معذرة.. هل أنت -برعى-؟

رامى جلال

الحوار المتمدن-العدد: 1479 - 2006 / 3 / 4 - 09:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

حكم قاس للمفكر السورى "بسام درويش" قد نختلف معه, يقول: (كلما إزداد عدد العلماء في أمة إزداد تقدمها، إلا الأمة الإسلامية التي لن تتقدّم إلا بالتخلّص من علمائها).. وكان بالأحرى أن يُعدل درويش كلمتة بأن يقول "بعض علمائها" لكى تكون أخف وطأة على المتلقى.. فالعلماء نوعان; الأول أنار الله قلبه وعقله, والثانى هو "برعى" عدو النور والعلم, وهؤلاء هم من يقصدهم المفكر السورى.. و"برعى" هو من يأخذ في الأحكام بأشدها ويفتى أحياناً بغير علم ويتحدث عن قضايا فات أوانها ويتبع سياسة "خالف تُعرف".. فإذا وجد البشرية تهتم بالفضاء, أهتم هو بالنساء.. وإذا وجد العالم يهتم بالإنسان, بحث هو في قضايا الجان, فوظيفته التى خُلق من أجلها هى أن يشد الناس إلى الخلف.. قابلت يوماً "برعى" فسألته:
- "قل لى يا مولانا, هل يجوز شرعاً أن يتزوج الرجل من أخت أرملته؟!".. وكنت أنتظر من الرجل أن يبتسم أو يضحك أو حتى يقهقه, لكنه خيب ظنى, نظر إلى السماء متأملاً, وكأنه يستعين بها ليجد إجابة لسؤالى, ثم أخذ يُعدد لى آراء الفقهاء والعلماء في جواز زواج الرجل من أخت أرملته!!.
بالطبع لم أشأ أن أوضح للشيخ "برعى" أن السيدة مادامت قد حصلت على لقب أرملة فبالضرورة أن يكون زوجها قد أنتقل إلى عالماً آخر, ومن ثم فالمسكين لن يستطيع أن يتزوج أخت زوجته أو حتى أحدى قريباتها.. خفت طبعاً أن أذكر لفضيلته هذه الحقيقة العلمية لا لشئ إلا تحرزاً من أن يتهمنى بالجهل..
وللشيخ "برعى" مدرسة عامرة بالتلاميذ الأكفاء والأتباع الأوفياء.. واحد من أتباع الشيخ "برعى" أفتى منذ سنوات أن الشمس ليست ثابتة وأن الأرض لا تدور حولها ولا يحزنون وأن كل هذه إدعاءات باطلة ومن يقول بغير ذلك ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. إذ يقول:
"أجمعت آراء السلف على ثبوت الأرض, وبالتالى فإن القول بأن الشمس ثابتة وأن الأرض دائرة هو قول شنيع ومنكر.. ومن قال ذلك فقد كفر وضل ويجب أن يُستتاب وإلا قُتل كافراً ومرتداً, ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين".. في الغرب يتحرون الدقة ويسمون عالم العلوم scientist أما عالم الدين فيطلقون عليه theologist.. فالتفرقة واجبة, ولأن إسم برعى دائماً ما يُسبق بلقب "عالم", فقد ظن نفسه في نفس المرتبة مع "إسحق نيوتن" و"ألبرت أينشتين" فأخذ يسوق الحجج "العلمية" التى تؤكد كلامة, و"تدحض" آراء مخالفيه, فيقول:
"لو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والأشجار والأنهار لا قرار لها, ولشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق والبلدان المشرقية في المغرب, ولتغيرت القبلة على الناس; لأن دوران الأرض يقتضى تغيير الجهات بالنسبة للبلدان والقارات, بالإضافة إلى ذلك فإنه لو كانت الأرض تدور لشعر الناس بحركة كما يحسون بحركة الباخرة والطائرة وغيرها من المركوبات الضخمة".. وأخيراً وصف المسلمين الذين يؤمنون بدوران الأرض بأنهم "بعيدون عن إستعمال عقولهم".. (مثلما يفعل هو).
وفي عالمنا العربى فقط- حصرياً- تجد شيخاً جليلاً من أتباع "برعى"- المعلم الأعظم- يتحدث في موضوعات من قبيل "الأوضاع الجنسية الشرعية ؟".. والكارثة هى أن يتحدث رجل دين في مثل هذه الأمور, والمصيبة هى أن يأخذ حديثه المنحى الدينى, والفاجعة هى أنك ستجد شيوخاً آخرين يختلفون معه!! (لهم رأى شرعى آخر في هذه الأوضاع!).
وفي بلدنا لا يولد الإسان برعى, لكنه يتحول إلى ذلك فجأة أثر رؤيته لمنام مبروك أو قراءة كتاب دينى واحد أو ترك خطيبته له أو فشله في المجال الفنى.. أطلق نيتشة على "برعى" وأتباعه لقب (ديوك الله الرومية), وإن كانت الديوك العادية قد نفقت بفعل أنفلونزا الطيور فإن ديوك الله الرومية لا تنفق إلا بفعل "أنفلونزا التنوير", ولذلك فهم يسارعون بكتم أفواه من يعارضهم, وبأى وسيلة, إتهاماً بالجنون أو تفريق عن الزوجة أو إهداراً للدم, أى شئ, المهم ألا يمس أحدهم الذات البرعوية المقدسة.
المعممين عندنا أنشغلوا بمعارك فقهية تافهة مثل إشكالية تحديد القدم المفترض إستخدامها للدخول إلى الحمام.. وهل بلع الريق يبُطل الصيام؟.. كل هذا والعالم منشغل من حولنا بمركبات الفضاء التى تم إرسالها إلى كوكب "عطارد" وكوكب "المريخ" وكوكب "برعى".

#رامى_جلال (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات