|
دعونا نفهم فكرة الإله(4)
حكمت حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 5751 - 2018 / 1 / 8 - 04:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تنويه بسيط قبل البدء بالموضوع: عندما أعدت نشر الجزء الثاني من سلسلة دعونا نفهم فكرة الإله، في موقع آخر، اتهمت بأمرين، الأول هو أني أنشر الالحاد أو أدعو للإلحاد، والثاني هو أني أناقض نفسي، لأني كتبت مسبقا أنه علينا التبشير والدعوة إلى العلمانية، وسأتجاوز فكرة أني أناقض نفسي فهي لا تهمني بقدر الأولى، أما بالنسبة لأني أدعو للإلحاد، فأؤكد من هذا المنبر بأني لا أدعو أبدا للإلحاد، وليس في نيتي كما أنه لا يهمني، والالتباس الذي يحصل هو أني عندما أكتب أفكارا كهذه، فهي تشمل أطيافا فكرية واسعة من ضمنها الالحاد، ولا أقصد نشر الإلحاد، وإنما أريد أن تنجلي الغشاوة عن البصائر. إلى الموضوع: تمت مناقشة عدة أفكار في الأجزاء السابقة من هذه السلسلة، وسنتطرق في هذا الجزء إلى نقطة هامة، ألا وهي العدل الإلهي، و الأحداث والمصائب التي تلقي بظلها على العديد من بلدان العالم. حين نتحدث عن الحياة في الكرة الأرضية، نعرف أن الأرض مقسمة مناخيا إلى عدة أقسام، فهناك المناطق الاستوائية، وشبه الاستوائية المدارية...هكذا وصولا إلى القطبين الشمالي والجنوبي...وكل يوم تطالعنا وسائل الاعلام بالعديد من الصور والتقارير التي تظهر لنا ما يدور في المناطق الجافة. إذ أننا نجد أناسا في حالة يرثى لها من الجوع والعطش والمعاناة واليأس، بينما تجد في القطبين أناسا تكاد تتجمد من البرد، ولا نري أثناء حصول عواصف ثلجية، كم إنسانا يختفي، وكم بيتا يتهدم. إذ أنني فضلت البدء بويلات الطبيعة، لأنها بعيدة عن التدخل البشري، ولا يمكن لأحد أن يتذرع بتدخل البشر في هذا الموضوع. لماذا نجد مناطق جافة تكاد تندثر فيها الحياة، و أخرى متجمدة غير قابلة للعيش، وبنفس الوقت نجد الجنان الخضراء في أماكن أخرى، والماء والأشجار والثمار وكل شيء؟ هل هناك سوء توزيع للموارد بين منطقة وأخرى؟ أم أن الإله قام بأقصى ما يستطيع فلم ينتج معه سوى هذا؟ أم أن كل المجاعات والنسبة العظمى من خليقته والتي هي تحت خط الفقر، موضوعة تحت الاختبار الإلهي أم ماذا؟ لماذا لم يخلق الإله هذا الكوكب بسوية واحدة، وهو القادر على كل شيء طبعا، بدل أن نحترق في مكان ونتجمد في آخر، ألم يكن باستطاعته جعل الوضع أفضل مما هو عليه الآن؟ فإن كان سوء توزيع للموارد او هذا أفضل الموجود لديه، فذلك يدل على قصور في قدرة الإله على خلق الأفضل، أما إذا كان الموضوع موجها وذي غاية، فليخبرونا ما هي الفائدة من موت الأطفال من الجفاف والجوع أو التجمد، ولماذا على مئات الملايين من الناس تحمل هذا الوضع المزري نتيجة عملية الخلق الإلهي، والتي شاءت الأقدار وجعلتهم يتواجدون حيث هم. بالمختصر لا يوجد عدل إلهي وفقا لما نراه، وإن كان أحد سيقول بأن العدل سيتم في الحياة الأخرى بعد الموت أو يوم القيامة، ستتم إجابته بشقين، أولا ما الذي يضمن لنا أن العدالة ستتحقق في النهاية، ربما يكون كل ما نعرفه ونسمع عنه زيفا وديماغوجيا فقط لا غير، ثانيا، على أي أساس سيتم تطبيق العدالة، هل على أساس الدين، المذهب، العبادة، العمل الصالح بغض النظر عن الدين، لا شيء مما سبق أم جميع ما سبق؟ بتجاهل التوزع المناخي على الكرة الأرضية، لدينا الزلازل، البراكين، الأعاصير...الخ، التي لا تعرف الهدوء والركون قبل أن تأخذ معها البشر والشجر والحجر، فهناك الكثير من الضحايا الأبرياء الذين يقضون جراء هذه الكوارث، ولست أدري حتى هذه اللحظة إن كانتا هذه الكوارث تنشأ بعلم الإله وقدرته وبموافقته الشخصية أم لا...