جان عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 1478 - 2006 / 3 / 3 - 11:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في 16 تشرين الثاني 1970 استطاع حافظ الأسد وزير الدفاع آنذاك من التخلص من رفاقه في القيادتين السياسية و الحزبية و استلام مقاليد السلطة بالكامل. الا أنه لم يكن يتصور أن الأمور ستمر بشكل سلس و هادىء على الشكل الذي سارت عليه, حتّى أنه لم يجرؤ على تسلم رئاسة الجمهورية مباشرة فعيّن عضو نقابة المعلمين الانسان الطيب المرحوم أحمد الخطيب لبضعة أشهر رئيسا للجمهورية. دون أن يمارس أيّة صلاحية لهذا المنصب سوى هواية الصيد بينما احتفظ لنفسه برئاسة الوزارة وعمد الى الظهور في الجامع الأموي في كل المناسبات الدينية مع مفتي الجمهورية أثناء ممارسة الصلاة حتى نصحه مستشاروه بأن الظروف نضجت ليتبوأ منصب الرئاسة.استطاع بعدها أن يجمع حوله آلافا من الذين يشبهونه في طريقة التفكير الفاشية التي تقوم على عدم قبول القانون والاحتكام إليه. وليس هناك ما يدعو الى العجب لأن ما أطلق عليه وليم جيمس في (نجاح آلهة الفحشاء) سيجد دائما من يكرسون أنفسهم لتمجيده ويحاولون الاستيلاء على سلطة الارغام العليا في الدولة و بالاختصار أن يجعل نفسه الدولة.
وان ما فعله هؤلاء في الحقيقة يشبه الى حد كبير ما فعله الرجال الذين حملوا هتلر و موسيليني الى مقاعد الحكم وهذا لايمكن أن يتحقق في أي مجتمع الا في حقبة لم تعد فيها الأهداف والمبادىء الكبرى مشتركة بين الناس وهي في الواقع تعبير عن مجتمع في طريقه الى الانحلال السريع لأن قوة الخوف عند المواطن أصبحت أكبر بكثير من قوة الأمل وصارت سلطة الخارجين عن القانون كافية لتدمير السلطة التقليدية فارتكبت في الداخل جرائم كثيرة للقضاء على أية معارضة محتملة ومنها جريمة العصر في المدينة الباسلة حماة. هي نفس المدينة التي اعطت سورية نخبة من الرجالات الوطنيين الديمقراطيين الليبراليين بحجة انها بؤرة الاصولية والسلفية والكل يعلم في سورية أنذاك ان مدينة حماة لم يكن يمثلها في الدورتين الانتخابيتين السابقتين أي نائب أصولي وأن المواطنين المسيحيين في محردة وصقيلبية إبان حوادث حماه الدامية كانوا يؤون الهاربين من بطش النظام والسلطة الظالمة ويؤمنون المواد الغذائية والطبية للمدينة المنكوبة, فكان رد السلطة ان هدمت أكبر كنيستين في مدينة حماة بالاضافة الى جوامع كثيرة.
إن المواطنين في سورية أصبحوا في خوف من زعمائهم ومن جيرانهم وفي خوف حتّى من أنفسهم ومن أفكارهم, حتّى أنهم لايعرفون ماذا سيأتي به الغد, كما لايجرؤون على الثقة ببعضهم البعض ولا يثق فيهم أحد من الخارج وأصبح حكما فقد فيه الآحساس الحيوي بأنّ الحكم الناجح لايكون بأن يسوق الحكام الشعب أمامهم بل بأن يقنعونه بالسير ورائهم في الطريق الذي يسلكونه كما لايمكن أن يكون هناك توسع أو رخاء اقتصادي حيثما تكون السلطة ذي طابع فاشي في الحكم لأنها توجه الأمور الداخلية لمصلحتها وحياتها الاقتصادية الخاصة وهذا يعني اساءة استعمال المصادر القومية وسيطرتها على عملية الانتاج والتجارة الخارجية وهي في سبيل ذلك تستهتر بالقانون وتقضي على الثقة وتعادي شعبها, لأن أجواؤها ارهابية ونظامها غير عادل ولايحقق الآمال المشروعة. كما أن لهزيمتها القادمة أسبابا قوية, فمن الناحية السيكولوجية لايستطيع الناس أن يعيشوا دائما في ظل التوتر ومعدل الحركة اللذين تتطلبهما الأنظمة الشمولية وتجارب التاريخ الماضية تؤكد أن ما من حكم استبدادي استطاع الاستمرار حتّى ولو كان يستند الى عقيدة أو فكرة وتاريخ نابليون وروسبير دليل على ذلك.
