أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم الداقوقي - ازمة الكاريكاتيرات .... مظهر لحرب المقدسات الاصولية بغطاء ديني















المزيد.....


ازمة الكاريكاتيرات .... مظهر لحرب المقدسات الاصولية بغطاء ديني


ابراهيم الداقوقي

الحوار المتمدن-العدد: 1477 - 2006 / 3 / 2 - 10:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا تزال ازمة الكاريكاتيرات مستمرة ، بل انها اخذت تجرف بعض الضحايا الابرياء في باكستان واندنوسيا ومصر وليبيا . ونود ان نؤكد في هذا المجال ، بان هذه الازمة تخدم اليوم – بالدرجة الاولى – اهداف دعاة الحرب والارهابيين وناهبي خيرات العالم من المحتلين والمستبدين . لانهم استطاعوا تحويل – او تجيير – هذه المظاهرات العفوية الاحتجاجية على اهانة رسول المسلمين - كل حسب تحليلاته الايديولوجية - الى ازمة دولية وذلك لوضع السدود واقامة الحواجز امام حركة مقاومة الحروب الاوروبية من جهة ، ولاستثمار انتهاكات الحريات وتدمير المباني واحراق الاعلام والتهديد بالقتل ذريعة لترويج خطر الاسلام والمسلمين على الحضارة الغربية الليبرالية ، من جهة اخرى .
وانه لمن المستغرب ان يؤخذ كاريكاتير بحرفيته وفنونه لتوصيف واقعي ملاصق للحقيقة. ففن الكاريكاتير يرمي، تعريفاً، الى تشويه الحقيقة بالتركيز على سمات يراها الرسام سلبية غير مرغوب فيها، وهو فن يفتقر، تعريفاً ايضاً، الى جدية العقلانية والمنطق. وبالتالي " قد لا تقوم الرسوم الكاريكاتورية بتوصيف الحقيقة الموضوعية القابلة للبرهان والآيلة الى استدلالات منطقية، فهي صنيع خيال يبحث عن لهو يعتقده مجداً. ويستعمل هذا الفن ، الرموز والايحاءات والعلامات لأجل غاياته ، أي انه يستخدم وسائط غير مباشرة توصله الى هدفه ، وبذلك فان الرسم الكاريكاتيري قد يحيل الى شيء آخر".
ومن هنا ، يجب التمييز – اعلاميا – بين ظاهرتين متميزتين في قضية الرسوم الكاريكاتيرية المنشورة في الصحيفة الدنماركية “يولاندز بوستن” والمجلة النرويجية “ماجازينت " حول الرسول ( ص ) في اطار عقلنة الرد ، هما :

اولا - الاعلام الغربي والسلطة :
اذا كان صحيحا ان الاعلام الغربي – وبخاصة الاميركي - لم يعترف بفكرة حرية الاعلام ، التي اعترفت بها الامم المتحدة في بيانها العالمي لحقوق الانسان ( 1948 ) ولم تشترك واشنطن في لجنة حرية الاعلام المؤلفة في الامم المتحدة " لوضع الاطار العام لهذه الحرية الوليدة بعد الحرب العالمية الثانية " نظرا للخلافات الايديولوجية بينها وبين الاتحاد السوفييتي – سابقا - بيد ان قيام ( شون ماكبرايد ) رئيس ( اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الاتصال في العالم ) بوضع تقريره المفصل ( عالم واحد باصوات متعددة - 1981 ) وتعريفه لحرية الاعلام من خلال حق الاتصال بالقول : " ان حق الاتصال هو حق اساسي للفرد كما هو حق اساسي للجماعة لا يستغني عنه مجتمع او امة . فحرية الاعلام ، او بعبارة اكثر تحديدا ، الحق في استقاء المعلومات والحصول عليها واذاعتها حق اساسي للانسان ، بل هو ركيزة للكثير من الحقوق الاخرى " ...... قد وضع النقاط على الحروف ، بالنسبة الى حرية الاعلام من حيث انها حق اساسي للفرد وللجماعة لا يستغني عنه مجتمع او امة من الامم . ولذلك فان ماكبرايد قد اكد – هو الاخر - على " ضرورة تمتع كل شخص بحرية الرأي والتعبير ، وحقه في اعتناق الآراء ، وفي استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود ". غير ان ماكبرايد بمقولته تلك ، قد التزم بنص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصت على حرية التعبير – ايضا ، ولكنها مثل ماكبرايد - فانها لم تطلقها ، وإنَّما قيدته بشرط ، وهو "دون مضايقة " لان تلك الحرية ، ارث حضاري للبشرية كلها ، لايجوز لاي فرد او مجموعة من البشر انتهاكها او اتخاذها وسيلة للتشهير بالاخرين او تحقير معتقداتهم وتراثهم ، على الاطلاق .