وقبل أن نخوض بذلك لا بد لنا من طرح سؤال آخر: هل هذه التقلبات المناخية والبراكين والزلازل والأعاصير، أفعال تفيد البشرية أم تضرها؟ قد يبدو هذا السؤال غبيا، إلا أنه مهم جدا للمرحلة القادمة، وبجميع الأحوال، ومن خلال المشاهدة، وجد أن كل هذه الأمور ليست إلا وبالا على البشرية، ولم نستفد شيئا منها إلا في إنقاص عدد سكان الأرض، وهدم البيوت والمنازل وموت المواشي...الخ، و لم نسمع أو نلحظ بأن تلك الكوارث كانت ذات نتيجة إيجابية، وآخرها الزلازل الذي تسبب بموجات مد أدت لانفجار مفاعل فوكوشيما في اليابان سنة 2011. إذا بالمجمل لا فائدة ترجى من الكوارث الطبيعية...وبما أنها شرور، فلماذا افتعلها الإله؟ ولماذا لم يمنعها؟ وهنا سيقفز لأذهانكم وذهني معضلة أبيقور، التي تشكل نواة هذه المقالة، وما يأتي فيها هو عبارة عن شرح بالأمثلة المفيدة لها. إذا كان الإله هو الفاعل، فلا بد أن هذا الإله شرير، لأنه يقتلهم هكذا دون سبب، ولو كان هناك إنتربول إلهي، لكان الإله هو المطلوب الأول بسبب المجازر الجماعية التي ارتكبها بحق خلقه، وكي لا نظلمه، يمكننا القول بأنه تسبب بها، ولكنه غير قادر على ايقافها، وفي هذه الحالة سيكون الإله ناقص القدرة، وليس كلي القدرة كما يدعون، فإله لا يستطيع إيقاف أمر سخيف كهذا (مقارنة بقدرته طبعا)، لا يستحق أن يرقى إلى مرتبة إله. أيضا لدينا احتمال آخر، هو أن الإله بيده وضع حد للكوارث، لكنه لم يفعل، ولن يفعل، وهذا ما يعيدنا إلى النقطة الأولى، وهي أن الإله شرير بطبعه. لنكتفي بهذا القدر من الحديث عن الكوارث، وننتقل لموضوع آخر وهي الحروب والمجازر التي يتدخل فيها بنو البشر، أي أن البشر هم أحد أسبابها، فالحروب والمجازر ليس وليدة هذا العصر فقط، بل هي موجودة وقديمة قدم البشرية نفسها، وهي مستمرة حتى يومنا هذا، بداية من السبي البابلي، ووصولا إلى الحرب الفتاكة في اليمن والعراق وسوريا والعديد من المناطق الأخرى، والمهم هنا هو علاقة الإله بهذا الموضوع. تعودنا من المؤمنين استخدام قانون السببية في إثبات وجود الإله، وإذا استخدمنا المنطق ذاته في معرفة المسبب الأول للشر، سنصل إلى الإله نفسه، فكل من قاموا بالمجازر، من صنع الإله، هو الذي خلقهم، وأوجدهم على هذه الأرض، وكبروا وترعرعوا أمام ناظريه، وافتعلوا كل هذه الجرائم والمجازر، من هنا يمكننا القول بأن الإله بشكل أو بآخر هو المسؤول عن كل ما يجري، صحيح أنه لم يحمل سيفا ولا بندقية، ولم يوجه مدفعا أو صاروخا، لكن أولئك المجرمين لم يأتوا من كون آخر، و إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل ما يحدث معروف مسبقا بالنسبة له، وبتصميمه ومباركته، نكون أثبتنا بالدليل القاطع مسؤوليته عن كل ما يحدث. اعتمادا على ما سبق، وبدمج الكوارث الطبيعية مع الحروب البشرية، نجد أن الإله هو المتهم الأول، في ايجاد كل تلك الشرور وزرعها في كل زوايا الأرض، وهذا ما ناقشه الفيلسوف أبيقور في معضلته الشهيرة والتي يقول فيها: إذا كان الإله عادلا، و خيرا لا شر لديه، فلماذا توجد الشرور؟ وقد حاول أبيقور الإجابة على هذا السؤال ضمن أربع بنود هي: - يريد الإله منع الشر، لكنه غير قادر على ذلك، وفي هذه الحالة سيكون الإله غير كلي القدرة، أي أن إحدى أهم صفات الإله ستنتفي. - يستطيع الإله أن يمنع الشرور، لكنه غير راغب بفعل ذلك، وهنا سيكون الإله هو نواة الشر في العالم. - يستطيع الإله وضع حد للشر، ويريد فعل ذلك، إذا لماذا لا يفعلها، ومن أين تأتي الشرور إذا؟ - لا يستطيع الإله منع الشر، وهذا سيحيلنا إلى البند الأول وهو انتفاء صفة الألوهية. وقد حاول الكثيرون ايجاد حل لهذه المعضلة، كي يخرجوا الإله من هذا المأزق، كما حاول البعض تطويرها وتعديلها لسد الثغرات التي يرونها موجودة بداخلها، بينما الموضوع بالنسبة لي لا يحتاج كل هذا التعقيد، فبعد الاطلاع على مفردات الأديان، نجد أنها تنسب عملية الخلق للإله، وكل تفاصيل الحياة للإله، وبتخصيصنا للديانات الإبراهيمية، لن نجد مفرا من اتهام الإله، فهو من خلق، وهو من صمم حياتنا منذ ولادتنا إلى لحظة حسابنا، ومهما حوالنا اتهام البشر بالشرور والمصائب، لا مفر من وضع الإله ضمن قفص المتهمين. ولا ننسى أن أبيقور كان فيلسوفا يونانيا، والآلهة عند اليونانيين لم تكن معصومة بنفس القدر الذي تعصم الديانات الابراهيمية إلهها، وهنا ستأخذ الأمور منحى جديدا، فسواء كان الإله شريرا ومسببا للشر أم لم يكن، وإن أراد أن يمنع الشرور أم لم يرد، نحن أولى بحسابه وعقابه على أفعاله، لأنه هو الخالق، وهو المسؤول، وكم الضحايا والخسائر باق في ذمته وحده، هو من خلق المجرم والضحية، وخطط لهما لقائهما، ولو حاول كل المؤمنين إيجاد تبرير ومخرج له لما استطاعوا ذلك، فلا هو محب للخير، ولا هو عادل، لأن عدله مزيف وغير حقيقي، فلا ندري كم نسبة البشر من ضحايا شروره ستكافئ وتعوض في يوم الحساب، فربما يكون الكثيرون منهم غير مستحقين لرحمته وجنته، وبالتالي سيكون ألم حسابهم أقوى بآلاف المرات من ألم موتهم، وحتى المجرمون ومفتعلو المجازر، إن لم يعذبوا أو يحاسبوا أو دخل أحدهم الجنة، فستكون هذه ضربة قاصمة لعد الإله، وكل من يتشدق بعدله، أما إذا كان العقاب والعذاب في انتظارهم، فهو أيضا ضربة لعدل الإله وحكمته، لأنه خلق هذا المجرم ليكون أداة له في تنفيذ الجرائم المنصوص عليها بعلمه المطلق بالمستقبل، وعذب بواسطته الكثير من البشر، وفي النهاية سيعذب المجرم نفسه، وتلخص قصة حياة هذا المجرم بشقين، الأول حياته الأولى والتي كان نتيجتها تعذيب غيره وإلحاق الأذى أو الفتك بغيره، وحياته الأخرى التي سيعذب بها، ومهما بحثنا في هذين الشقين لن نجد آثارا للخير والعدل. وأخيرا ليس آخرا، إذا تجاهلنا كل ما سبق وذكر عن المجرمين والحروب البشرية... من ذا الي سيحاسب الاعاصير والزلازل عن ضحاياها والمشردين والمصابين بعجز بسببها، ومن ذا الذي سيحاسب البراكين على الجثث التي قامت بتفحيمها؟ سأترك لك –عزيزي المؤمن- إيجاد الجواب
#حكمت_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(9)
-
عشق كحبات الأمطار
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(8)
-
دعونا نفهم فكرة الإله(3)
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(7)
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(6)
-
دعونا نفهم فكرة الإله(2)
-
أسياد الحرية
-
دعونا نفهم فكرة الإله
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(5)
-
ميزان الأزمة السورية...ماذا ربح الشعب السوري، وماذا خسر
-
القريحة التي لا تجف
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(4)
-
الملحمة السورية (2)
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(3)
-
الملحمة السورية (1)
-
قراءة نقدية في كتاب المدارس الفكرية الاسلامية من الخوارج إلى
...
-
روزنامة أمل
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(2)
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(1)
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|