أمّا اذا انتقلنا الى تجربة هذا النظام الاستبدادي في لبنان فيمكن ان تستوعبها مجلدات كاملة لإنها كانت تجربة طويلة دامية أزهقت فيها أرواحا بريئة لا ذنب لها سوى أنها اعترضت على السيطرة النظام السوري. كان هذا في عهد الأب أمّا وقد جاء الابن وارثا للعهد وللدور السوري في لبنان فلقد استبشر كثير فكثيرون من المواطنين السوريين وأنا منهم واللبنانيين خيرا لعله يوقف تعديات رجال النظام على هذين الشعبين خاصة وأنه شابا لم تلوث يداه سابقا ومتعلما قضى بعضا من دراسته في الغرب الديمقراطي الاّ أن الذي حدث كان عكس توقّع جميع المتفائلين. فأثبت بادارته قصر نظر هذا النظام وضرب بعرض الحائط جميع التحذيرات الدولية ومضي بعناده مصرا على التمديد للرئيس لحود مستهينا بمعارضيه في لبنان خاصة ومنهم الكثيرون الذين كانوا الى وقت قريب على علاقة جيدة بسورية.
إلى ان جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ليكون القشة الي قصمت ظهر البعير وليكون بداية النهاية لمشوار النظام الاستبدادي. ابتدأ بعدها بسحب قواته العسكرية تحت تأثير الضغوط الدولية لكنه بقي مقتنعا بأن مفاصل الحكم اللبناني ستبقى بيده عن طريق مئات الخلايا الأمنية النائمة والأحزاب العميلة له في لبنان, ولتأكيد ذلك فإنه أقدم على اغتيال وتفخيخ عددا من سيارات رجال الفكر والصحافة السياسة المناوئين له, واقتراف الكثير من التفجيرات ذات الأهداف الخبيثة كما يرجح ذلك الكثير من المراقبين, لكن الميزان على الأرض اختل الآن. وانعكست الآية, فالأكثرية النيابية تعمل بجد لاجتثاث أي نفوذ له في لبنان ولاسقاط الرئيس المفروض بالقوة على شعبه بل وحتى الى العمل على تغيير النظام في دمشق. وستكون عمّا قريب تجربة الأربعين عاما لهذه الطغمة المستبدة درسا في التارخ ودرسا لكل الحكام الذين لم يسخروا مقدرات بلادهم لصالح شعبهم وازدهاره بل لتكون مزارع خاصة لهم ولأبنائهم من بعدهم متجاهلين أن العالم يتطور بسرعة وأن الموازين الاستراتيجية في المنطقة مالت بعيدا عن خياراتهم وأن خلل هذه الموازين في الشرق الأوسط قضية مستعصية عربيا واقليميا ودوليا.
ولاثبات ذلك دلائل كثيرة منها على سبيل المثال الانذار الذي وجهته تركيا الى النظام السوري في تشرين 1998 لتسليم عبدالله أوجلان أو اخراجه من أراضيها والاّ, ولقد صاحب كلمة و(الاّ) تحركات عسكرية تركية بدأت فرقها المدرعة تتجمع قرب الحدود هدفها مدينة حلب. إلى ان استطاعت الوساطات العديدة ان تؤمن لقاءا بين وفدين عسكريين سوريا وتركي لم تقتصر نتائج مباحثاتهما على اخراج عبدالله أوجلان من سوريا بل على التنازل نهائيا عن مطلب اللواء السليب ورفعه جغرافيا من الخارطة السورية الجديدة الى الأبد. لم يتعظ هذا النظام من هذا الدرس ومن أن اللعب بالموازين الاستراتيجية أوقعه بين السندان الاسرائيلي والمطرقة التركية فأخذ يعيد نفس الدور في جنوب لبنان وبطاح السلطة الفلسطينية والعراق علّه يلعب دوارا اقليميا يحقق له مكاسب خاصة ويثبت حكمه في دمشق.
لقد كان لسورية قبل هذا النظام سمعة دولية جيدة وعلاقات مع اكثر دول العالم متميزة, ومجتمعا موحدا في الداخل متراصا متحابا متسامحا ينبذ عوامل التفرقة سواء كانت عرقية او دينية او مذهبية على عكس ما تعانيه سورية اليوم من جراء سياسات هذا النظام.
#جان_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