|
حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /2
وفاق القدميري
الحوار المتمدن-العدد: 5768 - 2018 / 1 / 25 - 21:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحلقة الثانية : المدرسة الأيونية
استمراراً مع الرحلة المخفّفة في ثنايا المدرسة الأيونية، كأول مدرسة فلسفية يونانية، بإجماع السواد الأعظم من مؤرخي الفلسفة ومفكريها، سنُخصص هذه اللحظة لمحاولة استكشاف تقريبي لأهم الأعلام الفلسفية لهذه المدرسة، أعلام، ومن باب استزادة الفائدة، كانوا جزءاً أساسيا من تشكُّل الموروث الحضاري لليونان ككل، كيف لا وهيرودوت المؤرخ الكبير* هو أيضا عضو في بانثيون أيونيا الثقافي، بالإضافة إلى هوميروس -أو بشكل أدق الشعراء الهوميريين- وهيزيود، مؤسسي الموروث الملحمي في القرن الثامن الماقبل الميلادي، الموروث الشديد التأثير في كل ثنايا وخصوصيات الحضارة الإغريقية كما نعرفها. هذا البانثيون الثقافي سيعزّز بمؤسسي الروح الفلسفية الأيونية بكل الزخم الباثِّ لشرارة الفلسفة فيما يلي من مراحل تشكّلها اللاحقة.
طاليس/ Tales 546-624 ، ق.م
الشرارة الأولى، الانزياح الأصيل عن المسارات السابقة للنظر، وإقصاء الآلهة من الحلول الممكنة في تفسير نشأة هذا العالم. طاليس رغم النَذر القليل من شظايا المعارف المتوفرة عنه - وهو الحال ما غالب الفلاسفة السابقين لسقراط- شظايا تناثرت حول تنبّؤٍ بكسوف "585/610" ق.م أوقف الحرب بين الليدين والميدين -فرس أسيا الصغرى المجاورين لأيونيا- في حينه، ثم رحلة إل مصر ميزّها قدرة مزعومة على حساب طول أحد الأهرام، كلها متفرقات عن قيمة طاليس العلمية، متفرقات وصلتنا عن طريق المصادر الكلاسيكية عن هذه المرحلة، بدايةً بتواريخ هيردوت، كتاب الطبيعة لأرسطو، حياة مشاهير الفلاسفة لديوجين اللايرتي؛ مؤرخ الفلسفة في القرن الأول/الثاني الميلادي**. تبقى قيمته الحقيقية من ناحية فلسفية تكمن في وضعه لأحد عناصر الطبيعة، وهي الماء، كمادة أولى لنشوء هذا الكون/العالم. قيمة و أهمية تتركّز في تفسير العالم بعناصره، في محاولة جادّة لتحييد كل طرحٍ ذو طبيعة لاهوتية، ما ورائية، للخوض في هذه المعضلة، معضلة شكّل من خلالها أولى مبادئ التفكير المادّي، وهو شرط ضمن شروط لبناء نظر فلسفي.
انيكسماندر/Anaximandre 547-610، ق.م
انيكسماندر هوالحلقة الثانية في المدرسة الأيونية، والفيلسوف المتتلمذ على يد سلفه، والحافظ لمنهجه في النّظر للعالم، طبعا مع وضع المسافة الكافية مع تصورات أستاذه، مسافة كان الضامن لها طبيعة الطرح المختلف عن العالم وتفسيره، مع الحفاظ على الأساس الأصيل في تحييد ما ليس من العالم في تفسيره. لأنيكسماندر أيضا، كما لطاليس، إنجازات علمية "منسوبة"، منها التنبؤ بزلزال كان سيحدث في الوقت الذي كان فيه بإسبرطا وسط اليونان، ثم إدخاله للمِزولة كأول ألة لقياس الوقت اعتمادا على طول ظل شيء ثابت أو قصره عبر أوقات النهار المختلفة، لكن المعلومة الأقرب للصحة هي السبق الذي ناله حين رسم أوّل خريطة لليونان والعالم كما هو متصوّر حينها. إجابة انيكسماندر عن معضلة أصل العالم، مع احترامها لشروط التوفر في العالم، إلاّ أنها كتصور، تعّد أكثر تعقيدا مما قدمه طاليس، فتصور أنيكسماندر يفسِّر نشوء العالم واستمراره عن طريق الأبيرون، والأبيرون هو عنصر خالد، محيط، وحاضن للعالم وعناصره، ويتأسس على مبدأين أساسيين.
1- إنّ الأبيرون لا محدود كيفّاً؛ أي كعنصر غير محصور ولا متناهي إذا ما تمازج مع باقي عناصر العالم الأربع، وهي إشكالية لم ينتبه لها طاليس سابقا، فالنار قادرة على إفناء الماء، والحار قادر على حصر البارد، بينما الأبيرون فهو لا محدود كيفا بشكل قادر به على خلق هذه العناصر دون أن تكون لها القدرة على إفناءه كما هو الحال مع الماء والنار.
2- إنّ الأبيرون لا نهائي كمّاً؛ أي أن العالم بعناصره، يحتاج إلى منبع لا ينتهي لتستمر عناصره في التوفر، وهو الشيء الغير ممكن حسب أنكسيمانس، إذا ما استشفينّا محدودية العناصر المنسوب لها الأصالة في جَبْل العالم، وهنا تظهر لا نهائية الأبيرون من حيث هو مصدر خلفي لا نهائي لتوفير عناصر العالم.
______________
* - هيرودوت "480-420"ق.م هو أحد أهم المؤرخين في العصر القديم، ساهمت موسوعته، تواريخ هيرودوت، في إماطة اللثام عن جزء كبير من تفاصيل العالم كما عاصره، خدمة تأريخية جليلة، رغم المآخذ التي شابت عمله. ** - تعدُّ هذه المصادر، إلى جانب جمهرة من المشائيين منهم..فلوطارخس، سمبليقيوس، هيبولتوس، ساهموا في توفير معطيات عن انيكسماندر خصوصا، وعن مرحلة ما قبل سقراط عموماً.
#وفاق_القدميري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /1
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|