|
رأي آخر في الشهود الأربعة
سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي
الحوار المتمدن-العدد: 5750 - 2018 / 1 / 7 - 01:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال مشروع : ما دلالة حكم الشهود الأربعة لإقرار جريمة زنا؟..فالآن يمكنك بتصوير فيديو واحد إثبات هذه الجريمة في المحكمة وتستغني عن الشهود الأربعة، لأن الفيديو لا يكذب، إنما الشهود قد يكذبون؟
قلت: هذه الشهادة تليق أكثر بالمجتمعات البدائية، وفي نص السؤال روح الإجابة، بالفعل لا يختلف اثنان عن أن وسائل الاتصال الحديث والإثبات تطورت بحيث استغنت كليا عن الحاجة للشهود الأربعة، ولأن تلك الشهادة الرباعية وضعت (تعجيزا) عن إثبات جريمة زنا بأمر إلهي غير مباشر (بالستر) لأن ثبوت الجريمة لا يضر الفاعل فحسب بل أسرته أيضا كالزوج والأبناء.
سيقول قائل: ولكن الله يقول.."والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة "..[النور : 4]
قلت: هذا هو الفارق بين الشأن الاجتماعي (المتغير) والشأن الديني (الثابت)، فالعرب لم يكن لديهم وسائل إثبات غير الشهود، إنما الآن الوضع اختلف، تطورت أدلة الإثبات بالتسجيل والتصوير، فالقرآن نزل بشريعة العدل والعقل، ولو كذب الشهود الأربعة عقلا لا يكذب الفيديو، ولو كذب الفيديو بالفبركة فبالتقنية الحديثة يمكنك إثبات ذلك، في النهاية يصبح عندك دليل قاطع لا يحتاج للشهود الأربعة..
طب لماذا قال الله بالشهود الأربعة؟
قلت: للتعجيز بأنك مهما عملت لن تستطيع جمع هذا العدد ليرى الجريمة ثابتة، ويظهر ذلك من قوله تعالى.."الذين يرمون المحصنات"..تحقيرا وازدراء لمن يتساهلون في قذف الناس بالباطل، فهو لم يقل متهمات أو مذنبات، بل قال محصنات يعني نفيا وإنكارا لأقوال المدعين، يصدق ذلك قوله تعالى.."لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون"..[النور : 13] وهو تعجيز لمدعي حادثة الإفك عن الإتيان بأدلة صدقهم، وأمر إلهي كذلك بالكف عن الموضوع وستر الناس.
لكن هل يعني ذلك أن شرط الشهادة الرباعية واجب؟
قلت: ليس بواجب ولكنه (جائز) يعني لو لم يتوفر دليل الإثبات غير هؤلاء الأربعة فلا مانع من الأخذ به، ولكن كل ذلك بمحاكمة عادلة لا رجم فيها ولا تعذيب ولا أي شكل من القهر النفسي.
فالعقوبة الدنيوية شأن اجتماعي ينظم حياة الناس، وهي ليست وقفا لذاتها لأن لها مهمة أعظم وهي (الردع) فإذا تحقق الردع بوسائل أخرى آمنة وعادلة فلا مانع، فالحبس الآن والغرامة والتعزير..إلخ هي عقوبات دنيوية تطورت من عقوبات أقدم كالرجم والحرق والخازوق وتشويه الأعضاء والدفن أحياء...
فقط الدواعش والمقلدين هم من لديهم استعداد لدفع حياتهم ثمنا لعقوبة مثل هذه ، ويقولون هي حد محدود مقرر سلفا لا يمكن تجاوزه، لا ينظرون لمآلاتها والعواقب الناتجة عنها، فلو تقدم المسلمون وتحضروا بعد 1000 عام من الشريعة فأين ذلك الآن، ومنذ متى اكتشف المسلمون تخلفهم؟
سيقول قائل: ولكن من أعطى لك الحق لتقرير عقوبة زنا؟..الناس أحرار في أجسادهم؟
قلت: الزنا يضر بالأسرة والمجتمع ضررا كبيرا، فكرة الحرية المطلقة في الفعل والقول لا تليق سوى بالبهائم، ثم أنا لم أقل بعقوبة قديمة كالجلد والرجم، أقول لو ثبت ذلك فاللقانون حق التشريع بعقوبة مناسبة تضمن العدالة وحياة الإنسان وكرامته وفوق ذلك مصالح أسرته، ياأخي حتى في مجتمعات الغرب ما زالت بعض ولايات أمريكا تجرم الزنا بالحبس والغرامة، لكن في المجمل ثبوت الزنا حتى عند الأوروبيين مدعاة للطلاق، وهو تفسخ اجتماعي ضار بالأبناء والأزواج معا.
