www.Rahakmedia.com
لقد أبدى جميع العراقيين المعارضين لنظام صدام إرتياحهم لمبادرة دولة الأمارات العربية المتحدة رغم إنه ليس هناك من الشاكرين وأنا منهم قد قرأ نص المبادرة بل وحتى الأحزاب العراقية المعارضة التي رفعت آيات من الشكر والأمتنان لسمو الشيخ زايد لم تطلع على نص المبادرة ولكنها تتضمن تنحي صدام حسين عن السلطة التي ستتولىا الدول العربية (وليس كما طرح البعض الأمم المتحدة ) مهمة إنتقالها (لمن ؟) لا أحد يعلم . إذ لم تذكر كلمة الديمقراطية أو إنتقال السلطة الى المعارضة أو الى الشعب وهو منطق هؤلاء الحكام وسياستهم كشيوخ وديكتاتوريين لا يريدون أن يطرحوا نموذجا ديمقراطيا مفقودا في إماراتهم أو مملكتهم . حتى بعض الأحزاب العراقية المعارضة سارعت الى تأييد المبادرة الأماراتية دون أن يطلعوا على نصوصها ومنطقها وآلية تنفيذها لأنها تحوي تنحي صدام عن السلطة فقط . كيف؟ لا أحد يعلم .
المبادرة هي أمريكية وليست أماراتية لأنها تحمل فشلها كمبادرة سلمية وهي تصب في صلب السياسة الأمريكية بضرورة شن حرب على العراق وأحتلاله إذ تضيف المبادرة حجة إضافية للحجج الأمريكية بأستحالة التغيير السلمي للنظام العراقي أو لأي حل دولي سوى شن الحرب المدمرة ضد العراق . ما يسمى بالمبادرة هي فاشلة لأن أبسط إنسان لا يقتنع بأن صدام حسين سيتخلى عن السلطة في العراق لأن تخليه يعني هلاكه هو وأعوانه مهما قدم له من ضمانات بعدم محاكمته أو تخلي الشعب العراقي عن محاكمته وهو يعرف جيدا بأن هذه الضمانات سوف لن تعد لها قيمة تذكرعندما يكون خارج حكمه وغير محصن بأحتمائه بحياة الأبرياء من أبناء شعبنا .
أما كان الأفضل أن تطرح مقترحات قابلة للتنفيذ وتكون في نفس الوقت مدخلا لأسقاط النظام العراقي كأن تبادر القمة العربية لدعوة الأمم المتحدة لحماية السكان المدنيين في العراق من مخاطر الحرب التي تخطط لها الولايات المتحدة والأشراف على تنفيذ المقررات الدولية بما فيها القرار 688 .
إن صدام حسين ونظامه الديكتاتوري هو الساعي والمشجع لشن الحرب على العراق وتلبية الأهداف الأمريكية بأحتلال العراق والمنطقة بأسرها وهو نفس الدور الذي لعبه أسامة بن لادن ومازال يظهر على الشاشة بين الفينة والأخرى ليوقظ المشاهد الأمريكي بخطورة الأرهاب الذي يجب القضاء عليه ومن أجل القبض على هؤلاء يجب إحتلال العالم ومن ثم تتوفر الأمكانية للقضاء عليهم !! .
لقد كانت الديمقراطية بالنسبة للأمريكان في منطقة الشرق الأوسط سلاحها الأساسي للتدمير الشامل فقد زرعت الديكتاتوريات في جميع الدول العربية وساندتهم في محاربة الشيوعية واليسار الديمقراطي وقدمت لهم المعلومات المخابراتية الدقيقة لتكون ضرباتهم موجعة ونهائية لقمع أي بصيص للمعارضة . وأستثنت إسرائيل من هذه القاعدة لتميزها بديمقراطيتها وتكسب من خلالها العالم الغربي والشرقي بأعتبارها ( الدولة الديمقراطية التي تحاربها الديكتاتوريات العربية) فتم تسليحها وحمايتها غربيا (و من الضرائب التي يدفعها المواطن الغربي لأجل حماية الحمامة الديمقراطية إسرائيل التي تواجه الصقر الديكتاتوري ! ) إنتصرت إسرائيل بديمقراطيتها المسنودة أمريكيا وغربيا وسقط العرب في مستنقع الديكتاتوريات المسنودة غربيا وأمريكيا أيضا وأصبحوا يتراكضون لعقد المعاهدات مع إسرائيل والتآمر معها لمحاربة ومحاصرة الفلسطينيين وقمع الأنتفاضة التي كانت تهدد الأنظمة العربية أكثر مما كانت تهدد إسرائيل . إن المعادلة تكمن في العمل الأمريكي والأسرائيلي المتواصل لأبعاد الشعوب العربية في ممارسة حقها في العمل السياسي وحرمانها من الديمقراطية (سلاح التدمير الشامل الحقيقي) في مواجهة الأحتلال الأسرائيلي وتنمية القدرات الذاتية للتطور الأقتصادي والأجتماعي .