اضافة الى ان الصحيفتين المذكورتين ، قد تجاوزتا ما جاء في البند الثاني من فقرة (ب) من إعلان فيينا في مؤتمرها المعقود حول الاقليات خلال الفترة من 14 إلى 25 يونيو/ حزيران 1993 في ما يخص حقوق الأقليات القومية أو الإثنية أو الدينية أو اللغوية، بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين والمعتقد الذي نشرته الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار 36/55) في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1981 والذي جاء فيه: " ان الجمعية العامة للأمم المتحدة يجب ان تضع في اعتبارها أنَّ الدين والمعتقد هو إرث لكل امرئ يؤمن به ، وهو أحد العناصر الأساسية في تصوره للحياة ، وأنَّ من الواجب احترام حرية الدين ، أو المعتقد وضمانها بصورة تامة " .
فاذا كانت هذه القرارات والنصوص الصادرة عن الامم المتحدة والتي التزمت بها الدول الاوروبية قبل غيرها من الدول ، قد وضعت هذا الاطار العام لحرية الاعلام وممارستها من خلال ( حق الاعلام ) الذي تعد حرية ابداء الرأي خميرته ... فلماذا لم تلتزم بها دولتا الدانيمارك والنرويج ؟ او بعبارة اخرى : لماذا لم تمنع حكومتا الدولتين ، نشر الكاريكاتيرات المذكورة ؟ او انهما لم تعاقبا الصحيفتين المذكورتين – او محرريهما - على عملهما المشين ضد العالم الاسلامي ؟
الجواب : لانه ليست ثمة رقابة مسبقة على المطبوعات الاوروبية – كما هي عندنا – لان الصحافة الغربية غير رسمية ولا خاضعة لاشراف وزارات الثقافة او الاعلام او الوزارتين معا من جهة ، ومن جهة اخرى ان تلك الدول تؤمن أن " الاعلام " علم ديموقراطي ، لان ثمة علاقة عضوية بين العمليتين : الاعلامية والديموقراطية في تأثيرهما وتأثرهما بالتنمية الحضارية في تلك البلدان . ومن هنا فان السلطات السياسية في تلك البلدان الديموقراطية تتقيد باضفاء الحصانة على ساحة الحريات – وبخاصة حرية ابداء الرأي وحرية العقيدة والوجدان - التي يتمتع بها الفرد ضمن معتقده للتعبير عن آرائه - دون طغيان احدى الحريتين على الاخرى - بحرية الاعلام التي تقضي ( وفق قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية المتخذ في يونيو / حزيران 1997 ) باطلاق حرية التعبير من دون حدود على طرق المعلومات السريعة مع استثناء قضايا التعرض الجنسي للقاصرين فقط ، من خلال اجراء حوار متعدد الجوانب والصور بلا حدود ودون استثناءات او محظورات او محرمات في تداول حر للمعلومات واستخدام كامل لحق الاعلام في اطار حرية الاعلام وعلى اوسع نطاق من حيث المدح والذم والتشهير والتخريب والعنصرية وغيرها .
