|
التعددية المَذهبية في الجزائر ، مِن التقييد الى الحظر !
الياس ديلمي
الحوار المتمدن-العدد: 5760 - 2018 / 1 / 17 - 21:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المُتصفِّح للصّفحات الاخبارية الالكترُونية مِن أجل الإطلاع على موقف الاعلام الجزائري مِن التّعدُّدية الدينية المَذهبيّة و حرية التّديُن في دَولة الجزائِر ، سيُصدَم حتماً مِن هَول العَناوين المُصَاغة التّي تَتصدَّر مقالات اخبارية تتناول قضايا تعدُّد المذاهب و الأديان دُون أن نَنسى ظاهرة الالحـاد ، فمِن أبرز العناوين التّي اعتمدتها الصُحُف الجزائرية على سبيل المثال لا الحَصر هي : الأحمدية تُهدّد الجزائر ، مُلاحقة أتباع الطائِفة الأحمدية ، خَطر التّشيُّع في الجزائر ، المُلحِدون في الجزائر : مسلمون في الظاهِر كُفّار في السِرّ ..الخ هُنا نَودّ طرح عِدّة تَساؤُلات أهمُّها : ما مَحلّ التّعدُّدية المذهبيّة مِن الإعراب في الجزائِر ؟ قَبل أن نُحاول اقتِفاء أثر قضية التّعدُّدية المَذهبية علينا الاشارة الى التمايُز الدّقيق بين التّعدُّدية الدّينية و بين التّعدُّدية المّذهبية التّي عليها مَدار مقاِلنا ، حتّى لا نُشعِّب المواضيع مع بعضها البعض و لا نَغرَق في دوّامات التّوسُّع الذي يَجعلُنا نضِيعُ في متاهاتِه . فالتّعدُّد الدّيني يَتمّثَل في التعدد في الدين والعقائد والشرائع ، حيثُ تَرتكِز مبادئه على ضَرُورة الاعتراف بوجود تنَوُّع ديني في مجتمع واحد أو دولة تضم مجتمعاً أو أكثر ، بالإضافة الى وُجُوب احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من اختلاف أو خلاف في العقائد ، مع الحثّ على إيجاد صِيغ ملائمة للتعبير عن ذلك في إطار مناسب و بالحسنى بشكل يحَول دون نشوب صراع ديني يهدد السّلامة الاجتماعية . أمّا التُعدُّد المَذهبي فهُو الذّي يَكون في إطار ديني واحد ، حيث تَعتمِد أُسُسُه على الاعتراف بوجود تَنوُّعٍ مَذهبيٍّ يَكُون ضِمن مجتمعٍ واحدٍ أو دولةٍ تضم مجتمعاً أو أكثر ، مَع ضَرورة احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من اختلاف أو خلاف في الفروع أو غيرها ، دُون أن تَغفَل على البحث عن إيجاد صيغٍ ملائمةٍ للتعبير عن ذلك في إطار مناسب وبشكل يَمنع نشوب الصراعات المذهبية التّي تُهدد سلامة المجتمع ، مع ضَمَان الإقرار بعدَم أحقيّة نفي أيّ أحد و تهمشيه ، التّكفُّل بحرية التفكير والتعبير المذهبي للجميع و المساواة في ظل سيادة القانون . انطلاقاً من السّرد الذي تَطرَّق الى التمايُز بين التّنوُّعات الدينية و المذهبية ، وَجب التّنويه الى أنَّ تَعدد الفرق و المذاهب داخل الدين الإسلامي يُجسِّدُ ظاهرةً طبيعيةً و حيويةً بِشكل نِظامي و مُستمِّر جميع الأديان و المُعتَقدات ، فقد دَخلَت المذاهب الإسلامية طَور التَّكوُّن منذ بداية القرن الأول الهجري ، وانْبَثَق عنه الكثير من المذاهب والفرق والمدارس الفقهية . و عليه و بَعد الخوضِ في المفاهيم الأوليّة التّي سَننطلِقُ مِن خِلالها سنطرحُ تَساؤُلاً آخر، نَستعين بإجابَاتِه في الردِّ على تساؤلنا المَطرُوح صَدر هذا المقال، و هو : ما مَحلّ التّعدُدية المَذهبية مِن الإعراب في الدّستُور الجزائري ؟ كما هو معلومٌ للقاصي و الداني أنَّ ثقافة التّعدد المذهبي لا تَكون مُتاحة إلاّ اذا توَفَّر المُناخ القانُوني الذي يُساعد نُموُّها و ازدهارِها ، و حينما نُلقي الضّوء على الدُّستُور الجزائري نَجِدُه يُصرِّح بِشكلٍ واضح أنّ الاسلام هو دِين الدولة في مادّتِه رقم 2 ، الى جانِب أنّه يُعلن صراحةً أنَّ الحُريّة الدّينية مكفولة و مَضمُونة بموجب المادّة رقم 32 ، حيث تَنُصُّ على أنّ كل المواطنين سواسية أمام القانون ، ولا يمكن أن يُتذرّع بأيّ تمييز يعود سببه إلى المولِد ، أو العِرق ، أو الجِنس، أو الرّأي ، أو أيّ شرط أو ظرف آخر شخصيّ أو اجتماعيّ ، مع التّشديد على وُجوب احترام حُريّة الاعتقاد و الرأي مِن خلال المادّة رقم 42 التّي كانت مِن ضِمن دائرة التّعديل الدستُوري المُؤرّخ في 6 مارس 2016 و التّي جاء فيها : ( لا مساس بحُرمة حرّيّة المعتقَد ، وحُرمة حرّيّة الرّأي . حرية ممارسة العبادة مضمونة في ظل احترام القانون ) . و مِن خلال ما ورَد في نُصُوص الدستور الجزائري الواضحة وجب علينا و على القُرّاء أيضاً وَضع عِدّة علامات استِفهام و تَعجُّب بخُصُوص هذا الموضوع ، مِمّا يَجعلُنا نَستفسِر عن تطبيقات تلك النُصُوص القانُونية في أرض الواقِع المعاش ، دُون أن نَغفَل عن الأسباب التّي جعلَت السّلُطات الجزائرية تُركِّز بِكل قِواها على اعتقال و مُحاكمَة كُلّ مواطن جزائري يُحاول أن يُمارس حقّه الدّيني في حُريّة الاعتِقاد الذّي منحه له دستُور الوطَـن القاطِن فيه !! في هذا المَقال سنُحاول تَجنُب الغوص في المسائل القانُونية و كذلك السياسية ، مع عدم الاشتِباك مع السُلُطات الجزائرية بشأن سُلُوكياتِها في تسييرها لِمِلّف التّعدد الدّيني المَذهبي ، بل سَنمشي في خطّ مُستقيم واضِحٍ و ثابتٍ نُبرِز مِن خلالِه أهميّة الحوار بين الأطراف المَذهبية المُتواجدة في مُجتمعٍ واحد ، تَفادياً لعِدّة انزلاقات و نزاعات خطيرة تُؤدي الى أوضاع أشبه بالمستنقعات لا يُمكِن الخُروج مِنها مُستقبلاً ، و لهذا سَنأخذ تصريح وزير الشُؤون الدّينية و الأوقاف الجزائرية السيّد محمّد عِيسى كعَيِّنة لمعالجة ما أشرنا اليه ، حيث أوضَح في تصرِيحٍ شفويٍ له شهر مارس الفائت بأنّ المَجالس العِلمية التابعة لِقطاعِه قررت الرجوع إلى الفتوى التي كان قد أصدرها المجلس الإسلامي الأعلى والمرحوم العلامة احمد حماني في السبعينيات و القاضية بأنّ الطائفة الأحمدية فئة ضالة وخارجة عن الملة والدين الإسلامي الحنيف .. و هنا كما نوَّهنا أعلاه لن نَخوض في ملابسات السياسية و الأمنية الدقيقة بصرف النظر عن صواب أو خطأ قرار إخراج الطائفة مِن دائرة الاسلام مِن الناحية الدّينية ، بل سُنخُوض في الخُروقات الواضحة للمادّة الدستُورية رقم 42 المَذكُورة أعلاه مِن طرف السُلطات الأمنية التّي تُحاول حظر أيّ نشاط مَذهبي فوق التُراب الجزائري ، فهل يُدرِك السيّد الوزير حَجم خُطُورة تصريحه الذي سيُعرّض سلامة المواطنين الأحمديين و معهم مواطنين آخرين يَعتنِقُون مذاهب أُخرى الى عِدّة مَخاطر يَكون مَصدرُها التّطرف و التعصب الدّينيين ، بَعد أن جَعلَهم كُفّار في نظر الرؤية الدّينية التّي يتبناها المُجتمع الدّيني و هُو يُدرك تماماً معنى أن يَكون مُواطن جزائريُ كافرٌ وسَط أفراد مُجتمعه ؟ هل تُريد السُلطات الجزائرية أن تُسيطر على الأوضاع الأمنية الدّاخلية أم تُريد انفلاتَها بأن تُقدّم عِجلاً حَنيذاً للمتعصّبين دينياً و مذهبياً المُندّسِين النائمين و المُنتظرين أيّ شَرارةٍ تُوقِظ وحشَ الهمجيّة الكامِن داخلهم ؟ بما أنّ الحُكومة الجزائرية تُطبّق المادّة الدستورية التّي تَنصُ على أنّ الاسلام هو دينُها فلما لا تُحاول تطبيق النّص الدّيني القرآني القائل : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ؟ لماذا تُبرِّر أفعالها بنصّ فتوى يَرجع زمنُها الى فترة السبعينيات ، ألا تتغيّر الفتوى مع تغيُّر الزمن و مُقتضيات البيئة و الظُروف و مصالح المُجتمع ؟ فسواء كانت تِلك الجماعة التّي تُطاردُها أجهِزتُها الأمنية و تُحاول حظرَ نشاطاتها كانت مِن ضمِن دائرة الاسلام أو مِن خارِجها ، الأَولى بمُختلف أجهزتها الاعلامية ( السمعية ، البصرية و المكتوبة ) و الدّينية ( هياكل وزارة الشُؤون الدينية و الأوقاف ) ، أن تَعمَل على اقامة أعمدة تواصُل متينة تُتيح شبكة حِوارية تَقوم بتوعية المواطن الجزائري بصرف النظر عن مرجعيته الدّينية و المذهبية ، و تفتح أبواباً للتعارف المذهبي بين المواطن و بين أخيه المُواطن ، الى جانب تنصيب عِدّة مِنصّات معلوماتية تُتيح للمُجتمع أن يتعايش مع مَن يُشارك أفرادَه الوطن و المواطنَة مِن الأقليات المذهبية و الدّينية ، مِمّا يُساهم في تضييق الخِناق على ظاهرة التّعصُب التّي تَخلِق لنا مظاهِر أُخرى تتمثَّل في العُنف بِكُلّ أشكالِه ، الى جانب تَفادي فِخاخ تمزيق أواصِل الشّعب و تفتيت وحدة المجتمع الجزائري ، إضعاف الروح المعنوية ، وخلق الفتن والصراعات النّتِنة . بصرف النظر عن العوائق و الإشكالات الأمنية و القانونية التّي تَتعامَل معها الدّولة الجزائرية بحزم شديدٍ ، إلا أنّ ذلك السُلوك إن لم يُصاحبه حوارٌ مفتوح مع الأطراف المَذهبية صادِق ، سيَفتح أبواب تَعصُّبٍ كبيرةٍ تَجلِب لنا سيلاً مُدّمِراً عبارة عن ردّات فِعلٍ عنيفة جِدّا تُغذِيها أيادي الجهل و الخُبث الشّيطاني ، و لهذا فالدّعوة الى المُحاورَة الهادئة بالتّي هي أحسَن خُطوة ثمينة جِدّا تَجعل المُجتمع الجزائري كياناً عاقِلاً و واعياً يَتعايش ثقافياً ، دِينياً و فِكرياً مع بعضِه البَعض ، مِمّا يَخلِق مُناخاً مُتنوِّعاً يُساعِد على الارتقاء و التّطوُّر الحضاريين . و عليه فالدّولة الجزائرية مُلزَمة بإتباع أسلُوب الانصات و الجِدال الهادف الذي يُساعِدها في التّمكُن مِن سياسة التقيِيد و الابتِعاد عن تطبيق سِياسة الحَظر حتى تُحسِن لعب دور الحكِيم الذي يُجيد امساك العصا مِن وسطِها ، و تَسمح لمُواطنيها مُمارسة حُرياتهم الدّينية وِفق قوانين دستورية تَحفظ لهم حُقُوقهم مع تبيان ما عليهم مِن واجبات ، و بهذا يَكون التّقييد قانونياً انسانياً يُوازن بين قِوى المجتمع المذهبية المُتعدّدة عن طريق مُختلف قنوات الحِوار و التّوعيّة دُون اللجوء الى أُسلوب الحظر و التّهميش الذي يُولِّد وُحُوشاً عنيفةً يَصعُب التّخلّص مِنها .
#الياس_ديلمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
« مأمُورة و مُنتنَة و كذلك نائمة ، فدعُوها !! »
-
صلاة العقُول « الصّالون الفِكري » (1)
-
لقَاء العقُول
-
« تراجِديا الحضَارة »
-
« داعِش تظهَر مِن جديد ! »
-
الأُنثى المَفقُودة (2) : « العلاقة بين الذكر و الأنثى ، شَرا
...
-
الأُنثى المَفقُودة (1) : « الإنسَان و الإنسَانيّة »
-
يُوسف زيدَان و غَوغاء التّارِيخ يتشاجَرون !
-
وزير يزُور أبى هريرة
-
أُسطُورة دَاروِين المُسلِمين : عمرُو بن مَيمُون
-
أسطُورة الإنسَان والتّاء المربُوطة
-
رزَان و الإخوان في بِلاد طَرزان
-
حفلَة تنكُرية
-
خُطبة ابليس في يوم عَرفة
-
جُمهورية التناقُضات (3)
-
جُمهورية التناقُضات (1)
-
جُمهورية التناقُضات (2)
-
ثُنائية تَقديس الجهل
-
حلب بين الثَّورة و الثَّور .
-
التأشيرة الدّينية لدخول بيت أبي سُفيان
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|