محمد مسافير
الحوار المتمدن-العدد: 5760 - 2018 / 1 / 17 - 05:27
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كان تلميذا متمردا على قرارات الإدارة التربوية، فرغم أن مستواه الدراسي كان في الثانية ثانوي إعدادي، إلا أنه كان ذا بصيرة ثاقبة، لم يكن أساتذته يتحملون الجواب على أسئلة تتجاوز مرحلته الدراسية، فقد كان همهم إيصال محتوى الدرس لا غير، دون الانجراف إلى تفاصيله التي يطلبها التلميذ، ربما اعتبارا للحيز الزمني الذي يفرض النظام التعليمي صرامة في تدبيره، أو ربما عجزا عن مسايرة فضول السائل، فيختارون القمع أو الإخراس أريح وسيلة...
ومن بين ما كان يحتج عليه هو قرار الإدارة بمنع مضغ العلكة في القسم، وكان يحاجج بفوائدها بما خلصت إليه أحدث الدراسات العلمية التي تنصح بها لما لها من نفع عظيم في تقوية التركيز، و في المقابل تجده يستفسر عن أسباب المنع ذاك الذي لا يجد له أي أساس، كما كان مناهضا للضرب ومستشهدا بوثائق المنظمات الدولية لحقوق الطفل، نحن لسنا دوابا يقول، وإن كانت الدواب نفسها لها حقوق في الغرب ولها منظمات ترافع ضد من يعتدي عليها، فهل نحن دون دواب الغرب؟ يتسائل...
كان أيضا إنسانا مبدعا، أو كما يحلوا له أن يسمي نفسه، مخترعا، فكل حين يأتينا بابتكار عظيم بالنسبة لمستواه، كان مولعا بالفيزياء وغرائب الكيمياء، فتجده يبتكر أشياء بسيطة في المكونات، وعظيمة عند الاستعمال، يسلمها للأستاذ متوقعا الوسام، لكن لا يتلقى حتى التحفيز، وكذلك شأن الإدارة..
صادفته أمس، أخبرني أنه هجر المدرسة وأصبح منكبا على التعليم الذاتي، يشاهد تجاربا على اليوتوب، ثم يتحراها نظريا عبر الإبحار في غوغل، ويحاول تجريبها واستخلاص نتائجها... وإن استعصى عليه الفهم، يقصد أحد أصدقائه الأساتذة الذي لا يبعد عن محل سكناه إلا بأمتار قليلة، أو يطرح سؤاله على مجموعات علمية على الفايسبوك!
ومن الأسباب التي طرحها تبريرا لذاك الهجر، قال إن المدرسة تستنزف كثيرا من طاقته، وتلقنه أشياء لن تفيده أبدا في حياته اليومية أو المستقبلية، والأساتذة لا يحفزون الإبداع، والإدارة تقليدية إلى حد لا يطاق، قال إنه يعشق العلوم، ولا حاجة له لأن يتلقى دروس الفاطميين والعباسيين ومتى توفي ابن تومرت... لن يفيده ذلك في شيء، كما أخبرني أنه تقدم كثيرا في العلوم بفضل الوسائل التعليمية التي اقتناها له والده، الآن يتعلم بشغف، وبوثيرة مضاعفة...
قلت له: خيرا فعلت!
#محمد_مسافير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