ان قراءة متأنية لقرار المحكمة المذكورة ، توحي الينا ظاهريا بوجود نوع من التناقض بين مفهوم حرية الاعلام وبين قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بضرورة التقيد بمفهوم " أنَّ الدين والمعتقد هو إرث لكل امرئ يؤمن به ، وهو أحد العناصر الأساسية في تصوره للحياة ، وأنَّ من الواجب احترام حرية الدين ، أو المعتقد وضمانها بصورة تامة " . غير ان مقولتنا بضرورة عدم طغيان حريتي ( ابداء الرأي ) و ( العقيدة والوجدان ) على بعضهما البعض ، مع وجود الرقابة الذاتية ، التي تفرضها اخلاقيات المهن الاعلامية والمسؤولية القانونية الناجمة عن اساءة استعمال حق الاعلام ، هو المعيار في تحديد نطاق حرية التعبير وتجعلها غير مطلقة وانما مقيدة بمسؤولية الحفاظ على المشاعر الدينية التي تعد الارث الحضاري للانسانية .... بعدم الاساءة اليه او جرح مشاعر المؤمنين بثوابتها او التشهير بالاشخاص وخصوصياتهم . وفي هذا الاطار فقد وضعت الدول الغر بية ، الرقابة على الرقوق السينمائية – رغم الغائها للرقابة المسبقة على المطبوعات - تنفيذا لذلك المبدأ الاخلاقي واحتراما للراي الاخر الذي يحرص الاعلامي الديموقراطي ، الالتزام بهما . لاسيما وان لديها – أي تلك الدول - قوانين ضد «التحريض على الكره»، وقد استعملت في قضايا عنصرية عديدة ، لأن نشر تلك الرسوم الساخرة، باسم "قدسية" حرية التعبير الغربية ، ادى الى تهييج روح صراع الأديان والثقافات، من خلال تعمّد الإساءة إلى الإسلام ونبي المسلمين لأسباب عنصرية . لاسيما وان الفكر الغربي الحديث لا يؤمن اليوم بفكرة " التقديس " بعد ان فتح كل اضابير المقدسات للمناقشة والمساءلة والتقييم . ومن هنا كان يمكن لحكومة الدنمارك اتهام محررها الثقافي فلمنغ روز بالتسبب في خسارة الدنمارك لسمعتها في أكثر من 57 بلداً اسلاميا ، وتضرر الكثير من تجارتها الخارجية ، تهدئة لخواطر المسلمين ما دامت مصرة على عدم الاعتذار لهم . وربما سيكون القرار الذي اعتمدته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بغالبية 101 عضو في الثلاثين من تشرين الأول الماضي، بادانة "ازدراء الأديان"عالميا ، "القيد الذهبي" الذي ينبغي لحرية التعبير الاوروبي – بعد رفع اعتراض بعض اعضاء الاتحاد - أن تلتزم به مستقبلا. وإن كنا نعتقد – اعلاميا – بان عملية النشر هو جزء من الصراع السياسي بين الاصولية الغربية المتطرفة وبين اليسار العلماني في المجتمعات الاوروبية – والمسلمون جزء منه - الذي لا يميز بين الاديان ويحاول توفير مساحة متساوية لجميع الأديان ولحماية العقيدة واللاعقيدة على حد سواء . او بعبارة اخرى انها صراع المقدسات بين الاصولية الغربية والاصولية الاسلامية ، من جهة . ومن جهة اخرى فانها مظهر من مظاهر حرب الافكار التي اعلنها المحافظون الجدد المسيطرون على مقاليد الامور في واشنطن ، على معارضي الهيمنة الاميركية ، لاسيما وان واشنطن باتت تضع حركات التحرر الوطني في خانة الاعمال الارهابية – ومنها حماس - ودون النظر الي حقوق الشعوب في التحرر من قوى الاحتلال. فاين تصبح دعاواها - اذاً - في نشرالديموقراطية وضمان الحريات ؟؟؟ ان حرية التعبير يجب ان تمارس بروح عالية من الشعور بالمسؤولية .

ثانيا - نشر الكاريكاتيرات جزء من حرب الافكار :
وقد قام سولانا – رئيس الدبلوماسية الاوروبية – بجولة في بعض الدول العربية ، من اجل احتواء الازمة حيث صرح بعد الالتقاء بالرئيس حسني مبارك بانه قد بحث معه اليات حماية الرموز والمعتقدات الدينية. واعرب بعد اللقاء عن "رغبة عميقة في اعادة العلاقات بين الاتحاد الاوروبي والعالم الاسلامي" الى طبيعتها. وصرح للصحافيين انه ناقش مع مبارك "سبل حماية الرموز الدينية".
