أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - أساطير شعوب ما قبل التدوين















المزيد.....

أساطير شعوب ما قبل التدوين


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5751 - 2018 / 1 / 8 - 21:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ينتشربين بعض المُـتعلمين المحسوبين على الثقافة السائدة تعبير(الشعوب البدائية) بينما رفض هذا التعبيرمعظم علماء الأنثروبولوجيا، ويـُـفضــّـلون تعبير(شعوب ما قبل التدوين) أى قبل اكتشاف أول أبجدية فى العالم القديم، على جداريات المعابد المصرية. وأعتقد أنّ تعبير(شعوب ما قبل التدوين) أدق وواقعى بمراعاة أنّ علماء الآثاراكتشفوا أنّ تلك الشعوب القديمة كانت تمتلك خيالاخصبـًـا، أنتج عددًا من الأساطيرلاتختلف كثيرًا (إلاّفى التفاصيل) عن أساطيرشعوب التدوين، والأكثرمن ذلك أنها تتطابق مع كتب الديانة العبرية، مثل خلق الإنسان من طين أومن تراب، كما أثبت العالم الكبيرجيمس فريزرفى موسوعته (الغصن الذهبى)
وكان المفكرالسورى الكبير(فراس السواح) أحد المُـهتمين بدراسة شعوب ما قبل التدوين، خاصة فى كتابه (مغامرة العقل الأولى) الذى- نظرًا لأهميته طـُـبع منه عشرطبعات (على حد علمى) وهى الطبعة الصادرة عن دارعلاء الدين بدمشق- عام1993)
كما يجب التفرقة بين (شعوب ما قبل التدوين) أى قبل اكتشاف أبجدية كل شعب، وبين الشعوب القديمة السابقة على ظهورالديانة العبرية.
وعلى سبيل المثال وُجدت أسطورة فليبينية جاء بها أنّ تنوع ألوان بشرة الإنسان راجع إلى ساعة الخلق، عندما وضع الإله الخالق حفنة من طين فى الفرن لصنع الإنسان: فى المرة الأولى لم يكن الطين قد نضج على النارفخرج الإنسان أبيض البشرة. وفى المرة الثانية ترك الإله الطين مدة طويلة على النار، فخرج الإنسان أسود البشرة نتيجة احتراق الطين. وفى المرة الثالثة كانت النارهادئة ومتوسطة (دون زيادة أونقصان) فخرج الإنسان البرونزى (الفليبينى)
وتقول أسطورة إغريقية أنّ (هرقل) قد أرضعته الإلهة (هيرا) ولشدة قوته شعرتْ بالألم فى ثديها من شدة الامتصاص، فأجبرها على سحب ثديها من فمه بقوة، فانبثق اللبن فى السماء، مكونــًـا المجرة المعروفة باسم (درب اللبن)
وكان تعليق فراس السواح: أنّ الأسطورة ليست نتاج الخيال المجرد (وحده) بل ترجمة لملاحظات واقعية ورصْد لحوادث جارية، وعبرها انتقلتْ إلينا تجارب الأولين وخبراتهم. والأسطورة تعود فى أصولها إلى أزمان سحيقة سابقة للتاريخ المكتوب. فقبل أنْ يتعلم الإنسان الكتابة، كانت ذاكرته على قدركبيرمن النشاط والحيوية. وقد أثبت رواد علم الأنثروبولوجيا الكثيرمن الأساطيرالتى أبدعتها الشعوب القديمة، ثم جاءتْ فى كتب الديانة العبرية، مثل أساطيرالطوفان أوالدمارالشامل بالنارالسماوية. والدرس هوأنّ شمولية هذه الأساطيروتكرارها لدى معظم الشعوب، دلالة على تجارب وخبرات عاشها البشرفى مطلع حياتهم.
وذكرأنّ رائد علم الأنثروبولوجيا الحديثة هو(جيمس فريزر) وأنه بالرغم من النقد الذى وجه إليه من البعض، وبعد مرور80سنة على ظهوركتابه الفريد (الغصن الذهبى) فإنّ تأثيرذلك العبقرى مازال ماثلا، وأنّ آراءه مازالت تلقى الاحترام لدى الكثيرين.
وكان من رأى فريزر ومن تأثروا بكتاباته، أنّ الأسطورة كان مرجعها الطقوس. وبعد مرور زمن طويل على ممارسة طقس معين، وفقدان الاتصال مع الأجيال التى أنتجته، يبدوالطقس خاليــًـا من المعنى ومن السبب والغاية منه. ولذلك فإنّ الأجيال الجديدة تبحث عن (المبرر) لإحياء الطقس القديم. وعلى سبيل المثال فإنّ قيام أتباع ديانة (ديونيسوس) بشرب دم ثور حى بعد تمزيقه وأكل لحمه نيئا، هوطقس قديم، فأتت أسطورة موت (ديونيسوس) على يد (التيتان) مفسرة له ومحافظة عليه. حيث أنّ (ديونييسيوس) يحاول الهرب من (التيتان) أعداء أبيه (زيوس) ولكن عبثــًـا يغيرأشكاله وهم يتبعونه إلى أنْ قبضوا عليه فى هيئة ثور فينهالون عليه تمزيقــًـا ويلتهمونه حيـًـا ويشربون دمه.
