|
القمني وهزيمة المثقف الأعزل
صلاح زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 1479 - 2006 / 3 / 4 - 09:38
المحور:
المجتمع المدني
لقد فوجئنا ، بل صعقنا جميعاً ، نحن معشر المثقفين العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين والقوميين ، لقرار المفكر المصري الشهير سيد محمود القمني بإعلان براءتـه من أفكاره ، التي طالما استنرنا بها ، وتوقفه عن الكتابة بشكل نهائي ، وعدم المشاركة في أي نشاط ثقافي أو فكري أو سياسي في أي محفل من المحافل ، وعدم الإدلاء بأي تصريح أو رأي للصحافة والإعلام ، بعد تلقيه تهدياً بالقتل عبر بريده الإلكتروني . أجل ، لقد فوجئنا ودهشنا غاية الدهشة ، لموقف القمني ، الذي عرفناه باحثاً جاداً وجريئاً ومشاكساً ، لكل أنواع التابوات والخرافات والهرطقات . وكانت لطروحاته وآرائه الجريئة صدى واسعاً لدى أهل الدرس والبحث والمثاقفة ولدى عموم الناس ، وبمثابة حزمة ضوء ساطعة سلطها القمني على الجوانب المظلمة من التاريخ الإسلامي ، المليء بالفواجع والمآسي ، حيث اشتغل بدأب ومثابرة ، وبروح علمية موضوعية ، لا تخلو من السخرية والتندر ، على كشف المخفي والمستور والمطمور والمسكوت عنه في ركام العقل الإسلامي المحنط بالنصوص والأشعار والمرويات والخرافات ، عبر مؤلفاته الرصينة والصادمة للذوق العام المتبلد ، مثل مؤلفات : ( النبي إبراهيم والتاريخ المجهول ) و ( الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية ) و ( حروب دولـة الرسول ) و ( ربّ الزمـان ) و ( شكـراً ابن لادن ) و ( أهل الدين والديمقراطية ) والتي كانت القشة التي قصمت ظهر الجمل الإسلاموي، المتطير من كلّ رأي مخالف، فأقدم على التنديد به وتكفيره وتهديده بالقتل وذبحه على الطريقة الإسلامية . والقمني مثقف مستقل أعزل لا يملك سوى قلمه وأفكاره ومكتبته . يقيناً إنّ تراجع القمني واستسلامه لأمر الواقع ورضوخه لتهديدات التكفيريين الإرهابيين القتلة ، القابعين في كهوف التاريخ وسراديب الجهل والعماء ، هو لحظة ضعف إنساني تحت هاجس الخوف من الموت، المجاني، على يد ( بلطجي ) ملتحي ؛ فهو يريد أن يعيش من أجل عائلته وأبنائه ، لا أن يموت مثل ( فرج فوده ) ، الذي ترك ابنه يعيش في مأساة حقيقية من بعـده . وقد تكون مناورة ذكية ، لحين توفر قسطاً من الحماية والأمان، عبر طلب اللجوء والخروج من مصر ؛ كما فعل زميله المفكر (نصر حامد)، الذي شدّ الرحال إلى هولندا إثر إقامة الحدّ عليه ومضايقته وتكفيره وفي كلّ الأحوال ، إنّ حادثة ( القمني ) تعدّ هزيمة لنا جميعاً ، هزيمة للخطاب العلماني التنويري ، بل هزيمة للإنسان في مقارعته للظلم والجهل والاستبداد . لكنني أمني نفسي بأننا لن نهزم مادمنا نحمل شعلة الحرية ونحلم بالمستقبل الأجمل وننحت بالكلمات عالماً أكثر إشراقاً وسلاماً ورفاهية ، في الوقت الذي أثبت فيه الخطاب الإسلاموي ، الأصولي السلفي المتطرف ، فشله الذريع في التعاطي مع روح العصر ومستجداته، وعجزه عن ممارسة القيم الحضارية ، عبر المكاشفة والمحاججة ولغة الحوار ، لا لغة السيف والدم والبارود وتجريم الآخر وتكفيره . فليس كافراًَ من يسفه آلهة الجمهور بل الكافر من يتبنى تصورات الجمهور عن الآلهة ، كما يؤكد ( أبيقور) الفيلسوف. فإذا كان السيد القمني ملحداً وكافراً ومرتداً، حسب وصف الأخوة الإرهابيين ، المؤمنين بالله واليوم الآخر ، والناطـقـين الرسمـيـين باسم الإسلام والقرآن والسنة ، فإننا جميعاً ملاحـدة وكفرة وفق تصوراتهم . لقد كشف الإسلام السياسي ، المؤدلج ، المتشدد ، ذو الرؤية التوتاليتارية ، الضيقة ، الحولاء ، عن وجهه الكالح ، البشع ، وصار قؤيناً للإرهاب في كلّ أصقاع العالم ، بل أن الإرهاب صار يوصف بالإسلامي ، لكثر المجازر التي ارتكبتها عصابات الموت ، باسم الإسلام ، والإسلام منهم براء ، بدمٍ وتحفيز وتشجيع ومباركة من رجالات اللاهوت ، من أئمة ومشايخ وخطباء وأمراء ومتفقهين ، يحللون ويحرمون ويفتون ، على هواهم . فبالأمس قتلوا فرج فوده وحسن مروة ، واليوم يهمون بقتل القمني ، ولكن هيهات ، فالأرض ما زالت تدور( كما قال غاليلو) . إنّ القمني ليس واحداً ، فهناك مئات الآلاف من الذين يؤمنون بأفكاره ، وليس من السهل قتلهم جميعاً .
#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|