كما التقى سولانا وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط الذي قال في مؤتمر صحافي مشترك انه "اجرى حديثا ممتدا" مع الديبلوماسي الاوروبي حول مشروع قرار للامم المتحدة يحظر "ازدراء الاديان". واوضح "ان هناك فرصا لصياغة مواقف مشتركة لتجاوز هذا الوضع والتوصل الى توافق".
وفي جنيف، اعلنت الامم المتحدة ان 57 دولة اسلامية تقدمت بمشروع نص يهدف الى "حظر حالات عدم التسامح والتمييز والتحريض على الكراهية او العنف" ويدين "اهانة الاديان والانبياء" ويعتبر ان مثل هذه الاهانة "لا تتوافق مع حرية التعبير".
وترغب الدول الاسلامية في ان يتم ادماج هذا النص في مشروع قرار انشاء ( مجلس لحقوق الانسان ) يحل محل لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة القائمة حاليا. غير اننا نعتقد ان اضافة عبارة ( حماية الثوابت التراثية والفكرية من عبث واهانة البعض بحجة حرية التعبير احتراما للراي الاخر مع عدم الانتقاص من مبدأ حرية التعبير – اوحرية الاعلام – باعتبارها مكسبا عالميا ) الى النداء العالمي لحماية حقوق الانسان او الى قرار الامم المتحدة الجديد حول عدم اهانة الانبياء والاديان ، يكفي للتوفيق بين منطلقات حرية الاعلام وبين احترام ثوابت الآخر . لاسيما وقد " جاء وقت البحث بالعقل والمنطق عن تصحيح صورة الإسلام في الغرب ووضع ضمانات دولية لعدم تكرار الأساءة إليه‏ ، والعمل على الحد من تراكم ثقافة التنميط، التي زُرعت في وجدان الإنسان الأوروبي والأميركي عن الإسلام كرسالة " من خلال تصرفاتنا الانسانية كبشر نحترم الاخرين واختياراتهم ، لاثبات قدرتنا على اننا قادرين على العيش معهم بسلام – ودون التنازل عن حقوقنا او الخضوع لمشيئتهم - على هذا الكوكب لإعماره معا لنا ولهم .

و في الدوحة ، حيث تنعقد الجولة الثانية من أعمال المجموعة رفيعة المستوى حول تحالف الحضارات، وستشمل على مدى يومين " جلسات نقاش مغلقة، توقع مراقبون أن تشهد نقاشات حادة، سيكون محورها أزمة الرسوم المسيئة الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، على أن يصدر عنها غداً ( 27/2/2006 ) بيان ختامي وتوصيات " .
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان: إن سبب إنشاء هذا التحالف كان الشعور أن هناك فجوة تتسع وقلة تفهم بين المجتمعات الإسلامية والغربية، ورأى أن هذا الأمر اتضح بعد أزمة الرسوم المسيئة التي أثبتت أن المخاوف حقيقية، وهي في حاجة الى عمل فعال لتصحيحها.
وأضاف: " إن الأزمة بين المجتمعين الإسلامي والغربي سبقت قضية الرسوم التي وصفها بأنها تعبير عن أزمة أعمق وأسبق، وهي ما يجب على المؤتمر دراستها " .
واذا كان صموئيل هنتنغتون يؤكد في طروحاته حول ( صراع الحضارات ) إن الدين الإسلامي والديموقراطية «ضدان لا يجتمعان» ابدا . وهذه الفكرة هي جزء من الصورة النمطية المقولبة Steriotypes التي يؤمن بها العالم الغربي حول الاسلام ، منذ الحروب الصليبية مرورا بالحروب المعلنة والسرية ضد الامبراطورية العثمانية وانتهاءا بالعقلية الاستعمارية للغرب الامبريالي ضد المسلمين – توطئة لاحتلال بلادهم والاستحواذ على خيراتها - التي لا تزال مستمرة الى اليوم ... فان مجلة نيوزويك الأمريكية قد نشرت مقالا للكاتب الاميركي فريد زكريا (عددها الصادر بتاريخ 14 فبراير / شباط 2006 ) قال فيه " تبين لي أن هناك فارقاً كبيراً بين الاسلام والحرية و الاسلام والسلطة .. لأن الغضب الاسلامي الناشب عن نشر الصحيفة الدنماركية الرسوم المسيئة للنبي الكريم له ما يبرره ولا يعني أن تفهم الحرية علي أنها إساءة لمعتقدات الآخرين أو الاساءة للأديان السماوية والرسل، فالحرية بهذا المعني لا تعني التطاول، كما أنها لا تتقاطع مع مفهوم الاسلام للحرية والتسامح، كما أن الاشارة إلي أن الاصطدام حتمي بين الاسلام والحرية أيضاً عبارة لم تكن موفقة، وتوحي بالانحياز والتمييز والمصادرة أكثر من كونها تعريفاً بالحدث وتداعياته " .
