أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - السودان: الفيل في داخل غرفة موازنة العام 2018















المزيد.....

السودان: الفيل في داخل غرفة موازنة العام 2018


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 5765 - 2018 / 1 / 22 - 21:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إذا كانت الموازنة العامة تعتبر تقديراً مفصلاً للنفقات العامة والإيرادات العامة عن فترة مالية مستقبلية محددة، فالمفترض أن تكون تعبيراً صادقاً عن النشاط المالي للدولة؛ كما أن الموازنة ترتبط عضوياً بحالة الاقتصاد القومي ليس في تحديد تقديرات الموازنة فقط؛ بل أيضاً في دورها كأداة تتحقق من خلالها الأهداف التنموية للدولة على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى.

إن الصورة التي ظلت تتكرر عاماً بعد عام فيما يتعلق بالموازنة العامة للدولة السودانية هى الإعتماد على الضرائب والقروض والمعونات الخارجية في جانب الإيرادات، ولفترة طويلة ظلت الإيرادات عاجزة عن تغطية المصروفات. والميزانية الحالية البالغ حجمها الكلى 173.1 مليار جنيه تبلغ نسبة تغطية الإيرادات (117 مليار جنيه) للمصروفات فيها حوالى 68%، وثلثا الإيرادات (75 مليون جنيه) ياتى من الضرائب بكل ما تحمله من إجراءات تقشفية فاقمت المتاعب الاقتصادية على الأغلبية من أبناء الشعب وزادت عليها أرزاء الحياة. والحل الخالد لردم الهوة بين الإيرادات والمصروفات، كما مر ذكره، هو سعي الحكومات المتعاقبة لفرض المزبد من الضرائب والاقتراض الخارجي وإلى حد ما الاستدانة الداخلية كإصدار السندات المالية والتمويل بالعجز.

إن السمات الأساسية العامة لتوقعات موازنة العام 2018 تشمل، بجانب تحقيق معدل نمو 4 بالمائة، انخفاض:
* حدة الفقر وزيادة فرص التشغيل.
* متوسط معدل التضخم من 34.1 بالمائة إلى 19.5 بالمائة.
* عرض النقود من 45.6 بالمائة إلى 18.1 بالمائة.

إن توقعات الموازنة الجديدة بانخفاض التضخم ليصل إلى 19.5% من 34.1%، وتقلص عرض النقود من 45.6% إلى 18.1% غير واقعية. وليس هنالك دليل واحد على أن النسبة الضئيلة لنمو الدخل القومى، إن حدثت، سوف تعود الى زيادة في حصة القطاعات الإنتاجية تفوق مساهمة القطاعات الخدمية مثل الاتصالات وغيرها. ويرجع عدم واقعية تنبؤات الميزانية إلى حالة الاقتصاد المتسم بالركود وانخفاض الإنتاج وانعدام فرص التشغيل.

والسبب الأهم في التدهور الاقتصادى يعود فى التحليل النهائي الى المادة الرابعة من ميثاق صندوق النقد الدولى. فالمادة الرابعة تشمل تفويض إدارة الصندوق بإجراء مشاورات سنوية مع البلدان الأعضاء حول آخر تطورات وضعها الاقتصادي ومن ثم الاتفاق على استراتيجية السياسات الاقتصادية للبلد المعني.

أشار المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى في ختام مشاوراته (12 ديسمبر 2017) مع السودان حول المادة الرابعة لعام 2017 إلى أنه ينبغي على السودان العمل على توحيد سعر الصرف بحجة ان الإجراء سيلعب دوراً حاسماً في القضاء على التشوهات التي تعيق الاستثمار ونمو الصادرات وعليه جاءت توصية المجلس بضرورة التحرير الكامل لسعر الصرف فى مطلع عام 2018. كما أوصى المجلس بإلغاء دعم الوقود والقمح لتعزيز استقرار الاقتصاد الوطنى.

إن توصية الصندوق الأخيرة حول سعر الصرف هي مواصلةً إلى توصياته المدمرة للإقتصاد منذ سبعينيات القرن الماضى عندما صار رسم السياسة الاقتصادية للبلاد تحت إمرته؛ فالصندوق ظل يطلب من السودان تخفيض العملة بحجة أن قيمتها مغالى فيها (overvalued) وحجته تتلخص في أن التخفيض له آثار إيجابية تشمل تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتحسين الأوضاع التجارية (معالجة عجز الميزان التجاري) والنتيجة تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي. ولكن الأدلة الأمبريقية تؤكد أن الواقع التجارى لم يشهد تحسناً وازداد الطلب على القروض والمساعدات الخارجية وارتفعت معدلات التضخم فى ضوء إرتفاع قيمة الدولار وتضاعف الضغط على أصحاب الدخول المنخفضة الذين يشكلون أغلبية الشعب.

إن تعويم سعر الصرف، الذى أوصى به الصندوق في الموازنة الجديدة، في بلد يعانى من نقص حاد في احتياطي النقد الأجنبي، لن تكون نتيجته إلا المزيد من تدهور اقتصاده وتفاقم معاناة شعبه.