وفى رأى البعض أنّ عالم الأنثروبولوجيا (مالينوفسكى) هومؤسس مدرسة (الأسطورة والذرائعية) وهوالذى قضى شطرًا من حياته فى دراسة تجريبية مع (قبائل التروبرياند) فى غرب المحيط الهادى أثناء الحرب العالمية الثانية. ويـُـعد من أشهرناقدى جيمس فريزر.
ومن رأى مالينوفسكى أنّ الأسطورة لم تظهراستجابة لدافع المعرفة والبحث، ولاعلاقة لها بالطقس أوالبواعث النفسية، بل هى تنتمى للعالم الواقعى وتهدف إلى تحقيق غاية عملية، ولترسيخ عادات قبلية معينة أولتدعيم سيطرة قبيلة أوعشيرة أونظام اجتماعى.
وقـدّم عالم النفس (إريك فروم) الذى يعتبر(آخرعمالقة مدرسة التحليل النفسى) فى كتابه (اللغة المنسية) دراسة عميقة للأسطورة، منطلقــًـا من فكرة فرويد عن العلاقة بين الأسطورة والحلم، مع مخالفته فى النظرللأسطورة والحلم على أنهما نتاج العالم اللاعقلانى. فالعقل فى حالة الحلم إنما يعمل ويفكر، ولكن بطريقة أخرى ولغة أخرى. فعندما ندخل ملكوت النوم نتحررمن عبء العمل ومشاغل الحياة اليومية وقلق الصحو. وندخل إلى عالمنا الداخلى بعيدًا عن قواعد الواقع، فتغدو(الأنا) بؤرة تفكيرنا. وإذا كان الصحو دعوة للعمل والفعل، فإنّ النوم دعوة للتأمل من نوع خاص ويستخدم لغة خاصة هى لغة الرمز. إنّ النوم انفلات من هموم التفكيربعالم المادة. ويجعلنا أكثرشفافية، فتغدومعرفتنا بأنفسنا أكثروضوحـًـا وصدقــًـا وحكمة. حيث أنّ حالة السُـبات هى القطب الثانى لوجودنا، فى مقابل حالة اليقظة. ومع ملاحظة أنّ لغة الرمزتتجاوزالواقع والزمن والثقافة والجنس. والأسطورة مثل الحلم، تكمن أهميتها فى تقديمها حكايات تعبربلغة الرمزعن الأفكارالدينية والفلسفية والأخلاقية.. وكلما تعمقنا فى فهم هذه اللغة الرمزية، انفتح العالم أمامنا بمعارف غنية.
وذكرفراس السواح أنه عندما انتصب الإنسان على قائمتيـْـن، ورفع رأسه إلى السماء ورأى نجومها وحركة كواكبها، وأداررأسه فيما حوله، فرأى الأرض وتضاريسها ونبتاتها وحيواناتها، ولكن أرهبته الصواعق وخلبتْ لبه الرعود والبروق. وداهمته الزلازل والبراكين والأعاصير. ولاحقته الضوارى.. عندئذ رأى الموت.. وتساءل لماذا وُجدنا ولماذا نموت؟ ولماذا خـُـلق الكون وكيف؟ ومن أين تأتى الأمراض ومن الذى يرسلها إلى البشر؟
كان العقل فى البداية صفحة بيضاء لم يـُـنقش عليها شىء. فكان على الإنسان الأول أنْ يبدأ مغامرة كبرى مع الكون، فقفزأولى خطواته نحوالمعرفة فكانت الأسطورة. وعندما تأكد من أنّ أعمال السحر وهم خادع، كانت الأسطورة كل شىء بالنسبة له.