ورغم ان العديد من زعماء اوروبا قد استنكروا هذه الحملة الاعلامية المستفزة للمشاعر الاسلامية : أنان وشيراك وبوتين وسولانا ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر والكاتب العالمي الكبير جونتر جراس- صاحب نوبل للاداب - وغيرهم ... الا ان الادارة الاميركية ، وعلى لسان رئيسها جورج بوش الابن ، ايد فكرة نشر هذه الكاريكاتيرات ، عندما فضح رئيس الوزراء الدنماركي ( 12/2/2005 ) الرئيس الأمريكي الذي أفصح عندما سئل عن تفاصيل المكالمة فأكد أن الرئيس الأمريكي قد اتصل مؤيداً ومناصراً للموقف الدنماركي فيما يتعلق بقضية الرسوم!.
ولذلك فقد ندد الكاتب الالماني الكبير – صاحب نوبل للاداب – غونتر غراس ، بالعدوان الاميركي على العراق بالقول الى صحيفة ( El Pais ) الأسبانية بعد ان انتقد نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول ( ص ) جوابا على سؤالها : وهل استغربتم اعمال العنف التي اعقبت نشر تلك الصور ؟ بقوله :
- انتم تعرفون اننا نعيش في وقت حيث لكل فعل ردة فعل والبداية كانت في الغزو الغربي للعراق . فالحرب هناك شكلت خرقا فاضحا للقانون الدولي وانها شنت وفق اجندة بوش اليمينية المتطرفة الذي زعم ان هذه الحرب هي حلقة من حلقات صراع الخير مع الشر واليوم بات واضحا ان ردود الفعل المتطرفة انما هي نتيجة لأفعال متطرفة وهي ليست باية حال من الأحوال صداما بين الحضارات ، لا بل انها صراع بين طرفين غير متحضرين ان صح التعبير " .
واذا كانت الرسوم الكاريكاتورية المذكورة قد ادت إلى إطلاق شرارة نزاع دولي ستكون له عواقب خطيرة في المديين الاجتماعي والسياسي ، بعد ان نشرتها صحف أوروبية و أخرى تركية ، ومحاولة المقاربة بينهما وبين التطرف والإرهاب والنازية وكرد فعل على صيحات الاحتجاج والمظاهرات التي انطلقت عبر العالم الإسلامي .... فان وسائل الإعلام الغربية قامت بتبرير نشر تلك الرسوم بالقول إنها تندرج في إطار حرية الرأي ، التي اضفى الاعلام الغربي عليها شيئا من " القدسية " لاسيما بعد احداث 11 سبتمبر 2001 الارهابية .
ويقول روبرت دريفوس ، وهو كاتب مستقلّ متخصّص في قضايا السياسة و الأمن القومي ومؤلف كتاب ( لعبة الشيطان: كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق عنان الإسلام الأصولي ) بصدد هذه القضية :
" ان كل مايجري قبيح ومن المحتمل أن يصبح أقبح بكثير. منذ الثّلاثاء وحتى الآن، قتل مئات العراقيين من كلاّ الجانبين وهوجمت عشرات وربّما مئات المساجد ، وانتشرت حالات القتل من طراز الإعدام ، والقادة العراقيون مختفون أو في المنفى. وحظر التجوال في عطلة نهاية إسبوع وضع العراق على حافّة السكين.