إن موازنة 2018 لحكومة السودان هي السير على طريق التبعية لمؤسسات التمويل الدولية الذى ظلت تعززه الحكومات السابقة ويشي بهذا التعزيز تأكيد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الفريق محمد عثمان سليمان الركابي الذى قال، كما جاء في الأخبار المحلية، أن السياسيات المالية لوزارته ستكون استمرارا ” للسياسات المالية وفقاً لخطط وزراء المالية السابقين، مشيراً إلى التركيز على برامج حكومة الوفاق الوطني وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، متوقعاً أن تشهد البلاد مزيداً من القروض والمنح“. وعرضاً، كتعبير عن إفلاس حكومة الإنقاذ وحاجتها الماسة للموارد المالية، هل يصدق القارئ أن وزير المالية الجديد دشن إضافته لحل الأزمة المالية بأن وجه ديوان الضرائب بضرورة إدخال الأنشطة غير المشروعة للوسطاء والمتعاملين في تجارة الذهب والعملة والأراضي والسيارات، تحت المظلة الضريبية لتحقيق الشمول الضريبي!!!

إن موازنة الحكومة السودانية للعام 2018 تاتى تجسيداً صادقاً لوضع البلاد كدولة تابعة. فالسيطرة الخارجية على الاقتصاد القومى، التي من أهم أذرعها صندوق النقد الدولى عبر مختلف البرامج كبرنامج التعديل الهيكلي للثمانينيات والتسعينيات (structural adjust programmes)، تهدف إلى إبقاء السودان فى حالة التخلف بوقوع مفاصل الاقتصاد تحت قبضة راس المال الأجنبي؛ وأدناه نتائج السياسات التي يفرضها الصندوق على السودان:
* السياسة النقدية: تخفيض العملة وتحرير سعر الصرف الذى يؤدى إلى إضعاف القوة الشرائية للمواطنين في ضوء اعتماد البلاد على الواردات التي يتضاعف أسعارها.
* سياسة تحرير الأسعار والتجارية الخارجية: التى تقيد منافسة البلاد في الأسواق العالمية ليس فقط نتيجة للسياسة النقدية، في النقطة أعلاه، بل لعدم تكافؤ الفرص بينها كدولة فقيرة ومنهكة إقتصادياً وبين الدول الغنية ووقوعها تحت رحمة شروط تجارية مجحفة.
* السياسة المالية: اهم مظاهرها إجراءات التقشف بفرض الضرائب وتقليص الإنفاق على البرامج التي تتجه لتخفيف العبء على المواطنين.
* سياسة النمو الاقتصادي: وتشمل بيع مؤسسات الدولة عن طريق الخصخصة التي تؤدى إلى بيع المؤسسات العامة بأسعار بخسة لصالح بعض المستثمرين بالتواطؤ مع بيروقراطي الدولة. لكن الأهم هو أن الخصخصة لا تقود للنمو الذى لن يتحقق إلا بإجراء تصحيحات جذرية لاختلالات هيكلية مزمنة يعانى منها الاقتصاد الوطنى.

وكل هذه السياسات أفقرت السودان وجعلت مصدر إيرادات الموازنة السنوية تتكون من الضرائب والقروض والمنح؛ والصندوق لا يهتم بمعناة المواطنين إزاء هذا الوضع إلا بعبارات عابرة متصنعة تدعو الحكومة العمل على تخفيف الضغوط الاقتصادية عليهم. فالصندوق لا يتحدث عن الأرقام التي تعطى الأولية للصرف على أجهزة وأدوات قمع الشعب على حساب الخدمات الصحية والتعليمية وحصة الأقاليم من الموارد التي يستحوذ المركز على جلها. الصندوق لا يهتم بالمصروفات خارج بنود الموازنة ولا بحقيقة أن مساحات إقليمية واسعة خرجت من العملية الإنتاجية نتيجة للحروب والهجرة نحو المدن وان نسبة كبيرة من المعاملات التجارية تتم، كنشاط غير قانونى، خارج نطاق الاقتصاد الوطنى.

وهكذا بما أن حصول السودان على القروض التي تشكل المصدر الأساس لموارده المالية لا يتم إلا عبر توصية الصندوق للدائنين بأهلية البلاد الائتمانية، فلا مكان للانفكاك من تحكمه والامتثال لتوصياته (المدمرة)؛ وما لم يتم خلق الدولة الوطنية الديمقراطية، سوف لن يكن هناك مخرجاَ من الدائرة الخبيثة لفقر الدولة ........ وما لم يخضع النشاط السياسى التكتيكي، على أهميته القصوى، لمهمة إحراز الدولة الوطنية الديمقراطية باعتبارها ”الهدف المرحلى النهائي“، فإنه (النشاط السياسى) لن يصير أكثر من نشاط جزئي ودائرى حتى لو استمر لمائة عام قادمة.



#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهزلة تجديد الماركسية - تطور الديالكتيك المادى ونظرية الفوضى
- أمريكا: تخفيض الضرائب - طوباوية البيتكوين (Bitcoin)
- ما لم تكنه ثورة 21 أكتوبر السودانية
- جبال النوبة-السودان: لكى لا يتكرر التاريخ مأساة
- تقرير المصير للقوميات فى الدولة الواحدة: حق داخل حق
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (3-3)
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (2-3)
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (1-3)
- ملامح الدولة الأمريكية - ترمب والإنتلجنسيا الجديدة
- الحركة الشعبية –قطاع الشمال- واليسار السودانى
- فى الدعوة الى الوصاية الدولية على السودان
- محمد أحمد محجوب وإرث عبد الناصر
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--6-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--5-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--4-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--3-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--2-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--1-
- العامل الثقافى: إسهام ماركس وخطأ غرامشى
- السودان وسد النهضة بعد فشل اللجنة السداسية


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - السودان: الفيل في داخل غرفة موازنة العام 2018