وبعد آلاف السنين ومع ظهورالأبجديات، بدأتْ تظهرالأساطيرالمُدونة، فكانت أسطورة التكوين البابلية وتبعتها أسطورة التكوين العبرية. وقد وضعتْ معظم الأساطيرالسورية والسومرية والبابلية فى أجمل شكل شعرى. وتولى هوميروس صياغة معظم أساطيرعصره المتداولة، شعرًا فى الأوديسة الإلياذة. وقد استفاد كتاب المسرح اليونانى من الأساطيرالتى ذكرها هوميروس. ولدى البعض أنّ تعبيرالأسطورة يمتزج بالخرافة والحكاية الشعبية، رغم البعد الشاسع بين الأنواع الثلاثة: إنّ الخرافة حكاية بطولية مليئة بالمبالغات والخوارق مع إنّ أبطالها من البشرأوالجن ولادورللآلهة فيها. وفى حديث نبوى عن عائشة قالت ((حدّث رسول الله نساءه ذات ليلة حديثــًـا، فقالت امرأة: يا رسول الله كأنّ الحديث (الذى رواه الرسول) حديث خرافة. فقال: أتدرون ما الخرافة؟ إنّ (خرافة) كان رجلا من أسرة الجن فى الجاهلية، فمكث دهرًا طويلا ثم ردّته الجن إلى الإنس. فكان يـُـحدّث الناس بما رأى من الأعاجيب. فقال الناس: حديث خرافة)) (مسند ابن حنبل- المطبعة الميمنية بمصر- عام1313هـ - ج2- ص281) وبغض النظرعن صحة الحديث حول معنى كلمة (خرافة) عند العرب، فإنّ القرآن ذكرعلاقة الأسطورة (فى اللغة العربية) بالتصورات الدينية والاعتقادية، وذلك فى آية ((وقالوا أساطيرالأولين اكتتبها فهى تــُـملى عليه بكرة وأصيلا)) (الفرقان/ 5)
أما الحكاية الشعبية فإنها كالخرافة لاتحمل طابع القداسة. ولاتتطرق- كما هوشأن الأسطورة- إلى موضوعات الحياة الكبرى، وقضايا الإنسان المصيرية.
وذكرفراس السواح أنّ الهدف من كتابه: التعريف بالأسطورة فى سوريا القديمة وبلاد الرافدين. وشرح كيف عانى فى الحصول على النصوص الكاملة لأهم الأساطيرالمعروفة لتقديمها للقارىء، كما أنه اعتمد على أكثرمن نص وأكثرمن ترجمة للنص الواحد (بهدف المقارنة والتدقيق) واعترف بأنه حاول الالتزام بأكبرقدرمن الموضوعية لتكون ترجمته للنصوص (ترجمة أمينة وبدون تدخل أوتزويق) كما أنّ شرحه لكل أسطورة وتفسيرها لم يكن بمعزل عن باقى الأساطير، بهدف تقديم صورة متكاملة تستمد تفسيرها من البنية الاجمالية للعمل. وأشارإلى أنّ منهجه فى تقديم الأساطيريعتمد على على جمعها فى مجموعات وفق موضوعاتها، لاوفق تسلسل زمنى أوموقع جغرافى، لاعتقاده بأنّ تفسيرأى أسطورة يبدوعصيـًـا، إذا لم ينظرإليها من خلال منظورشامل يجمعها مع غيرها من الأساطيرالتى تعالج نفس الموضوع.
وذكرلماذا اختارأساطيرسوريا وبلاد الرافدين (أساطيربابل) لثلاثة أسباب الأول: الوحدة الثقافية القائمة فى هذا الجزء من المنطقة. وهذه الوحدة تعطى لأى باحث يدورحولها طابع الانسجام والتكامل. والسبب الثانى: راجع لاتساع الموضوع وتشعبه، مما لايسمح بدراسة وافية لميثولوجيا الشرق القديم فى كتاب واحد ومن مؤلف واحد. والسبب الثالث: (شخصى جدًا) ويرجع إلى ميل المفكرالسواح إلى آداب المنطقة وولع بتاريخها وتراثها.
وفى مقالاتى التالية سأحاول عرض أهم فصول الكتاب.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية عزاء فى وداع اللغة العربية
- صلا ح عيسى والدفاع عن الدولة المدنية
- التوحيد المصرى والتوحيد العبرى
- النصوص المكتوبة واختلاف المجتمعات
- جامعة الأزهرمعامل لتفريخ الإرهابيين
- أليست الصراعات العربية/ العربية تؤكد أكذوبة (العروبة)؟
- هل التبشيربالدين يكون بالغزو وقوة السلاح؟
- كيف انتصرجيش محمد على قريش؟
- كيف يكون التوفيق بين حرية العقيدة والتكفير؟
- رد ثالث على الاسيد (متابع)
- المرأة فى ذهنية العبرانيين والعرب
- الأحرار قبل يوليو1952
- لماذا لم ينجح التنويرفى الشرق كما نجح فى الغرب؟
- ستار من الدخان اسمه (ليسوا مسلمين)
- كيف يكون الإبداع الشعرى مع القتل وطلب المستحيل؟
- تراجيديا الصراع العربى / العربى
- فائدة تحرر العقل من الثوابت
- هل دور المفتى تضليل قرائه ؟
- ماذا يختارالكهنوت اسلامى: الارتقاء أم المذهبية؟
- الشعوب القديمة وتشابه الأساطير


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - أساطير شعوب ما قبل التدوين