مثل إغتيال سرايفو الذي عجّل الحرب العالمية الأولى، فان الهجوم على المسجد قد يسبّب الحرب، لكنّه لن يكون السبب. إنّ السبب متجذر أكثر في الفوضى والمرارة التي تبعت غزو الولايات المتحدة للعراق وجهود أمريكا المتعمّدة لتشديد الإختلافات الطائفية في خلق مجلس الحكم العراقي والمؤسسات الحكومية اللاحقة. وإذا كانت الأزمة الحاضرة لم تثر الحرب الأهلية، كن صبورا. الازمة القادمة ستثيرها وستكون ".
ومن هنا " كان الاعجاب المتبادل بين فلمنغ روز- ناشر الكاريكاتيرات - وبين دانيال بايبس، وهو ليكودي من المحافظين الجدد يكره العرب والمسلمين ويحرض عليهم في ما يكتب وعبر عمله، إنْ في معهد السلام الأميركي الذي اختاره جورج بوش لعضويته مع انه داعية حرب مقيت، أو ما يسمى «مراقبة الحرم الجامعي»، وهي هيئة أسسها لاضطهاد الأساتذة العرب والمسلمين، وتحويل الأكاديميا الأميركية كلها ضد الإسلام " بفصل كافة الاكاديميين العرب الذين يفكرون على نمط ادوارد سعيد الفلسطيني . فقد كتب روز في جريدته نبذة عن دانيال بايبس تجاوزت ليكوديته وعنصريته وتطرفه " لترسم صورة ايجابية عن أفكاره حول «الاسلام المتطرف» الذي يمثل خطراً من مستوى التهديد الشيوعي والفاشستي " ، الذي هو ترديد فج لافكار المحافظين الجدد حول «الاسلام الفاشستي»، أو «اسلاموفاشزم».
كما ان بايبس كتب هو الاخر مقالا بعنوان «الرسوم الكاريكاتورية والامبريالية الاسلامية» ينتصر فيه لافكار صاحبه روز ويقول عن الضجة القائمة حول الكاريكاتورات : «ان القضية الأعمق هنا ليست الرياء الإسلامي، بل التسلطية الاسلامية. ويشرح فلمنغ روز، الصحافي الدنماركي الذي نشر الرسوم، ذلك بالقول انه إذا أصر المسلمون على انني غير المسلم يجب أن ألتزم بمحرماتهم، فهم يطلبون مني أن استسلم».
ويعلق بايبس على هذا الكلام جازماً بكلمة «تماماً».
ان هدف جميع هذه الكتابات العنصرية المتعصبة ضد العرب والمسلمين ، هو دفعهما لمعاداة الدانمارك والنرويج ودول الشمال الأوروبي الاسكندنافية عامة التي هي الأكثر اقترابا وتفهما لمعاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي والأبعد عن التعصب ضد العرب والمسلمين ، من جهة . ومن جهة اخرى اتخاذ الرسوم المسيئة في هذه الآونة – بالذات - وسيلة لمحاولة إعادة عقارب الساعة الأوروبية إلي الوراء‏,‏ وتأخير اللقاء التاريخي المنتظر بين أوروبا والإسلام‏ . لاسيما بعد ان تجاوزت أوروبا ـ كحضارة وثقافة ـ صراعاتها الدينية الدامية عبر تطورها التاريخي بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس‏..‏ كما انها تصالحت ـ بمبادرة من الفاتيكان ـ مع اليهود بعد أن ظلت ملايينها تعتقد أن يهوذا الأسخربوطي باع المسيح (ع ) الى الرومان بحفنة من فضة ، وحان الوقت الان للتصالح مع المسلمين ايضا ، لاعادة فكرة الشراكة القرطبية التي انارت دياجير ظلام اوروبا ، من خلال الانفتاح الحضاري على الاسلام . غير ان المحافظين الجدد ومناصريهم اليمينيين الاصوليين في اوروبا – من دعاة الحرب الاستباقية - يحاولون وضع العراقيل امام الحوار العربي – الاوروبي بين ضفتي البحيرة المتوسطية ، توطئة لاقامة سد العزل بين اوروبا والعالم الاسلامي برمته ، من خلال اثارة الغبار حول علاقاتهما لحجب رؤيتهما للحقيقة معا . ومن هنا زعمت الإدارة الأميركية، على لسان المتحدث الرسمي في البيت الأبيض ، أنها تقارب قضية الإساءة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، «بموقف متوازن». وأضافت انها إذ تتفهم غضب المسلمين ضد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، إلا أنها تأمل أيضاً في إدانة «خطاب الكراهية» ضد المسيحيين واليهود!