أما بعض المجتمعات التي تفسر الزنا بالخيانة الزوجية فقط وتعطي حق ممارسة الجنس قبل الزواج، أقول لو تناولناه من تلك الزاوية فهم يحسبوها بطريقة ليبرالية براجماتية، إذا لم يحدث فعلك ضررا بالآخرين فهو ليس بضرر ولا يستوجب عقوبة، وما دمت قد مارسته عن رضا فلا يوجد ذنب..
لكن وبنفس الطريقة.. فالعاهرة التي باعت جسدها بالمال تفعل نفس الشئ، إنها تمارسه عن رضا، وقد تكون متزوجة، فالليبرالية هنا تعطيها الحق في بيع جسدها، ورأيي أن هذا امتهان للمرأة باعتبار جسدها سلعة تباع وتشترى، فلماذا إذن لا توجد بيوت لعاهري الرجال، رجل يجلس في بيت تأتي إليه نساء يمارسن معه مقابل أجر..!...الفكرة نفسها سخيفة، وربطها بالحرية هو توسل بالقيم الأخلاقية لإشاعة الذكورة وخدمة مجتمع الرجال فحسب.
وأكرر لا يعني ذلك الرضا بعقوبات وحشية كالرجم والحرق والتشويه، لكن الزنا في كل الأديان محرم لكسره مبدأ الطاعة، فالرب يأمرك بكذا وأنت تقول لا سأفعل كذا وكذا، وعقلا فالحياة الجنسية للرجل بحاجة إلى ضبط اجتماعي يراعي سلامة الأسرة التي هي قوام المجتمع، وإلى ضبط طبي لعدم إشاعة الأمراض والفيروسات الناتجة عن الجنس الكثيف والغير آمن، وإلى ضبط أخلاقي أن لا يستسلم الإنسان لشهواته فيفعل ما يحلو له كالبوهيمي Bohemian كاسرا كل أعراف وتقاليد مجتمعه دون مبرر إيجابي يدفعه للإصلاح والتطوير.
مجمل القول: أن التشريعات متغيرة حسب الزمكان، فهي تتناول الإنسان من حيثية وجوده الجزئي، فإنسان ما قبل التاريخ مختلف عن إنسان الإنترنت..هذه بدهيات، وبالتالي شريعة ما قبل التاريخ لا تصلح لعصر الإنترنت..أقول شريعة..كي لا يقول أحد دين، فالفرق واضح عندي بين الشريعة والدين، الأول واحد منذ آدم والإنسان العاقل، أما الثانية فمتغيرة..لكن يجمعها بالدين مبدأ (الوحدة) مصداقا لقوله تعالى.." شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"..[الشورى : 13]
فالسلام والعدل والوحدة غايات دينية كبرى تستقيم مع وسائله كالحرية والمساواة والعقل، فلا مجتمع متدين بدون سلام، سيضيع لصالح مجرمي الحرب، ولا مجتمع متدين بدون عدل، لأن الظلم يدمر الإنسان ..كذلك لا مجتمع متدين بدون وحدة، لأن الافتراق يعني الزهو والدونية والغرور والتكبّر..وكلها مشاعر وسلوكيات هدامة تقضي على الإنسان نفسيا وتدفعه للانحراف
#سامح_عسكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرص الإصلاح في إيران
-
الوضع الميداني في إيران على ضوء المظاهرات
-
جواز السرقة في الفقه السني..!
-
نقض أكذوبة عدم تحلل أجسام الأنبياء علميا
-
من وحي فرج فودة..قرارات بن سلمان
-
التابو في بلداننا المنكوبة
-
القدس لأهلها ياترامب
-
أنصار صالح ومصير حزب البعث العراقي
-
د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية (2)
-
د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية
-
ابن تيمية يبيح قتل المُصلّين في مسجد الروضة
-
قوى التواصل وقوى السيطرة
-
الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية بمصر
-
كيف يكون الاقتصاد قويا؟
-
رؤية موضوعية لحزب الله
-
هل الإصلاح ممكن في العالم الإسلامي؟
-
عشرة أسباب لشيوع الفقر في مصر
-
المادية الجدلية
-
كشف حساب للوزير الخرافي حلمي النمنم
-
نظرات في الرقص
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|