، انتقلت أطوار في يناير هذا العام إلي قناة العربية . في حوار أجرته معها صحيفة الوطن العمانية في نهاية 2003 ، قالت أطوار إنها كانت تكتب من قبل عن الحب فقط وعن مشاعرها كامرأة لكن: " سقوط بغداد غير لهجتي في كتابة الشعر ، فلم أعد أكتب سوى عن الوطن الذي سرق مني في وضح النهار ". في حوار آخر قالت أطوار بهجت : " إنني بحاجة إلي العراق لكي أبكي على صدره " . كانت أطوار بهجت تقدم حقيقة ما يدور في العراق للعالم ، من دون أن تحني رأسها بكلمة نفاق للاحتلال والمحتلين ، ومن دون أن تناور على حقيقة أن العامل الرئيسي في مأساة العراق هو الاحتلال والغزو الذي لابد له أن يرحل . كتبت أطوار قبل اغتيالها رواية قصيرة بعنوان " ليلة وأد بغداد " ، لم يسعفها الوقت لنشرها ، كما لم يسعفها الوقت لإعلان خطوبتها على أحد زملائها ، فقد انقطع الاتصال بها نهائيا . ومع اغتيال أطوار بهجت السامرائي ، يطرح الجميع بطرق مختلفة السؤال ذاته : من المسئول ؟ ويحب البعض تحميل المسئولية لمختلف الأطراف ، ماعدا الاحتلال الأمريكي. علما بأن مسئولية الحفاظ على أرواح المدنيين وحمايتهم زمن الحرب وتوفير الأمن والغذاء والدواء لهم هي مسئولية قوات الإحتلال في البلدان المحتلة وفقا لمعاهدة جنيف واتفاقياتها الأربع ، ويندرج في ذلك أيضا مسئولية المحافظة على أرواح الصحفيين وسلامتهم . إن قوات الغزو والاحتلال الأمريكي البربري تتدخل في أدق التفاصيل كتعيين هذا الوزير وإقالة ذاك ، لكنها لا تستطيع ، أو لا تريد ، لا فرض الأمن ولا نشره . وهذه القوات هي الطرف الأول صاحب المصلحة في إخفاء حقيقة ما يجري في العراق . وقد قتل في العراق خلال ثلاثة أعوام فقط من الاحتلال الأمريكي تسع وسبعون صحفيا وإعلاميا ، غير ثمانية وثلاثين صحفيا مختطفا ، ونحو سبعين آخرين محتجزين في معتقل أبو غريب . وللمقارنة فإن عدد الصحفيين الذين قتلوا على مدى عشرين عاما في حرب فيتنام لم يتجاوز ستين صحفيا ! قوات الاحتلال وحدها هي المسئولة عن مقتل أطوار بهجت وزملائها ، لأنها وحدها صاحبة المصلحة الأولى في إخفاء جرائم الاحتلال ، ومقابره الجماعية ، ولهذا السبب أغلقت من قبل مقري قناة الجزيرة ، والعربية ، وغيرهما ، لكي لا يعرف العالم أنه قد تمت تصفية مائتي وخمسين عالما عراقيا في مختلف التخصصات ، ولكي لا يسأل أحد : أين اختفت أربعة مليارات من الدولارات خلال إدارة بريمر فقط ؟ ولكي لا يعرف أحد تفاصيل النهب والفساد الذي اضطر السيد رامسفيلد للإعتراف به ؟ ولكي لا يعرف أحد أن الدول الدائنة للعراق قد أسقطت 85% من ديون العراق ، دون أن يسدد مليم من أي دين ؟ ولكي لا يعرف العالم بحقيقة أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين ، والممارسات الوحشية لأولئك الجنود وزملائهم من البريطانيين وغيرهم ؟ ولكي لا يعرف أحد كيف ينهب النفط العراقي ؟ وكيف تم تدمير اقتصاد الوطن ومرافقه ؟ لهذا كله صرخ الجناة : نريد المذيعة . نريد المذيعة . ولهذا كله كان لابد من إخماد حرية التعبير والرأي ، التي تتشدق بها أمريكا ليل نهار ، وإطلاق النار على صوت أطوار بهجت التي احتاجت العراق لتبكي على صدره ، فبكي العراق كله على صدرها . ***
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية هند والفيشاوي
-
الأزمة الدانمركية بين الدين والسياسة
-
ميشيل باشليه واليسار الجديد
-
رحيل فؤاد قاعود .. موال الرفض والحرية
-
الجوائز الأدبية وكرامة الكاتب
-
اعتذار للشعب السوداني ، واستنكار لما جرى
-
بروزاك .. صديق المبدعين
-
ألفريد فرج .. في وداع الخيال
-
الوجه الآخر لفوز الإخوان في مصر
-
يوميات جندي أمريكي في العراق
-
من أين يأتي الحزن ؟
-
أقباط مصر .. هل يريدون الكثير ؟
-
أحداث باريس وكلمات ألبير كامي
-
الثقافة والطائرات
-
المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية
-
اللحظة الحرجة
-
علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
-
هي وأخواتها علماء العراق
-
الرواية اليوم
-
الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|