ومن هنا اود التاكيد بانه يجب علينا ان نكون حذرين في التعاطف مع هذه الاحداث ... حيث اننا يجب ان لا ندافع - في هياجنا وضجيجنا - عن العنصريين ودعاة تحطيم الآخر المعارض او في الدفاع عن الامبريالية الجديدة التي تقودها واشنطن . فقد اكدت الانباء ان الرئيس الأمريكي قد اتصل برئيس وزراء الدانمارك مؤيداً ومناصراً للموقف الدنماركي فيما يتعلق بقضية الرسوم!.( 12/2/2005) بينما اكد سولانا ( اننا – يقصد الاوروبيين - نكن احتراما عميقا للمسلمين ونرفض جرح مشاعرهم ، لاسيما و ان الصحافة الغربية تمارس حريتها غير المحدودة في اجراء النقد الاجتماعي في بلدانها – باعتبار المسلمين جزءا من تلك المجتمعات ولا علاقة لها بـالامة الاسلامية ) التي هيجتها الحكومات العربية من اجل التغطية على انتهاكاتها لحرية التعبير ، في وقت اصطفت فيه جماعات الاسلام السياسي – واليمين الاصولي الاوروبي- وراء هذا الهياج والضجيج لتعميم افكارها وعقائدها، بصورة قسرية مفتعلة ومزيفة ، فاساءت الى المسلمين والنبي الكريم ، اضعاف اساءة الكاريكاتيرات الغربية لهما .



#ابراهيم_الداقوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجعفري لن يؤلف الوزارة ... واذا الفها فستسقط قبل سبتمبر الق ...
- كركوك ..... المعضلة والحل !!! .
- الرئيس المشكلة ... جورج بوش الابن !!!
- التشيع بين الاعتدال والتطرف
- الانتخابات القادمة ستغير الكثير من المفاهيم والتوازنات السيا ...
- الاختلاف الثقافي لا يقف حائلا دون انظمام تركيا للنادي الاورو ...
- هل تقبل اوروبا العانس بقبلة الشاب الشرقي الولهان ؟!!
- المثقف والسلطة .... والمؤسسة الثقافية المؤطرة للانتلجنسيا
- نعم للمقاومة ... ولكن!!!
- رهان العراق الجديد : الهوية الوطنية والتحول الديموقراطي
- فشل الاعلام العربي في مواجهة تحديات حوار الثقافات المعاصر
- بغداد ... ونرجسية المافيا وانتقام الجبناء
- حروب القائد الضرورة والديموقراطية وعراق الغد
- عبدالرحمن منيف عاشق الحياة ورفيق الضحايا والمعذبين
- استراتيجية غزو العراق تدشين لولادة الإمبراطورية الأمريكية وب ...
- عراق الغد : بحث عن اساليب الحوار العابر للثقافات
- الغد ... مجلة عراقية للدراسات والابحاث
- ديموقراطية اميركا وحربها التحررية
- تركمان العراق : مواطنون ... ام رعايا ؟
- محنة الكتاب والمثقف في الوطن العربي


المزيد.....




- قائد حرس الثورة الاسلامية اللواء سلامي: حزب الله فخر العالم ...
- تونس.. وفاة أستاذ تربية إسلامية أضرم النار في جسده (صورة)
- هشام العلوي: أية ديمقراطية في المجتمعات الإسلامية ؟
- تعداد خال من القومية والمذهب.. كيف سيعالج العراق غياب أرقامه ...
- وفد الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة يدعو لحماية المنشآت ال ...
- ولد في اليمن.. وفاة اليهودي شالوم نجار الذي أعدم -مهندس المح ...
- ماما جابت بيبي..أضبطها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على ال ...
- ماما جابت بيبي.. متع أولادك بأجمل الاغاني والاناشيد على قناة ...
- مرشح جمهوري يهودي: على رشيدة طليب وإلهان عمر التفكير بمغادر ...
- الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم الداقوقي - ازمة الكاريكاتيرات .... مظهر لحرب المقدسات الاصولية بغطاء ديني