لقد ساهم الحكام العرب بحيوية مع الأمريكان والغربيين في محاربة الأتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الأشتراكي دون أن تكون للعرب مصلحة إقتصادية أو سياسية مباشرة وقلبوا وبالضد من مصلحة الشعوب العربية و بالنفط العربي (إضافة لأسباب أساسية أخرى عالمية ) موازين القوى العالمية لصالح المعسكر الأمريكي والغربي الرأسمالي وساهموا بشكل ملحوظ بأسقاط المعسكر الأشتراكي الذي كان رغم سلبياته وأمراضه الداخلية كان مساندا لحركات التحرر الوطني ومساندا للفلسطينيين وقوة رادعة للحروب الأمبريالية على أقل تقدير. دون أن يعوا بإن موازين القوى الدولية الجديدة ستكون لصالح القوى المعادية للشعوب العربية وهاهي إسرائيل تصول وتجول دون رادع دولي وقضائي وبمساندة فَضّة من قبل القوى الدولية الغالبة التي تفكر في محو آثار جرائمها ومطاردة عملائها السابقين الذين إنتهى دورهم (كمجاهدين أو حارسين البوابات ) أو إن دورهم يكتمل في توفير الأرضية المناسبة للحرب وآخرين ينتظرون دورهم من أمثال عرفات ومبارك أو حكام الخليج وغيرهم.
الأستراتيجية الجديدة والعولمة تتطلب منفذين جدد قد تأخذ أشكالا ديمقراطية على شاكلة الحكم الأردني أو المصري مشروطا بقواعد الخطط الأمريكية والأسرائيلية . ديمقراطية شبيهة بالتكنولوجيا المستوردة آليتها محكومة بقطع الغيار المستوردة والمشروطة سياسيا بالتبعية .
الحرب التي يعلنها الرئيس الأمريكي بوش هي حسب مايدعي ( حربا إنسانية ) وتؤدي الى ( حربا من أجل الحرية )
وهنا يتسائل الكاتب الألماني (فيرنر بيركر) في صحيفة (يونكة فيلد) الألمانية :
لماذا هذا الأهتمام الأمريكي حول الديمقراطية والأستقلال في الدول العربية , وهي التي عانت من التقسيم والديكتاتورية بسبب الدول القادمة عبر البحار من الأمريكان والغربيين ولم تتحرر بعد .؟
والجواب يكمن في السؤال نفسه حيث منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي يجري الحديث رغم كثرة الوعود عن الأستقلال السياسي والحرية لفلسطين ولكنهم لم يوفقوا في ذلك , لأن عليهم التحرر أولا من التبعية الأمريكية في السياسة الأقليمية .
وهو نابع من طبيعة التذبذب التي تتصف به البرجوازية الوطنية العربية والتي تقود السلطة السياسية وقبولها بالشمولية المسلطة على أبناء الشعب وقبولها البقاء بالحكم بأي ثمن كان .و إرتمائها الكامل في أحضان الأمريكان ولا يغير شيئا إذا صرخ الأمير عبد الله بن طلال ( السعودية دولة مسلمة وليست عميلة للأستعمار ..مثلك ومثل أمثالك ..)
فهي تارة مع جماهير الشعب ضد الأمبريالية لأجل تبرير شموليتها وأضفاء الصبغة التحررية في إجراءاتها السياسية .
وتارة أخرى مع الأمبريالية وبالضد من جماهير الشعب لأجل ضمان بقائها في الحكم .والحالة الثانية هي الغالبة في الدول العربية وسلطة البعث في العراق خير مثال على ذلك .
إن الأمريكان قد طرحوا المطالبة بالديمقراطية للعراق باعتبارها آخر الأوراق للمحاججة بضرورة الحرب .لأنها تعرف قبل غيرها إن بأمكانها التغيير نحو الديمقراطية بدون حرب وتستطيع إسقاط صدام أيضا بدون حرب. وإن تغيير الأنظمة هو العصا الأمريكية الجديدة لتهديد المنطقة والعالم ولكنها لا تريد الأستغناء عن محاججتها الأولى (إزالة أسلحة الدمار الشامل بالقوة ) لانها مدخل لحروبها القادمة ضد إيران وكوريا وباكستان وسوريا وأي بلد آخر إنه الضمان لديمومة سياسة الحرب وديمومة تبعية النظام العراقي الجديد مابعد صدام حسين والأنظمة التي سيشملها التغيير .
وقد إبتدات بأضعف الحلقات (أفغانستان) بعد إن أوصلت هي وليس غيرها هذا البلد الى ركام وأوصلت عصابات طالبان الى الحكم . والثانية في العراق حيث أنهكته بالديكتاتورية والحصار معا لتصل الى هذه الحالة التي يتمنى فيه الشعب العراقي الى القبول بأي بديل حتى ولو كان الشيطان نفسه وأغلقت منذ حرب الخليج الثانية وساهمت بقمع أي تحرك شعبي خارج عن مخططاتها الأستعمارية بعيدة المدى ويكمل صدام حسين المعادلة معهم ويدفع الأمور نحو الحرب وإصراره بعدم التنازل قيد شعرة عن ديكتاتوريته وإجرامه لأن مهمته لم تنته بعد تماما وعرف العالم كله بأن مفتاح الحل للأزمة هو في تنحيه .
مما دفع ذوي النوايا الحسنة مثل الشيخ زايد في سابقة لم يشهدها تاريخ الجامعة العربية بالمطالبة بتنحية صدام حسين .
ورغم عدم إطلاع العديد من العراقيين على نص المبادرة لكنهم أعلنوا شكرهم وترحيبهم بالمبادرة .
أما الحكام العرب فأنهم يعيشون في مأزق المطالبة بالديمقراطية من قبل حلفائهم الأمريكان , هذه القضية التي كانوا سوية مع الأمريكان يبخلونها في أبسط الممارسات السياسية لحكوماتهم . يحاولون حل القضية الملتهبة في العراق قبل أن تأتيهم النيران . ويبرر وقوفهم فيما بعد مع الأمريكان في حربهم ضد العراق وفتح أراضيهم للقواعد الأمريكية الموجودة أصلا .